توفيت السبعينية نعمة منصور من قرية دير جرير شمال شرق مدينة رام الله في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد ساعات من دخولها مستشفى الاستشاري العربي (خاص)، في وضع صحي خطر، لكنها لم تُنقل إلى غرفة العناية المكثفة، وبقيت في الاستقبال، كما يقول نجلها عصمت منصور، في إفادته لـ"العربي الجديد".
ونقل منصور والدته إلى مجمع فلسطين الطبي (حكومي) في رام الله بتاريخ 9 ديسمبر نتيجة إصابتها بفيروس كورونا، لكن نقص الأجهزة والأسرة اضطر إدارة المجمع لطلب تحويلة مستعجلة لنقلها لمستشفى الاستشاري، لتُفاجأ العائلة برفض العاملين هناك إدخالها بحجة عدم وجود أسرة للمرضى، وظلت لساعتين في "غرفة الاستقبال" حتى فقدت وعيها وتوفيت.
تكلفة كبيرة للعلاج
تكررت معاناة نعمة منصور وعائلتها، مع الثلاثيني إسلام ربحي من رام الله، إذ لم يتمكن من دخول المستشفى ذاته، بعد تفاقم حالته الصحية نتيجة إصابته بفيروس كورونا، قبل دفع مبلغ 10 آلاف شيقل (3 آلاف دولار) مقدما، كما يوضح في إفادته لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أنه ظل منتظرا لساعات في ساحة المستشفى، حتى تمكن أهله من توفير المبلغ، لتسمح إدارة المستشفى بدخوله، بعد توقيعه على تعهد خطي بدفع كافة تكاليف العلاج.
أصيب ربحي بفيروس كورونا في شهر مارس/آذار الماضي، وظل لثمانية أيام في بيته متصلا بجهاز الأوكسجين ويتلقى مسكنات الآلام، لكنه شعر بانتكاسة في وضعه قرر بعدها الانتقال للمستشفى، وبسبب حالة الإشغال العالية في مجمع فلسطين الطبي في ذلك الوقت، نقله شقيقه إلى مستشفى الاستشاري.
وحصل ربحي على حوالة طبية من وزارة الصحة في وقت لاحق من وجوده في المستشفى، لتغطي 95% من تكاليف علاجه التي بلغت 28 ألف شيقل (8400 دولار) بعد مكوثه 14 يوما في غرفة العناية، لكنه اضطر لتحويل جزء من قيمة الحوالة إلى والدته فايزة عودة، التي مكثت في شهر إبريل/نيسان الماضي في ذات المستشفى لمدة 10 أيام وبلغت فاتورة علاجها 30 ألف شيقل (9000 دولار).
ولا يوجد علاج محدد ومثبت لكورونا، لكنّ هناك نوعين يجري استخدامهما، الأول ريمديسيفير (Remdesivir) المضاد للفيروسات، وتنتجه شركة غيلياد ساينسز الأميركية، ويكلف علاج "الكورس" منه لمدة خمسة أيام حوالي 20 ألف شيقل، والثاني إبر أكتيمرا (ACTEMRA) والتي تستخدم لعلاج مضاعفات كورونا وتكلف الإبرة الواحدة 3 آلاف شيقل، بحسب ما يوضحه خبير الأوبئة وعضو اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا ربيع عدوان لـ"العربي الجديد".
الحكومة تخالف قانون الصحة العامة
في 11 يوليو/تموز الماضي طلبت وزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة من المستشفيات الخاصة والأهلية عبر تعميم مباشر نشرته وسائل الإعلام، تخصيص أقسام لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد، والذين يحتاجون لتدخلات علاجية أو جراحية عاجلة من أمراض أخرى أسوة بالمعمول بها في المشافي الحكومية، موضحةً أن الطلب "جاء بناء على خطة شاملة وضعت بمشاركة منظمة الصحة العالمية، واتحاد المستشفيات الأهلية والخاصة إلى جانب وزارة الصحة، حيث تمت المصادقة عليها من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا ومجلس الوزراء".
