أطفال التوحد الأردنيون... تداعيات صحية ونفسية لعلاج أسنانهم بالتخدير الكامل

عمّان

أنصار أبوفارة

avata
أنصار أبوفارة
18 مارس 2019
8CD969CB-5D8A-456A-B5A8-4F5C0613E03F
+ الخط -
لم يترك الأردني محمد عقيل عيادة أسنان إلا طرق بابها، في سبيل تخليص ابنه أحمد (17 عاما)، من ألم الأسنان دون اللجوء للتخدير الكامل، لكنّ جميع محاولاته تبوء بالفشل، حين يجد أحمد الذي يعاني من اضطراب طيف التوحد نفسه في مكان غريب، خائفاً من الأضواء الساطعة في وجهه، والضوضاء الصادرة عن أدوات طبيب الأسنان، وفق رواية والده لـ"العربي الجديد"، والذي يستدرك بحزن "سيخضع ابني للتخدير من أجل معالجة أسنانه للمرة السادسة. هذا رقم قياسي، ولا نجد مفراً من ذلك".

في المرات الستّ التي احتاج فيها أحمد للتخدير، بهدف علاج الأسنان، قصد والده مستشفى خاصا لأربع مرات، وتحمل عبئاً مادياً يراوح بين 600 دينار أردني (توازي 845 دولارا أميركيا) ويصل حتى 900 دينار (1268 دولارا) عن كلّ مرة، ما جعله يلجأ إلى مستشفى الجامعة الأردنية التعليمي مرتين، بعد انتظار دام شهرين في كلّ مرّة، اضطر خلالهما الابن إلى تحمل الآلام حتى يحين الموعد.

عقيل، كالعديد من آباء الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، يحاول تخفيف عناء ابنه، الذي يستخدم الكلمات بشكل مقتصد، لكن آلام وعلاج الأسنان يعدّ معاناة ثانية، وكما يقول "ما أن نكتشف أنه يعاني من ألم في أسنانه بعد صراع طويل لتحديد مصدر الوجع، نقصد طبيب الأسنان، وهذا يشكل تحديا هائلا، لأن أحمد يرفض أن يتجاوب مع الطبيب، وتتطلب منا هذه العملية تعطل اثنين من أفراد العائلة على الأقل عن عملهم أو دراستهم لمرافقته، لكن جميع تجاربنا تبوء بالفشل، بعد أن نمضي نصف ساعة في إقناعه لفتح فمه، حتى يعتذر الطبيب ويحيله إلى التخدير الكامل".

ويعد أحمد واحدا من 9 آلاف شخص من ذوي اضطراب طيف التوحد في الأردن، بحسب تأكيد جيمان عماري، المديرة التنفيذية لجمعية أمينة الخيرية (تعنى بتعريف المجتمع بحقوق الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد).

وتعرّف منظمة الصحة العالمية طيف اضطراب التوحد بأنه عبارة عن مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ، بحسب موقعها الرسمي، الذي أوضح أن هذا المصطلح الشامل يتناول حالات من قبيل مرض التوحد واضطرابات التفكك في مرحلة الطفولة ومتلازمة آسبرغر. وتتميز هذه الاضطرابات بمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه.

وتكشف إحصاءات مركز تشخيص الإعاقات المبكرة التابع لوزارة الصحة الأردنية، التي تمت بطلب من معدة التحقيق، أن عدد الأطفال المصابين باضطراب التوحد في عام 2018 بلغ حوالي 390 طفلاً من بين 2728 حالة جديدة من ذوي الإعاقات المختلفة زارت المركز للتشخيص، فيما بلغ عدد الأطفال من ذوي اضطراب التوحد الذين زاروا المركز 371 طفلاً من أصل 3680 حالة من ذوي الإعاقات المختلفة في العام 2017.

واستقبل مركز حطين للكشف المبكر للإعاقات والتأهيل المجتمعي التابع لوزارة التنمية الأردنية 109 حالات من الأطفال المصابين باضطراب التوحد من أصل 827 طفلاّ من ذوي الإعاقات المختلفة في العام 2018، فيما استقبل 82 من أصل 713 من ذوي الإعاقات المختلفة في عام 2017، وهناك حالات أخرى يتم تشخيصها في المراكز الخاصة المنتشرة في أنحاء المملكة، إذ لا يوجد سجل وطني يوثق حالات اضطراب التوحد، لاختلاط هذا الاضطراب بإعاقات عقلية أخرى.


