مثلث الاختطاف الأفريقي... أزمة أمنية إقليمية بين تشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى

29 ابريل 2024
تحركت الدولة التشادية بعد اختطاف رهائن غربيين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تدهور الوضع الأمني في المنطقة الحدودية بين تشاد، الكاميرون، وأفريقيا الوسطى بسبب الصراعات وظهور جماعات متطرفة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الأمنية واستهداف الأثرياء وموظفي المنظمات غير الحكومية للخطف.
- عمليات الاختطاف، التي تعود إلى يوليو 2001، شهدت تصاعدًا بين 2020 و2023، مع استمرار الظاهرة رغم الجهود الأمنية، بما في ذلك تحرير 119 مختطفًا في عملية أمنية في 2024.
- الشبكات الإجرامية تستغل الفقر والحروب الأهلية لتجنيد المزيد من المجرمين، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويحتم على الدول المعنية اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انتشار الجرائم وتحقيق الاستقرار.

تغيب سيطرة دول وسط أفريقيا عن أطرافها، ما سبّب أزمة أمنية إقليمية في تشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى، إذ تصاعدت عمليات الاختطاف التي تستهدف الموسرين وموظفي المنظمات غير الحكومية في منطقة حدودية تقع بين الدول الثلاث.

- هاجم أربعة مسلحين، الطفل التشادي عمارو بكاري (16 عاماً)، في يناير/كانون الثاني 2019، بينما كان يرعى أبقار والده في منطقة لاغون lagon بمقاطعة مايوكيبي جنوبيّ البلاد، واقتاده الخاطفون الذين كانوا على متن دراجتين ناريتين إلى منطقة bessao في مقاطعة لوغون أورينتال على الحدود مع الكاميرون وأفريقيا الوسطى.

وتواصل الخاطفون مع والد بكاري من أجل دفع فدية بقيمة 20 مليون فرنك أفريقي (32.540 دولاراً أميركياً)، كما يقول، مضيفاً: "كان معي صبي في مثل عمري في أثناء الرعي، لكنهم طاردوني وحدي، وهدفهم كان محدداً". ويضيف لـ"العربي الجديد" أن والده استغرق شهرين لجمع المبلغ حتى لا يقتله الخاطفون الذين ميّز تحدثهم بلغة قبائل الفولاني (مجموعة عرقية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا).

وبكاري واحد من بين 64 تشادياً اختُطفوا من مناطق حدودية مع الكاميرون في عام 2019، بحسب ما رصده الباحث والصحافي التشادي ديلي سانزومي نيستور Déli sainzoumi Nestor، في كتابه "اختطاف الرهائن مقابل الفدية"، الذي صدر في سبتمبر/ أيلول 2021، مشيراً إلى وقوع أول حادثة خطف لثلاثة رعاة ينتمون إلى قبيلة الفولاني في 21 يوليو/تموز 2001، في منطقة فيانقا Fianga بمقاطعة مايوكيبي على الحدود مع الكاميرون وأفريقيا الوسطى، كما أوضح لـ"العربي الجديد".

وتصاعدت الظاهرة وارتفع عدد ضحاياها بشكل حاد خلال الفترة بين أعوام 2020 وحتى 2023، إذ اختطف 87 شخصًا، وقتل 20 وفقد اثنان آخران في مقاطعتي لوغون أورينتال ومايوكيبي، بحسب ما وثقه بحث منشور في الثامن من إبريل/ نيسان 2024، على موقع معهد الدراسات الأمنية Institute for Security Studies (مؤسسة مستقلة تنشط في جنوب أفريقيا)، بعنوان "عمليات الاختطاف في تشاد تثير أزمة أمنية إقليمية".

 

لا سيطرة للدولة على الأطراف

تغيب سيطرة الدولة التشادية عن مقاطعتي مايوكيبي ولوغون أورينتال، ما يمكّن الخاطفين من التجول بحرية، كما يقول ريمادجي هويناثي، الباحث الأول في معهد الدراسات الأمنية، مشيراً إلى أن المقاطعتين تقعان في المثلث الحدودي بين تشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى، وهي منطقة طرفية لا تُعنى بها الدول، وتفاقم الأمر قبل عقدين، وفق ما جاء في البحث الذي شارك هويناثي في العمل عليه، قائلاً لـ"العربي الجديد": "تدهور الوضع الأمني العام في هذه المنطقة الحدودية باطّراد بسبب عقود من الصراع المسلح في دول حوض بحيرة تشاد (الكاميرون، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا، والجزائر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وليبيا، والسودان)، وفاقم الأمر ظهور جماعة بوكو حرام في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأدى العجز عن كبح العنف والحفاظ على أمن الحدود، إلى خلق بعد دولي للأزمة الأمنية في المنطقة، وبالتالي تنتشر الصراعات الداخلية التي تغذيها تجارة السلاح وتفاقم الإرهاب في تشاد وجيرانها، وهو ما يؤثر في امتداد الصراعات إلى ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى".

