صحافيو القطاع الخاص الجزائري: لا أجور ولا حقوق

09 ديسمبر 2014
ينشر البعض مقالاته من دون أي مقابل (فرانس برس)
+ الخط -
تحتوي الصحافة الخاصّة في الجزائر على 95 في المائة من العناوين الصادرة يومياً. لكنّ استغلال الصحافيين والعمال في المؤسسات الإعلاميّة يتواصل، حيث يظلّ الصحافي الجزائري في القطاع الخاص تحت مزاج أصحاب الوسائل الإعلاميّة: هم من يُحدّد ساعات وأوقات تواجده في المكتب، وأيضاً يفرضون عليه راتباً شهرياً ضئيلاً. 

وفي القطاع الخاصّ أيضاً، تغيب المنح والعلاوات، رغم سنوات العمل. وتحكم الجهات الرسميّة علاقتها بوسائل الإعلام والعاملين فيها، عبر معيار الولاء وعدمه، بينما واجبها الأساسي هو وضع القوانين التي تضمن للصحافيين حقوقهم المهنيّة، والتي كثيراً تضيع في غمرة الفوضى التي تحكم "الصحافة المستقلّة".

ليست هذه مجرّد أقاويل، إذ وصل الأمر إلى أنّ بعض الصحافيين أصبحوا عمّالاً دون أجر، رغم إعلان وزير الاتصال، عبد الحميد قرين، عن نيّته تأسيس صندوق اجتماعي لدعم الصحافيين، و"إبراز قلقه من وضعهم الاجتماعي". وقال قرين، في تصريح سابق له، "يُحزنني أن أرى بعض الصحافيين في مرحلة ما قبل التقاعد أو متقاعدين يعانون من الفقر، الأمر الذي يستلزم الشروع في التفكير على مستوى مساعدة الوزارة لهؤلاء الصحافيين مع حفظ كرامتهم".

ويُلخّص الصحافي في "الاذاعة الدوليّة للجزائر"، مروان لوناس، الوضع لـ "العربي الجديد". ويقول: "أول معاناة الصحافيين الجزائريين هي غياب نقابة واحدة وموحدة تدافع عن حقوق الصحافيين المهنية والاجتماعية، فضلاً عن حرية العمل الإعلامي في الجزائر". ويُضيف: "هذا الغياب يعكس أيضاً حالة الضعف والهشاشة التي عليها قطاع الإعلام، والذي يشكو أيضاً من تراكم كبير لمشاكل لم تحلّها كل الحكومات المتعاقبة، بل إنّها لم تسعَ أصلاً إلى حلّها فعلياً لأنّ الحال يخدمها ويترك الصحافة الجزائرية برمّتها تتخبّط في مشاكل لها أول وليس لها آخر".

ويرى لوناس أنّ "من أبرز مشاكل الصحافيين هو غياب قانون يحفظ لهم حقوقهم المادية والاجتماعية، ولا سيّما في القطاع الخاص الذي يشغل النصيب الأكبر من الصحافيين... سواء في الصحافة المكتوبة أو الفضائيات الناشئة حديثاً". ويُضيف: "الكثير من المؤسسات تمنح لصحافييها أجوراً منخفضة جداً، بل هناك من يعمل لأشهر عدّة حتى دون أن يتلقى مقابلاً، كما أنّ الكثير يعملون بدون عقود عمل قانونيّة تحمي حقوقهم، وهذا يعني أنهم لا يحصلون على التأمين الاجتماعي والصحي، بمعنى أن الحقوق فعلاً مهدورة".

ويوضح أنّ "القطاع الخاص يجد أكثر من وسيلة للتهرب من القانون والتحايل عليه، ويستغل في ذلك رغبة الصحافيين المبتدئين في الحصول على فرصة عمل دون السؤال على ظروف العمل وما يجب أن يحصلوا عليه من حقوق. أما في القطاع العام فهو أكثر تنظيماً إلى حد كبير مقارنة مع القطاع الخاص، لكنه للأسف لا يستوعب جيوش المتخرجين الجدد من كليّات الصحافة في الجزائر، ومع ذلك فإن شكاوى أهل القطاع لا تتوقف، ولا سيّما ما تعلق بالأجور التي رغم أنها تحسنت في الفترة الأخيرة إلا أنها تظل دون الطموحات مقارنة بالدول القريبة من الجزائر".

وتعرّضت الحكومة الجزائريّة في الأشهر الماضية لاتّهامات من صحافيي القطاع الخاص بأنّها تعمل وفق سياسة الكيل بمكيالين وتُفرّق بين القطاعين العام والخاص، على أساس أنّها عملت على رفع الأجور في القطاع العام لكنها لم تفعل شيئاً في القطاع الخاص حيث تركت الصحافيين يواجهون وضعاً مزرياً أمام مُلّاك مؤسسات إعلامية لا تملك الحكومة سلطةً عليهم.
وتسبّب هذا الوضع في حركات احتجاجيّة داخل كبرى الصحف الخاصة مثل "الخبر" و"ليبرتيه" الناطقة بالفرنسية. وأمام الوضع الاجتماعي والمهني، لم يتوقف الصحافيون عن مطالبة الحكومة بضرورة إصدار قانون أساسي للصحافي يخضع له القطاعان العام والخاص على حد سواء.

