5 آلاف عاملة يتعرض للاستغلال في حقول الملح بالسنغال
23 أكتوبر 2023
+ الخط -

تستغل شركات استخراج ملح السنغال المعروف بجودته عالمياً، عاملات تمنحهن أجوراً زهيدة لمنتج يصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي ويباع تحت شعار "نقي ومستخرج يدوياً"، والذي تظهر تبعاته على أجساد تعاني من ظروف تشغيل قاسية.

- تعمل الأربعينية السنغالية خدي باه، في حقول استخراج الملح الذي تصدره بلادها إلى دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا المُستعمرة السابقة للبلاد، مقابل "أجر زهيد جدا" كما تصفه، قائلة أعاني وزملائي من استغلال الشركات التي ترفض تشغيلنا بموجب عقد عمل وتمنحنا أجرا لا يزيد عن 1500 فرنك (2.28 يورو)، في مقابل العمل لثمان ساعات يوميا، فضلا عن عدم تقديم أي خدمات صحية رغم تعرضنا لإصابات أثناء العمل في إقليم فاتيك fatick جنوب غربي البلاد.

وتبدو آثار العمل الشاق على جسد باه، إذ يعاني العاملون من تأثير الملح الذي يسبب الحساسية والقروح، غير أنها لا تجد بديلا لإطعام أبنائها، كما تقول لـ"العربي الجديد"، وتتابع بحزن:" عندما نطالب بحقوقنا نُهدد بالطرد من العمل دون تعويض". 

وتتكرر معاناة باه مع زميلاتها الثلاث اللائي قابلهن معد التحقيق، غير أنهن لا يعرفن حقوقهن المنصوص عليها في المادة 31 من قانون العمل السنغالي رقم 17 لسنة 1997، والتي تنص على أنه "يجب على أصحاب العمل توفير، كافة التدابير للتعامل مع حالات الطوارئ والحوادث، بما في ذلك وسائل كافية لإدارة الإسعافات الأولية، وفق المادة 178 من قانون العمل الذي يؤكد على أهمية إبرام عقود العمل بحرية وبالأشكال التي تناسب الأطراف المتعاقدة"، وهو ما يوضحه المحامي ورئيس حزب العمال والشعب PTP الحاج ضيوف El Hadji Diouf، قائلا :"قانون العمل السنغالي يلزم أصحاب الشركات بإبرام عقود مع العمال والعاملات تجنبا لأيّ استغلال أو انتهاك لحقوقهم، لكن الكثير من الشركات تتهرب، حتى لا تلتزم بما ينص عليه القانون من أجور وتدفع فتاتا لا يكفي لإعالتهن بالإضافة إلى بقية الحقوق مثل ظروف العمل الآمنة وعلاج إصابات العمل".

ظروف عمل شديدة القسوة

يستخرج أجود أنواع الملح السنغالي من بحيرة ريتبا، (Lac Rose - البحيرة الوردية)، الواقعة غربي البلاد مع درجة ملوحة تصل إلى 40% تشبه البحر الميت في الأردن، ويستخرج منها سنويا 60 ألف طن ويباع ملح البحيرة الوردية بعلامة تجارية مميزة تجت شعار "نقي ومستخرج يدويا" ولهذا يصل سعر الكيلو غرام منه إلى 26 يورو، وبدأ استغلال النساء العاملات في حقول الملح نهاية التسعينيات القرن الماضي، كما تقول مريم جوف (40 عاما) والتي تعمل كذلك بدون عقد عمل، وتقول لـ"العربي الجديد" لا يوجد بديل رغم الظروف القاسية، إذ ننقل الملح في أوان ثقيلة نحملها فوق رؤوسنا من القوارب إلى أماكن تحددها الشركة.

يستخرج أجود أنواع الملح السنغالي من بحيرة ريتبا ويصدر إلى أوروبا

وتضيف الثلاثينية آمنة انيانغ العاملة في حقول Lac Rose، أنها تنقل هي الأخرى الملح إلى القوارب بواسطة جفنة (إناء يتسع لـ 30 لترا) تحملها فوق رأسها، ليصل ما تنقله خلال ثماني ساعات باليوم إلى 104 جفنات، مقابل 1500 فرنك باليوم، وتضيف متألمة بينما تمسك برأسها :" هذا مبلغ قليل جدّا ولا يكفي لإعالة أسرتي المكونة من ثلاثة أبناء، يحتاجون للطعام ودفع الرسوم الدراسية".

