العدالة الغائبة في اليمن... تلاعب سعودي إماراتي في تحقيقات قصف الطائرات

10 نوفمبر 2019
مخاوف خطيرة بشأن صدقية فريق التحقيق التابع للسعودية والإمارات(Getty)
+ الخط -
يستهجن الثلاثيني اليمني محمد حسين الشهاري ادعاءات الناطق الرسمي للفريق المشترك لتقييم الحوادث التابع للتحالف السعودي الإماراتي منصور المنصور، التي تناولت الغارة الجوية التي استهدفت مبنى نقابة المهن التعليمية في محافظة عمران شمالي العاصمة، إذ قال في 12 سبتمبر/أيلول 2017 إن "الغارة نفذت بناءً على معلومات استخباراتية تفيد بوجود قيادات حوثية"، لكن الشهاري متأكد من أن والده الأستاذ التربوي الذي راح ضحية الغارة التي وقعت في 18 من أغسطس/آب 2015، ليس له علاقة بجماعة الحوثي من قريب ولا من بعيد.

وقتل 20 من زملاء حسين الشهاري كذلك في الغارة التي استهدفت مبنىً مدنياً في أثناء اجتماع التحضير للاختبارات النهائية للشهادة العامة في المرحلتين الأساسية والثانوية للعام الدراسي 2014/ 2015، كما يقول محمد لـ"العربي الجديد"، معتبراً أن هدف تحقيقات الفريق المشترك إسقاط حقوق الضحايا والتغطية على جرائم التحالف ضد المدنيين.

ويُعدّ والد الشهاري واحداً من بين 10852 مدنياً سقطوا بين قتيل وجريح في اليمن نتيجة قصف طيران التحالف الذي تقوده السعودية خلال الفترة من 26 مارس/آذار 2015 حتى 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وفق إحصائيات مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المنشورة على موقعها الرسمي في 10 نوفمبر 2018.


تلاعب في تحقيقات حوادث الطيران

يلجأ الفريق المشترك لتقييم الحوادث الذي تشكل في عام 2016 بمشاركة 14عضواً ينتمون إلى دول التحالف الذي تقوده السعودية، عقب حوادث القصف الجوي على المدنيين، إلى القول إن طائراته قصفت أهدافاً مشروعة أو تنكرها أو ترجعها لأسباب تقنية، وفق ما وثقته "العربي الجديد" عبر منظمة هيومن رايتس ووتش التي رصدت الأمر في تقريرها "التخفي تحت مسمى التحالف" الصادر في 24 أغسطس 2018.

وتثير تحقيقات فريق تقييم الحوادث الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى وزير الدفاع السعودي، مخاوف خطيرة بشأن الاستقلالية والصدقية والدقة، بحسب التقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الصادر في 27 سبتمبر/أيلول 2019، الذي أشار إلى أن النتائج المتعلقة بوقوع أضرار بين المدنيين قسمت إلى ثلاث فئات من الاستنتاجات: إما (خطأ بشري) معظمها معلومات استخبارية خاطئة، أو (خطأ فني) لم يكن التحالف مصدر الهجوم، أو أن (المستهدف هدف عسكري).

وتناقضت نتائج التحقيقات التي أجرتها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان (مؤسسة مجتمع مدني حقوقية) مع تحقيقات الفريق المشترك في حوادث قصف الطيران السعودي الإماراتي، ومنها حادثة قصف سوق زبيد جنوبي محافظة الحديدة التي وقعت في 12 مايو/أيار 2015، وسببت قتل 44 ضحية و53 جريحاً من المدنيين. وهي الحادثة التي أنكر فريق تقييم الحوادث تنفيذه ضربة جوية هناك من الأساس، بحسب تأكيد رضية المتوكل، رئيسة منظمة مواطنة لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن تبعية فريق تقييم الحوادث لطرف مشارك في الحرب ينفي عنه صفة الحيادية.


وتكرر تناقض تحقيقات الفريق المشترك مع تحقيقات منظمة مواطنة في حادثة قصف مجلس عزاء في بني قيس بمحافظة حجة في الـ 22 من إبريل/نيسان 2018، الذي راح ضحيته 21 شخصاً وجرح 97 من المدنيين، وفق المتوكل، التي أكدت أن تحقيقات منظمتها توصلت إلى عدم وجود هدف عسكري هناك.

لكن فريق تقييم الحوادث اعتبر الضربة مبررة، لكونها هدفاً عسكرياً وفق تحقيقاته كما تقول المتوكل.
وإلى جانب تناقض نتائج تحقيقات الفريق المشترك لتقييم الحوادث مع تحقيقات منظمة مواطنة، تناقضت نتائج تحقيقات الفريق ذاته، مع نتائج اللجنة الوطنية للتحقيق بادعاءات حقوق الإنسان في اليمن (شكلت بقرار جمهوري من الرئيس هادي للتحقيق في القضايا كافة، بما فيها حوادث الطيران)، ومنها حادثة قصف الطيران لمنزل المواطن رويس الغزالي في منطقة المنصورة بمدينة عدن الجنوبية في 9 فبراير/شباط 2016، ما أدى إلى انهيار المنزل وسقوط 4 قتلى وفق ما أكده التقرير السنوي الثالث الصادر عن اللجنة الوطنية في يونيو/حزيران 2017. لكن الناطق باسم فريق تقييم الحوادث منصور المنصور، نفى في مؤتمر صحافي بتاريخ 31 يوليو/تموز 2018 تنفيذ التحالف عمليات جوية على عدن في تاريخ الادعاء.

