حجاب ميلانيا ترامب والانبهار بالبطولة الزائفة

23 مايو 2017
ميلانيا ترامب في الرياض (غيسيب كاكاس/فرانس برس)
+ الخط -
سيقال الكثير عن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية. من الاقتصاد إلى الأمن والسياسة، الأيام المقبلة ستكون مفتوحة على كل التحليلات. لكن بعيداً عما سيقال، لنركّز قليلاً في ما قيل. في ما قيل تحديداً عن السيدة الأولى ميلانيا ترامب و"الابنة الأولى" إيفانكا ترامب.

بالتوازي مع مهرجان استقبال ترامب في السعودية، كان هناك مهرجان عربي وعالمي آخر، حول "وصول ميلانيا ترامب إلى الرياض من دون ارتداء الحجاب". كل الصحف الأميركية والبريطانية تقريباً قرّرت الاحتفاء بهذا الحدث الجلل وتحديداً بـ"احترام ميلانيا للتقاليد والثقافة الأميركية". مواقع التابلويد العالمية قرّرت الذهاب أبعد من ذلك فعنونت "مترو" البريطانية مثلاً أن "ميلانيا ترامب ترفض ارتداء الحجاب في السعودية"، بينما انتشرت صورة ميلانيا بزيها الأسود الأنيق الذي ارتدته لدى وصولها، على مواقع التواصل الاجتماعي مع تغريدات حول بطولة السيدة الأولى بشعرها الأشقر الجميل، الواضح والظاهر تحت شمس الرياض.

كان بالفعل يمكن لميلانيا ترامب أن تكون بطلة حقيقية، لو أنها سيدة سعودية قرّرت أن تظهر في مكان عام من دون حجابها، وهو ما يمكن أن يعرّضها للاعتقال بسرعة في ظل قوانين لا تزال تحاصر النساء السعوديات أو المقيمات في السعودية. لكن من سوء حظّ المهللين أن السعودية أصلاً لا تفرض ارتداء الحجاب على أي من ضيفاتها الأجنبيات الرسميات. فمنذ منتصف الثمانينيات (نعم، منذ أكثر من 30 سنة) وضيفات السعودية يأتين إليها سافرات: من الأميرة ديانا إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والملكة إليزابيث، وتيريزا ماي، وميشال أوباما. ومن سوء الحظّ الإضافي أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان قد استبق الزيارة بالتأكيد أن المملكة لن تفرض غطاء الرأس على أي فرد من أفراد الوفد الأميركي.
رغم كل هذه الوقائع بقي إصرار الإعلام والمغردين والناشطين على التركيز على هذه النقطة. حتى أن قناة "سي إن إن" الأميركية أبقت الخبر على صفحتها الرئيسية على الموقع لساعات "ميلانيا وإيفانكا ترامب في السعودية من دون غطاء للرأس".

تبدو المقاربة الساذجة للإعلام الغربي مستفزّة، تماماً كما كانت مقاربة بعض الإعلام العربي المحتفي "بأناقة وحشمة ميلانيا ترامب". النظرة العربية المنبهرة بالغرب الأميركي، لم تكن موفّقة هذه المرّة. تحديداً أنها جاءت في عهد أكثر الرؤساء الأميركيين الذكوريين، الذي تباهى بشكل علني بتحرّشه بالنساء، والذي لا يتوقّف حتى اليوم عن تغريداته المسيئة للنساء المعارضات له من سياسيات إلى إعلاميات وممثلات، والذي يحاول قطع التمويل عن جمعيات نسائية عدة.

طبعاً لا تبدو مقاربة الذكورية الأميركية والعربية متكافئة، بل هي أقرب إلى ضرب من الجنون، إذ لا تزال السعودية تحديداً تفرض قيوداً لا تعدّ ولا تحصى على الحقوق البديهية للنساء مثل حق السفر، حق التنقل بحرية، حق اللباس وحقوق كثيرة أخرى... لكنّ الاستشراق في مقاربة ملفّ النساء، بدوره، يبعث على الجنون. فبعيداً عن كل الكليشيهات المعممة منذ الحرب العالمية الثانية، بدأت أصوات نسائية تحديداً منذ اليوم العالمي للمرأة قبل شهرين، تخرج في الولايات المتحدة. أصوات وأرقام تكشف عن أن الانبهار بالولايات المتحدة، ليس بالضرورة مبرراً: وفق أرقام التحالف الوطني لمحاربة العنف الأسري في أميركا، فإنّ ثلاث نساء يمتن يومياً في الولايات المتحدة نتيجة العنف. 4 ملايين و700 ألف سيدة يختبرن سنوياً العنف من قبل شريكهن في الحياة. سيدة واحدة يتمّ ضربها كل تسع ثوان في الولايات المتحدة، سيدة من أصل 5 تعرّضت للاغتصاب أو التحرش في حياتها. يحصل كل ذلك في وقت لا تتمتّع فيه بعض الولايات بقوانين تتمكّن النساء من الاحتماء بمظلّتها للهروب من العنف.

القضية ليست إذاً مقارنة أميركية ــ سعودية. ليست فوقية غربية، وليست انبهاراً بقيم، لا تتجرأ النساء العربيات أصلاً على التفوّه بها، هي قضية حقوق النساء، كل النساء، بعيداً عن حشمة ميلانيا ترامب، وشعرها الأشقر، وبعيداً عن الكبت الجنسي المرعب الذي تفجّر تعليقات على مواقع التواصل عند الحديث عن إيفانكا ترامب، وصولاً إلى فيديو تافه لسعودي يطلب يد الابنة الشقراء.

تحتاج النساء السعوديات إلى أكثر من زيارة ميلانيا وإيفانكا إلى جمعياتهنّ، والتقاط الصور التذكارية، وتحتاج النساء العربيات إلى قوانين تجعلهن مواطنات كاملات الحقوق والواجبات، كما تحتاج النساء الأميركيات وفي كل دول العالم، إلى رؤساء وقوانين أقل ذكورية يمكن العيش فيه. لكن بينما يستمرّ تساقط ضحايا العنف ضد النساء، ستبقى الصحافة مشغولة بحجاب ميلانيا الذي لم يفرضه عليها أحد من الأساس.


المساهمون