مرضى السرطان في الجزائر.. موت في انتظار العلاج الإشعاعي

01 اغسطس 2016
مركز بيار وماري كوري في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -
 تسيطر على رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، محمد بقاط بركاني، حالة من الحسرة والحزن كلما تذكر أن مرضى السرطان ما زالوا يموتون في الجزائر بسبب تأخر مواعيد العلاج بالأشعة، وهو المصير الذي يخشى الخمسيني، حمداني أحمد، أن تصل إليه زوجته التي تعاني من سرطان الثدي، إذ لم تنجح في الحصول على موعد قريب لتحظى بأولى جلسات العلاج الإشعاعي، على الرغم من أنها أنهت جلسات العلاج الكيميائي في شهر يوليو/تموز المنصرم.

يؤكد حمداني، الذي التقاه مُعِدُّ التحقيق في مركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان في مستشفى مصطفى باشا، وسط العاصمة الجزائر، أن نتائج علاج زوجته في المراحل السابقة جيدة، وهو ما يستدعي الإسراع في العلاج بالأشعة، منعا لتدهور حالة الزوجة".

تحدي السرطان

بحسب تقرير أعدته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في شهر فبراير/شباط الماضي، فإن مرض السرطان يحتل المرتبة الثانية في أسباب الوفاة في الجزائر بنسبة 21 في المائة بعد أمراض القلب والشرايين، ويؤكد التقرير أنه يتم تسجيل ما يفوق 50 ألف حالة إصابة بالسرطان سنويا في الجزائر، مما جعل عدد المصابين بمرض السرطان فيها أكثر من 480 ألف حالة حتى نهاية 2015.

ووفقا لما وثقه مُعدُّ التحقيق فإن الرقم يزيد بقليل عما ورد في كلمة وزير الصحة، عبد المالك بوضياف، في وثيقة المخطط الوطني لمكافحة السرطان، التي تتحدث عن تسجيل 45 ألف إصابة سنويا، ووفاة 24 ألف مصاب كل عام.

ويشير تقرير رابطة حقوق الإنسان إلى أن سبب حالات الوفاة العالية يرجع إلى أن 70 في المائة من الأدوية، التي تعطى للمرضى، تؤخذ بعد مرحلة متأخرة من المرض. ويوضح رئيس جمعية الأمل لمساعدة مرضى السرطان، عبدالنور كتاب، أن سرطان الثدي يأتي في قمة هرم أنواع السرطانات الموجودة في الجزائر، إذ يتم تسجيل 11 ألف إصابة سنويا، 50 في المائة منها تتوفى دون نجاح العلاج. ويأتي بعد سرطان الثدي مرض سرطان الرئة، الذي يسجل أغلب الحالات عند الرجال، ثم سرطان القولون والمستقيم، ثم سرطان البروستات. وبحسب ما ورد في المخطط الوطني لمكافحة السرطان 2015 -2019، فإن 60 في المائة من المصابين يحتاجون إلى العلاج الإشعاعي، مما يعني أن 27 ألفاً من حالات الإصابة السنوية يجب أن تستفيد من هذا العلاج.


أسباب طول الانتظار

أدى هذا العدد الكبير ممن يحتاجون إلى العلاج الإشعاعي إلى طول فترة الانتظار، وبحسب مسؤول في مركز بيار وماري كوري فإن مواعيد العلاج تطول، خاصة عند مرضى سرطان الثدي، إذ تصل حاليا حتى 8 أشهر، إلا أنها تقتصر عند الأنواع الأخرى من السرطانات حتى 3 أشهر.

وأشار المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه (لعدم السماح له بالحديث)، إلى أن مركز بيار وماري كوري، يقصده مرضى من مختلف ولايات الجزائر بالنظر إلى وجود تخصصات غير متوفرة في باقي المستشفيات، ويعالج ما بين 80 إلى 120 مريضاً في اليوم، عبر 3 مناوبات كل ست ساعات. ويرجع ذلك إلى توفر جهازين فقط للعلاج الإشعاعي في المستشفى، وكذا بسبب حاجة الكادر المكلف بالعلاج بالأشعة إلى عطلة سنوية تصل إلى 72 يوما، مع عدم توفر كادر بديل بالقدر الكافي.