فاقم ظهور جماعة بوكو حرام عمليات الاختطاف في أفريقيا

ما سبق يؤكده ثلاثة رهائن سابقين وثق مُعدّ التحقيق إفاداتهم، ومنهم ناقيتا بياتريس (18 عاماً)، التي اختُطِفَت في الخامس من إبريل 2023، بينما كانت في طريقها إلى مدرستها قرب غابة تولام بمقاطعة مايوكيبي، واقتادها الخاطفون إلى منطقة Mbraou  التشادية على الحدود مع الكاميرون، وبعدها تواصلوا مع عائلتها لدفع فدية بقيمة سبعة ملايين فرنك (11.389 دولاراً أميركياً)، كما تقول لـ"العربي الجديد"، وفي المكان نفسه قبع مخطوف تشادي آخر، يُدعى سليمان آجي، وكانت بياتريس تشاهده يُضرَب كل صباح لأن أهله لم يستجيبوا لمطالب الخاطفين، مضيفة: "لم يضربني أحد، لأن أمي قالت لهم إنها ستجمع المال"، وتتابع: "في مساء الثامن عشر من إبريل 2023 كنت مربوطة إلى جذع شجرة تحت تلة في Mbraou، والخاطفون يشربون الشاي بينما كانوا يجرون الاتصالات مع أهالي الرهائن، حينها سمعنا أصوات إطلاق رصاص وهرب الخاطفون مسرعين، وبالتالي تمكنت حملة من قوات الدرك التشادية من تحريرنا في أثناء مهمة تمشيط للمنطقة".

 

خاطفون ومخطوفون من إثنيات عابرة للحدود

يقول النقيب في قوات الدرك الوطني التشادي، إدريس قارديا، الذي عمل مع القوة المسؤولة عن الأمن في مقاطعة مايوكيبي، إن المثلث الحدودي بين تشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى صار وكراً يجري اقتياد الرهائن إليه، في ظل تحول ذلك النشاط الإجرامي ليكون عملاً مربحاً للمجرمين المنتمين إلى إثنيات عابرة للحدود كما المخطوفون أيضاً.

وينحدر الخاطفون والمخطوفون بشكل رئيسي من قبائل الهوسا والفولاني (من أكبر الإثنيات الأفريقية)، وهم يتعاونون مع شركاء محليين يبلغونهم بمن يمكن اختطافهم بسبب ثراء أهلهم، ويؤكد بحث معهد الدراسات الأمنية أن "التجار والرعاة والمزارعين والمسؤولين الحكوميين وموظفي المنظمات غير الحكومية مستهدفون، وقد يُختطَف أطفالهم وأزواجهم أيضاً"، ومن بين هؤلاء الضحايا السيدة التشادية Dellè Foyang juillet التي اختُطفت بمعية ابنها البالغ من العمر 17 عاماً من قرية كومايو Komé  في مقاطعة لوغون أورينتال في 23 يناير الماضي، قائلة: "كنا في مزرعتنا التي تبعد نحو كيلومترين عن قريتنا، وهاجمنا الخاطفون بسيارة رباعية الدفع وأخذوني مع ابني ونقلونا إلى منطقة بيندر نايري Binder Nairi في مقاطعة مايوكيبي".

مثلث الاختطاف الأفريقي

وتضيف لـ"العربي الجديد": "ضرب الخاطفون ابني في أثناء تواصلهم مع والده، وطالبوه بدفع 20 مليون فرنك، وبالفعل حاول جمع المبلغ عبر بيع محصول السمسم، لكن وصلت قوة من الدرك الوطني التشادي في نهاية فبراير/ شباط 2024 لتحرير طبيبة بولندية اختُطفت في التاسع من ذات الشهر. وتمكنا من الفرار بعد هروب الخاطفين باتجاه الحدود الكاميرونية خشية القبض عليهم".

