إلغاء المادة "(308)".. تجريم المغتصبين ولا وجود لـ مغتصبات

03 اغسطس 2017
(أمام محكمة أمن الدولة الأردنية، تصوير: خليل مزرعاوي)
+ الخط -

أخيراً، تُثمر الجهود التي بذلتها منظّمات المجتمع المدني الأردني، بالإضافة إلى دعم توصيات المؤسّسة الملكية الأردنية، وتقدّم الحكومة باقتراح إلغاء المادة (308) سيئة الصيت من قانون العقوبات، فقد ألغى مجلس النوّاب الأردني، المادة التي تنصّ على "إعفاء المغتصب من العقوبة في حال زواجه من ضحيته"، والتي طالما اعتبرها كثير من الحقوقيين والناشطين، "هديّة مجانية للمغتصب"، لا تعفيه فحسب من عقوبة الجرم، بل تعاقب المرأة التي تم اغتصابها، بمعايشتها الإجبارية لشخص اعتدى عليها.

المناصرون والداعمون لإلغاء نص المادة من قانون العقوبات، رأوا في هذه الخطوة، "إغلاقًا تامًا أمام أي مرتكب لجريمة الاغتصاب وهتك العرض من الهروب من المحاكمة، أو من تنفيذ العقوبة، وبالتالي، سواءً تم تزويجه من الفتاة أم لا، سيتعرّض للعقاب، وفقًا لجريمته التي اقترفها، وسواءً عن قصد جنائي أم من باب اتباع هواه"، بحسب رئيسة جمعية معهد تضامن للنساء الأردني أسمى خضر.

وتبين خضر، في حديثها لـ"جيل"، أن الفائدة المرجوّة من إلغاء المادة (308)، ستجعل الوعي أكبر بمقدار خطورة الجرم، ولأن العقوبة نافذة، فإن أهل المجني عليها، بالتأكيد سيفكّرون كثيراً، قبل الإقدام على تزويج الجاني من الفتاة المجني عليها، وهذا الأمر إن تمّ، فإنه لن يُعفي الجاني من العقوبة بأي حال من الأحوال، ولن تنتهي المسألة بمجرّد أنه "ستر عليها"، فالجاني القاصد لجريمته، شخص لن يتوانى عن فضحها، أي الضحية، كلّما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولن يكون ساترًا لها، مثلما يتخيّل الأهل".

سبق هذا الانتصار، اعتصام عشرات الناشطين، أمام مجلس النواب، للمطالبة بإلغاء تام للمادة من قانون العقوبات، كان بمثابة تجسيد لما شهدته المملكة من تحشيد من قبل مؤسّسات المجتمع المدني، إضافة لأطراف نيابية لإلغاء تلك المادة.

وكانت الحكومة قدّمت مشروع قانون، ألغت بموجبه المادة (308)، وبما يشمل إلغاء الأحكام المخففة، التي كانت تُمنح لمثل هذا النوع من الجرائم، حيث "تطبق العقوبة على المعتدي في جميع الحالات، سواءً تم تزويج المغتصب للمغتصبة أم لم يتم".

على الضفّة الأخرى، ولما استقبلت الفعاليات النسائية والمدنية التي طالبت بإلغاء نص المادة من قانون العقوبات، بالزغاريد والأهازيج، احتفالًا من على شرفات مجلس الأمّة الأردني، وهن يتابعن لحظات إقرار الإلغاء بالأغلبية، أقدم أعضاء من اللجنة القانونية النيابية على تقديم استقالتهم منها، احتجاجًا على آلية تصويت النواب على إلغاء المادة (308) من قانون العقوبات.

وبرّر عضو اللجنة القانونية، النائب مصطفى ياغي لـ"جيل"، هذه الاستقالات، بأنها احتجاج على آلية تصويت النوّاب لإلغاء المادة، ما اعتبر مخالفة للنظام الداخلي، مؤكّدًا، أن نسبة التصويت، "لم تبلغ أو تحصل على الأغلبية".

فـ"المجلس لم يقم فعلًا بالتصويت على المادة، حيث لم يتم احتساب الأصوات بشكل صحيح"، يوضح ياغي، مشيرًا إلى أنه تم تقديم طلب لرئيس المجلس عاطف الطراونة لإعادة التصويت على المادة، إلا أن ذلك لم يتمّ في النهاية.

