هوس تكبير العضلات [5/5]... المنشطات تقضي على أحلام الرياضيين في المغرب

19 أكتوبر 2021
يشيع استخدام المنشطات الهرمونية في رياضة كمال الأجسام (Getty)
+ الخط -

أودت المنشطات بحياة الرياضي المغربي عبد الرزاق هدّان في 26 مارس/آذار 2019، إذ قضى بشكل مُفاجئ، بعدما كان يحقن نفسه بهرمون "التستوستيرون"، ويتبع نظاما غذائيا قاسيا للفوز بإقصائيات (منافسات) المنتخب الوطني لرياضة كمال الأجسام والتّي نظمت في إبريل/نيسان 2019 بمدينة الصويرة غرب الرباط، استعدادا للمشاركة في تمثيل المغرب بالبطولة الأفريقية التّي عُقدت في أغسطس/آب 2019 ببولندا، بحسب ما ذكرته والدته للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) والتي تابعت قضيته مع الأسرة.

ولم ترفع العائلة قضية ضد ناديه لأن هدّان، كان يأخذ الحقن الهرمونية بإرادته كما يوضح عضو الجمعية عمر أربيب، قائلا: "كان يسعى إلى الحصول على جسم بمعايير تمكّنه من المشاركة في البطولات، وتوقف التحقيق لأن الأسرة لم ترد إحالة الواقعة إلى القضاء".

بعد وفاة هدّان، راسلت الجمعية وزير الشباب والرياضة السابق رشيد الطالبي، من أجل إخضاع النوادي التّي تحتضن هذا النوع من الرياضة للمراقبة الصحية والطبية، وإجبار ممارسيها على إجراء التحليلات والكشوفات الطبية المتعلقة بالمنشطات، وبالفعل راسل الطالبي المصالح الجهوية لوزارته بجهة مراكش آسفي، وتمّ إغلاق ثلاث منشآت رياضية، بالإضافة إلى النادي الذي كان يتدرب فيه هدّان، بحسب إفادة أربيب لـ"العربي الجديد".

وتشكل وقائع حادثة هدّان، جانبا مما يرصده مدربون وجمعيات تعنى بالصحة، لعشوائية استخدام السترويدات (مركبات كيميائية يتم تصنيعها لتكون مثل الهرمونات الطبيعية في الجسم، وتأتي على شكل حقن وأدوية) بين الرياضيين في ظل تأخر صدور مرسوم تفعيل قانون مكافحة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة رقم 97.12 حتى سبتمبر/أيلول 2020.

خرق قواعد وأخلاقيات رياضة كمال الأجسام

عقب وفاة هدّان طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالتقصي والتثبت من مدى احترام "الجامعة الملكية لبناء الجسم والفتنس" (الجهة المشرفة على اللعبة) لقواعد وأخلاقيات ممارسة هذه الرياضة، والتزامها بقانون مكافحة تعاطي المنشطات رقم 97.12 الصادر في 5 يوليو/تموز 2019، والذي يحظر في المادة التاسعة من الباب الثالث على أي رياضي يلعب ضمن المُنافسات والتظاهرات الرياضية أو خارجها التي تنظمها جميع الجامعات أو ترخص لها، خرق قواعد مُكافحة المُنشطات، والتّي تشمل وجود عقار محظور أو عناصره أو آثار دالة عليه في عينة يقدمها الرياضي؛ واستعمال أو محاولة استعماله لعقار محظور أو وسيلة محظورة؛ والتملص من عملية أخذ عينة من دون عذر مقبول.

ويرد مسؤول التواصل في الجامعة الملكية لبناء الجسم والفتنس، أسامة بودي بأن الجامعة تمنع تعاطي كل أنواع المنشطات والحقن الهرمونية، وتطبق العقوبات المنصوص عليها في القانون الدولي وقانون اللجنة الأولمبية، فيما يخضع المشاركون في المسابقات لفحص تشرف عليه لجنة مختصة من الحكام.

