التهريب عبر زاغروس... إيرانيون وعراقيون ضحية رحلات الموت الحدودية

11 يوليو 2017
المهربون يستخدمون ظهورهم أو الخيول لنقل بضاعتهم (الأناضول)
+ الخط -
فقد المهرب الكردي بهمن توفيقي ساقه بعد انفجار لغم أرضي كاد أن يودي بحياته أثناء عمله على تهريب شحنة من السجائر عبر منحدرات سلسلة جبال زاغروس الشاهقة الفاصلة بين إقليم كردستان العراق والأراضي الإيرانية مرورا بقضاء بنجوين التابع لمحافظة السليمانية (نحو 350 كم شمال شرق بغداد)، في مقابل مبلغ يصل إلى 20 دولارا، إذ تمتلئ تلك المنطقة بحقوق الألغام التي زرعها الجيش الإيراني أثناء الحرب العراقية الإيرانية الممتدة بين أعوام 1980 و1988.

ويحمد توفيقي الله على بقائه على قيد الحياة، إذ دائما كان يودع زوجته وأطفاله قبل خروجه من بيته إلى عمله الشاق والذي لا يعرف عنه بديلا لتوفير احتياجات أسرته الصغيرة، وعلى الرغم من وقوع الكثير من الحوادث في الفترة الماضية أدت الى وفاة الكثير من المهربين، ممن علقوا في الثلوج وماتوا، أو سقطوا من منحدرات جبلية، أو انفجرت فيهم ألغام الجيش الايراني أو قتلهم رصاص الجنود، إلا أن ثلاثة آلاف كردي عراقي وإيراني يعملون في تهريب البضائع إلى الجانب الإيراني، بحسب تأكيد قائم مقام قضاء بنجوين التابع لمحافظة السليمانية والقريب من الحدود الإيرانية زانا عبد الرحمن لـ" العربي الجديد".


المشي فوق حقول الألغام

يرقد الشاب توفيقي في مستشفى بمدينة أورمية شمال غرب إيران، إذ لم يتمكن من توفير تكاليف علاجه من آثار الانفجار، الأمر الذي أدى إلى احتجازه من قبل السلطات لعدم دفعه أجور العلاج للمستشفى، حسب روايته لـ"العربي الجديد".

وأصيب كل من توفيقي وسلام إبراهيم زاده، وخدري رسولي، وعباس رسولي، ورسول محمدي، ورسولي آزري، ضمن 56 مهربا آخرين تعرضوا لانفجار ألغام أرضية خلال عامي 2016 والربع الأول من عام 2017، فيما قتل 72 آخرون وفقا لتقرير صادر في إبريل/نيسان 2017 عن مركز مراقبة حقوق الإنسان في كردستان إيران "Iranian Kurdistan Human Rights" (منظمة غير حكومية).

ويقوم حرس الحدود الإيراني منذ سنوات بزراعة الألغام على الحدود مع إقليم كردستان، حتى في مناطق الرعي وعلى الجبال، إلى جانب زراعتها في مناطق بعمق أراضي إقليم كردستان لمسافة تصل الى ثلاثة كيلومترات، الأمر الذي جعل المنطقة مليئة بالألغام الإيرانية وفق تأكيد مختار قرية "كاني" القريبة من الحدود الإيرانية، محمد مختار، والذي أكد في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الجنود الإيرانيين يدخلون إلى أراضي كردستان العراق لزرع الألغام والعودة مرة ثانية إلى مراكزهم الحدودية، مشيرا إلى وجود ألغام ضمن حدود 11 قرية في المنطقة، بينما تعمد السلطات الايرانية إلى تحذير مسؤولي المناطق الحدودية في العراق لإبلاغ السكان بخطورة الاقتراب من المنطقة بعد زرع الألغام".

