طرحت حكومات الدول الأربع التي ترتكب حصاراً على دولة قطر منذ الخامس من يونيو/ حزيران الحالي ثلاثة عشر مطلباً، قالت إن على الحكومة القطرية تنفيذها خلال عشرة أيام، تضمّنت إغلاق منابر إعلامية، منها صحيفة وموقع "العربي الجديد". وإننا، إذ نستهجن هذا التعدّي السافر على مبدأ حرية الإعلام، وهذا التجاوز البالغ المتضمن في هذه الممارسة غير المسبوقة في علاقات الدول ببعضها، نرفض في "العربي الجديد" هذا التطاول الذي عمدت إليه حكومات الإمارات والسعودية والبحرين ومصر على حقنا في مزاولتنا مهنة الإعلام، بحريةٍ تضمنها لنا مواثيقُ ومعاهداتٌ وقوانين دولية، ونؤكد، في الوقت نفسه، أن زجّنا، ومنابر إعلامية زميلة، في خلافٍ سياسي، إنما يتصل بضيق الحكومات الأربع بحرية الرأي والتعبير، ومواصلتها خنق مساحات هذه الحرية، الأمر الذي عرّض "العربي الجديد" وهي صحيفة مهنية موضوعية في نهجها إلى الحجب والحظر في بلدان هذه الحكومات، والذي يتبدى الآن أنه غير كافٍ بالنسبة لها، فتظنّ أن إشهار مطلب إغلاق الموقع ووقف الصحيفة سيُسكتنا، ويُرهبنا، فيما الأدعى أن تعرف دول الحصار أن التزامنا أمام جمهورنا، ووفاءنا له، هما ما يحكمان عملنا، ولا شيء غيرهما.
ومع الانتهاك الصارخ الذي تُعلنه حكومات الحصار للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادق عليه من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مطلب هذه الحكومات المذكور، والذي يشتمل أيضاً على خرق فاضح للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد من الأمم المتحدة، عدا عن اتفاقيات دولية، حقوقية وثقافية، صادقت عليها بعض دول الحصار نفسها، فإن "العربي الجديد" تأمل من المجتمع الحقوقي، العربي والدولي، الردّ على حكومات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر، وإعلامها جميعها، بالوسائل كلها، بأنه ليس من حق أيّ منها إطلاقاً هذا السلوك المستهجن والمستنكر ضد "العربي الجديد"، وكذا الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية الزميلة التي تطالب هذه الدولة بسرعة إيقاف عملها، بلغةٍ تتضمن وعيداً وإنذاراً. وإذ نثمّن بتقدير كبير رفض منظمات ومؤسسات حقوقية، وناشطة في مجال الإعلام، التجرؤ الذي بدا في ما طالبت به هذه الدول بشأن وسائل إعلام عربية، بزعم أن دولة قطر تدعمها، فإننا على ثقةٍ بأن هذه المنظمات والمؤسسات لن تتوقف في عملها من أجل حماية حريات التعبير التي تتعرّض لمختلف صنوف التضييق في العالم العربي، وخصوصاً من دول الحصار على قطر.
ومعلومٌ لدينا، ولدى غيرنا، أن بعض حكومات الدول الأربع تُصدر وتموّل منابر إعلامية، تلفزاتٍ وصحفاً ومواقع إلكترونية، في بلدها وفي أوروبا وفي غير دولة عربية، ولا تكفّ هذه المنابر عن إشاعة خطاب الكراهية، والمنحط غالباً، من دون احترامٍ لأبسط أخلاقيات المهنة الإعلامية، غير أننا في "العربي الجديد" لم نسقط في إشهار مطلب إسكات هذه المنابر، ولم ندعُ الحكومة المعنية إلى تدخلٍ يوقف الكذب والتدليس اليومي والتشهير والتحريض الشخصي الذي واظبت عليه هذه المنابر المعلومة، لأننا لا نشغل أنفسنا بأمرٍ كهذا، وقناعةً منا بأن الجمهور العربي على وعيٍ كافٍ بما يحترم عقول أفراده، وبأنه قادرٌ على رمي كل ابتذالٍ بعيداً عنه، وبأنه معنيٌّ بما ينشغل بتطلعاته وأشواقه إلى الحرية وإلى الثقافة النقدية، وإلى تطوير ملكاته في التفكير والاجتهاد والتحليل، في شؤون الاجتماع والسياسة. إيماناً منا بأن الأخلاق في ممارسة الإعلام وحدها هي الوسيلة الأنجع والأنجح لتحقيق التأثير الذي ينشده أي منبر إعلامي. وليس اعتداداً بالذات فقط، ما يجعلنا في "العربي الجديد" نلحّ على أننا لم نخرج يوماً عن هذه الحقيقة، وإنما أيضاً ما حازه منبرنا، منذ إطلاقه في مارس/ آذار 2014، من حضورٍ محترم في الفضاء الإعلامي العربي، وبنظافةٍ مهنيةٍ مؤكدة، لا يعرفها إعلامٌ كثيرٌ في الدول التي تحاصر قطر، عوينت ممارسته الساقطة في غضون الأزمة الحادثة في الخليج.
نتمسّك بأخلاقنا المهنية أولاً، وبانحيازنا إلى قارئنا وجمهورنا، ولا نكترث بأي غبارٍ تتوسله حكومات دول الحصار، لتخويفنا، عندما تعمد إلى وضعنا في قائمة شروطها على دولة قطر، لمنعنا من قول ما نعتنقه من قيم الحرية والعدالة والتنوير، ومن إيمانٍ بأن آمال الشعوب العربية بالحرية والديمقراطية تستحق أن تُحمى دائماً، ونظننا في "العربي الجديد" في طليعة من يقوم بهذا الدور، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا العربية.