وخلال الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 وحتى التاسع من فبراير 2024، اختطف أربعة أجانب (فرنسي، وآخر يحمل الجنسيتين الفرنسية والأسترالية، وطبيبة بولندية ومواطن مكسيكي)، وفق تأكيد الدكتور سالي بكاري، المتخصص في قضايا الأمن والسلام، وأستاذ التاريخ بكلية الآداب في جامعة أنجمينا الحكومية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن تمويل الخاطفين عبر الفدى، يؤدي إلى مزيد من التوتر الأمني، وزعزعة الاستقرار له عواقب أمنية واجتماعية واقتصادية وخيمة على المنطقة بأكملها، لأن الكاميرون بمثابة الطريق التجاري الرئيسي لتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهما دولتان حبيستان، وبالتالي تسبب عمليات الخطف تعطيل التجارة، حتى إن ملّاك الماشية التشاديين توقفوا عن الذهاب إلى الكاميرون لبيع بضاعتهم عبر تلك الطرق.

 

تحالف القوى الإجرامية والمتطرفة يزيد جرائم الاختطاف

تلقي هونتيتو، والدة بياتريس الرهينة المحررة، باللوم على السلطات الأمنية التشادية لعدم القيام بإجراءات كافية تمنع استمرار الظاهرة، قائلة لـ"العربي الجديد": "لو عملت الشرطة على تأمين السكان وفرض سيطرتها في المنطقة لما واصلت هذه العصابات نشاطها".

الصورة
خاطفون ومخطوفون من إثنيات عابرة للحدود

وفي الغالب لا يُبلّغ أهالي المختطفين السلطات التشادية، خوفاً من وضع حياة الرهينة في خطر، وبخاصة من لا يستطيع أهله دفع المال، وفق إفادة الباحث هويناثي، الذي قال لـ"العربي الجديد" إنّ عدم كفاية أعداد قوات الأمن في تلك المنطقة يسهل من وقوع تلك العمليات ويتعين على تشاد وجيرانها معالجة هذه المشكلة بشكل عاجل للحد من انتشارها ومنع تحالفات القوى الإجرامية والمتطرفة الأخرى العاملة في المناطق الحدودية بين تشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى.

تمويل الخاطفين عبر الفدى يؤدي إلى تجنيد المزيد من العناصر الإجرامية

ولم تتحرك الدولة التشادية بشكل جاد إلا بعد واقعة خطف الطبيبة البولندية كما تؤكد مصادر التحقيق، لكن المسؤولة الإعلامية في وزارة الأمن والهجرة التشادية، أماني إسحاق أرينا، ردت على ما وثقه التحقيق، قائلة لـ"العربي الجديد": "وزير الأمن العام والهجرة التشادية شرف الدين مرقي، غادر أنجمينا في 24 فبراير الماضي على رأس حملة أمنية إلى مقاطعة مايوكيبي، وحُرِّرَت الطبيبة البولندية مع رهائن تشاديين وكاميرونيين، والسلطات الأمنية تمكنت من تحرير 119 مختطفاً، 86 منهم تشاديون و18 من الكاميرون و15 من أفريقيا الوسطى، اختُطِفوا خلال الفترة من 2020 حتى بداية 2024".

وفي الخامس عشر من مارس/ آذار 2024، قاد الوزير مرقي عملية إنقاذ لرهائن، وخلالها فُكِّكَت شبكة إجرامية مكوَّنة من قطّاع طرق يخطفون المواطنين بشكل منتظم مقابل الحصول على الفدى، كذلك أُلقي القبض على عصابة مكونة من 18 شخصاً، وأُطلِق سراح سبعة رهائن، بينهم خمسة كاميرونيين، بحسب أرينا، التي قالت إن وزارة الأمن والهجرة تلقت بين سبتمبر 2023 وفبراير الماضي 26 بلاغاً، وحررت 17 رهينة.

غير أن عدم تطبيق القانون بفعالية في تلك المنطقة بسبب غياب الدولة يجعل الظاهرة مستمرة، ولا يجعل لنص المادة 326 من قانون العقوبات التشادي لسنة 2017 فعالية في حماية الأهالي، وتنصّ المادة على أن يُعاقَب بالسجن لمدة تراوح بين 20 و30 سنة، من قام بعملية خطف وهدد المحتجز بالقتل، أو تكرر تورطه في عمليات اختطاف بقصد الحصول على الفدى، حسبما يقول القاضي بمحكمة أنجمينا، عبد الله بونو لـ"العربي الجديد"، وما يفاقم الأمر استفادة الشبكات الإجرامية للخاطفين من الحرب الأهلية في أفريقيا الوسطى، وفق ما جاء في بحث معهد الدراسات الأمنية الذي يؤكد أن تزايد الفقر بسبب غياب الأمن يساهم في تجنيد المزيد من المجرمين في المناطق الطرفية والحدودية.