دونالد ترامب... أبهى عصور الفاشيّة

09 ديسمبر 2015
يستمرّ بفاشيته (Getty)
+ الخط -
يُمكن القول إنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تعيش "أبهى عصور الإسلاموفوبيا". أكبر حملة على المسلمين، تعيشها "بلاد الديمقراطيّة" اليوم، بقيادة المرشح للرئاسة الأميركية، والطامح للحصول على موافقة الحزب الجمهوري، الملياردير دونالد ترامب.

وفي أحدث حلقات مسلسل العنصريّة الذي كثّفه ترامب منذ إعلانه الترشح، دعا الأخير ليل الاثنين - الثلاثاء إلى "وقف تام وكامل لدخول المسلمين الى الولايات المتحدة حتى يفهم نوابنا ما جرى". وجاء هذا البيان، الذي أصدرته حملة ترامب الرئاسية بعنوان "بيان دونالد ترامب لمنع الهجرة الإسلامية"، ونُشر على "تويتر"، وقرأه ترامب لجماهيره، كأكبر هجوم مباشر منه ضدّ المسلمين.

ترامب، كان ألمح لهذا الموضوع سابقاً في مقابلة له مع موقع "ياهو"، حين سأله المحاور إن كان مع "إصدار بطاقات تعريفيّة ID مميّزة للمسلمين في الولايات المتحدة". حينها، أجاب ترامب "سيكون علينا فعل كل ما نستطيع. سيكون علينا القيام بأمور لم نفعلها من قبل". وبعد الحملة التي شُنّت ضدّ عنصريّته، قال ترامب "لم أطرح الموضوع، المحاور سألني".

اقرأ أيضاً: أسوأ 15 تصريحاً لدونالد ترامب

المجاهرة بالكراهية والعنصريّة، شبّهتها صحف أمس بعهود النازية والعنصرية ضد ذوي البشرة السوداء. فبينما كان ترامب على الصفحات الأولى لأغلب الصحف، خرجت صحيفة "فيلاديلفيا دايلي نيوز" والتي عنونت "الفوهرر الجديد"، في إشارة إلى ما كان الزعيم النازي أدولف هتلر يُلقّب به في السابق. وخصّصت صحيفة "هافينغتون بوست" الصفحة الرئيسيّة لترامب والحديث عن الموضوع. فعنونت "ترامب وقد فاض فاشيّةً". وفي مقال لها، كتبت رئيسة التحرير آريانا هافينغتون "رسالة إلى ترامب، الموضوع لم يعد مسلياً"، وأعلنت أنّ الصحيفة التي كانت تُغطي أخبار ترامب في صفحة المنوعات والترفيه، لن تقوم بذلك بعد اليوم، بل ستُغطي حملته ضمن أخبار السياسة الأميركية، لأن ما يقوله لا يمرّ مرور الكرام، بل له تأثيرات كبيرة وخطيرة.

لكنّ لتصريحات ترامب أبعادا أخرى غير كسب الأصوات الانتخابيّة، لا بل أخطر من ذلك بكثير. فترامب، يُساهم بشكل غير مباشر بتغذية حجج تنظيم "داعش" والبروباغندا الخاصّة به عبر رفع مستويات كراهية المسلمين ومساواة كلمة "مسلم" بكلمة "إرهابي". ففي تغريدة على حسابه على "تويتر"، اعتبر المراسل لصحيفة "أتلانتيك"، جيفري غولدبيرغ أنّ المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب أصبح خطراً على الأمن القومي الأميركي. وعلّل غولدبيرغ ذلك بأنّ ترامب، بتصريحاته العنصريّة، يُعطي الجهاديين سبباً لشنّ حملاتهم ضدّ الولايات المتحدة.

وفي مقال له في صحيفة "واشنطن بوست"، كتب آدم تايلور، أنّ "داعش تُريد الغرب أن يكره اللاجئين. فإن استقبلت الدول الغربيّة اللاجئين، ورحّبت بهم، سينزع ذلك جزءاً كبيراً من البروباغندا الخاصة بالتنظيم في هذا الخصوص. لذا، فإنّ "داعش" يريد للغرب أن يساوي اللاجئين بالإرهابيين. وفي المقابل، يريد "داعش" للاجئين أن يساووا بين الغرب والمتحيّزين ضدّ الإسلام والغرباء".

من جهة أخرى، قال الصحافي نيكولا هينان، والذي كان مخطوفاً لدى تنظيم "داعش"، إنّ "آخر ما يريد التنظيم رؤيته هو الانسجام والتآلف والمحبة مع اللاجئين والمسلمين". وفي مقال رأي كتبه نشره في صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانيّة، قال هينان إنّ "داعش يريد أن يرانا نلوم اللاجئين على الأعمال الإرهابية في قراءة ما بعد اعتداءات باريس، فهذا سيُعزز من البروباغندا التي يستخدمها لإيجاد مؤيدين له. فعلى سبيل المثال، كانت الصور من ألمانيا المرحبّة باللاجئين جزءاً ممّا أغضب التنظيم. فهذا هو آخر ما يريد أن يراه".