خطر التخدير الكامل


تتبع هذا التحقيق معاناة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في الأردن لدى حاجتهم لعلاج الأسنان، وتتكشف المعاناة في قصص سبعة من هؤلاء الأطفال الذين قابلتهم معدّة التحقيق، ووثقت تجاربهم في الخضوع للتخدير الكامل، سواء في المشافي الخاصة أو الحكومية، حيث يواجه الأطفال وذووهم معاناة مختلفة في كلتيهما، نتيجة نقص الأطباء المؤهلين للتعامل مع هؤلاء الأطفال، ولجوء طبيب الأسنان للتخدير بشكل واسع، باعتباره خياراً آمناً، رغم ما يضعه من أعباء مادية وصحية ونفسية على عائلات الأطفال، وعلى الأطفال أنفسهم.

بينما يتخوف الأهل من تأثيرات ذلك على أطفالهم، وخاصة إذا تكرر، فيزيد حالتهم سوءاً، هذا ما عبّرت عنه والدة الطفل حاتم الصابر (5 سنوات)، المصاب باضطراب التوحد، والذي يرفض الاستجابة لطبيب الأسنان، وتحاول الأم جاهدة أن يكون العلاج تحت التخدير هو الخيار الأخير، وتسعى إلى تجنيبه ذلك بإبعاده عن الحلويات والوقاية المكثفة، كما تقول لـ"العربي الجديد".

وتكشف أخصائية التخدير، الدكتورة علا غنيمات، أن نسبة خطر حدوث المضاعفات في التخدير العام تبقى أعلى من الموضعي حتى وإن كانت ضئيلة، وهذا ما يثير مخاوف الأهل، وفي بعض الحالات يلجأ أطباء الأسنان لاستخدام غاز (النايتروس) المعروف باسم الغاز الضاحك، وهو ثاني أكسيد النيتروجين، الذي يستخدم للتهدئة وتخفيف الألم، وذلك بخلطه مع الأكسجين بنسبة معينة، لكنّه قد يتسبب بحالة تدعى "Hypoxia"، بأن يحل هذا الغاز محلّ الأكسجين في الخلايا، متسبباً في نقص الأكسجين، ناهيك عن كلفته المرتفعة أيضاً، لكن الطبيبة غنيمات قالت لـ"العربي الجديد"، إن الموت يحدث نتيجة للتخدير العام بشكل نادر جدا بمعدل 1 من بين كل مائة ألف إلى 200 ألف شخص.

ومن الناحية النفسية، فإن دخول الطفل المصاب بالتوحد إلى غرفة العمليات يزيد من نسبة خوفه من الطبيبً، لأنه يعتبر كل الأشياء الغريبة مخيفة، ولديه انسحاب اجتماعي واستجابات ضعيفة، ما يجعل استجابته لتعليمات طبيب الأسنان مستحيلة، بحسب المستشارة النفسية أريج سمرين، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن هؤلاء الأطفال يغلقون أفواههم تماماً عند عرضهم على الطبيب، الأمر الذي يجعل التخدير ضرورة، لكنّ إقحام الطفل في عدد من المراحل المزعجة نفسياً داخل غرفة العمليات دون تهيئة نفسية، وبشكل متكرر، مخيف للطفل، ويتسبب بردة فعل صعبة، كالخوف المتولد من الصور التي التصقت بمخيلاتهم، مثل منظر غرفة العمليات، والممرضين، والأطباء من حولهم، وبالتالي تكوين سلسلة نمطية اجتماعية سلبية تؤثر على الطفل بشكل أكبر، كما تقول.

لكن طبيبة الأسنان المتخصصة بعلاج الأطفال لبنى عابد، تقول بينما تعمل في عيادتها الخاصة، إن التخدير العام يستخدم عالمياً لمعالجة الاعتلالات التي تصيب الفم واللثة لدى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المصابين باضطراب التوحد، وأحيانا مع الأطفال السليمين الذين يرفضون التجاوب مع الطبيب بسبب خوفهم، أو فرط حركتهم، لكنّه يبقى كخيار أخير، كما تقول، مضيفة أن الطفل المصاب باضطراب التوحد يخاف الأشخاص الجدد والأماكن الجديدة، ولا يقبل في أحيان كثيرة فتح فمه بناء على طلب الطبيب، ويمكن السيطرة على الطفل في العيادة إن كان إجراء وقائياً بسيطاً فقط، أما دون ذلك، فالمعالجة تستلزم تخديراً كاملاً في مستشفى.