بالمثل لا تحصل أولاي سي (42 عاما)، إلا على ذات المبلغ مقابل العمل الشاق الذي تقوم به يوميا من طلوع الشمس إلى غروبها، وهو ما يقل عن الحد الأدني للأجور كما تقول لـ"العربي الجديد" اندي خدي جو، الأمينة العامة لاتّحاد نساء السنغال (جمعية تأسست في عام 1954 تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة)، وتوضح أن 5 آلاف عاملة من 6 آلاف يعملن مع شركات إنتاج الملح يتعرض للاستغلال من خلال عدم إبرام عقود معهن والاكتفاء بتوظيفهن عن طريق المياومة، ودفع مقابل أقل من الحد الأدنى للأجور. 

وأكدت رابطة الحقوقيين السنغاليين A.J.S  (جمعية غير حكومية تعمل على تعزيز حقوق المرأة والطفل) في بيان بمناسبة يوم العمال العالمي في الأول من مايو/ أيار 2023، على وجود 3 آلاف حالة استغلال موثقة لعمال الملح.

الصورة
رابطة الحقوقيين السنغاليين توثق 3 آلاف حالة استغلال
رابطة الحقوقيين السنغاليين توثق 3 آلاف حالة استغلال لعمال الملح (العربي الجديد)

لكن بابا الديوما ندياي papa aldiouma ndiaye مدير مناوبة في شركة Salins du sine saloum الجديدة (من مهامه تحسين الإنتاجية والجودة)، رد على عدم توقيع الشركات لعقود عمل مع العاملات، بأن:" الشركات تعاني من أزمات مالية، وليست لديها قدرة مالية تمكنها من دفع رواتب عالية للعاملات، ويضيف أن الشركة تدفع 1500 فرنك يوميا للعاملة قبل أن تعود إلى منزلها، على أن يعملن 6 أيام في الأسبوع، ابتداء من الساعة الثامنة صباحا، حتى الخامسة مساء"، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن هذه الشروط وضعتها الشركات المحلية والأجنبية وعلى العاملات الالتزام بها، وأي عاملة تخالف ذلك تطرد فورا. 

ويخالف ما سبق المرسوم رقم 1710-2023 المتعلق بتحديد الحد الأدنى للأجور بين المهن (SMIG)  والذي يقدر بـ 236 فرنكا في الساعة (أي 1888 فرنكا في 8 ساعات أي ما يوازي 2.87 يورو).

الصورة
مرسوم الحد الأدنى للأجور
مرسوم الحد الأدنى للأجور (رئاسة جمهورية السنغال)

 

شراء الملح بثمن بخس

لا يتوقف الاستغلال عند العاملات، بل يشمل المنتجات المستقلات اللائي يعملن بشكل فردي ويستخرجن الملح بما للأمر من مخاطر صحية كبيرة عليهن، إذ تشتري الشركات كيس الملح الذي يزن 25 كيلوغراما بمبلغ يتراوح بين 300 و700 فرنك (0.46 و1.7 يورو)، رغم أن الأمر رقم 10 الصادر عن وزارة التجارة والاستهلاك والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حدد سعر كيس الملح الذي يزن 25 كيلوغراما ما بين 750 فرنك (1.14 يورو) وألف فرنك (1.52 يورو)، كما تقول إليزابيث ضيوف، التي تجمع الملح في حقول بالمارين بمدينة فاتيك، لتبيع الكيس 25 كيلوغراما للشركات بـ 600 فرنك (0.91 يورو)، وتتابع لـ"العربي الجديد":"هذا المبلغ لا يكفي لمواجهة نفقات المنزل، ولكنني لا أجد عملا آخر غيره".

استغلال العاملات وشراء الملح بثمن بخس من المنتجات المستقلات

وهو ما يؤكده بِيِيرْ اندينْ اندِي، رئيس قسم الإعلام في الغرفة التجارية (من مهامها توعية العمال بحقوقهم) بمدينة فاتيك، قائلا لـ"العربي الجديد" إن الطن الواحد من الملح تبيعه الشركات المحلية بـ 95 ألف فرنك (145 يورو) من أجل تصديره إلى أوروبا ويتم بعدها معالجته وتنقيته وتعبئته ليزيد السعر كثيرا. 