رغم ذلك لم تصدر الجامعة الملكية خلال السنوات الخمس الأخيرة (بناء على رصد بياناتها وبلاغاتها المنشورة)، سوى قرار واحد للتوقيف بحق البطل المغربي خالد بوبطايط لمدة عامين، لاستخدامه مادة سينثول "Synthol"، وهي عبارة عن حقن موضعية تؤخذ داخل العضلات للحصول على حجم أكبر، وقررت الجامعة الملكية تعليق أنشطته، اعتبارا من يوم إقصائيات بطولة المنتخب الوطني لرياضة كمال الأجسام والتّي نظمت في 14 إبريل/نيسان 2019 وحتى 13 إبريل 2021، معللة قرارها في بيان صحافي بأنه جاء بسبب "تشويه بوبطايط لرياضة كمال الأجسام، وحتى يكون عبرة لجميع الرياضيين في المغرب".

الصورة
بوبطايط

انتشار الهرمونات

يرى مدرب كمال الأجسام، خليل باري أنه "لا تُوجد مسابقة عالمية أو محلية أو إقليمية لرياضة كمال الأجسام، لا يأخذ متسابقوها الهرمونات"، في الوقت الذي ينظم القائمون على تلك الفعاليات، ندوات ولقاءات للتعريف والتوعية بخطر الهرمونات، غير أن هذه الرياضة ستتوقف في حال عدم استخدام تلك الهرمونات على حد قوله. مضيفا أن غالبية لاعبي كمال الأجسام يعتمدون على الهرمونات لاكتساب الكتلة العضلية المطلوبة قبل المشاركة في أي مسابقة، وهذه العملية تتطلب شهورا من التحضير لدرجة أن عملية الحقن بالهرمونات الصناعية قد تستمر حتى آخر ربع ساعة من بدء المسابقة، ويستمرون باستخدامها بعدها خوفا من فقدان الكتلة العضلية. بحسب ما رصده خلال سنوات عمله الطويلة في النوادي الرياضية.

وهو ما يرفضه بودي بقوله إن لاعبي كمال الأجسام أقل الرياضيين استخداما للمنشطات الرياضية، مبرراً ذلك بأنّها "رياضة استعراضية لا تحتاج إلى هرمونات منشطة"، أما توقيف البطل خالد بوبطايط فناتج عن حقن موضعي بمادة سينثول، وهي مادة ممنوعة دوليا، لأنّها تسبب تشوها في العضلات يظهر بالعين، وتابع "رياضة كمال الأجسام والفتنس تحتل المراتب الأخيرة عالميا، فيما يتعلق بأخذ المنشطات والهرمونات، مقارنة مع باقي الرياضات الأخرى".

لكن بحثا منشورا في فبراير/شباط 2018 على موقع pubmed الطبي حول التأثيرات الضارة لتعاطي الستيرويدات الأندروجينية (هرمُونات تعزز نمو العضلات وتزيد من القوَّة والطاقة مثل الهرمون الذكري الصناعي التستوستيرون) في ألعاب القوى التنافسية والرياضات الترفيهية وكمال الأجسام، يؤكد أن نسبة عالية من لاعبي كمال الأجسام وألعاب القوى التنافسية يعترفون باستخدام المنشطات الهرمونية، على الرغم من أن المنظمات الرياضية والمشرعين قد أدخلوا آليات مختلفة لثني الرياضيين عن استخدام مواد محسنة للأداء والمظهر، ولا تزال المنشطات الابتنائية الأندروجينية في كمال الأجسام والرياضات الترفيهية من أكثر المواد تعاطيا.

والسترويدات الابتنائية مدرجة ضمن لائحة العقاقير والوسائل المحظورة  في المغرب الصادرة عام 2020، استنادا لقرار صادر عن وزير الشباب والرياضة المغربي عثمان الفردوس، بالإضافة إلى هرمونات البيبتيد (بروتينية مصنوعة من الأحماض الأمينية) وهرمون النمو.

