مجزرة مجدل شمس والموقف من الدروز

30 يوليو 2024
حراك شبابي درزي يرفض التجنيد في جيش الاحتلال (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مجزرة مجدل شمس وتباين مواقف الدروز**: وقعت مجزرة مجدل شمس، مما أبرز الفارق بين الدروز الرافضين للجنسية الإسرائيلية والمتمسكين بهويتهم العربية، وبين من انضموا إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.

- **العقبات أمام استلاب الدروز**: رغم محاولات إسرائيل استلاب الدروز، تعرقل العنصرية المتجذرة في إسرائيل هذه المحاولات، مما يدفع بعض الدروز إلى بناء بؤر استيطانية على أراضيهم المصادرة.

- **دعم الحراك الرافض للتجنيد**: تزايدت نسب رفض الدروز للخدمة العسكرية، مما يتطلب خطة إعلامية وفنية واقتصادية وتعليمية لتوعية الشباب وتفكيك الأكاذيب الصهيونية.

استدعى وقوع مجزرة مجدل شمس المأساوية، والتي راح ضحيتها 12 فتى وفتاة من العرب السوريين الدروز القاطنين في الجولان المحتل، توضيح الفارق بين أبناء الطائفة الرافضين للجنسية الإسرائيلية والمتمسكين بهويتهم العربية في مقابل نموذج المشاركين في جرائم دولة الاحتلال أو ما يعرف بـ"حلف الدم"، كما أطلق عليه ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية، لدى وصفه لكتيبة ضمت دروزا وبدوا وشركسا، انضموا إلى صفوف جيش الاحتلال.

بضدها تتميز الأشياء والنموذجان فارقان، الأول في مقاومته الإغراءات الصهيونية ورفض الدخول في حلف تبعية تسفك فيه دماؤهم بينما يقتلون أشقاءهم دفاعا عن الصهاينة الذين يضعون من يقبلون التجنيد من بني مذهبهم في الصفوف الأمامية حفاظا على أرواح اليهود "الغالية"، بينما في النموذج الثاني هناك من قبل القتال ضد إخوانهم من العرب والفلسطينيين الذين يشتركون معهم في الدم والأرض واللغة ومختلف مقومات الانتماء إلى أمة واحدة، كانت وما تزال باقية على هذه الأرض قبل تسلل الصهاينة ونهبهم للبلاد وسيظلون هكذا إلى الأبد، ومن ثم هدف "قرار تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي إلى أن يكونوا حربة لطعن القومية العربية، والتأثير على دروز سورية ولبنان" كما يقول الدبلوماسي يعكوف شيمعوني.

غير أن عقبات وكوابح أخلاقية وإنسانية، تتشكل أمام الآمال والبروباغندا الصهيونية الحالمة باستلاب كامل للفلسطينيين الدروز، حتى تبني سرديتها على "لسنا وحدنا من يقاتل الإرهاب، بل يوجد عرب ومسلمون في صفوفنا " كما ادعى نتنياهو في الكونغرس.

ثمة تيار رفض شبابي يقوى ذاتيا وسط دروز فلسطين مع مرور الأعوام وزيادة الوعي أولا، وثانيا بسبب الطبيعة الصهيونية العنصرية، والتي وصفها البروفيسور شلومو زند أستاذ التاريخ العام في جامعة تل أبيب في مقال نشره في صحيفة الغارديان عام 2013، قائلا :"العنصرية في إسرائيل متجذرة في روح القوانين، تدرّس في المدارس والجامعات وتبث عبر وسائل الإعلام"، وتدعمها أفكار سائدة مجتمعيا مثل استغلال غير اليهودي والتعالي على الأغيار لدوافع دينية، وهي أسباب بنيوية نجحت في عدم تحقيق المساواة للأقلية الوحيدة التي تؤدي خدمة التجنيد الإجباري، حتى أن دولة الاحتلال نهبت ثلثي أراضيهم خلال العقود الستة الماضية،  لتنخفض من 325 ألف دونم إلى 128 ألف دونم، بحسب تقرير "البلديات المحلية والمدن العربية في إسرائيل"، الصادر عن المركز العربي للتخطيط البديل، في أكتوبر/تشرين الأول 2008.

