مقدمات الأعمال التلفزيونية.. فنّ العنوان

08 مايو 2017
(فيلم: The Walking dead)
+ الخط -

غرّد الروائي "نيل غيمان" عشية 31 مارس/ آذار الفائت على "تويتر" بقوله "من يوّد مشاهدة الشارة الافتتاحية لمسلسل American God"، "لتكون هذه سابقة في تاريخ الإعلان التلفزيوني بدلًا من الفيديوهات الترويجية المعتادة، والمسلسل بُنيّ على رواية غيمان التي تحمل الاسم نفسه، يتحدّث العمل الفانتازي عن صراع الآلهة القديمة في محاولة استعادة مجدها من الآلهة الجديدة المتمثلة بالتكنولوجيا والإعلام وغيرهما، مما يفرضه نمط الحياة الأميركي.

وتتألّف الشارة من عرض بديع لمجموعة من الرموز الدينية مثل بوذا والمسيح مدموجةً مع عناصر مرئية تحاكي التطوّر التقني الذي وصلنا له اليوم، إضافة لراعي البقر أيقونة الغرب الأميركي. العمل من إنتاج شبكة Starz وبدأ عرض حلقاته الثمانية في 30 أبريل/ نيسان الماضي.

إن هذا الحدث المرتبط بكل تأكيد بالنهضة التي يشهدها عالم التلفزة، يفتح الباب مرة أخرى لمناقشة مقدّمات الأعمال الحديثة التي بدأت بالخروج عن النمط الكلاسيكي باقتطاع مشاهد من العمل وترتيبها مع الموسيقى المرافقة، لتشكل كيانها المستقل والذي لا يرتبط بأحداث العمل نفسه بل يكوّن فرديته واستقلاله ليحيط ببيئة المسلسل وعالمه الخاص فضلًا عن المجهود الذي يقوم به المصممون وطرقهم المختلفة بين عمل وآخر، والنتاج المميز مع كل عمل جديد.

وبالإمكان الاستدلال على معظم الكنايات والمشاهد السريعة الموجودة في الشارات الحديثة، عبر البحث في المؤسّسات التي تعنى بـ"فن العنوان" كما يسعى الناشطون في هذا المجال لتسميته.

بنظرة تاريخية؛ في خمسينيات القرن الماضي، كانت مقدّمات الأعمال التلفزيونية في معظمها تلتقط مشاهد مختلفة وتشرح عمّا يتحدث العمل بإرفاق تسجيل صوتي لإحدى الشخصيات، لتضمن قدرة المتابع الجديد على فهم ما يدور حوله المسلسل. وبعد هذا انتقلت لتكون على هيئة ممثلين يحدّقون إلى الكاميرا وينطلقون بسياراتهم أو مجموعة من اللقطات تؤخذ من زاوية أخرى لبعض المشاهد.

ولعلّ أوائل المحاولات الجدية كانت في السبعينيات في أعمال مثل Twilight Zone الذي يوضح في شارته مجموعة من العناصر الفضائية البسيطة برفقة خطاب مقتضب تؤدّيه إحدى الشخصيات، وصولًا لمسلسل Get Smart الذي يعتبر الرديف التلفزيوني لشخصية "جيمس بوند" ويظهر في شارته العميل السرّي سمارت، وهو يعبر مجموعة من الأبواب السرية، ليصل إلى كابينة هاتف تفتح أرضيتها عند إدخاله الشيفرة، اختيرت هذه الشارة كثاني أفضل مقدّمة تلفزيونية بعد The Simpsons في استفتاء Tv Guide عام 2010.

تقوم الشارات التلفزية بإجراء تعديلات خلال مواسمها المستمرّة، ومن هذه التعديلات أسماء الممثلين أو إضافة مشاهد من حلقات جرى تصويرها لاحقًا كما في Friends، إضافة لنوع آخر من التغييرات بوجود جزء متجدّد في كل حلقة مثل حيلة السبورة وفكاهة الأريكة في شارة The Simpsons.