الهرمونات تقضي على أحلام الرياضيين

اندفع لاعب رياضة كمال الأجسام السابق يوسف عمر (اسم مستعار بناء على طلبه) خلف حلمه بإحراز ألقاب محلية وعالمية عبر بطولات كمال الأجسام، وكانت البداية حين قرر المشاركة في مسابقة محلية عام 1999، سبقها 5 سنوات من المداومة على الهرمونات والبروتينات الصناعية التي تساعد على نمو العضلات وتقلل من الشعور بالتعب مثل بيتا ألانين Beta-Alanine (حمض أميني غير أساسي يزيد من قوة التحمل)، وقبل المسابقة بأربعة أشهر زاد يوسف اعتماده على الهرمونات بأنواعها مثل هرمون النمو Growth hormone والأنسولين والهرمون الذكري "التستوستيرون"، حتى وصل به الحال إلى حقن نفسه بنوعين في الوقت ذاته قبل المسابقة بعشرة أيام، وكانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير كما يصفها يوسف قائلا: "حقنت نفسي وبدأت في التمارين الرياضية، وفجأة شعرت بزيادة في خفقان القلب وفقدت الوعي، وقضيت في غرفة الإنعاش 11 يوماً، ولم أشارك في البطولة وبعد استعادة وعيي وجدت نفسي في حياة أخرى".

وأظهرت التحاليل تلوث دم عمر نتيجة الحقن الهرمونية، وإصابته بداء السكري، كما عانى من مشاكل في الكلى تطورت إلى فشل وأصبح يعتمد على الغسل الكلوي حتى اليوم.

معاناة عمر، ترجع إلى أن الهرمونات تدمر الفرد جسدياً ونفسيا، وقد يصل الضرر حتى الموت، كما حدث للبطل هدّان، لأنها تسبب الجلطات القلبية والدماغية وسرطان الكبد، ويعدُ هرمون التستوستيرون، حسب الدكتورة نجلاء الحساني، الأخصائية في الطب الرياضي، من الهرمونات المفضلة بالنسبة لممارسي رياضة كمال الأجسام، ويطلق عليه أيضا اسم "الهرمون الذكوري الابتنائي"، إلا أنّ الاستخدام الخاطئ والطويل لهذا الهرمون، يؤدي إلى العديد من الآثار الجانبية من بينها: "ضمور الخصيتين والعجز الجنسي وقصور العضلة القلبية وارتفاع خطر الإصابة بنوبات قلبية، وضخامة غدة البروستات مع صعوبة في التبول".

ويؤدي استعمال حقن هرمون النمو المتكرر إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وآلام المفاصل والعضلات، وتورّم في اليدين والقدمين بسبب تراكم السوائل واحتباسها، كما قد يؤدي الاستخدام الخاطئ للإنسولين أو الإفراط به إلى الإصابة بالنوبات القلبية، والجلطات الدماغية، ومشاكل الكلى، ناهيك عن هرمون الأدرينالين الذي يسبب أمراضا ومتلازمات قد تؤدي إلى الوفاة كما توضح الحساني.

وما يزيد من خطورة الحقن الهرمونية عشوائية الاستخدام، إذ إن 30% فقط من المستخدمين وفقا لتقديرات المدرب باري يقومون بـ"التنظيف"، وهي مرحلة يجب أن تتم تحت إشراف طبيب متخصص بعد الانتهاء من دورة الهرمون، لدفع الجسم إلى معاودة إنتاج الهرمون الطبيعي الذي يكون معطلا خلال أخذ حقن الهرمون الصناعي، وإجراء تحاليل دورية كل أسبوعين للمتابعة الصحية، لأن اتباع الأسلوب الصحيح يتطلب تكاليف باهظة الثمن، وحتى إن تم التنظيف فذلك لا يمنع التأثير السلبي على هرمونات الجسم.

أنواع وطرق بيع الهرمونات

ترصد الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة (منظمة غير حكومية تعنى بالدفاع عن الحقوق الصحية) انتشارا واسعا للمواد الهرمونية في المغرب ونشوء تجارة مربحة جراء تداولها، نظرا لارتفاع حجم استهلاك هذه الستيرويدات، بحسب إفادة رئيس الشبكة علي لطفي، موضحا أن المواد الأكثر إقبالا هي الهرمون الذكري التستوستيرون Testosterone، وستانوزولول Stanazolol (ستيرويد اصطناعي مشتق من هرمون التستوستيرون)، وأوكساندرولون Oxandrolone (سترويد لتعزيز نمو الأنشطة العضلية) وميثاندروستينولون Metandienone (مركب كيميائي لزيادة قوة العضلات)، ويتم إدخالها للبلاد تهريبا وفق قوله.