ويعد قضاء بنجوين أبرز نقاط عمليات تهريب البضائع، ما أدى إلى قيام الجيش الإيراني بزرع الألغام بين أراضي القضاء والحدود الإيرانية البالغ طولها 100 كيلومتر، لكن وعورة المنطقة ووجود منافذ حدودية بينها اثنان رسميان هما (باشماخ وسيرانبن) يُعقد مهمة إغلاق كافة الممرات بين البلدين بالألغام وفق ما أكده قائم مقام قضاء بنجوين لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن تجارة التهريب غير الرسمي تمر عبر منافذ، توتمان، وهلالاوا، وكونميرو، وسياكويز، وكوخلان، وبناوسوته.


الفقر يدفع إلى الموت

يعاني أهالي القرى الحدودية الفاصلة بين إيران وشرق كردستان من ارتفاع نسبة البطالة والفقر وخاصة في المجتمعات الريفية الأمر الذي أدى إلى توجه الكثير من أبناء هذه القرى إلى العمل في مجال تهريب البضائع عبر الحدود، إلى جانب أن إجراءات الاستيراد المشددة في إيران جعلت نقل العديد من السلع مثل الأجهزة الكهربائية المنزلية أمراً مربحاً بالنسبة للمهربين، لكن الأمر لا يقف عند تهريب السلع المنزلية، إذ يوجد مهربون للمخدرات والأدوية والعقاقير والتي تدر أرباحاً أكبر، وتحاول سلطات الحدود إيقافها وفقا لما أكده لـ"العربي الجديد"، مسؤول الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض إبراهيم زيويي، والذي حمل السلطات الإيرانية، مسؤولية دفع الإيرانيين المقيمين في القرى الحدودية إلى العمل في التهريب، إذ لا توجد مشاريع صناعية أو تجارية في المنطقة، مضيفا:"لا تدعم السلطات الزراعة ولا أي مجال آخر يوفر فرص العمل للناس، ماذا يفعل الأهالي من الفقراء، لم يعد لهم من خيار يقتاتون منه سوى التهريب".

زمن الخيول الثملة

توسعت عمليات تهريب البضائع بين جانبي الحدود العراقية الإيرانية منذ 3 عقود، إذ تغيرت أساليب التهريب وتطورت من نقل البضائع على ظهور المهربين إلى نقلها على ظهور الأحصنة الأمر الذي ألهم شعراء وسينمائيين عراقيين وإيرانيين تناولوا معاناة المهربين وخيولهم، ومن بينهم المخرج السينمائي الإيراني بهمن قبادي والذي أخرج فيلما سينمائيا في عام 2000 أطلق عليه "زمن الخيول الثملة"، ويتحدث بهمن في فيلمه عن معاناة سكان قرى حدودية يعملون في التهريب ويقومون بسقي خيولهم جرعات من مشروب الويسكي لتحفيزها على تحمل برودة الجو والسير وسط الثلوج في المناطق الوعرة، بينما وثق الفيلم لحالة الفقر الشديد لشريحة اجتماعية تتعرض دائما لملاحقة الشرطة وقسوة الطبيعة، ما يضطر أطفال المهربين إلى العمل في ظروف سيئة على تغليف البضاعة المهربة ووضعها على ظهور الجياد.

ولم تتوقف عمليات التهريب حتى خلال الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي (1980 - 1988)، إذ جرى نقل سلع مثل التمور والشاي والسجائر بين البلدين بحسب قائم مقام قضاء بنجوين زانا عبد الرحمن.

ولفت عبد الرحمن إلى أن تهريب المخدرات عبر الحدود الإيرانية يعد هاجس الأجهزة الأمنبة الكردية، في حين تقل المخاوف من دخول بقية المواد، مشيرا إلى أن المهربين يعملون على إدخال جميع أنواع السلع الممنوعة، حتى الطيور والصيصان، أو أي شيء آخر ممنوع بسبب عدم صلاحيته أو غير مطابق للمواصفات إلى العراق، فيما يجري نقل السجائر والخمور وأجهزة إستقبال القنوات الفضائية ومختلف أنوع الأجهزة الإلكترونية إلى الجانب الآخر بواسطة المهربين.