رئيس اللجنة القانونية في مجلس النوّاب، النائب مصطفى الخصاونة، كان قد دافع باستماتة عن مقترحات اللجنة، بالتعديلات على المادة (308)، إلا أن مجلس النوّاب رفض تعديلات اللجنة، مؤيدًا ما أوردته الحكومة في مشروع قانون العقوبات.

قرار اللجنة، والذي رفضه المجلس، طالب بالاستعاضة عن إلغاء المادة، بحصر الحالات التي يتمّ وقف الملاحقات على المعتدي على أنثى بـ ثلاث حالات فقط، بعد أن كانت تطاول حالات عديدة، وردت في فصل كامل بقانون العقوبات.

أوساط نيابية وحزبية، وأيضاً قانونية، كان لها رأي مغاير في إلغاء المادة (308)، معلّلة ذلك، أن "القانون وليد البيئة والظروف الاجتماعية، ولا يجوز أن يتعارض مع مضامين المجتمع ورغبات أبنائه"، مع التأكيد، أن "الاغتصاب يمثّل بلا شك جريمة بشعة وغير مبرّرة، إلا أن المجتمع الأردني محافظ، وهذا الزواج يحمي الضحيّة، ويراعي ظروف أسرتها في اتقاء العار".

فالمسألة، كما يوضّح هؤلاء لـ"جيل"، تغدو أكثر تعقيدًا عشائريًا وعائليًا، تحديدًا مع وجود حمل نتيجة هذا "الاغتصاب"، ومن ثم، فإن المادة (308)، التي يتمّ وفقها، "تزويج الجاني من ضحيته"، والذي إن لم يحصل، أي الزواج، فإن ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى زيادة جرائم الشرف، وعليه، فإن الإبقاء على هذه المادة يبقى ضرره أقل من إلغائها، بحسب تعبيرهم.

وإن كانت هذه الآراء، مثلت بصورة أو بأخرى، وجهة نظر ما يوصف باليمين المتشدّد والمحافظ، ألا أن ذلك لم يمنع، أن تخرج آراء، عارضت فكرة إلغاء نص المادة من قانون العقوبات بالكلية، قبل الشروع بإجراء تعديلات عليها، ابتداء على قانون الأحوال الشخصية.

ذلك، لأن الحديث عن المادة (308)، لا يخرج عن كونه مناقشة في مادة من مواد قانون العقوبات الأردنية، والتي تعتبر، بمجموعها، "قانونًا عامًا شاملًا، يطبّق على كل المجتمع، ما يمس بطبيعة الحال، حريّة الشخص، في حياته وتنقله"، وفق المحامية والناشطة الحقوقية لين خياط.

وتبين خياط في حديثها لـ"جيل"، أن قانون العقوبات الجزائية الأردنية، لا يحوي في نصوصه تسمية "ضحية" أو "مجرم"، ما لم تثبت عليه التهمة، عقب صدور قرار التجريم في حقه، فلدينا، تشرح المتحدّثة، "مشتكٍ ومشتكى عليه، ولاحقًا متّهم ومجني عليه، وهذا كله يراعى ويُؤخذ به تمامًا، حين يتمّ تطبيق نص قانون العقوبات، فليس من البساطة، أن يتمّ استخلاص حكم الاغتصاب، وبحق قاصر، ثم يتم تزويجها بكل بساطة".

وما يرتبط بإتمام عملية الزواج، تقول المتحدّثة، وهو ما اصطلح على تسميته "عقد الزواج الصحيح"، الذي يتمّ ما بين الضحية والجاني، فالثابت وفق قرارات محكمة التمييز الأردنية، المرتبطة بقانون العقوبات الأردني، الأمر كله مرهون بمسألتين، الأولى، هي أن محكمة الجنايات الكبرى، ليس من شأنها، أن تسهّل أو تدفع أو حتى تهيئ لعملية الزواج، كما يجهل ذلك كثير من الناشطين.

وأما ما يخص المسألة الثانية، فالحديث عن عقد الزواج الصحيح، أو سن الزواج، تشير خياط، "لا يتعلّق بقانون العقوبات في هذه الناحية، ومنه المادة (308)، بل إن ذلك داخل في صلب قانون الأحوال الشخصية، ولذلك، عند الحديث عن هذا النص، أي المادة (308)، فإننا لا نستطيع، أن نفصل هنا، ما بين قانون العقوبات وباقي القوانين المرتبطة به".

