الإعلام ذراع السيسي في الترويج للتطبيع... وبرلمانيون على الخط

08 يناير 2018
من اعتصام الصحافيين أمام نقابتهم الشهر الماضي(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يمثل كشف صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن تسجيلات أجراها لواء الاستخبارات المصري، أشرف الخولي، مع بعض الإعلاميين، للترويج بأن "الصراع مع إسرائيل لا يصب في مصلحة مصر الوطنية"، وضرورة القبول بمدينة رام الله عاصمةً لفلسطين، بدلاً من القدس، إلا حلقةً في سلسلةٍ طويلة من مسلسل التطبيع المصري، منذ انقلاب الجيش في الثالث من يوليو/ تموز 2013. 

والسبت، كشفت "نيويورك تايمز"، في تقريرها، عن تسجيلات تظهر موافقة ضمنية لنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الشهر الماضي، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

وأتى ذلك على لسان ضابط استخبارات مصري، يدعى أشرف الخولي، خلال مكالمات مع عدد من مقدّمي البرامج الحواريّة المعروفة في مصر.

وأبلغ الضابط المذيعين ومقدّمي البرامج، حرفياً، أنّ مصر "شأنها في ذلك شأن جميع إخوتها العرب، ستستنكر هذا القرار علناً"، قبل أن يستدرك "إن الصراع مع إسرائيل ليس من مصلحة مصر القومية".

وكشفت الصحيفة أن الخولي توجه للإعلاميين بالقول إنه "بدلاً من إدانة القرار، يتعيّن عليهم إقناع المشاهدين بقبوله"، مشيراً إلى أنه يتعيّن على الفلسطينيين القبول برام الله بدلاً من القدس، وأن "يحتووا أنفسهم في هذه المدينة الكئيبة التي تضمّ اليوم السلطة الفلسطينية"، وفق ما نقلت "نيويورك تايمز".


تسريبات مكمّلين
أذاعت قناة "مكملين" الفضائية، مساء الأحد، مجموعة من التسريبات المسجلة لضابط في جهاز الاستخبارات المصرية، مع عدد من الإعلاميين، من بينهم البرلماني سعيد حساسين، والممثلة يسرا، بهدف توجيههم نحو مخاطبة الرأي العام بشأن القبول برام الله عاصمة لفلسطين بدلاً من القدس، وممارسة التحريض ضد قطر، وحركة المقاومة الفلسطينية حماس.

كما أذاعت تسريباً مسجلاً للضابط الخولي، مع المذيع بقناة "العاصمة" الفضائية، عزمي مجاهد، دعاه فيه إلى مخاطبة الرأي العام عن أهمية إخلاء منطقة سيناء بالكامل من المدنيين، بدعوى تفرغ قوات الجيش في مواجهة المسلحين، ووجود خونة بين أهالي سيناء.


برلمانيون
أعضاء البرلمان المصري، المختارون بعناية من قبل أجهزة الاستخبارات، لطالما اتخذوا مواقف مُعلنة تجاه التطبيع مع إسرائيل، بالتزامن مع مساعي الرئيس عبد الفتاح السيسي نحو عسكرة أغلب وسائل الإعلام، وضخّ المليارات من أموال المصريين للاستحواذ عليها، في وقت تعاني فيه بلاده من أزمة اقتصادية خانقة، بهدف تبني موقف نظامه من "السلام الدافئ" مع الكيان الصهيوني.
ودأب رؤساء لجان ونواب في البرلمان على مهاجمة فصائل المقاومة الفلسطينية، في وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، وعلى الترحيب بالزيارة الرسمية الأولى لوزير الخارجية المصري إلى القدس المحتلة منذ العام 2007، والتي التقى فيها سامح شكري برئيس الوزراء اﻹسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في يوليو/ تموز 2016، في خطوة تظهر النهج التطبيعي لحكومة السيسي مع الكيان الصهيوني.
وصرح رئيس لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب، سعد الجمال، حينها، قائلاً إن "زيارة شكري إلى القدس المحتلة ما هي إلا تفعيل لنداء السيسي بشأن إحياء عملية السلام، بناءً على حل الدولتين"، متهماً بعض فصائل المقاومة بـ"الانحراف عن أهدافها، واستخدامها العنف كأداة لتمزيق الأوطان"، بعد أن ظهرت من أجل تحرير الأرض المحتلة.
وعقب لقائه مع مستشار الشؤون السياسية بالسفارة الأميركية لدى القاهرة، إيريك جوديوس، في مايو/ أيار 2016، قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، كمال عامر، إن مجلس النواب ليس لديه أي محاذير بشأن لقاء أي مسؤول أجنبي، حتى وإن كان من إسرائيل، طالما أن الزيارات في إطار المصالح المشتركة، وتتماشى مع مقتضيات الأمن القومي المصري.
وقال عامر الذي شغل منصب مدير جهاز الاستخبارات الحربية قبل السيسي، إن مصر تربطها اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ العام 1978، وإن "الفترة الأخيرة تشهد حالة من بناء الثقة بين البلدين، لأن ما يحكم علاقات الدول هو المصلحة"، مدافعاً عن حق إسرائيل في الخروج من عزلتها، بوصفها "دولة مؤثرة في المنطقة"، حسب تعبيره.