يعتبر The Simpsons النوع المعياري لفن العنوان حسب المشاع حاليًا، فتتضمن مشاهد من مدينة "سبرينجفيلد" التخيلية ومشاهد سريعة لعائلة سيمبسون وهم يمارسون نشاطاتهم اليومية، بمرافقة لحن الأوركسترا الشهير الذي تنال خاتمته بعض التغييرات في الحلقات برفقة الأريكة والسبورة.

في التسعينيات؛ نجد علامات فارقة في نمط المقدّمات على الصعيد التقني مع صعود تطبيقات التصميم وعلى صعيد الأفكار، فكانت مقدّمة العمل الكوميدي The Fresh Prince of Bel-Air من بطولة ويل سميث أشبه بالفيديو كليب ولها مخرجها الخاص بغض النظر عن مخرج الحلقة.

قدّم مسلسل The Sopranos النموذج الثوري الأوّل للشارات، باستعراضه قيادة توني سوبرانو لسيارته بلقطات مقرّبة على ملامحه وسيجارته دون إظهار وجهه، ليصل في النهاية لمنزله ويتمكّن المشاهد من رؤيته بشكل كامل وهذا ما عزاه منتجو العمل، أن السؤال الذي يتبادر للمشاهد هو من هذا الشخص؟ وهذا ما يدور العمل حوله.

اختلفت اليوم أساليب المشاهدة ولم يعد التلفزيون جزءًا أساسيًا مع انتشار خدمات العرض عبر الإنترنت وإمكانية المشاهدة على الأجهزة الذكيّة في الأماكن العامة، انتقل دور الشارة من التعريف بالعمل إلى بوابة افتراضية تنقل الجمهور من حياتهم اليومية إلى عالم العمل الفني، لتطرح مزيدًا من التساؤلات بدلًا من الشروحات، فظهرت أنواع متجدّدة تفوق بأثرها المقدّمات الكلاسيكية.

تستعمل التقنيات الحديثة في دمج صور ثنائية الأبعاد داخل بيئة ثلاثية الأبعاد، لتكوين الصورة الشعرية وقد يضاف إليها بعض اللقطات المكتشفة؛ أي لقطات يتمّ تصويرها لتقدّم على أساس أنها جزء من مادة توثيقية أو خام لإضفاء الواقعية، بالإضافة لتمثيل الحالة النفسية للشخصيات عبر سلسلة من الصور والمؤثّرات لظواهر طبيعية، وتعد شارة الموسم الأوّل من True Detective أكثر الأعمال كمالًا من كل هذه العناصر.

يتحدّث العمل عن الانكسارات التي تواجه شخصياته القلقة، وأتت المقدمة مزيجًا من الأشخاص المهشمين تبرز في انكساراتهم معالم جغرافية محطمة، إضافة للقطات مكتشفة ومشاهد سريعة من العمل تمر كل منها في عُشر ثانية وانتهاء بلهب يكسو الشاشة، على أنغام أغنية فرقة الكاونتري The Handsome Family.

هذا التيّار ما بعد الحداثوي يستشري لنجد اليوم أنواعًا مختلفة للتقديم للعمل بشكل يكسر النمطية، فمقدمة مسلسل الزومبي الشهير The Walking dead تركز على البيوت الخاوية والسيارات المحطّمة ليصل الشعور بحدوث الكارثة، دون ظهور الزومبي خلالها، فتتشكّل الهويّة الخاصّة لكل مقدّمة ونجد اليوم من يشبهها بالفيديو كليب، فكلاهما بدأ لهدف دعائي على أمل انتقال فن العنوان لصناعة مستقلة بحد ذاتها، وهو تيار واعد بالنظر لوجود مقدّمات يصنعها الهواة لأعمالهم المحببة تتضمن العناصر السابقة، إضافة للعروض التي تبثّ عبر الإنترنت قبل تبنيها من الشبكات الكبرى، والتي تحمل في طيّاتها أساليب مختلفة وكثيرًا من الكنايات.

المساهمون