وتوضح المختصة في التربية الخاصة أحلام الخطيب أن 60% من الأطفال ذوي اضطراب التوحد لديهم مشكلة في التلامس الجسدي، لذلك يرفضون اقتراب الطبيب منهم أو لمسهم، بالإضافة إلى نشاطهم الزائد وحساسيتهم المفرطة تجاه الصوت والضوء، وتعلقهم بشخص واحد فقط كالأم أو الأب ورفض الغريب، لذلك فلا بدّ من التعامل معهم من قبل طبيب أسنان متخصص، ومراعاة احتياجاتهم، وفقاً للخطيب.



قصور لدى أطباء الأسنان

يعزو الدكتور عمر القواسمي الناطق باسم نقابة أطباء الأسنان، سبب الاستخدام الواسع للتخدير العام مع الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد، بهدف علاج أسنانهم، إلى قصور لدى الأطباء في التعامل مع هؤلاء الأطفال، لكسب ثقتهم وتهدئتهم نفسياً، وخاصّة عندما يكون الإجراء بسيطاً، فيجنبه الخضوع للتخدير الكامل، ويخفف العبء المادي الذي ستتحمله العائلة بفعل إصلاح الأسنان في غرفة العمليات، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن 3% فقط من المجموع الكلي لأطباء الأسنان في الأردن، مختصون بعلاج الأطفال، ومنهم من يتجه إلى تطوير مهاراته والتوسع بدراساته ليختص بعلاج ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزز مقدرته في التعامل مع احتياجاتهم.

أما طبيبة الأسنان سيرينا أبو دية، المختصة بعلاج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فتقول من واقع خبرتها في عيادتها إن نسبة كبيرة من الأطفال ذوي اضطراب التوحد يذهبون إلى طبيب الأسنان في مراحل متأخرة، فيضطر الطبيب إلى إحالتهم للتخدير العام لضمان العلاج بالطريقة الفضلى، موضّحة لـ"العربي الجديد"، أنه في حالات الإصابة الشديدة بالاضطراب، ووجود العديد من المعالجات السنية وخاصة العصب، لا بدّ من التخدير للسيطرة على المريض، وضمان عدم إيذائه.

وتشير أبو دية إلى أن هؤلاء الأطفال لديهم مشاكل في أسنانهم، تختلف عن أقرانهم الآخرين، بسبب اختلاف كيمياء أدمغتهم، كما يميلون إلى صكّ (طحن) الأسنان بشكل كبير، وهذا من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تآكل أسنانهم، كما تشكّل الأدوية التي يتناولها هؤلاء الأطفال بشكل مستمر عاملاً مسرعاً للتسوس لاحتوائها على السكريات، لذلك يعاني أطفال التوحد من التسوس أكثر من غيرهم، بحسب الطبيبة.

وهناك نماذج بسيطة من المصابين بطيف التوحد، يمكن معالجة أسنانهم في العيادة باستخدام مهارات وتقنيات مخصصة، للتغلب على المخاوف والتحديات الحسية لديهم، بالإضافة إلى تعيين جلسات صباحية قصيرة لا تتعدى الثلاثين دقيقة لهؤلاء الأطفال، للاستفادة من الإضاءة الطبيعية قدر الإمكان وتجنب الإضاءة الساطعة، بحسب الدكتورة أبو دية، لكنّ نسبة ضئيلة جدا من أطباء الأسنان يأخذون بها، كما تقول، موضحة أنّ الأسنان بحاجة إلى تدخّل مبكر، كما هو الحال مع التحدث والتفاعل مع الآخرين، كما أنّ الرعاية الوقائية تقلل من احتمال اللجوء إلى التخدير العام.


انتظار طويل في مشافي الحكومة

تمنح وزارة الصحة الأردنية ذوي الاحتياجات الخاصة تأميناً يعفيهم من تكاليف العلاج في المستشفيات الحكومية والمراكز الطبية التابعة لها، وفقاً لما قالته لـ"العربي الجديد" رئيسة قسم التدخل المبكر في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الحكومي، ريزان الكردي.