وبسبب عدم الاهتمام بالاستثمار في القرى التي يستقر فيها الدروز بقيت المخططات الحضرية كما هي منذ عقود، لتتقلص المساحات المتاحة، ما أجبرهم على البناء غير القانوني، وتتحدث تقديرات أن ثلثي منازل الدروز بنيت بدون تصاريح ومعرضة لخطر الهدم، وغرامات باهظة نص عليها قانون "كامينيتس" الصادر في عام 2017 والذي شدد العقوبات على مخالفات البناء، وتصل إلى فرض غرامات فورية تتراوح بين 300 ألف شيكل و600 ألف شيكل (الدولار يساوي 3.75 شيكلات)، وبعده بعام واحد صدر قانون عام 2018 الذي ينص على أن إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي" ما يعني استبعادهم عمليا من حقوق المواطنة الكاملة رغم خدمتهم في الجيش، حتى إن مئة ضابط درزي في احتياط الجيش أقاموا منتدى خاصا للاحتجاج على القانون، كما تقدمت الطائفة بالتماس إلى المحكمة العليا.

أسفرت الضغوط السابقة عن مفارقة ساخرة لكن التمعن فيها يثير الأسى، إذ خرج مجموعة من الدروز إلى الأراضي التي صادرتها السلطات، وعمدوا إلى بناء خمس "بؤر استيطانية" أو مبان مؤقتة في منطقتين قرب دالية الكرمل وعسفيا، المطلتين على حيفا والبحر المتوسط، وقال أحدهم ساخرا للتلفزيون الإسرائيلي:"نتجاوب مع الدعوة التي أطلقها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لشبيبة التلال في مستوطنات الضفة الغربية، قال لهم اركضوا إلى التلال، ونحن قررنا التجاوب معه فركضنا إلى التلال. الفرق هو أننا نقيم بؤر استيطان على أراضينا المصادرة".

يؤشر ما سبق إلى أن الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي لم يحقق لمن قبلوا به من الدروز وضعا متساويا ومواطنة كاملة، وهو ما عايشه شباب الطائفة الذين يعانون البطالة والحصار والتضييق (أقل بالتأكيد من غيرهم من الرافضين لدولة الاحتلال)، ومن ثم تحولوا للبحث عن فرص أفضل  في المناطق التي يحتلها اليهود أي أنهم ينسلخون مكانيا وثقافيا عن بيئتهم ومحيطهم وزعامتها التي تفقدهم بشكل كامل لصالح المحتل الذي لا يتوقف عن محاولة تذويبهم عبر سردية من الأكاذيب الهادفة إلى خلق روابط مشتركة، كما يقول خالد فراج الناشط في حملة إسقاط التجنيد الإجباري المفروض على الشبان الفلسطينيين الدروز "ارفض شعبك بيحميك" ضمن فعاليات ندوة ثقافية في القدس عام 2016، ومن بين تلك الأكاذيب "الدروز يحالفون القوي ويناصرونه"، وهو ما تكذبه مشاركتهم الوازنة في الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، إذ كان قائد ومحرك الثورة سلطان باشا الأطرش "فلم يحالف الدروز القوي بل ثاروا ضده"  أو "وجود رابط دم بين اليهود والدروز منذ عهد النبي موسى عليه السلام" رغم أن الدروز ظهروا في زمن الدولة الفاطمية، وكذلك الادعاء بأن الدروز هم من طلبوا أن يكونوا جزءا من المجتمع الإسرائيلي عن طريق مشايخهم، لكن الحقيقة أن ثلاثة آلاف من مشايخ الدروز اعترضوا على الخدمة العسكرية ورفضوها رفضا قاطعا حين فرضت عام 1956.