وتؤكد الفقرة 2 من المادة 13 من قانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 2004 أن على وزارة الصحة توفير العلاج المناسب مجاناً للأمراض الوبائية التي تحددها، وبما أن الوزارة طلبت من المستشفيات الخاصة والأهلية تخصيص أقسام لعلاج مرضى كورونا، فإن عليها دعم هذا التوجه، وتحمل تكاليف العلاج، لكن هذا لم يتم، بحسب إفادة رئيس اتحاد المستشفيات والمراكز الطبية الأهلية والخاصة، نظام نجيب لـ"العربي الجديد"، بينما ترد المستشارة القانونية لوزارة الصحة أروى التميمي بأن الوزارة لم تخالف التعليمات الواردة في المادة، لكنها يجب أن تدير عملية التحويل للمستشفيات الخاصة لا أن يأخذ المريض على عاتقه مسؤولية العلاج في المستشفى الخاص إذا توفرت الرعاية الطبية في المستشفيات الحكومية.
غير أن أحمد كواملة المدير المالي لمجموعة مستشفيات العربي (خاصة) في الضفة الغربية، والتي تشمل مستشفى الاستشاري، يرد على ما سبق قائلا :"لجأنا إلى هذه الطريقة من التعاقد مع مرضى كورونا، والتي تتمثل بدفع مبلغ 10 آلاف شيقل (3 آلاف دولار) قبل تلقي أي نوع من العلاج، نتيجة الديون التي تراكمت لشركات الأدوية والمستلزمات الطبية والبنوك، والتي وصلت في حالة الاستشاري مثلا إلى 200 مليون شيقل (60 مليون دولار).
وتكشف رسائل رسمية اطلع عليها "العربي الجديد"، جرى تبادلها بين اتحاد المستشفيات الخاصة ودائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة، أن الأخيرة ترفض عقد اجتماع مع الطرف الأول لصياغة اتفاقية خاصة بعلاج مرضى كورونا المحولين من طرف الوزارة، وكانت المطالبة الأخيرة في هذا الشأن بتاريخ 13 إبريل/نيسان الماضي.
ويحمّل اتحاد المستشفيات الخاصة وزارة الصحة المسؤولية الكاملة عن أي مشكلة مالية قد تنشأ بخصوص علاج مرضى كورونا في ضوء عدم وجود خطة من قبل الأخيرة للتعامل مع هذه القضية، وفق رسالة بتاريخ 13 إبريل الماضي.
صراع على تسعيرة العلاج
يؤكد مدير عام وحدة شراء الخدمة (المسؤولة عن التعاقد على الخدمة الطبية مع المستشفيات الخاصة) في وزارة الصحة هيثم الهدرة، أن تكاليف علاج مرضى كورونا لا تختلف عن الأمراض الأخرى، وبالتالي ليس منطقيا طلب تحديد سعر جديد، خاصة أن معظم المستشفيات التزمت بالتسعيرة التقليدية للعلاج باستثناء مجموعة مستشفيات العربي، والتي يتبع لها المستشفى الاستشاري.
في المقابل يوضح كواملة أن بعض أنواع الأدوية المستخدمة في علاج مرضى كورونا باهظ الثمن، على سبيل المثال: إبرة أكتيمرا (ACTEMRA) سعرها 3500 شيقل (1100 دولار).
ويضيف الهدرة في مقابلة مع "العربي الجديد" أن الوزارة ستجتمع مع بعض المستشفيات الخاصة التي لم تلتزم بالتسعيرة التقليدية (1300 شيقل في اليوم)، ليس من باب التفاوض على رفع سعر خدمة علاج مرضى كورونا، وإنما من أجل إبلاغهم بضرورة الالتزام بما هو متفق عليه ما قبل انتشار فيروس كورونا.
