استهلاك رموز نظام السيسي... التخلص من الحلفاء

24 مارس 2017
+ الخط -

منذ تولي عبدالفتاح السيسي للرئاسة في مصر في  4 يونيو/حزيران من عام 2014، تميز نظامه بعدد من الخصائص غير المسبوقة، في تاريخ الأنظمة التي حكمت مصر خلال العصر الحديث، وعلى رأسها نظام مبارك، إذ شهدت فترة حكمه التي لم تتجاوز ثلاثة أعوام، أكبر معدل تراجع اقتصادي في ظل حالة غير مسبوقة من انتهاك حقوق الإنسان، غير أن نظام السيسي تفرد بأنه أكثر استهلاكاً لرموزه ومراكز قواه على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والإعلامية، إذ سرعان ما يستبدل هؤلاء بآخرين، على الرغم من أن تلك الشخصيات التي يتخلص منها، لها دور كبير في قيام نظام السيسي غير أنه تخلص منها أسرع مما تخيل البعض.

المعلم محمد فريد التهامي

عقب يوم واحد من تعيين المستشار عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للجمهورية بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي أصدر منصور قراراً بتعيين محمد فريد التهامي رئيساً لجهاز المخابرات العامة، وهو الرجل الذي وصفته وسائل إعلام عالمية بـمعلم عبدالفتاح السيسي الرجل الأقوى والمهيمن على النظام الحاكم في مصر وقتها.

وكان للتهامي دور بارز في مسيرة السيسي العملية داخل سلاح المشاة ثم داخل سلاح المخابرات الحربية والاستطلاع، وفق ما يؤكده مراقبون وخبراء عسكريون، إذ كان للتهامي الفضل في تثبيت أقدام السيسي داخل المخابرات الحربية ثم تولى رئاستها فيما بعد في عام 2010 وحتى 2012.

وطاول تهامي سيل من الاتهامات بتسهيل والتستر على الفساد وإخفاء الأدلة والمستندات التي تُدين أركان نظام مبارك أثناء توليه جهاز الرقابة الإدارية في الفترة من بين عام 2004 وحتى 2012. وبعد أن تولى التُهامي رئاسة المخابرات العامة كان الأكثر تطرفاً ضد التيار الإسلامي، إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين غربيين أن التهامي قال لهم "إن أعضاء الإخوان المسلمين والجماعات والحركات الإسلامية إرهابيون يجب استبعادهم وسحقهم"، وهو الخطاب الذي تبنته جميع شبكات التليفزيون المصري الخاصة والمملوكة للدولة والتي رفعت جميعها شعارات باللغة العربية والإنكليزية تقول فيها "مصر تحارب الإرهاب" بوحي من الجهاز وفق ما يؤكده مراقبون إعلاميون، الأمر الذي مهد الأرض لتنفيذ مذبحة رابعة العدوية التي راح ضحيتها المئات من أفراد الجماعة وما تلاها من أحداث مهدت لرئاسة السيسي، ورغم ذلك عزل السيسي التهامي عن المنصب بعد عدة شهور من توليه الرئاسة.

على النقيض من ذلك، احتفظ نظام مبارك برجله في رئاسة المخابرات العامة اللواء الراحل عمر سليمان 18 عاماً بدأت من 1993 وحتى قيام ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، إذ عُرف سليمان أنه أحد أقوى أركان نظام مبارك والذي كان قد أسبغ عليه الكثير من الثقة بعد دوره في إنقاذ حياته خلال عملية الاغتيال الفاشلة التي وقعت في أديس أبابا عام 1995.


إبراهيم عيسى صوت النظام الذي أسكته

على الرغم من تاريخ إبراهيم عيسى داخل صفوف المعارضة خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أنه انقلب رأساً على عقب مع بداية نظام ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013، إذ انبرى إبراهيم عيسى في محاربة خصوم السيسي السياسيين بالسب والتشويه والتحريض الإعلامي، ووفقا لما رصده معد المادة، كان عيسى من أشد المحرضين على فض اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، ثم صب هجومه على النشطاء والسياسيين الذين وقفوا أمام بطش وطغيان السيسي والذين وصفهم عيسى بالمخنثين سياسياً وفيزيقياً، كما دافع عن مشروعاته الفاشلة مثل مشروع تفريعة قناة السويس وغيرها، ويؤكد العلاقة الوثيقة بين السيسي وعيسى والكثير من الأخبار والصور التي يظهر فيها السيسي إلى جانب عيسى، إلا أن النظام تخلص منه سريعاً بداية بإيقاف برنامجه الذي كان يُذاع على فضائية القاهرة والناس، ثم تقديمه للمحاكمة بتهمة إهانة مجلس النواب الذي شن عليه هجوماً شديداً خلال إحدى جلساته، وهو ما يوثق عملية حرق أحد ألسنة النظام الطويلة، مقارنة بما كان يفعله نظام مبارك الذي لطالما حافظ على مثل تلك النوعية من الإعلاميين، مثل إبراهيم سعدة وسمير رجب وغيرهم من الكثير من الصحافيين، وعلى رأسهم مكرم محمد أحمد الذي كان من المقربين إلى مبارك منذ توليه رئاسة الجمهورية وحتى نهاية حكمه، إذ كان يُعهد إليه كتابة خطاباته وفقاً لما قاله في برنامج على مسؤوليتي مع مقدم البرامج المقرب من أمن الدولة أحمد موسى، وعهد النظام إلى مكرم بالعديد من المهام، من أبرزها الدفاع عن النظام داخل وخارج مصر وداخل الجماعة الصحافية التي كان نقيبها منذ عام 2007 وحتى قيام ثورة يناير.