تصريحات صادمة
في مقال منشور للنائب عماد جاد بصحيفة "الوطن" في سبتمبر/ أيلول الماضي، تحت عنوان "لقاءات الرئيس في نيويورك"، كتب قائلاً: "علينا أن نضع المصلحة الوطنية المصرية في المقدمة، وأن نتحلى بالموضوعية، ونعترف بأن إسرائيل لعبت دوراً مهماً في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013".
وكان جاد قد قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنه "لا مجال للحديث عن التطبيع في الوقت الراهن، وخطر الإرهاب يحيط بمصر من كل جانب"، معتبراً أن "العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر حالياً بأفضل حالاتها، في ضوء التعاون بين البلدين في مجالات مثل التبادل الأمني، واستيراد الغاز، والبذور الزراعية".
وتعد عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، داليا يوسف، أحد أبرز المجاهرين بمسألة التطبيع، وضرورة قيام تحالف بين إسرائيل ومصر والإمارات برعاية أميركية، وفق تصريحاتها في الإعلام، إذ قالت في إبريل/ نيسان 2017 بلقاء تلفزيوني على فضائية "دي أم سي"، المملوكة لشركة تابعة للاستخبارات العامة "إن رسول الله عيسى كان يعيش في دولة إسرائيل".
وروت يوسف: "كنت في الولايات المتحدة، والتقيت أحد الباحثين، الذي قال لي إن هناك شعبين فقط في الشرق الأوسط حاضرين في أذهان الأميركيين، هما الشعب المصري والإسرائيلي، لأنهما مذكوران في الإنجيل"، ما دفع المذيع أسامة كمال، لمقاطعتها مستنكراً المعلومة المغلوطة، غير أنها تابعت: "المسيح كان في إسرائيل، ولم يكن في فلسطين".




تطبيع رياضي
إلى ذلك، قال الإعلامي عزمي مجاهد الذي ورد اسمه في تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأخير، إن "بلاده مستعدة لممارسة الرياضة في تل أبيب، ولعب مباريات لكرة القدم بها"، دفاعاً على تورط رئيس نادي الزمالك، البرلماني مرتضى منصور، الذي تورط في دفع 300 ألف دولار عمولة لأحد الوكلاء الإسرائيليين بصفقة انتقال اللاعب الزامبي، إيمانويل مايوكا، إلى ناديه.
مواقف البرلمان التطبيعية لا تتسق مع قراره الخاص بإسقاط عضوية الإعلامي توفيق عكاشة في مارس/ آذار 2016، بدعوى استقباله للسفير الإسرائيلي في القاهرة بمنزله، في حين أن السبب الحقيقي يعود إلى هجوم الأخير على السيسي، ومدير مكتبه، اللواء عباس كامل، الذي أدار مشهد إسقاطه، ليس من البرلمان فحسب، وإنما من الحياة السياسية بشكل عام.

تحريض السيسي
في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ظهر تسريب للروائي يوسف زيدان مع أحد الصحافيين، قال فيه إن السيسي طالبه في لقاء مع المثقفين بـ"تغيير الوعي المجتمعي الإسلامي"، والحديث في الإعلام عن أن لليهود حقاً تاريخياً في القدس كما للمسلمين، وترسيخ فكرة التعايش السلمي معهم، في محاولة لفك ارتباط وعي المصريين بالقضية الفلسطينية.
ويظهر زيدان بين حين لآخر على قنوات النظام، وبشكل خاص مع الإعلامي عمرو أديب، ليروج مجموعة من الأكاذيب على أنها حقائق، من بينها أن "القدس أصلها عبراني"، وأن "المسجد الأقصى ليس هو القائم في فلسطين الآن، أو أن يكون إحدى القبلتين"، وأنه "لا أصل لعروج الرسول (ص) إلى السماء"، مدعياً أنها قصة روجها القصاصون في القرون الأولى.