ومن بين المستشفيات التي ذكرها الهدرة كمثال على الالتزام بالتسعيرة التقليدية، مستشفى نابلس التخصصي (خاص)، لكن فاتورة المريض نبيل وادي الذي عولج لفترة 20 يوما في المستشفى تشير إلى عكس ذلك، فقد بلغت فاتورة علاجه 64 ألف شيقل، وفق نجله صهيب.
ويضيف وادي أنه تمكن من خصم مبلغ 11 ألف شيقل من الفاتورة بعد مفاوضات شاقة مع الدائرة المالية في المستشفى التخصصي.
وتنفي روان النجار، المديرة المالية للمستشفى التخصصي في نابلس، لـ"العربي الجديد"، وجود اتفاق مع وزارة الصحة بخصوص علاج مرضى كورونا، مشيرة إلى أنها اجتمعت مع محافظة وبلدية نابلس في شهر إبريل من أجل الضغط على الوزارة لإقرار تسعيرة جديدة بحدود 2500 شيقل لليوم الواحد، بسبب ارتفاع تكاليف سعر الدواء المقدم للمرضى.
وتؤكد النجار أن الوزارة لا تزال تتعامل على أساس التسعيرة التقليدية للمرضى العاديين، ورفضت كل المقترحات والطلبات الخاصة بشأن الاتفاق على تسعيرة جديدة تتناسب وثمن العلاج المقدم لمرضى كورونا، لكنها مطلعة على الأسعار التي تتعامل بها المستشفيات الخاصة ولا تعترض عليها.
وتوضح النجار أن بعض المواطنين حصلوا على تحويلات من وزارة الصحة بنسبة 100% وفي هذه الحالة تدفع الوزارة على أساس تسعيرتها التقليدية، وهذا يسبب خسارة للمستشفى ولا يسد الحد الأدنى من تكاليف العلاج، ما يضطرنا إلى اللجوء لتسوية المبلغ المتبقي من قيمة الفاتورة مع المريض نفسه.
ديون متراكمة
يتمثل السبب الأهم للعجز الذي تعاني منه المستشفيات الخاصة، في تراكم الديون على الحكومة، خاصة في ظل جائحة كورونا، إذ وصل إجمالي ديون المستشفيات الخاصة على الحكومة 1.5 مليار شيقل (454 مليون دولار)، وفي حالة الاستشاري حوالي 165 مليون شيقل (50 مليون دولار) حتى نهاية شهر ديسمبر الماضي، وفق مصادر التحقيق.
وتكشف مصادر مطلعة من اتحاد المستشفيات والمراكز الطبية الأهلية والخاصة، لـ"العربي الجديد" عن مناقشة جرت خلال العام الماضي، لمسألة التوقف عن قبول التحويلات الطبية من وزارة الصحة، وإعادة النظر في الاتفاقيات الخاصة بتوطين الخدمة الطبية (سعر الخدمات الطبية المقدمة محليا) بسبب الخسائر التي تعرضت لها وعدم التزام الحكومة بشكل منظم في سداد قيمة الحوالات، وهو ما رد عليه الهدرة بأن بعض الديون مرحّلة سابقاً ولا علاقة لها بحكومة أو مرحلة معينة.
وتشير المصادر إلى أن المستشفيات الخاصة لم تتلق ردا على رسالة بعثتها إلى رئيس الوزراء محمد اشتية في 13 سبتمبر الماضي حول الأزمة التي تعانيها بسبب المماطلات في دفع قيمة الحوالات الطبية، خاصة خلال عملية تدقيقها، والحاجة إلى تغيير الأسعار التي يتم التعامل على أساسها، لأنها أثّرت في قدرة المستشفيات على شراء معدات طبية متقدمة وتوظيف كادر مدرب على استخدامها واستيعاب عدد أكبر من المرضى، كما تم نقل رسائل أخرى لوزير المالية شكري بشارة في الفترة نفسها وأيضا من دون الحصول على رد.