وينقسم المهربون ممن ينقلون البضائع بين البلدين إلى نوعين، الأول من يقومون بنقل السلع لصالح مهربين آخرين ويتقاضى هؤلاء مبلغاً يبدأ بعشرة دولارات أميركية تبعاً لمسافة الطريق ونوعية البضاعة ووزن الحمولة، ويعمل هؤلاء بشكل أساسي على تهريب الأجهزة الكهربائية المنزلية وسلع أخرى مسموح بتداولها في الأسواق الإيرانية عبر نقلها على ظهورهم لمسافة تصل إلى عشرة كيلومترات، لكن مهربي الخمور وأجهزة استقبال البث التلفزيوني الفضائي، والهواتف المرتبطة بالأقمار الصناعية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأدوية ومختلف السلع الممنوعة من التداول في إيران، يحققون عائدات أكبر بكثير، وهؤلاء إما ينقلونها لحسابهم أو لحساب أشخاص آخرين بحسب شهادات وثقها معد التحقيق لثلاثة من مهربي البضائع، منهم الكردي العراقي سلمان عبدالله.



فشل إجراءات مكافحة التهريب

على الرغم من وضع نظام مراقبة إلكتروني مزود بالكاميرات، ووجود عناصر من حرس الحدود، إضافة إلى إجراءات أمنية مشدةة على الجانب الإيراني من الحدود مع كردستان العراق، إلا أن تلك الإجراءات لم توقف أنشطة المهربين على جانبي الحدود وفقا لما قاله زانا عبد الرحمن.

ووقع العراق وإيران في أبريل/نيسان من عام 2015 إتفاقية لإحكام السيطرة على الحدود البرية المقدر طورها بـ 1600 كم، ومنع نوعين من الأنشطة غير القانونية عبر الحدود بين البلدين، الأول العمليات المسلحة للجماعات الكردية المعارضة لطهران، والثاني نشاط تهريب البضائع بين البلدين، وتركز الاتفاقية على العمل المشترك لمواجهة هذه الأخطار ضمن مسافة معينة من الحدود بين البلدين يصل طولها الى نحو 500 كم تفصل إقليم كردستان العراق عن إيران.


إصرار على التهريب رغم المخاطر


ولم تتوقف عمليات التهريب أو يقل نشاطها على الحدود الإيرانية العراقية، حتى بعد توقيع هذه الإتفاقية إذ توفى 160 شخصا بينهم 39 قتلوا على يد حرس الحدود الإيراني خلال الفترة من مارس/آذار 2016 وحتى مارس/آذار 2017، بينما قتل وأصيب 21 من المهربين خلال الفترة الممتدة من شهر يناير/كانون الثاني 2016 وحتى يناير/كانون الثاني 2017 بعد أن علقوا أو تعرضوا للانزلاق هم وأحصنتهم بسبب الثلوج التي تصل كثافتها إلى أكثر من متر في تلك المناطق شديدة الوعورة ما يؤدي إلى سقوط بعضهم من المرتفعات والمنحدرات الجبلية، ولم تحل تلك المخاطر الكبيرة من استمرار المهرب سلمان عبد الله على العمل في مجال تهريب البضائع والذي انخرط فيه قبل 15 عاما ما جعله خبيرا بمخاطر الطريق المزروعة بالألغام وأماكن حرس الحدود والمناطق الوعرة وشديدة الخطورة، حسب إفادته لـ"العربي الجديد" مؤكدا أن الكثير من أهالي منطقة شرق كردستان، وشمال غرب إيران لا يعرفون طريقا آخر لكسب قوت يومهم، غير العمل في التهريب على الحدود بين البلدين، حتى لو كان الثمن حياتهم أو حياة خيولهم التي لا تحتمل مشاق رحلات الموت الحدودية وسياط المهربين إلا بعد أن يسقيها أصحابها الويسكي من أجل قتل إحساسها بالألم أو الخوف من السير في الدروب القاتلة.