تسريب كامل
في مطلع العام 2015، بثت قناة "مكملين" الفضائية تسريباً لحوار بين مدير مكتب الرئيس عباس كامل، والمتحدث العسكري السابق، أحمد علي، الذي عينه السيسي ملحقاً عسكرياً في إحدى السفارات المصرية بأفريقيا، في ضوء ما تردد عن علاقاته النسائية، وبشكل خاص مع المذيعة إيمان عز الدين، وطلب فيه كامل الإيعاز لدى الإعلاميين بأن هناك حملة تستهدف السيسي.
وطلب كامل من علي أن يكتب الأفكار المطلوبة من الإعلاميين، بهدف ترويجها على المشاهدين، ومن بين أن البناية السكنية التي تردد أن السيسي يشغلها، ليست سوى سكن إداري للجيش، وترديد الإعلاميين عبارات عبر برامجهم، منها: "إحنا ليه بنعمل في رموزنا كده؟"، و"فيه حملة بتستهدف السيسي.. يرضيك كده يا شعب مصر!".
وورد في التسريب أسماء مجموعة من الإعلاميين، والقنوات التي تعمل لحساب السيسي، قبل توليه منصب رئيس البلاد رسمياً، على لسان عباس كامل، وفي مقدمتها قنوات "أون تي في" و"صدى البلد" و"القاهرة والناس"، والمذيعون أحمد موسى، ووائل الأبراشي، وإبراهيم عيسى، ورولا خرسا، وعزة مصطفى، ومحمود سعد، ونائلة عمارة.



بناء الأذرع
في تسريب آخر نُشر على شبكة الإنترنت في بداية العام 2014، تحدث السيسي مخاطباً مجموعة من الضباط، عن أهمية تأسيس "أذرع إعلامية" من أجل الترويج لدور الجيش، في أعقاب انقلابه على الرئيس محمد مرسي، مشيراً إلى "احتواء الإعلاميين من خلال أذرع، يحتاج بناؤها إلى بعض الوقت، لحين امتلاك حصة مناسبة في التأثير الإعلامي".
وأضاف السيسي "الجيش مهموم بمسألة الإعلام والإعلاميين من أول يوم أتى فيه المجلس العسكري.. ما نحتاجه لم نصل إليه بعد، ونعمل على تحقيق نتائج أفضل"، متابعاً "هناك برلمان قادم، ومن الممكن أن يقدم استجوابات، فماذا سنفعل معهم.. عشان كده لازم نكون كتلة واحدة، ولازم نكون متفاهمين".
وفي سابقة نيابية، لم يناقش البرلمان الحالي أي استجواب ضد وزارء حكومة السيسي على مدار عامين كاملين، رغم تقدم النواب بالعديد من الاستجوابات بحق وزراء مثل التعليم، والصحة، والزراعة، والتموين، غير أنها عُطلت جميعها من قبل رئيس مجلس النواب، بالمخالفة للدستور، الذي أوجب مناقشة الاستجواب خلال 60 يوماً بحد أقصى من تاريخ تقديمه.

شبكة إعلامية
وبات معلوماً بالضرورة لدى العاملين في المجال الصحافي (الإعلامي) بمصر، ما إذا كانت تلك الصحيفة، أو القناة الفضائية، محسوبة على جهاز الاستخبارات العامة، أو جهاز الاستخبارات الحربية، فمن المعروف أن صحيفة "اليوم السابع" هي لسان حال الأخيرة، في حين يقابلها صحيفة "الوطن" كمتحدثة للأولى.
وانطلقت مجموعة قنوات "دي إم سي" الفضائية، في يناير/ كانون الثاني 2017، بتمويل من ضابط الاستخبارات العامة، ياسر سليم، وملكية مُعلنة لزميله في الاستخبارات، طارق إسماعيل، الذي يدير محطة راديو (9090)، والموقع الإلكتروني "مبتدا"، عبر شركته (دي ميديا)، ويعد أشهر مذيعيها، أسامة كمال، أحد أقرب الإعلاميين للسيسي.
فيما أتمت شركة "فالكون غروب"، التي يُديرها الوكيل السابق لجهاز الاستخبارات الحربية، اللواء شريف خالد، صفقة شراء شبكة تلفزيون "الحياة"، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بقيمة إجمالية بلغت ملياراً، و400 مليون جنيه، تسلمها مالكها، رجل الأعمال السيد البدوي، من المتحدث السابق للجيش، محمد سمير.
وفي يوليو/ تموز 2017، أطلقت مجموعة فالكون للخدمات الأمنية شركة تحت اسم "تواصل"، لإتمام صفقة البيع لصالحها، بعد أن أطلقت الشركة الأم إذاعة (دي آر إن)، ومنحت إدارتها لشركة "هوم ميديا"، التابعة للاستخبارات، التي أشترت من قبلها شبكة تلفزيون "العاصمة" من البرلماني سعيد حساسين، الذي ورد اسمه في تقرير الصحيفة الأميركية.
وأخيراً، ظهرت، بشكل مفاجئ، شركة "إيغل كابيتال" الإعلامية، في ديسمبر/ كانون الأول الفائت، لتُعلن استحواذها على شركة "إعلام المصريين"، التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المقرب من النظام، أحمد أبو هشيمة، لتمتلك الشركة الجديدة شبكة قنوات "أون"، وصحيفتي "اليوم السابع"، و"صوت الأمة"، فضلاً عن شركة "بي أو دي" للدعاية.




المساهمون