ويؤكد التقرير الإحصائي الصادر عن وزارة الصحة الأردنية في عام 2017، وجود 419 عيادة أسنان تابعة للصحة في جميع أنحاء المملكة، يقصدها المرضى كافّة، وتستقبل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قبل إحالتهم إلى المستشفيات عند الحاجة. لكن أهالي الأطفال المصابين باضطراب التوحد الذين قابلتهم معدّة التحقيق يشتكون من عدم إعطاء الطفل المصاب باضطراب التوحد اهتماماً خاصاً، أو وقتاً أطول للكشف عليهم في عيادات الأسنان الحكومية، ومنهم منتهى خندقجي، والدة الطفل فيصل القاضي (10 أعوام) المصاب باضطراب التوحد، عندما قصدت مركز أم الحسين الصحي، في منطقة تلاع العلي في العاصمة الأردنية عمان، عندها كان فيصل يبكي ويشير إلى فمه، لكن طبيب الأسنان في المركز أخبرها بأنّ علاج ابنها ليس في العيادة، وأشار عليها بالتخدير مباشرة، من دون أن يجري له أي معالجة.

حصلت الوالدة على تحويلة لطفلها إلى مركز طبيّ آخر، تمهيداً لتحويله إلى مستشفى البشير الحكومي، لعلاج أسنانه تحت التخدير العام، عقب الحصول على موعد على لائحة الانتظار.

ويقدم مستشفى البشير الخدمة الطبية مقابل إعفاء كامل، مخصصا يوم الخميس من كلّ أسبوع لفحص وعلاج ذوي الاحتياجات الخاصة، فيما يخصص يوما واحدا من كلّ شهر لإجراء المعالجات السنية تحت التخدير الكامل في غرفة العمليات، وفق ما وثّقته معدّة التحقيق عبر جولة في عيادة الأسنان بالمستشفى.

ويتراوح عدد الأطفال الذين يتمكن الطبيب من معالجتهم في مستشفى البشير بين ثلاثة وأربعة أطفال على الأكثر، في كلّ مرّة، تبعاً لدورهم، بحسب رئيس قسم الأسنان في المستشفى، الدكتور موفق الشوبكي، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن خمسين مريضاً يزورون عيادة الأسنان في المستشفى يومياً، وينتظرون دورهم لتلقي العلاج على كرسيّ واحد، ومن ضمن قائمة الانتظار أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة واضطراب التوحد، كما يقول.

وتطبق آلية التحويلة ذاتها في مستشفى الجامعة الأردنية، إذ يتم تحديد موعد في عيادة الأسنان بناء على تحويلة من مركز صحي، وإذا لم يمتلك المريض التحويلة يجد نفسه مضطراً إلى دفع ثمن كشف الطبيب (15 ديناراً) في البداية، وكافّة تكاليف العلاج الأخرى التي يحتاجها المريض، بحسب ما رصدته معدة التحقيق عندما توجهت إلى المشفى المذكور لأخذ موعد.

ويفتقر مشفى الزرقاء الحكومي، الواقع في محافظة الزرقاء شرقي العاصمة، لأطباء أسنان مختصين في علاج الأطفال، رغم تزويده بعيادة أسنان مجهزة، وفق ما أوضحته الجولتين الميدانيتين في المشفى، إذ يجري تحويل الأطفال إلى مشفى البشير لإجراء معالجاتهم السنية، ما يزيد من اكتظاظ قوائم المراجعين في البشير، ويضاعف معاناة الأطفال، خاصة ذوي اضطراب التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، لاضطرارهم إلى الانتقال إلى محافظة أخرى والانتظار على قائمة مواعيد طويلة.

الطبيب أحمد الحنيطي، مدير مديرية صحة الفم والأسنان في وزارة الصحة الأردنية، يعزو ذلك إلى قلة المختصين في علاج أسنان الأطفال، والمؤهلين للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع المشافي الحكومية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ نقصهم هو السبب الأساسي وراء الانتظار الطويل، مشيرا إلى أن الوزارة ترفد المشافي بالمختصين وفق خطتها المالية.


