تعرض المهندس الليبي علي بن سالم لسرقة سيارته التي كان بداخلها هاتفه الشخصي وأجهزة تقنية تخص عمله في حقل الشرارة النفطي الذي يبعد 700 كلم إلى الجنوب من طرابلس، على يد مجموعة مسلحة أثناء قيامه بجولة ميدانية منذ أقل من عام.
وتعد سرقة العاملين في الحقول النفطية أمراً شائعاً نتيجة الانفلات الأمني، وغياب الدولة، ما مكن المجموعات المسلحة من اقتحام الحقول، ونهب كل ما تقع عليه أعينهم كما يقول سالم لـ"العربي الجديد"، وهو ما يؤيده مدير حقل الشرارة النفطي حسن الصديق قائلا لـ"العربي الجديد": "سرقة سيارات المهندسين والفنيين ومعدات هندسية، مثل "أجهزة اتصال، وأجهزة قياس ضغط الحقول النفطية، ومحولات كهربائية" بالحقول النفطية من قبل المجموعات المسلحة تحدث بشكل متكرر".
وتصل خسائر الحقل بسبب السرقة إلى خمسة ملايين دينار ليبي سنويا (3.5 ملايين دولار)، وكان آخر حادث سرقة من نصيب ثلاث سيارات خاصة بشركة أكاكوس التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط إضافة إلى سرقة هواتف العاملين الذين كانوا متواجدين في المحطّة الفرعية بحقل الشرارة النفطي (B-6NC-186) أثناء تعرضها لهجوم من قبل مجموعة مسلّحة مكونة من ثمانية أفراد، يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وفق ما أورده الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط، الذي أوضح أنه تم إجلاء العاملين لاحقا إلى أماكن آمنة... لتعمل كلّ من إدارة شركة أكاكوس والفرق الأمنية المختصّة مع السلطات بالمنطقة للتحقق من هوية مرتكبي هذه الأفعال المشينة وفقا للموقع.
شيوع عمليات النهب
بدأت عمليات السرقة والتعدي ونهب الحقول النفطية منذ العام 2011، وتؤكد رسالة رقم 1553 الموجهة من وزارة النفط والغاز الليبية إلى رئاسة الوزراء في 8 أغسطس/آب 2012 حدوث تعديات وسرقات تحت تهديد السلاح في المنطقة السكنية الثالثة بمدينة البريقة، واقتحام مزيد من المساكن الخاصة بمستخدمي الشركات النفطية وسرقة السيارات. لكن تلك الحالات تفاقمت في العام 2013، حتى وصل الأمر إلى ايقاف موانئ، وتصدير النفط بمنطقة الهلال النفطي الذي يضم عدة مدن بين بنغازي وسرت، (المخزون الأكبر من النفط)، إضافة إلى موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة الأكبر في ليبيا، الذي يصدر 800 ألف برميل يوميا من بين 1.5 مليون برميل إجمالي إنتاج ليبيا في الأوقات الطبيعية، بحسب تأكيد محمد سالم خبير النفط المتقاعد الذي عمل مستشارا في المؤسسة الوطنية للنفط من العام 2005 حتى عام 2007 والذي قال لـ"العربي الجديد"،: "حوادث النهب والسرقة والخطف مستمرة حتى الآن ولم يكن الأمر هكذا من قبل".
وشهدت مصفاة الزاوية (48 كلم إلى الغرب من طرابلس) ازديادا حادا في وتيرة الخروقات الأمنية، رغم وجود أعداد كبيرة من أفراد حرس المنشآت، وما يسمى سرايا الإسناد، وكان أكثرها خطراً بحسب الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط، حادثة الاعتداء على المستخدمين والاستيلاء على مقتنياتهم الشخصية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى خطف أحد المستخدمين، ثم إخلاء سبيله لاحقا، وسرقة سيارات تابعة لشركة الزاوية لتكرير النفط التابعة للمؤسسة النفط والمستخدمين، كما شهدت المصفاة اعتداء جديدا وقع مؤخراً بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول، إذ دخل مسلحون عنوة إلى مصنع خلط الزيوت لتحقيق مكاسب شخصية، والاعتداء على أفراد الأمن الصناعي وسرقة سيارة تابعة لشركة الزاوية.
ولم تقتصر السرقة في الحقول النفطية الليبية على سيارات المهندسين، بل تعدى الأمر إلى قيام المجموعات المسلحة بسرقة وقود طيران وبنزين سيارات وأدوات تشغيلية في الحقول النفطية مثل الكابلات الكهربائية والنحاس وأجهزة الاتصالات والمحولات الكهربائية كما يقول الخبير محمد سالم، وهو ما يؤكده المهندس علي بن سالم، موضحا أن المجموعات المسلحة تدخل إلى الحقول النفطية وتعبث بمحتويات الحقول والأدوات الفنية وتخطف العاملين بغية الحصول على الفدية، ما يعرقل عملية الإنتاج.
ويعترف رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بعمليات نهب الحقول النفطية والعاملين فيها، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن سبب السرقات هي الفوضى الأمنية التي تعانيها الحقول، لكنه يقول إن هناك تنسيقا مع سكان محليين للحد من الظاهرة، غير أن مدير حقل الشرارة النفطي حسن الصديق يرى أن استقرار الوضع الأمني في الحقل سيحصل بعد استقرار الدولة وتكوين أجهزة أمنية قوية.
