الموسيقى البديلة.. الالتزام والربح التجاري (2 - 3)

01 ابريل 2017
(متحف أم كلثوم في القاهرة، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -



لتبدو مثقفًا، عليك أن تدّعي بأنّك لم تستمع في مرحلتي الطفولة والمراهقة لأغاني راغب علامة وأليسا وعمرو دياب، وأنك كنت تميل للاستماع لأغاني فيروز، والتي غالبًا بتّ تشعر بالضجر منها في الآونة الأخيرة، وارتقيت بذوقك الفني عنها هي الأخرى، وعليك أن تؤكّد بأن الأغاني العربية، باستثناء البديلة منها، تُشعرك بالضجر، وهي غير قادرة على مواكبة تطوّر ذوقك الثقافي والفنّي، وعليك أيضًا، أن تبحث في بعض الأحيان عن أغانٍ لأناس مغمورين، وتُساهم بنشرها وبنشر الوعي الموسيقي، مع التأكيد في كل مرّة، أنك تمكّنت من العثور على أغنية عربية مقبولة فنيًا، وخارجة عن السياق اللا حضاري في الفن العربي.

وفي مجمل النقاشات الثقافية، يُحاول جماهير الموسيقى العربية البديلة أن يبرهنوا على تفوّق خياراتهم وذوقهم الفني، من خلال حجج منطقية باتت شائعة في الأوساط الثقافية العربية، من الممكن أن نلخّصها في الآتي:

الموسيقى البديلة أدخلت أنماطًا موسيقية غربية غير معروفة في عالم الغناء العربي، وخلقت مزيجًا فنيًا يمثل عملية مثاقفة حضارية بين الغرب والشرق. ولكن هل أنتجت الموسيقى البديلة فعلًا أنماطًا موسيقية جديدة؟

إن استخدام العرب للآلات الموسيقية الغربية في أغانيهم، واستعارة بعض الأنماط الموسيقية، هو أمرٌ سائدٌ في الموسيقى العربية، ومسيرة أم كلثوم الموسيقية هي الشاهد الأكبر على تطويع معظم الآلات الموسيقية الغربية في الموسيقى العربية منذ منتصف القرن الماضي، فرياض السنباطي طوّع الكمنجة في خدمة اللحن العربي، واستخدم عبد الوهاب الغيتار الكهربائي في بعض أغاني أم كلثوم أيضاً.

كذلك فإن تحديث الموسيقى العربية من خلال المزج بأنماط الموسيقى الغربية لم يكن حكرًا على فرق الموسيقى البديلة، فباستثناء زياد الرحباني، الذي نجح في ابتكار "الجاز الشرقي"، وعزيز مرقة الذي حاول أن يختلق نمطاً موسيقياً جديداً، وأعطاه اسم RAZ، وهو اختصار Rock Arabian Jazz، فإن محاولات الموسيقى البديلة في الوطن العربي تتّجه غالبًا إلى إنتاج أغانٍ كلماتها عربية على إيقاعات الروك أو الهيب هوب أو الإلكتريك بوب، من دون أن أدنى اهتمام بالهوية العربية للموسيقى العربية، مثل فرقة "آخر زفير" وفرقة "مشروع ليلى"، والتي انسلخت بتجربتها عن الموسيقى العربية بشكل كامل.

ويتناسى أصحاب هذه الحجّة أن التجديد في الموسيقى العربية كان غالبًا ما يتمّ من خلال أشخاص "مركزيين"، فعلى سبيل المثال، فإن تجربة عمرو دياب في التسعينيات هي شاهد على تعريب الموسيقى اللاتينية، وإنتاج نمط جديد في الموسيقى.

تتميّز الموسيقى البديلة عن الموسيقى العربية السائدة، بأنها ملتزمة بقضايا إنسانية أو قضايا سياسية، وبأنها ترتقي عن المحتوى الفارغ للأغنية العربية.

من الغريب حقًا أن معظم فرق الموسيقى البديلة، والتي تمكنت من خلق شعبية عالية لها في السنين الماضية، هي الفرق التي أكّدت في حواراتها الصحافية بأنها تحاول أن تقدّم مادة فنية مسلية أكثر من اهتمامها بتقديم فنّ ملتزم يتبنّى قضية ما، كفرقة "مين" اللبنانية وفرقة "أوتوستراد" الأردنية وغيرهما؛ ولكن ذلك لا ينفي وجود فرق موسيقية بديلة ملتزمة بقضايا إنسانية وأخرى ملتزمة بقضايا سياسية، ولكن يبقى السؤال: هل وظيفة الأغنية العربية أن تشحن الجماهير بالحسّ الإنساني أو الوطني؟ وهل يرغب الجماهير الذين ينوون حضور الحفلات الموسيقية بشيء أكثر من التسلية؟.

الموسيقى البديلة تتفوّق على الموسيقى العربية المركزية بأنها ليست تجارية، فالموسيقى السائدة ليست سوى سلعة، وأهدافها ربحية فقط، وعادةً ما يتم استخدامها للترويج لسلع تجارية.

للإجابة على هذه الحجّة، علينا أن نسأل في البداية: هل الموسيقى البديلة لا تهدف للربح؟

هناك العديد من الفرق الموسيقية البديلة التي قامت بالفعل بالترويج لسلع تجارية معينة، وقدّمت دعايات لها، مثل فرقة "مشروع ليلى" التي روّجت لفودكا "أبسولوت" بأغنية "3 دقايق"، وفرقة "جدل" التي روّجت لشركة "سامسونغ" في أغنية "أنا بخاف من الكومنتمنت"، وغيرهما، وذلك فعليًا لم يؤثّر على القيمة الفنية لهؤلاء عند جمهور الموسيقى البديلة المثقّف، فلماذا تعتبر إعلانات "كوكا كولا" و"بيبسي" وصمة عار في تاريخ نانسي عجرم وعمرو دياب وهيفاء وهبي؟

فمن حقّ الفنان أن يفكّر بالربح، وأن يكسب من عمله كموسيقي، وهنا لا بد من التأكيد أن معظم حفلات الموسيقى البديلة هي ليست مجانية، وأما الحفلات المجانية فهي غالبًا ما تقدّم في مناسبات معينة، وتتبنّاها منظّمات غير ربحية، كالحفلات التي تقيمها المنظمات غير الربحية في بيروت، والتي تدعو لها اللاجئين السوريين، والتي يؤدّي فيها الموسيقيون بعض الأغاني وسط جملة من الخطابات لجمهور يفضّل الموسيقى السائدة على هذه الأغاني الباردة والملتزمة بالقضايا الإنسانية كما تدّعي.

المساهمون