من جهته، يقول الصحافي في جريدة "الجزائر نيوز"، وليد غرايبية، لـ "العربي الجديد": "في اعتقادي، إنّ الصحافي في الجزائر، وخصوصاً في القطاع الخاص، مهدورٌ حقّه، فعندما نرى العمل الذي يقوم به ونقارنه بالراتب الذي يتقاضاه، لا أبالغ إن قلت إنّ الراتب زهيد مقارنة بالعمل، خاصةً في ظلّ غلاء المعيشة في الجزائر".

ويضيف غرايبيّة: "أنا شخصياً، راتبي لا يصل إلى الثلاثين ألف دينار، ولكن ليست هذه المشكلة الفعلية؛ فالمشكلة هي أنني أتقاضاه متأخراً، حيث يصل التأخر أحياناً إلى شهر أو أكثر، وهو الأمر الذي يُعتبر مشكلةً أكبر للصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام عموماً، ولا سيما المتزوجون الذين لديهم أسرة يعيلونها. يمكن للفرد أن يتصور حالة القلق التي تنتابهم من تأخر تقاضيهم لرواتبهم، خاصةً في ظل غلاء المعيشة، والتي بالكاد يتمكّنون من تسديد النفقات الضرورية؛ من إيجار البيت وفواتير الماء، الغاز والكهرباء، بالإضافة إلى المصاريف الأخرى من غذاء وغيرها".

من جهتها، تقول نسيمة فاغولي، وهي صحافيّة ومقدمة النشرة الإخباريّة في قناة "الجزائريّة": "نحن كصحافيين نعمل في القنوات الخاصة، ونعلم أن المعايير التي يتمّ اتّخاذها من طرف مديري القنوات ستكون خاضعة للإدارة الخاصة لكل قناة، فحتى لو صدرت قوانين زيادة الرواتب فالمدير يقول: أنا قناتي لا تملك إعلانات ومداخيل مباشرة. وربما يتكلم عن حداثة القناة... ولو أنّ القناة التي أعمل لديها تنصفنا إلى حدّ ما، لكن الأوضاع كلها متدهورة بشكل عام، ما يجعل الصحافي في القطاع الخاص يعاني كثيراً".

لا ينحصر عمل الصحافيين الجزائريين في مؤسسة واحدة. وبحسب الصحافيين الذين تحدّثوا لـ "العربي الجديد"، يتمّ التواصل مع جرائد عدّة كمتعاونين بأسماء مستعارة. وتقول نينا لياس عفان، وهي صحافية في جريدة "الوصل" الناطقة بالفرنسية، لـ "العربي الجديد": "رغم أنّ الإعلام سلطة رابعة ووسيلة لتنمية الديمقراطية وثقافة الشعوب. نلاحظ أنّ هناك تراجعاً في مهمة الإعلام التنموي، الذي أصبح تجارةً وخاصة الإعلام الخاص، لنقص الاحترافية والتكوين، خاصةً تلك الناطقة باللغة العربية". وتُضيف: "كما أنّ المراسلين الصحافيين يُعانون من مشاكل وضغوطات اجتماعية... فهم يتلقّون رواتب هزيلة. والبعض منهم ينشر كتاباته بدون مقابل في بعض الصحف الخاصة".

من جهتها، تضيف شهيرة حاج موسى، وهي إعلاميّة في قناة "بور تي في": "القطاع الصحافي الخاص في الجزائر يعاني فوضى، عدم وجود مراقبة وعدم احترام للقوانين المهنية وخاصة قانون الإعلام. والمادة الإعلامية أصلاً لا تحترم معايير الكتابة وتسويقها في حد ذاته يتم دون مهنية. ويأتي الوضع الاقتصادي للصحافي الجزائري المتذبذب من مؤسسة إلى أخرى ليُثير القلق وهو المهدد بالطرد في أي لحظة كانت. حقوقه تسلب وهو مطالب بعمل أكثر وأكثر".

ورغم أن أجور الصحافيين الجزائريين لا تزال هي الأقل مقارنة بخصوصية المهنة التي يمارسونها، وذلك بسبب فشلهم في تأسيس نقابة قوية والعلاقة المرتبكة مع مديري الصحف، غير أن بعض الإعلاميين الجزائريين استطاعوا فتح نوافذ نشر خارجية وتحقيق أجور مختلفة من مراسلة جرائد وقنوات تلفزيونية ووكالات أنباء أجنبية.
المساهمون