الصورة
بيع الملح بثمن أقل من السعر الذي حددته وزارة التجارة السنغالية
بيع الملح بثمن أقل من السعر الذي حددته وزارة التجارة السنغالية (العربي الجديد)

و"يستخرج الملح من 19 منطقة في أقاليم كولخ، وفاتيك، وكولدا، وسين لويس، ودكار، وفق تقرير صادر عن مديرية دعم القطاع الخاص بوزارة الاقتصاد والمالية السنغالية بعنوان "إنتاج ملح اليود"، موضحا أن الإنتاج السنوي للملح يبلغ 265 ألف طن، تستهلك منه السنغال 20%، وتصدر 80% إلى 13 دولة أوربية وأفريقية على رأسها، فرنسا وإيطاليا والتي تحصل على البلورات الأكثر نقاء، وتذهب لموائد المطاعم الفاخرة بينما في مالي والنيجر يحصلون على الأنواع الأقل جودة. 

وبالرغم من كون السنغال أكبر الدول المصدرة للملح في غرب أفريقيا إلا أنها تعج بالأمراض المرتبطة بنقص اليود في الدم، مثل الإجهاض وتشوهات الأجنة وأمراض الغدة وتأخر النمو، ويقول آدم انغيرانْ، مدير مشروع معالجة الملح باليود التابع للمجلس الوطني لتطوير التغذية التابع لوزارة التجارة، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة السنغالية أصدرت مرسوما في عام 2000 يقضي بإلزامية معالجة الملح باليود، لكنها فشلت في وضع آليات قانونية تعاقب الشركات التي تستغل العاملات في حقول الملح.

ما سبق تؤكده نفيسة سيك، منسقة اتّحاد نساء السنغال، قائلة لـ"العربي الجديد" إن 2000 عاملة تقدمن بشكاوى للجهات الحكومية المسؤولية عن العمال مثل وزارة العمل والتكوين المهني السنغالية، بأنهن تعرضن للاستغلال في شركات إنتاج الملح، لكن هذه الجهات لا تولي اهتماما كبيرا بالعاملات ولا تدافع عن حقوقهنّ، لأنهن يعملن بالمياومة وبالتالي تم اعتبارهن ضمن عمالة القطاع غير النظامي، فضلا عن عدم وجود إرادة سياسية لتحسين ظروف عملهن.

وحتى من جرى تعيينهن يتم انتهاك حقوقهن إذ بلغ عدد العاملات اللواتي تعرضن للفصل بدون إنذار مسبق 304 عاملات خلال الفترة من بداية عام 2020 وحتى منتصف 2023، بحسب ما تؤكده لـ"العربي الجديد" رقية جاك، مسؤولة شؤون النساء في الغرفة التجارية بمدينة كولخ وسط غربي السنغال، قائلة إن المادة 51 من قانون العمل تلزم صاحب العمل إخطار العامل قبل الفصل.

تلكؤ حكومي في حماية العاملات

أصدرت محكمة كولخ حكما في مارس/آذار 2022، بتعويض 27 عاملا في استخراج الملح، بواقع 500 ألف فرنك (ألف دولار) لكل منهم، بعدما فصلتهم شركة salins du sine Saloum بطريقة غير قانونية، عقب تنظيم احتجاجات للمطالبة برفع الرواتب وتحسين ظروف عملهم، كما يقول غورغي بوي، الناطق باسم نقابة عمال الشركة لـ"العربي الجديد".

الصورة
ملح مجمع على قارب في بحيرة ريتبا
ملح مجمع على قارب في بحيرة ريتبا (Getty)

وتطالب رابطة الحقوقيين السنغاليين، بتحسين أوضاع العمال في حقول الملح، داعية في بيانها بمناسبة اليوم العالمي للعمال في الأول من مايو الماضي، السلطات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات لوضع حد لاستغلال العاملات وفرض عقوبات قانونية على الشركات.

وتعترف وزيرة شؤون المرأة والأسرة وحماية الطفل، فاتو ديان غي Fatou Diane Gueye، بوجود حالات استغلال للعاملات في مجال استخراج الملح، مضيفة لـ"العربي الجديد":" وفرنا الرقم الأخضر لتمكين النساء اللواتي يتعرضن للاستغلال من الاتصال به، لإبلاغ وزارة المرأة بشكواهنّ"، وبالفعل استقبل خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى أغسطس/آب  الماضي 227 شكوى من عاملات تعرضن للاستغلال"، وتابعت أنها تعمل على حل مشاكلهنّ، ووضع حد لذلك، لكن بِيِيرْ اندينْ اندِي لا يثق في جدوى الامر، وينصح العاملات بضرورة معرفة شروط العمل وإبلاغ الجهات الحكومية لوضعها أمام مسؤولياتها والنقابات المعنية من أجل الدفاع عن حقوقهن التي تتلاعب بها الشركات.