فمثلاً، "إن افترضنا أن المجني عليها عمرها لا يتعدى الـ15 سنة، وتقدّم لها عقد زواج صحيح، فإن محكمة الجنايات ستردّ هذا العقد، فيضطر الجميع للاحتكام إلى قانون الأحوال الشخصية، فيلجأ القاضي لمسألة الاستثناءات، والحديث هنا عن نص المادة (308)، وبالتالي، لا يمكن أن نلوم نص هذه المادة، فلماذا لا تعّدل قوانين الأحوال الشخصية مثلًا؟، تتساءل المتحدثة، كما حدث في غير بلد عربي، حيث تم تعديل قانون الأحوال الشخصية، ومن ثم تم إقرار قانون جديد تمامًا، سُمّي بـ"قانون العنف ضد المرأة"، كما في المغرب وتونس.

هذا، وحمّلت كذلك المحامية خياّط، وخلال فترة مناقشة قانون العقوبات، وتحديدًا نص المادّة (308)، قبل الشروع بعملية إلغائها، الجهات التي نادت بإلغاء المادة المسؤولية، ذلك أنها لم تكن تملك أرقامًا صحيحة، تدلل بها على هول ما تم الترويج له قبل جلسة مجلس النواب الحاسمة، حيث أنها، أي تلك الجهات، "لم تتمكّن من الاجتماع مع الجهات المعنية ولم يكن بينها تواصل، والحديث هنا عن اللجنة القانونية في مجلس النوّاب الأردني، حتى الأرقام التي عرضت، واستدلت بها هذه الجهات، تبيّن لاحقًا أنها غير دقيقة".

وفي هذا السياق، فإن الباحث المعمق والمطلع في إحصائيات الجرائم المرتكبة في المملكة، يتبين له أن نسبة جريمة الاغتصاب تحديدًا، والجرائم الجنسية عمومًا، لا تذكر على الإطلاق، بحسب الاختصاصي في الطب الشرعي، الدكتور رجائي الشوحة.

وكشف الشوحة لـ"جيل"، وهو الذي أشرف ويشرف حاليًا على أغلب الحالات التي تحوّل للطب الشرعي، لبيان حقيقة كشف "فض غشاء البكارة للبنت"، أن "طيلة 14 عامًا، وهي فترة عمله في الطب الشرعي، لم تصله حالة اغتصاب بالمعنى الحقيقي والواقعي، وأن ما يصل للإعلام، لا يخرج عن سياق الرغبة المتوفّرة لدى الفتاة، والمواقعة الرضائية".

وتلك الحالات التي استهلكتها منظمات المجتمع المدني في ترويجها للناس في الأردن، يقول الشوحة، "لم يسمع معظم الناس عنها، إلا من خلال ما يتمّ نشره وتداوله في بعض الأوساط الصحافية، التي تشكّل تحالفًا مع بعض القائمين على المنظمات والجمعيات، والتي تقتضي طبيعة عملها، استقطاب التمويل الخارجي من الجهات الغربية المانحة بدواعٍ حقوقية".

تجدر الإشارة، إلى أن ناشطين وحقوقيين، لم يروا في إلغاء المادة (308)، ما يشكّل حماية للفتيات الأردنيات من الجرائم الجنسية وتبعاتها، ولم يقدّم أية حصانة لهن في الحالات الرضائية، التي تشمل المواقعة الرضائية، أو فض البكارة بوعد الزواج، أو هتك العرض بقبول الفتاة.

فالهجمة الإعلامية الضخمة، التي قادتها مؤسّسات المجتمع المدني، والتي دفعت الحكومة لإلغاء المادة، لم تقدّم للأردنيات إلا مشاكل الإجهاض وإثبات النسب، ما سيزيد عدد المجهولين وجرائم الشرف، وبسبب الإجهاض غير الطبّي، والمتوقّع حدوثه في قادم الأيّام، كل ذلك سيقود بالمجتمع نحو الهاوية وتسجيل أمّهات عازبات، وفق تعبير الناشطة والإعلامية عبيدة عبده.

المساهمون