اقرأ أيضاً: أطرف 5 ردود على اتهام المسلمين بالإرهاب

والحقيقة أنّ الإعلام الأميركي يعيش منذ اعتداءات باريس في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وحتى جريمة سان برناندينو في كاليفورنيا في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أزمة تتمثّل في تناقض بعض المؤسسات الإعلامية في ما تبثّه من برنامج الى آخر ومذيع الى آخر. لكنّ الأكيد، أنّ معدلات الإسلاموفوبيا في الإعلام الأميركي هي الأعلى منذ هجمات سبتمبر 11.

لكنّ "بزوغ فجر ترامب" لم يكُن بسبب تصريحاته التي اعتُبرت في البداية "مثيرةً للجدل" فقط. فقد أعطى الإعلام الأميركي خصوصاً اهتماماً واسعاً لترامب. إن كان لجهة القنوات التي استقبلت ترامب وأثنت على تصريحاته، أو دعمت مواقفه، وهنا تبرز بشكل تلقائي قناة "فوكس نيوز"، والتي لم تألُ جهداً للتحريض ضدّ كل من تعتبرهم "غرباء"، من ذوي البشرة السوداء، إلى المسلمين واللاجئين، والديمقراطيين... أي ببساطة كُلّ من ليس جمهورياً من ذوي البشرة البيضاء.

ولعلّ آخر فصول ما يحدث على "فوكس نيوز"، ما بثّته القاضية جانين بيرو، وهي متحدرة من أصول لبنانيّة، حيث قالت إنّ على الولايات المتحدة إقفال حدودها وعدم استقبال اللاجئين لمواجهة ما أسمته "الإرهاب الإسلامي"، ودعت المواطنين الأميركيين إلى اقتناء الأسلحة والتدرب على استعمالها "لحماية أنفسهم من الإرهاب".

لكنّ "فوكس نيوز" لم تكُن وحيدة، إذ أظهرت دراستان أولى لموقع "ميديا ماترز" والثانية لـ"تيندال" أنّ قنوات MSNBC، و"فوكس نيوز" و"سي إن إن" وABC وCBS أفردت مساحةً لترامب أكثر من المرشحين الآخرين للرئاسة. بينما حاز ترامب وحده على مساحة أكبر من كل المرشحين عن الحزب الديمقراطي مجتمعين.

اقرأ أيضاً: هل يساعد دونالد ترامب "داعش"؟

ولعلّ إعطاء شخص "معتوه" كدونالد ترامب كل هذه الأهميّة الإعلاميّة، وتسليط الضوء على تصريحاته اللاإنسانية، هو ما جعله يُصعّد في هذه اللهجة. هكذا، قادت القنوات الحملة الإعلاميّة لترامب بعلمها أو بغير علمها. بينما كان الإعلام - في وقت الفراغ من استقبال ترامب - يتحدث بكثافة عن "داعش" و"محاربة الإرهاب". وإن كانت أحداث باريس من "شارلي إيبدو" وحتى اعتداءات نوفمبر قد أعادت الحديث عن تقييم قدرة الدول الغربيّة في حماية نفسها من الخطر الإرهابي، فإنّ الإعلام الذي يلهث وراء "السبق" استغلّ الأحداث للترويج للقتل وكراهية اللاجئين والمسلمين. فقد سأل المذيع في القناة دون ليمون، أحد ضيوفه "هل تصف هؤلاء المؤيدين لتنظيم "داعش" كمسلمين راديكاليين؟" وتابع: "هل تؤيّد داعش؟". كما سأل مذيعان على "سي إن إن" مسلماً تمّت استضافته للتعليق على أحداث باريس "هل يحثّ الإسلام على العنف؟"، و"لماذا لم يكن أحد يعرف من المسلمين ما كان إرهابيو اعتداءات باريس ينوون القيام به؟ و"ما هي مسؤوليات المسلمين أمام هؤلاء الذين يحملون أسلحة ويقومون بجرائم قتل؟".



أما آخر ردّ فعلٍ فظّ ويبعد عن المهنيّة بأشواط، فكان ما اقترفته وسائل إعلام باقتحام شقة المتهمين باعتداء كاليفورنيا، حيث أطلقت قناة MSNBC أوصافا من قبيل "شقة المسلمين"، "أغراض إسلامية"، وهم يُفتّشون في أغراض ومأكولات وثياب وبطاقات هوية ويلعبون دور المحقّقين.

لم يعُد مقبولاً أن تكون تغطيات ترامب في الإعلام "عادية" أو "إخبارية". أصبح واجباً على الإعلام وصف ترامب بشكل يسمي الأمور بأسمائها، من دون الترويج له: دونالد ترامب عنصريّ فاشي إسلاموفوبوي قبيح، ومعتوه.


اقرأ أيضاً: سياسيون أميركيون يهاجمون عنصرية ترامب ضد المسلمين


المساهمون