لاجئو الروهينغا في ماليزيا...استغلال وحرمان من الأجور يفاقمان فقرهم
يهرب لاجئو الروهينغا من الموت على يد قوات الجيش الميانماري، إلى معاناة الفقر في ماليزيا، ويفاقم الأمر استغلالهم على يد أرباب عمل يحرمونهم من أجورهم ويخدعونهم بسبب تصنيفهم قانونياً باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين
- لم يعترض اللاجئ الميانماري المنتمي إلى عرقية الروهينغا، حسن أحمد، على عرض قدمه إليه متعهد بناء بالعمل في مقابل 1200 رنجيت (290 دولاراً)، رغم ضآلة المبلغ مقارنة بالمشقة والمخاطر وما يتلقاه نظراؤه الماليزيون، لكن عدم توفر العديد من خيارات الشغل ومعاناة الفقر المدقع، أجبراه على قبول العمل في مشروع يقع في منطقة سيريمبان بولاية نيجري سيمبيلان جنوب كوالالمبور، لمدة ثلاثة أشهر، لم يحصل منها سوى على أجر الشهر الأول، بعدها ادعى صاحب العمل بأن مدير الموقع هرب بأجور العمال، كما يروي أحمد والذي طلب إخفاء هويته خوفاً من الملاحقة القانونية لكونه مصنفاً باعتباره مهاجراً غير شرعي كما روى لـ "العربي الجديد" بمرارة، مضيفاً "اضطررت لاستدانة الأموال من بعض الأصدقاء والغرباء حتى أتمكن من العودة إلى عائلتي في العاصمة".
وتابع "الأمر منتشر، ساعدت صديقاً في الحصول على عمل في مجال التنظيف، ووعدني صاحب العمل بدفع أجره في حال قرر إنهاء خدماته، لكنه طرد صديقي بعد شهر دون أن يدفع له شيئاً".
بيئة عمل خطرة
تتكرر معاناة أحمد مع غيره من أبناء مجتمعه في ظاهرة متنامية، إذ ترصد سيفا مانيكام مسؤولة نزاعات العمل في مكتب منظمة Asylum Access الأميركية في كوالالمبور، (تعنى بشؤون اللجوء والهجرة في ماليزيا وجنوب شرق آسيا)، حالات الاستغلال وعدم دفع أجور اللاجئين بشكل يومي، كما تقول لـ"العربي الجديد"، وتضيف: "أعداد الحالات كبيرة جداً، وعلى رغم وجود شكاوى أخرى متعلقة بانتهاكات العمل إلا أن عدم دفع الأجور يشكل 90% من تلك القضايا، وفي العام الماضي وثقنا 121 شكوى من لاجئين تتعلق بالاستغلال في العمل وعدم دفع الأجور".
ويعاني اللاجئون من انتهاكات متنوعة، من بينها الطرد التعسفي والحرمان من تعويضات إصابات العمل، كما يتعرضون في العديد من الحالات للتنمر الجسدي أو اللفظي من أصحاب العمل، والخصومات التعسفية واحتجاز الوثائق الشخصية مثل بطاقة مفوضية اللاجئين، وفق إفادة مانيكام، والتي شددت على أن عدم دفع أجور اللاجئين مشكلة كبيرة كونهم يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة جداً.
ماليزيا لم توقع على اتفاقية اللاجئين والبروتوكول الخاص لعام 1967
لكن المطالبة بالحقوق ليست دائماً في مقدمة أولويات اللاجئين، خصوصاً في مجتمع الروهينغا الذي يعاني من فقر مدقع، كما تقول الناشطة في منظمة Asylum Access يسرى حرزي، موضحة أن معظمهم يأتون برفقة عائلاتهم أو يعيلون عائلاتهم في دول أخرى، "ونحن نتحدث عن أناس لا يمتلكون وقتاً حتى لحقوقهم، وعندما يتعرضون للاستغلال في العمل، يضطرون لتجاوز ذلك والبحث عن عمل آخر". وهو ما تؤكده منظمة North South Initiative الحقوقية (تعنى بحقوق وقضايا العمال والمهاجرين الأجانب)، إذ أوضح مديرها الناشط الحقوقي الماليزي أدريان بيريرا أنهم تلقوا من اللاجئين، الكثير من الشكاوى خلال عام 2020، لكن الخوف من أصحاب العمل يدفع بالكثير منهم إلى عدم الاستمرار في المسار القانوني، ولهذا لم تتمكن المنظمة إلا من توثيق 10 قضايا فقط خلال العام الماضي.
ويعد اللاجئ جعفر حسين، والذي يبلغ من العمر 30 عاماً من بين أولئك اللاجئين ممن اضطروا لترك ما تعرضوا له من استغلال ورائهم، والبحث عن عمل جديد، لإعالة زوجته وابنه الصغير.
وعمل جعفر في بدايات عام 2020 في مجال جز العشب، ولأنه لم يستطع تحمل مشاق العمل طلب من صاحب العمل تعيين زميل ليساعده، لكنه رفض وطلب منه مغادرة العمل إذا لم يكن قادراً على إنجازه، وبالفعل ترك العمل بعد شهر و15 يوماً، وحينما طالب صاحب العمل بالأجور المترتبة عليه قابله بالرفض، قائلاً "وعدني صاحب العمل براتب قدره 1500 رنجيت، لكنني لم أحصل على رنجيت واحد." وتابع لـ "العربي الجديد"، :"يتكرر الأمر لأننا أجانب، ولا نمتلك وثائق نظامية تسمح لنا بالمطالبة بحقوقنا".