ووفقا للدكتور بركاني فإن العلاج الإشعاعي هو استعمال الأشعة السينية في معالجة مرض السرطان من خلال جهاز يوجه أشعة قوية نحو الخلايا السرطانية، ويستعمل العلاج الإشعاعي في الجزائر غالبا بعد العملية الجراحية والعلاج الكيميائي، كما يستعمل لتقليل ألم المرضى الميؤوس من شفائهم، إذ يوقف هذا العلاج تمدد السرطان في الخلايا الأخرى. وحسب الأرقام الواردة في المخطط الوطني لمكافحة السرطان، فإنه حتى أكتوبر/تشرين الأول من العام 2014، فإن المراكز العمومية الخاصة بالعلاج بالأشعة لم تكن تتوفر إلا على 2097 سريراً و196 طبيباً و403 كوادر طبية و34 فيزيائيّاً فقط.

ويؤكد مرضى لـ" العربي الجديد" وجود عراقيل إدارية في مركز بيار وماري كوري، تسبق قبول المريض، لكن المسؤولين عن المركز ينفون ذلك، مؤكدين أن المريض مجبر على إجراء الكثير من التحاليل للتأكد من إصابته فعلا، قبل قبوله في المشفى.



نتائج المواعيد الطويلة

تسببت مواعيد العلاج الإشعاعي، طويلة الأجل، في وفاة مصابين بالسرطان، كان يمكن أن يكتب لهم الشفاء،  حسب إفادات لأقارب المرضى الذين تحدث معهم "العربي الجديد"، وبينما تغيب إحصاءات رسمية أو حقوقية حول من يموتون من مرضى السرطان بسبب طول مواعيد العلاج، فإن رئيس جمعية الأمل، عبد النور كتاب، قال لـ"العربي الجديد":" لدينا حالات موثقة لمرضى كانوا يقصدون الجمعية للمساعدة وتوفوا قبل أن يصلوا إلى موعد علاجهم بالأشعة، من بينهم 3 حالات عانوا خلال العام الماضي، على الرغم من أن هذه المواعيد قد تقلصت بعد فتح مراكز في عدة مستشفيات في كل من ولايات سطيف وباتنة وقسنطينة ، فبعدما كان المريض ينتظر أكثر من سنة للظفر بموعد، تقلص اليوم الأمر إلى نحو 6 أشهر أو 3 أشهر".

غير أن رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، محمد بقاط بركاني، يرى أن هذا التحسن "غير كاف". ويقول لـ"العربي الجديد" إن مواعيد العلاج بالأشعة تقلصت حقيقة، لكن خلال هذه المدة، بعض المرضى يتوفون حتى قبل حصولهم على العلاج. وبدوره، يؤكد عبد النور كتاب حدوث ذلك، ويضيف: "هذه الحالات تحدث في أكثر من ولاية، لأن المواعيد، حتى وإن تقلصت إلى 6 أشهر أو أقل بالنسبة إلى العلاج بالأشعة، إلا أنها تبقى طويلة"، ولتفادي هذا الوضع، قرر مريض السرطان، ياسين محمد، أن يبحث عن مواعيد قريبة في مستشفيات موجودة خارج العاصمة. وقال ياسين لـ"العربي الجديد":" سأحاول في مستشفى سطيف، ربما أجد موعدا، سمعت أن المركز هناك لا يعرف ضغطا كما هو الحال في بيار وماري كوري. نتائج العلاج الكيميائي كانت ناجحة، أرجو أن لا يذهب ذلك سدى".



ارتفاع تكلفة العلاج

يؤكد مختصون تحدثوا مع " العربي الجديد" أن تكلفة علاج السرطان كبيرة، لذلك فإن أغلب المرضى يقصدون المراكز العمومية، إذ لا يملكون نفقات العلاح، ووفقا لوثيقة المخطط الوطني لمكافحة السرطان فإن الكشف الأولي لمريضة سرطان الثدي، يكلف في المتوسط 15 ألف دينار (135 دولاراً أميركيّاً). وبسبب طول مواعيد المشافي الحكومية، فإن أغلب المرضى، يحذون خلال هذه المرحلة من العلاج حذو المريض، محمد حمداني، إذ يجرون التحاليل الأولى في معامل خاصة، بالنظر إلى أن إجراءها في المستشفيات العمومية قد يطول.

ويقع مقر جمعية الأمل لمساعدة مرضى السرطان، التي تنشط في هذا المجال منذ عام 1994، قبالة مستشفى مصطفى باشا، ويقصدها يوميا قرابة 30 شخصا لطلب المساعدة في التكفل بذويهم، خاصة في ما يتعلق بشراء الأدوية وإجراء بعض الفحوصات، وتسهيل علاجهم من خلال شبكة العلاقات التي تتوفر عليها الجمعية.

