نهب الوقود الليبي... مهربو المحروقات يعملون في ظروف آمنة

13 سبتمبر 2018
الوقود الليبي يهرب بحراً وبراً (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد معاناة كبيرة بسبب أزمة اختفاء الوقود وتزايد عمليات تهريبه في جنوب ليبيا شارك الأربعيني معمر علي عددا من أهالي مدينة سبھا لجمع تبرعات من أجل شراء الوقود من السوق السوداء لمولد كهرباء.

ويؤكد معمر أن سعر لتر البنزين جنوب ليبيا يبلغ عدة أضعاف السعر الرسمي قائلا: "نشتري لتر البنزين بدينار ونصف وحتى دينارين، في حين يباع بـ15 قرشاً في العاصمة (متوسط سعر الدولار رسميا 1.3828 د‫.‬ل وفقا لبيانات البنك المركزي)".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد كما يقول معمر إذ يعاني أهالي سبها من توقف المخابز عن العمل، نتيجة عدم توفر الوقود، في ظل نهب عصابات تهريب المشتقات النفطية حصتهم، وهو ما يؤكده مدير المكتب الإعلامي والمتحدث الرسمي لشركة البريقة لتسويق النفط أحمد المسلاتي، قائلا لـ"العربي الجديد" إن مهمتهم في تزويد الجنوب بالوقود بشكل منتظم، تواجهها عقبات كثيرة منها عدم تأمين الطريق البلغ طوله 700 كلم من عصابات التهريب التي تعترض طريق الشاحنات وتسرقها تحت تهديد السلاح، بهدف الإثراء من خلال تهريبها إلى دولتي تشاد والنيجر".


إهدار مبالغ طائلة


أنفقت ليبيا 30 مليار دولار أميركي (40 مليار دينار ليبي) لدعم المحروقات بمتوسط 6.7 مليارات دينار سنوياً خلال الفترة من عام 2012 وحتى عام 2017 وفقا للتقريرالعام لديوان المحاسبة الليبي (أعلى سلطة رقابية في ليبيا) عن عام 2017.

وينتقد التقرير الصادر في مايو/أيار الماضي استمرار الدولة في دعم المحروقات دون هدف، أو رؤية، إذ إن الشريحة المستهدفة بالدعم لا تستفيد منه في ظل عدم وصول المحروقات لعدد من المناطق بشكل كامل، مع تفاقم عمليات تهريب الوقود، وهو ما وثقه التقرير عبر حساب الفارق بين إجمالي ما أنفق لتوريد المحروقات خلال سنة 2017 والذي تجاوز 4 مليارات دينار (2.89 دولار أميركي). في المقابل، إن ما تم سداده من قبل شركة البريقة لتسويق النفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط في مقابل المبيعات في السوق المحلي بلغ 282 مليون دينار فقط (282 مليون دولار)، أي أن حجم الإهدار يصل حتى 3 مليارات و778 مليون دينار.

وتكشف الأرقام السابقة كيف أن ليبيا ضحت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بأكثر من نصف مواردها لتوريد المحروقات، وتتجاوز هذه النسبة 80% في بعض السنوات في حال احتساب ما يتم استهلاكه من محروقات منتجة بالمصافي المحلية، في الوقت الذي لا تستفيد الشريحة المستهدفة بالدعم من تلك الأموال بسبب عدم وصول كميات المحروقات لعدد من المناطق بشكل شبه كامل في ظل تضحية الدولة بنفط خام بقيمة 2 مليار دولار لإنتاج محروقات تكلفتها بالسوق العالمية مليار دولار فقط وفق ما كشفه تقرير ديوان المحاسبة.



طرق التهريب

يتعرض 40% من الوقود المكرر في ليبيا، أو المستورد من الخارج للسرقة أو التهريب بحسب تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط التي جاءت في تقرير فريق الخبراء الأممي المعني بليبيا المنشأ، عملا بقرار مجلس الأمن 1973 و2011، الذي صدر في مايو/أيار 2017.