الصورة
خدمة الدروز

هؤلاء المعترضون وإن قلت أعدادهم مع مرور الزمن، لكن موقفهم عاد لينبعث على يد الحراك الشبابي الوطني الرافض للتجنيد والمتمسك بالهوية الفلسطينية التي تجعله في تضاد مع دولة الاحتلال التي تصنف الطائفة باعتبارها قبيلة متحالفة تخضغ لشيخ هو الزعيم الروحي، وعليه استخدام نفوذه لممارسة أشكال الضبط عليهم، لكن التغيرات في الأفكار والممارسات التي تتطور مع الزمن لن تسمح بتحقيق تلك الأوهام، خاصة مع تزايد أعداد الدروز من 14858 نسمة، في إحصاء سلطات الانتداب البريطاني عام 1945، ليصبح 150 ألف نسمة، أي ما يعادل 1.6% من إجمالي السكان وما يستدعيه ذلك من صعوبة في ممارسة صيغ الهيمنة التقليدية وعدم قبول الأجيال الجديدة لها.

السؤال الآن ما الذي يمكن فعله لدعم هذا الحراك؟ خاصة أن نسب رفض الدروز للخدمة العسكرية تتزايد وسيفاقم منها ما يجري في غزة حاليا إذ قتل 10 جنود وضباط دروز منذ 7 أكتوبر الماضي، للإجابة عن السؤال، لا بد من دعم التيار الرافض ومساعدته في توعية الأطفال (دولة الاحتلال تنظم فعاليات تستهدفهم في المدارس الدرزية) والشباب من أجل عدم المشاركة في جريمة الانضمام إلى جيش الاحتلال عبر تسليط الضوء على حراك "ارفض شعب بيحميك" ومساعدته على النمو ومنحهم فرصة دائمة، وليست موسمية كلما جد جديد، من أجل مخاطبة الجمهورعبر الشاشات ووسائط التواصل الاجتماعي واحتضان المشاركين قانونيا ومجتمعيا وحتى ماليا، بسبب تضييق الاحتلال عليهم ومحاولته ممارسة شتى الضغوط لإثنائهم عن عدم الخدمة العسكرية.

ويجب تسليط الضوء على الشخصيات الوطنية الدرزية ونمذجتها فنيا وإعلاميا وصياغة رسالة تنفذ إلى عقول الأطفال والشباب قبل الشيوخ فهم من تستهدفهم دولة الاحتلال للتلاعب بوعيهم وأسرلتهم، على سبيل المثال قصة علي الحجار مختار قرية المطلة الذي حاول التصدي للمحاولات الصهيونية المبكرة للاستيطان وشراء الأراضي في المنطقة خلال القرن التاسع عشر، ليختفي في ظروف غامضة في الطريق بين المطلة وصيدا، وسلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى وغيرهم من الرموز والقادة القريبين من أهل المنطقة.

الأمر الثالث ضرورة حضور مشاكل تلك الأقلية وآلامها وآمالها على الشاشات وأجندة الناشطين المجتمعيين، وعدم الاقتصار على الأبعاد السياسية فقط لرؤية الطائفة، وما دونها لا يتم الالتفات إليه على أهميته وتأثيره على حياة الناس من اقتصاد واجتماع وغيره، وكل ما سبق يحتاج إلى تفكيك بنية مخطط الأسرلة ومخاطبة المنطق والعقل والعواطف لإعادة بناء هوية وطنية عروبية فلسطينية بالاستعانة بدروز لبنان وسورية والأردن، ضمن خطة مركبة إعلاميا وفنيا واقتصاديا ومجتمعيا وتعليميا لاستعادة أكبر عدد ممكن منهم، فعلى سبيل المثال عدد ضئيل من الدروز ينخرط في الدراسات العليا مقارنة مع بقية الفلسطيين، أي إن المستوى التعليمي أقل، لذلك لا يحصلون على وظائف مناسبة بأجور جيدة والمتاح هو الجيش الإسرائيلي، بينما لو تغير النمط التعليمي لهم فسيمكنهم الحصول على فرص أكبر خارج الجيش، وكذلك تمحيص وتدقيق التاريخ وتفنيد الأكاذيب الصهيونية التي تحاول أن تفصل الدروز عن حالة الإجماع الوطني الفلسطيني المتصدي للاحتلال تاريخيا، ووقتها سيتكرر نموذج دروز الجولان القابضين على جمر عروبتهم.