وبينما يؤكد حسين المشدلي، نائب رئيس اللجنة الوطنية أن لجنته تقوم بعملها بحيادية وتقف على مسافة واحدة من كل الأطراف ولا تتعرض لأي ضغوط في عملها، مشيراً إلى أن لجنته تعتمد على الآليات المعمول بها من قبل اللجان الدولية المماثلة التي تقوم على مبادئ الاستقلالية والشفافية والحياد، يتهم الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الإنسان التابعة لحكومة الحوثي طلعت الشرجبي، الفريق المشترك بتزييف الحقائق عبر تبرير جرائم الطيران.



4 آلاف قضية جنائية جسيمة

وثقت وزارة حقوق الإنسان التابعة للحوثيين وقائع 4 آلاف حادثة جنائية جسيمة تتهم التحالف السعودي الإماراتي بارتكابها، لكنها لم تقدم سوى 30 قضية إلى القضاء المحلى بحسب طلعت الشرجبي، الذي قال إن حكومة صنعاء لم تستطع تقديم القضايا الجنائية إلى المحاكم الدولية لصعوبة الإجراءات والتعقيدات الكبيرة، إذ تقف السعودية بقوة للحيلولة دون الوصول إلى المحاكم الدولية، في ظل تواطؤ الدول الكبيرة باعتبارها مشاركة بالعدوان، مضيفاً أن جرائم الطيران لا يمكن أن يسقط بالتقادم ولو بعد عشرات السنوات، ولكن يجب أن يكون هناك توثيق شامل ومحايد وضغط متواصل لتشكيل لجنة تحقيق دولية تمتلك صلاحيات التواصل والتنسيق مع المحاكم الدولية لتقديم المتورطين للعدالة والعمل على تدويل القضية.

ولم تستطع حكومة صنعاء إقناع المجتمع الدولي بإنشاء لجنة تحقيق دولية في انتهاكات القانون الدولي والإنساني، وأقصى ما جرى هو فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن الذي تقتصر صلاحيته على توثيق الانتهاكات ورصدها، ولا يمتلك صلاحية اتخاذ الأحكام أو رفع ملفات انتهاكات إلى المحاكم الدولية بحسب الشرجبي.

لكن رضية المتوكل تقول: "لا شيء يمكن أن يعفي التحالف من المساءلة القانونية بخصوص ضرباته المنتهكة للقانون الدولي الإنساني التي راح ضحيتها المدنيون، وتحقيقات التحالف ليست المصدر الوحيد للمعلومات، وهناك جهات دولية ومحلية مستقلة تقوم بالتحقيق بأدوات جادة ومستقلة وقادرة على الدفع باتجاه المساءلة".

ويواجه القادة السعوديون والإماراتيون، الذين يؤدي بلداهم دوراً محورياً في عمليات التحالف العسكرية، مسؤولية قانونية محتملة في إطار مسؤولية القيادة، أي المسؤولية المنجرّة عن كون القائد على علم أو ينبغي له أن يعلم بالانتهاكات التي ارتكبها مرؤوسوه، دون أن يتخذ إجراءات كافية لمنعهم من ذلك أو معاقبتهم، بحسب تقرير "التخفي خلف مسمى التحالف" الذي رصد استمرار العديد من كبار القادة السعوديين والإماراتيين الذين أدوا دوراً بارزاً في العمليات العسكرية في أثناء النزاع في مناصب ذات قوة وسلطة.

ولم يعثر فريق الخبراء على أي معلومات تتعلق بآلية الإحالة المحتملة من الفريق المشترك لتقييم الحوادث على النظام القضائي في اليمن أو في الدول الأعضاء في التحالف بحسب التقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الصادر في 27 سبتمبر/أيلول 2019.


هل تحققت العدالة للضحايا؟

تقدمت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان بملف للنيابة العامة يتكون من 3 آلاف قضية وانتهاك، من بينها حوادث الطيران، من أجل تقديم التعويضات لذوي الضحايا، لكن حتى الوقت الراهن لم تُسلَّم التعويضات، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد" مديرالإعلام في اللجنة أحمد الصهيبي.

ويقع جبر الضرر وتعويض المتضررين ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات على عاتق الجهات القضائية وعلى الحكومة الشرعية والتحالف، بحسب المشدلي، مؤكداً أنه يجري التنسيق حالياً بين لجنته وقيادة التحالف والحكومة الشرعية حول البدء في التعويض خصوصاً لضحايا قصف الطيران.

وتمتلك اللجنة الوطنية راصدين منتشرين في كل مناطق الصراع، بما فيها المناطق الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي، يقومون مباشرة بالنزول إلى مكان الانتهاك واللقاء بالشهود والاستماع إلى الضحايا وتصوير مكان الانتهاك وجمع وتحريز بقايا المقذوفات والشظايا ورفعها إلى اللجنة، لتتولى مجموعة من المحققين المساعدين من الكادر القضائي ومحامون مباشرة إجراءات التحقيق وتُحال الملفات المكتملة على النيابة العامة، كما يقول المشدلي.

اللافت أن الشرجبي اتهم حكومة صنعاء بالتهاون بملف قضية الضحايا وتعويضاتهم والإهمال في أعمال التوثيق التي تقوم غالباً بمجهود فردي، موضحاً أن قضايا الضحايا لا بد أن تقوم أولاً على تحقيق العدالة بمحاكمة المتورطين بالجرائم ثم تعويض المتضررين، وهو ما لم يحدث في قضية المواطن قائد محمد الذي قتل بغارة جوية أثناء وجوده في محكمة حي كمب الصعيرة بمديرية مقبنة غرب مدينة تعز جنوب غربي اليمن في الثامن من مايو/أيار 2017، بحسب تأكيد نجله معاذ لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن التحالف ينكر حادثة ثابتة بشهادة الشهود الذين سمعوا أصوات الطائرة وهي تحلّق قبل القصف وبعده، لاستمرار التخلص من المسؤولية الجنائية وعدم تقديم التعويضات.