علاج مكلف في المشافي الخاصة

اضطرت أم الطفل فيصل، التي تعيل طفلها بنفسها، تحت ضغط بكائه من شدة الألم، إلى زيارة طبيب أسنان في عيادته، وأخبرها بأن ابنها بحاجة إلى سحب العصب، إلى جانب معالجات أخرى يتطلب إجراؤها تحت التخدير في مشفى خاص، بتكلفة 600 دينار (حوالي 845 دولارا)، وهو مبلغ باهظ لم تستطع دفعه، فهي بالكاد تتحمل نفقات الاحتياجات الأساسية، الأمر الذي أجبرها على إعادة طفلها إلى المنزل، محاولة تهدئة ألمه بدواء مسكن، حتى يحين موعد علاجه في مستشفى البشير، كما تقول.

ويشمل أجر إجراء معالجات سنية تحت التخدير العام في مشفى خاص، أجر التخدير، وأجر فني الأسنان حين يكون له حاجة، وأجر طبيب الأسنان، ومبلغا للمشفى. وتتقاضى المشافي الخاصة أجرها عن كل ساعة تخدير، في حين يحتسب الطبيب أجره عندما يغادر عيادته ويذهب للمريض في المستشفى.

وعبر جولة ميدانية شملت 5 مستشفيات خاصة، منها المشفى التخصصي والاستشاري والاستقلال والمركز العربي في عمّان، ومشفى الزيتونة في مدينة الزرقاء، تبين أن المشافي تتقاضى مبلغاً يتراوح ما بين 220 و250 دينارا، أي ما يعادل ما بين 310 و352 دولارا لساعة التخدير الأولى، وبين 110 دنانير و155 دولارا بدءاً من الساعة الثانية فأكثر.

وتتشابه تجربة فيصل مع لؤي حداد (8 سنوات)، الذي يعاني من اعتلالات مختلفة في أسنانه، وتتضاعف المشكلة مع الوقت، لكن ضيق ذات اليد يمنع العائلة من دفع مبلغ 1200 دينار (1691 دولارا)، طلبها الطبيب مقابل علاج لؤي في مستشفى خاص، تحت التخدير الكامل، وفق ما تروي والدة لؤي لـ"العربي الجديد".

أما أجرة الطبيب الخاص فتتضاعف لدى مغادرته عيادته لإجراء المعالجات السنية في المشفى تحت التخدير، كما وثقت معدّة التحقيق. علماً أن لائحة الأجور للمعالجات السنية لم تتضمن تفصيلات تتعلق بالمعالجة تحت التخدير العام. لكن المادة الخامسة من تعليمات أجور أطباء الأسنان الصادرة بمقتضى نظام تحديد أجور أطباء الأسنان رقم (85) لسنة 1999، تتيح لطبيب الأسنان الاختصاصي في مجال تخصصه تقاضي ما نسبته 20% فقط زيادة عن الحدّ الأعلى للأجور الواردة في اللائحة.

ويوضح الناطق باسم نقابة أطباء الأسنان أنّ آخر قائمة أجور لأطباء الأسنان وضعت عام 1999، وصدرت عقب إقرارها عام 2003، وقد أصبحت قاصرة الآن، فهناك العديد من المعالجات غير المشمولة فيها، مثل المعالجة تحت التخدير العام.

وتُحدد تكلفة علاج الأسنان تحت التخدير العام بناء على اتفاق بين طبيب الأسنان والمشفى وطبيب التخدير، فكلّ له أجره، أما طبيب الأسنان فيترك عيادته الخاصة ويحمل معداته ويذهب لمعالجة الطفل في المشفى. بالتالي، سيطلب أجراً أكثر من الحدّ الأعلى المقرر، وهذا يختلف من طبيب لآخر، كما يوضح القواسمي، مشيراً إلى أن المعالجات التي لم يرد ذكرها في اللائحة يتم الاتفاق على الأجور بشأنها مع المريض.

معاناة الأطفال من ذوي اضطراب التوحد تتفاقم في ظل وعود الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الصحة بزيادة عدد كراسي الأسنان في المشافي الحكومية وتحديثها، ورفد عيادات أسنان الأطفال بأطباء مؤهلين للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، أو تشكيل فريق من الأطباء ليجول على المشافي. بينما أشار الحنيطي إلى أن هذه الخطط ما زالت عالقة، خلال مقابلته مع "العربي الجديد"، في حين يتكبد الأهل مبالغ باهظة في المشافي الخاصة، ويواجهون صعوبات في إيجاد طبيب أسنان مؤهل للتعامل مع الأطفال المصابين باضطراب التوحد ليتفهم احتياجاتهم ويجنّبهم التخدير قدر الإمكان.