تورط حراسة المنشآت النفطية
يؤكد صالح محمد عبدالقادر، مسؤول أمني، بحقل الشرارة أن السرقات تتم من قبل حراس أمن الحقل بالتعاون مع مجموعات مسلحة قائلا :"يحدث الأمر عندما تتأخر رواتب الحراس"، ويرد محمد الطارقي أحد حراس أمن حقل الشرارة على المسؤول الأمني بالقول: "السرقات لا تحدث من قبل المجموعات التابعة لنا"، معترفا في الوقت نفسه، بأن ضعف التجهيزات العسكرية وضعف الأفراد المنحدرين من المناطق المحلية، الذين لم يسبق لهم تأدية الخدمة العسكرية، يؤدي إلى تمكن المهاجمين من السطو على حقول النفط، مضيفا أن غياب الدعم المالي وراء ذلك، وهو ما يؤكده أحد المهندسين بشركة "الزويتينة" الذي يعمل في أحد الحقول بمنطقة الهلال النفطي (فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية)، قائلاً إن "مجموعات مسلحة تابعة لحفتر تقوم بعمليات النهب"، مضيفا أن هذا تطور خطير، وفي حال استمراره، قد يتسبب بعزوف العاملين من منطقة الهلال النفطي، لكن المؤسسة تلعب دوراً وسيطاً في حلحلة المشاكل.
وارتفع عدد المنتسبين إلى جهاز حراسة المنشآت النفطية من 2400 شخص في العام 2010 إلى 30 ألف شخص، حتى نهاية عام 2017، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن وزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني في 2017، والذي أوضح أن مصروفات الجهاز تناهز الـ"مليار" دينار سنويا.
ويتوزع حرس المنشآت النفطية على حقول الشرارة والفيل وحقل الحمادة وحقل الوفاء للغاز بالجنوب الليبي بالإضافة إلى منطقة الهلال النفطي التي تضم ميناء الزويتينة ورأس لأنوف والسدرة، وميناء الحريقة شرق البلاد بحسب التقرير ذاته.
وأرسل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المهندس مصطفى صنع الله عقب حادثة سرقة سيارات من مصنع خلط الزيوت في 10 أكتوبر الماضي، تنبيها لحرس المنشآت النفطية والهيئات الأمنية المختصة بشأن تدهور الحالة الأمنية في مصفاة الزاوية في الآونة الأخيرة، محذرا من تواصل غياب الأمن وعدم معالجة الوضع، بما يضمن سلامة الموظفين وحماية المواقع، لأنه سيؤثر على العمليات وقد يؤدي إلى تعليقها وفق ما جاء في الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط.
ووفقا لما جاء في موقع المؤسسة الوطنية للنفط، فإن صنع الله أكد بالقول: "إن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو إن من ناحية أمن الأفراد أو استمرار الإنتاج. نتوقع أن يتم الحفاظ على مبادئ الأمن الأساسية من قبل الأفراد المسؤولين عن حراسة المنشآت التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط. ونطالب السلطات المختصة بوضع حل لهذا القصور الأمني بصورة عاجلة".
استجداء الحل
دعت المؤسسة الوطنية للنفط كل الجهات المعنية، على الصعيدين الوطني والمحلّي، إلى دعم المساعي الرامية إلى حماية المنشآت النفطية وكلّ العاملين في هذا القطاع، مؤكّدة على ضرورة وجود جهاز أمني وطني موحّد، إذ إنّ الظروف الأمنية تشكلّ عنصرا أساسيا في قدرة المؤسسة على ضمان استمرار عملياتها والتي سيتسبب إيقافها أو تعطيلها في انخفاض الإنتاج الوطني، على حساب الشعب الليبي وفق ما جاء في موقعها الرسمي يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وأكد رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مصطفى صنع الله، أن حادثة الهجوم على المحطّة الفرعية بحقل الشرارة وسرقة ثلاث سيارات تابعة لشركة أكاكوس في 20 نوفمبر الجاري، تبرز بوضوح الحاجة الماسّة إلى ضمان حراسة أمنية مشدّدة على منشآت المؤسسة والشركات التابعة لها، إذ إن قطاع النفط يعتبر الهدف الأول للأشخاص الذين يسعون إلى الاستفادة بطرق غير شرعية من التضحيات الهائلة التي يقوم بها مستخدمو قطاع النفط في كافّة أرجاء البلاد على الرغم من كلّ التحدّيات الأمنية الراهنة، بهدف حماية مصالح الشعب الليبي.
وردت المؤسسة الوطنية للنفط في 19 يونيو/حزيران الماضي، على ما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة السنوي 2017 الصادر بتاريخ 23 مايو/أيار 2018 في ملاحظات الفصل الثالث الخاص بقطاع النفط، بأن الحقول النفطية، المبروك، والغاني، والظهرة والباهي، والامتياز nc74 تعرضت لهجوم مسلح من قبل تنظيم داعش في فبراير/شباط 2015، أدى إلى نهب وتدمير وحرق معدات ومرافق الإنتاج بهذه الحقول، مؤكدة أن عدم استقرار الوضع الأمني في الحقول والموانئ النفطية بسبب الحروب والسطو، نتج عنه تدمير جزئي منها، واقفال المتبقي من حين لآخر، ما يهدد عمليات الإنتاج التي تتكرر حوادث توقفها رغم اعتماد البلاد على العائدات النفطية بشكل كلي.