ويهرب الوقود من الغرب الليبي ومدن الساحل شمال ليبيا إلى مناطق الجنوب، ومنها إلى دول جنوب ليبيا، وخاصة دولة النيجر وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" المقدم في قوات الجيش التابعة لبرلمان طبرق طارق الحسناوي، وهو ما أيده الإعلامي الليبي صالح بن آدم مضيفا إليه أن التهريب الوقود يتم كذلك عبر كل حدود ليبيا، وليس الجنوب فقط، راويا مشاهداته لما يحدث في معبر رأس جدير على الحدود الليبية التونسية بالقول: "البوابة الثالثة الأخيرة بمعبر رأس جدير تديرها عناصر أمنية بلباس مدني تغض الطرف عن تهريب الوقود، فقد شاهدت سيارات المهربين، بدون لوحات، تخرج من المعبر محملة ببراميل البنزين بعد أن يدفع المهربون الرشاوي لعناصر الأمن علناً".

ويؤكد تقرير فريق الخبراء الأممي أن معظم عمليات التصدير غير المشروع للمنتجات النفطية المكررة بحراً في ليبيا تتم في منطقة زوارة الساحلية 120 كلم غرب العاصمة و 60 كلم شرق الحدود مع تونس، حيث يتم رصد عمليات ملاحة مشبوهة في سواحل زوارة باستمرار.



واتهم تقرير الخبراء قائد جهاز حرس المنشآت النفطية في مدينة الزاوية الساحلية غرب العاصمة طرابلس محمد كشلاف المعروف باسم القاصب، بالضلوع في شراء الوقود للمهربين، ويقود أيضا ما يسمى مليشيا النصر، ويتولى أخوه وليد كشلاف المعروف باسم وليد الهادي العربي كشلاف الجانب المالي لهذه التجارة، ورئيس خفر السواحل في الزاوية عبدالرحمن ميلاد (الملقب ببيجا)، وهو معاون هام لـ"كشلاف" في نشاط الاتجار بالوقود.

ووجه التقرير الاتهام لمهرب آخر في الزاوية يمتلك جماعة مسلحة خاصة يدعى إبراهيم حنيش، موضحا أن الوقود يتم نقله عبر البر كذلك من الزاوية غرباً إلى "زوارة والعجيلات ورقدالين والجميل"، ثم يهرب إلى تونس، وعلى الجانب الآخر من أنشطة الاتجار بالوقود تتصل شركات السمسرة بأصحاب السفن عبر قنوات معتمدة لشراء الوقود في ليبيا، وعندما أبلغت المؤسسة الوطنية للنفط بتلك العروض، اتصلت بالشركات المعنية لتذكيرها بالطابع غير المشروع للصفقات المقترحة.


ويزوّد مهربو الوقود، قباطنة السفن بمستندات ذات مظهر رسمي وأشار بعضهم، عندما تم الاتصال بهم بعد احتجاز إحدى سفنهم إلى تلك المستندات، للادعاء بمشروعية عملية نقل الشحنة وفقا لتقرير فريق الخبراء الأممي.

وتشكل حالة الناقلة  Sichem Singapore، أول محاولة معروفة لدى الفريق لبيع منتجات مستخرجة ومكررة داخل ليبيا، كما أنها أول محاولة معروفة لدى الفريق تم القيام بها، انطلاقا من الساحل الشرقي.

وبسبب العمليات السابقة تقدر خسائر قطاع النفط في ليبيا بسبب التهريب والسرقة بقيمة 750 مليون دولار سنويا (مليار دينار ليبي بسعر الصرف الرسمي)، بحسب ما ذكره رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله في كلمة ألقاها خلال مؤتمر حول سرقة النفط والوقود، عقد في جنيف منتصف إبريل/نيسان الماضي.

ولم يكتف مهربو الوقود بالتوغل في المليشيات التي تسيطر على الكثير من المناطق في ليبيا، بل توغلوا أيضا في بعض شركات توزيع الوقود التي من المفترض أن تقوم بتوصيل الوقود بسعر زهيد للمواطنين بحسب صنع الله، والذي قال إن المؤسسة تدرس استخدام نظام كيميائي للتعقب بهدف المساعدة في تتبع المنتجات النفطية التي يجري تهريبها إلى خارج البلاد.