ويؤكد المدرب باري ما يقوله لطفي من أن الهرمونات الذكرية المشتقة من "التستوستيرون" تعد الأكثر استهلاكا من قبل اللاعبين الشباب والمراهقين المغاربة، مثل "Deca" و"Winstrol" و"Dianabol" و"Sustaron testosterone"، ويحصلون عليها من مدربين يؤمّنونها ويبيعونها لهم أو من خلال محال بيع البروتينات الصناعية، والتي يحصل العاملون فيها على تلك المواد بطرق غير قانونية عبر التهريب من إسبانيا أو الولايات المتحدة الأميركية.

ولم يخفِ مالك أحد محلات بيع المكملات الغذائية بمدينة سلا الواقعة على الضفة الشمالية لنهر أبي الرقراق غربي البلاد، أنه يبيع حقن هرمون التستوستيرون بأسعار تتراوح بين 700 درهم (70 دولارا) و 1500 درهم (150 دولارا)، بينما رفض اطلاع معدة التحقيق عليها إلا في حال الاتفاق على النوع المراد والدفع مسبقا لجلبه.

وتتراوح أسعار المواد المستوردة من مختبرات معروفة بين 700 درهم (75 دولارا) و1200 درهم (130 دولارا)، أما الأنواع الرخيصة مثل الإيرانية فتدخل إلى البلاد من مدن الشمال، خاصة سبتة عبر إخفائها في أمتعة المسافرين، وتباع بأسعار تتراوح بين 450 درهما (45 دولارا) و700 درهم . وفق إفادات مدربين ومتدربين مشاركين في التحقيق.

ورغم منع وزارة الصحة المغربية بيع الأدوية الهرمونية إلا بوصفة طبية، لكن لاعبي كمال الأجسام يحصلون عليها من صيدليات محددة، وفي جولة ميدانية قامت بها معدة التحقيق برفقة رياضي اعتاد ابتياع دواء أندروتراديل ANDROTARDYL (حبوب هرمون التستوستيرون) من صيدليات محددة بدون وصفة طبية بسعر 40 درهما مغربيا (4 دولارات) للعلبة، قبلت 13 صيدلية من أصل 20 منتشرة في أحياء مدن طنجة، وسلا، والقنيطرة بيع الحبوب الهرمونية. 

وتبيع ستّ صيدليات حبوب أندروتراديل لزبائن معروفين لها، فيما اشترطت سبع صيدليات الوصفة الطبية في البداية، لكنها قبلت البيع بعد الإفصاح عن هدف الشراء لأغراض رياضية، مقابل رفض سبع صيدليات بيعها من دون وصفة طبية.

إجراءات قاصرة

في سبتمبر/أيلول 2020 أصدرت الحكومة المغربية مرسوماً لتفعيل قانون مكافحة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة، واستحدثت الوكالة الوطنية لمُكافحة تعاطي المُنشطات، وتحديد شروط وكيفية منح التراخيص لاستعمال العقاقير والوسائل المحظورة من أجل أغراض علاجية.

ويمنح المرسوم الجديد صلاحيات للوكالة المغربية المختصة في مكافحة المنشطات من أجل محاربة هذه الآفة عبر قوانين مؤطرة  للأنشطة الرياضية  تتحدد بموجبها العقوبات التأديبية أو الزجرية في حق المخالفين، إذ توجه نص القرار التأديبي إلى الشخص المعني، وإلى الوزير المكلف بالرياضة، واللجنة الوطنية الأولمبية المغربية أو اللجنة البارالمبية المغربية، حسب الحالة، والجامعة الوطنية المعنية والجامعة الدولية المعنية، والوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، وهي إجراءات يراها لطفي "تدخلات محدودة" في المجال الرياضي الرسمي، إذ لم يصل عمل الوكالة بعد إلى وضع خطة وطنية لمكافحة المنشطات بشكل عام، وبالتالي يبقى استهلاك المنشطات بمنأى عن المراقبة والتوعية ومجالا مفتوحا ومربحا للمتاجرين بصحة الشباب والمراهقين، مشددا على أهمية مراقبة المنشطات البنائية على غرار ما يجري المخدرات الخطيرة، وفرض قوانين تضبط عملية استخدام المكملات الغذائية والهرمونات وتطبيقها بشكل فاعل، والقضاء على التهريب.