ويؤكد رئيس الجمعية، كتاب، أن بعض المرضى يضطرون إلى إجراء التحاليل التي تسبق البدء في العلاج الكيميائي أو بالأشعة في مستشفيات خاصة، ويقصدون الجمعية لتقديم مساعدات لهم  بالنظر إلى غلاء التحاليل المطلوبة. من جانبه، يقر الدكتور بركاني هو الآخر بغلاء تكاليف الأشعة، بالنظر إلى تردي خدمات القطاع العمومي، فتكلفة الفحص المبكر وإجراء الأشعة العادية تتراوح بين 8 آلاف (72 دولاراً) إلى 20 ألف دينار (180 دولاراً)، لكن كل هذه التكاليف تبقى (لا شيء) مقارنة بتكلفة العلاج الكيميائي، التي تصل في المتوسط إلى أكثر من 10 آلاف دينار (90 دولاراً) في الجلسة الواحدة. وبحسب مسؤول في مركز بيار وماري كوري، فإن العلاج الكيميائي لمريضة سرطان الثدي قد يتطلب 35 حصة، أي 350 ألف دينار (3150 ألف دولار).

ويتابع كتاب أن تكلفة علاج مريض بالسرطان منذ بداية مراحل العلاج وصولا إلى العلاج الإشعاعي قد تصل إلى أكثر من 3 ملايين دينار (27 ألف دولار)، قائلا: "إن جل المرضى ليسوا قادرين على دفع هذه التكاليف".

حلول

وعلى الرغم من الانتقادت الموجهة من قبل المرضى وذويهم، حول طول مواعيد العلاج الإشعاعي، إلا أن وزارة الصحة تقول إن المخطط الوطني لمكافحة السرطان، الذي أطلقه الرئيس عبد العزيز بوتقليقة، ويشرف عليه البروفيسور، مسعود زيتوني، قلص من معاناة مرضى السرطان في الأشهر الماضية، وقضى على مشكل نقص الأدوية.

واعترف وزير الصحة، عبد المالك بوضياف، في إجابته على مساءلة برلمانية في أبريل/نيسان الماضي، بأن مواعيد العلاج الخاصة بمرضى السرطان كانت تصل إلى 18 شهرا، لكنه أوضح أنه "بتجديد وإعادة تجهيز مصالح كل من مستشفيات البليدة ووهران وقسنطينة والمركز الوطني لمكافحة السرطان بيار وماري كوري تقلصت المواعيد إلى 3 أشهر".

ويقول سليم بلقسام، المستشار الإعلامي في وزارة الصحة، لـ" العربي الجديد"، إن التقييم الأولي لنتائج المخطط الوطني لمكافحة السرطان "إيجابية جدا على جميع المستويات". وكشف بلقسام عن أن تقريرا مفصلا حول تطبيق هذا المخطط الذي شرع في تطبيقه العام الماضي، ويستمر حتى 2019 سيعرض خلال هذه الفترة على رئاسة الجمهورية، للنظر في مدى تحقيق الوزارة الأهداف التي كلفت بها.

ونهاية الشهر الماضي، رفع وزير الصحة من مستوى رضاه على نجاح هذا المخطط، بعد أن استطاعت الوزارة إعادة تأهيل أقسام الطب الإشعاعي بمركز"بيار وماري كوري" (الجزائر العاصمة) والبليدة وقسنطينة، مما سمح بتوفير 19 جهازا للعلاج الإشعاعي في القطاع العمومي، و3 أقسام في المشافي الخاصة. وذكر الوزير أن القطاع العمومي لم يكن يتوفر إلا على سبعة أجهزة من هذا النوع خلال العام 2013 .


طريق طويل

"تبقى هذه الأرقام غير كافية لرسم صورة حسنة عن الواقع، الذي يعيشه المرضى بالسرطان"، بحسب نظرة رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، بقاط بركاني، الذي شدد على ضرورة توسيع الوزارة من عمليات الكشف المبكر على المرض، لمعالجته في الفترة الأولى من الإصابة، مما يعطي فرصا أكبر للمرضى من الشفاء منها والتخلص من الورم الخبيث.

أما البروفيسور، مسعود زيتوني، المكلف بتقييم ومتابعة المخطط الوطني لمكافحة السرطان، فشدد على أهمية تضافر الجهود وإشراك جميع القطاعات المعنية بتطبيق هذا المخطط.

وبين الانجازات، التي تتحدث عنها الحكومة، والانتقادات، التي تتحدث عنها جمعيات مساعدة مرض السرطان، يظل المرضى وذووهم ينتظرون أن تصبح وعود الوزارة حقيقة في القريب العاجل، لعل وعسى أن يتحول أمل الشفاء من هذا الورم الخبيث إلى حقيقة لمعظم المصابين.