ويرى محللون أن سرعة تخلص النظام من أركانه، أمر طبيعي في الأنظمة العسكرية، ومن بين من يؤمنون بذلك جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والذي قال لـ"العربي الجديد": "هذه الأنظمة تتكون من أجنحة، ولكل جناح رجاله وفي أوقات كثيرة يعمد كل جناح للانتقام من رجال الجناح الآخر، وهو ما يوضح عملية التنكيل ببعض رموز النظام وفضحهم وإخراجهم من المشهد".

ولم يكن هذا النمط من الصراعات موجوداً خلال حكم مبارك بنفس الحدة، كما يقول عيد، إذ لم لم يكن الحكم العسكري بهذا الوضوح في ظل تحكم عقليات سياسية في المشهد القائم آنذاك، وهو ما تغير بعد ذلك إذ غاب العقل السياسي في ظل النظام العسكري، وهو ما زاد من حدة الصراع وإقصاء رجالات النظام.


محمد إبراهيم..الشريك المُتخلى عنه

تعد حالة محمد إبراهيم وزير الداخلية نموذجا مميزا لتخلص السيسي من رموز حكمه بسرعة، إذ كان لإبراهيم دور كبير في الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، كما قاد حملة أمنية بطشت بجميع معارضي السيسي، بداية من أنصار جماعة الإخوان الذين شارك في المذبحة التي تمت لهم في رابعة والنهضة، ثم ما جرى بعد ذلك من انتهاكات متعددة تعرض لها منتمون إلى ما يعرف بالقوى المدنية من قتل وسجن وإخفاء قسري، وعقب ذلك شارك اللواء إبراهيم بشكل أساسي في نجاح السيسي خلالها، ورغم ذلك تمت الإطاحة به قبل أن يمضي العام الأول من حكم السيسي بل قامت بعض الوسائل الإعلامية القريبة من النظام بتشويهه واتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان، وهو ما يناقض ما كان يتم في عصر مبارك الذي تمسك برجله حبيب العادلي 14 عاماً حتى آخر نفس للنظام بعد ثورة يناير.


السيولة السياسية


يمكن وصف ما يقوم به النظام السياسي الحالي بـ"السيولة الفائقة" إذ لم تتضح قواعد اللعبة مثل "أهدافه وعلاقات القوى المكونة له وكيفية إدارتها وكيفية تنظيم مؤسساته وآلياته، خاصة في جانب الأمن والاقتصاد"، كما يرى الدكتور أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميريكية، والذي لا يستغرب استمرار عملية دخول وخروج سريعة للنخب إلى دائرة النظام، ويرى الشريف أن بعض الأسماء التي تم التخلص منها والتي يحسبها البعض مراكز قوى لم تكن كذلك من البداية ولم يكن لها وزن حقيقي ومؤثر، إذ إن قاعدة السيسي الحقيقية والوحيدة والواضحة، سواء بالنسبة لحكمه أو ممارسته للسلطة هي الجيش فقط لا غير،لافتا إلى أنه يهدف إلى تأسيس هرم للسلطة يقع الجيش على قمته، وبالتالي فإن النظام سريعا ما يتخلص من المنافسين المحتملين والأدوات الرخيصة مثل الإعلاميين الذين ينتهي دورهم بعد الاستعمال فيما يتم إعادة تدوير بعضهم وتأهيلهم إلى لعب أدوار أخرى مثل دور الوطنية الشريفة من الداخل وغير ذلك من الألعاب السياسية المدجنة.

ويضيف الشريف قائلاً "الثقة الشخصية تلعب دوراً مهماً لدى السيسي ونظامه، في عملية تحديد استمرار أو خروج اللاعبين السياسيين، إذ يتسم نظامه بأنه زبوني يمر بمرحلة سيولة وتخبط وعدم يقين، ما يعجل من التخلص من شركائه والمقربين منه".