وطالب صنع الله، بتوسيع عملية صوفيا البحرية الأوروبية التي أطلقت في 2015 للتصدي للمهربين في المتوسط حتى تتصدى لمهربي الوقود الليبي، مشيرا إلى أنه يجب على الأمم المتحدة أن تدرس فرض عقوبات على المهربين، وحض ليبيا على إصلاح الدعم الضخم الذي يتيح بيع الوقود بأسعار منخفضة جداً تعادل ما بين 2 إلى 3 سنتات للتر، وهو ما يؤكد عليه خبراء ليبيون في مجال النفط مؤكدين أن رفع سعر الوقود ليصبح مكافئا للأسواق المجاورة سيقضي على الظاهرة.



عجز حكومي

شكلت حكومة الوفاق الوطني لجنة مختصة بمعالجة أزمة الوقود والغاز، أعلنت بدورها مطلع العام الماضي عن البدء بعملية "عاصفة المتوسط"، لمكافحة تهريب الوقود بالسواحل الليبية بمشاركة القوات البحرية، ومقاتلات سلاح الجو الليبي، غير أن الإعلامي الليبي صالح بن آدم يقول إن دور الجهات المعنية بمكافحة التهريب ولجنة أزمة الوقود والغاز وهمي، مشيرا إلى أن من يزور مدينة زلطن الواقعة على الحدود الليبية التونسية، سيرى براميل البنزين على الشارع الرئيسي، حيث تأتي سيارات المهربين من الجانب التونسي لتعبئة برميل النزين، وتعود لتعبر منفذ رأس جدير في وضح النهار، وهو ما يعيده أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة مصراتة الدكتور مختار الجديد إلى غياب الدولة والأجهزة الرقابية التي ترصد هذه الظاهرة، وهو ما يؤكده المسلاتي، متهما وزارتي الداخلية والدفاع بالعجز عن تأمين الطريق الواصلة إلى الجنوب في مواجهة عصابات التهريب، قائلا: "إن شحنات الوقود متوفرة، لكن إيصالها لمحطات التوزيع في الجنوب يتطلب تأمين الطرق، وقد ناشدنا عديد المرات الجهات الأمنية المختصة والوزارات المعنية بالأزمة لتوفير الحماية للسائقين والشاحنات لنتمكن من إيصال المحروقات للجنوب".


وشهدت بعض بلديات الجنوب انفراجة نسبية في الأزمة، وستنفرج أكثر إذا استمر إيصال المحروقات من بنزين وديزل وغاز مسال بواقع شحنة يومياً حسب المتفق عليه كما يقول مدير المكتب الإعلامي والمتحدث الرسمي لشركة البريقة، مستدركا أن الظروف الأمنية والاشتباكات التي تحدث الآن بين بعض القبائل في الجنوب حالت دون ذلك وزادت الأزمة تعقيداً، ويزداد الأمر سوءاً في البلديات الواقعة في أقصى الجنوب "أوباري وتراغن والقطرون" وغيرها، وهو ما يؤكده العشريني خالد محمد قائلا أنه ما أن تلبث أزمة الوقود وتشهد انفراجة مؤقتة في منطقة معينة حتى تعود مجدداً.



ويؤكد النائب صالح قلمة عضو البرلمان عن دائرة القطرون بالجنوب ومقرره العام في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ضبط أمن الجنوب يحتاج إلى دولة مؤسسات قوية، موضحا أنه لا يوجد تمييز متعمد في المخصصات المالية للأمن في الجنوب، ولكن المشكلة أنه لا يوجد أصلا وعي حقيقي بما يحدث وحلول جريئة لإنهاء الأزمات المتكررة في عموم ليبيا، الأمر الذي يوافقه عليه الدكتور مختار الجديد قائلا أن الدولة ستبقى عاجزة عن تأمين حدودها، طالما أن سعر الوقود في دول الجوار أضعاف سعره في ليبيا، ولا حل إلا برفع الدعم عن الوقود حتى يتساوى سعره في ليبيا مع سعره في دول الجوار كما يقول، لكن المقدم الحسناوي يرى أنه ليس من الصعب مواجهة عمليات تهريب الوقود موضحا أنه: "إذا توفرت الإرادة وتوحدت الجهود، يمكن الحد منها إلى حد كبير، لكن انقسام القوات المسلحة الليبية بعد ثورة عام 2011 والصراع القبلي والعسكري القائم حاليا في الجنوب، هو ما يجعل مهربي ليبيا يعملون في ظروف آمنة".