خدعة الوسيط
يتهرب أصحاب العمل من المحاسبة والمسؤولية، عبر ما يمكن وصفه بأسلوب الوسيط بحسب توثيق الحقوقية مانيكام، والتي تقول: "يضع صاحب العمل مسؤولية تأمين العمالة على وسيط، قد يكون ماليزياً أو من مجتمعات اللاجئين أنفسهم، وفي حال لم يدفع صاحب العمل أجور العمال فإنهم يتوجهون إلى الوسيط الذي يضع اللوم على صاحب العمل، وبدوره فإن صاحب العمل يلقي باللوم على الوسيط ويدعي أنه دفع الأموال له، لينتهي الأمر بضياع حقوقهم".
ويعقّد الأسلوب السابق من مهمة المنظمات غير الحكومية في ملاحقة المسؤولين، خصوصاً عندما يكون الوسطاء من اللاجئين أنفسهم، ويجعل محاسبة أصحاب الأعمال شديدة الصعوبة، خاصة في غياب القوانين التي تحمي حقوق اللاجئين في العمل، بحسب تأكيدات منظمة Asylum Access.
حرمان من الحقوق الأساسية
لم توقع ماليزيا على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 أو البروتوكول الخاص بوضع اللاجئين لعام 1967، وبالتالي فإنها تفتقد لأي إطار قانوني واضح للتعامل مع اللاجئين المقيمين على أراضيها، ومع غياب أي قوانين محلية فاعلة لتنظيم وضع اللاجئين في البلاد، فإنهم لا يزالون حتى اليوم مهاجرين غير شرعيين في نظر القانون الماليزي، بحسب ما تؤكده مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ردها على أسئلة "العربي الجديد".
ورغم أن اللاجئين في ماليزيا يحصلون على بطاقة من المفوضية تقدم لهم نوعاً من الاعتراف بوجودهم، إلا أن وضعهم القانوني يحرمهم من العديد من الحقوق الأساسية مثل حق العمل أو الدخول إلى الجامعات والمدارس الحكومية، بالإضافة إلى أنهم عرضة للتوقيف والسجن في حال ضبطهم وهم يعملون، ومع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها، فإن اللاجئين يتوجهون للعمل بشكل غير نظامي وفي مختلف قطاعات العمل رغم مخاطر الاعتقال والاستغلال التي قد يواجهونها، بحسب الناشط الحقوقي بيريرا.
ويبلغ عدد اللاجئين وطالبي الحماية المسجلين لدى مفوضية اللاجئين في ماليزيا 178.810 بحسب الإحصاء الصادر في يناير/كانون الثاني 2021 عن مكتب المفوضية في كوالالمبور، ويشكل الروهينغا غالبيتهم بتعداد يبلغ 102.350 شخصاً.
وبدأت هجرة الروهينغا إلى ماليزيا منذ أكثر من عقدين، والبعض قدم قبل 30 عاماً، بسبب العنف المستمر ضدهم في ميانمار، والذي لم يتوقف منذ ثلاثة عقود لكنه تأجج خلال الحملة العسكرية الكبيرة ضدهم في السنوات الأخيرة، وهو ما خلق موجات لجوء في ماليزيا وبنغلادش فاقمت أوضاعهم الحقوقية والمعيشية المتردية بحسب بيريرا.
تقاعس حكومي
رغم عدم وجود تشريعات قانونية تحمي حق اللاجئين في العمل بماليزيا، تصر المنظمات غير الحكومية على مساعدتهم، عبر جمع أكبر قدر ممكن من التفاصيل والأدلة التي تؤيد قضية اللاجئ، وتتوجه مباشرة إلى مكان العمل، وتحاول الوصول إلى تفاهم مع المسؤول من أجل تسديد أجر اللاجئ، كما تقول مسؤولة قضايا العمل في Asylum Access، مضيفة في بعض الحالات التي يبدي فيها صاحب العمل رفضاً تاماً لأي حلول وسط، تلجأ المنظمة إلى الوكالات الحكومية مثل إدارة العمل، والتي تعتبر مانيكام أنها ملزمة بالتعامل مع قضايا اللاجئين لكون تلك المخالفات ترتقي لمرتبة العمالة القسرية والاتجار بالبشر.
لكن التوجه إلى الوكالات الحكومية، أمر معقد بحسب تأكيداتها، إذ تغيب تعليمات واضحة وموحدة حول التعامل مع اللاجئين المصنفين قانونيا باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، ويتعلق مصير القضية كلها بالموظف في إدارة العمل ورغبته في متابعة الموضوع، إذ لا تسمح التشريعات الحالية للاجئين سوى بالتقدم بشكوى دون التوجه لمحكمة العمل بدعوى رسمية، وغالباً ما تنتهي تلك الشكاوى برد مقتضب من إدارة العمل نقلاً عن المسؤول الذي ينكر كل الاتهامات الموجهة له.
121 شكوى موثقة عبر منظمة واحدة تتعلق بعدم دفع أجور الروهينغا
وتضيف "قدمنا 22 شكوى إلى إدارة العمل بين عامي 2019 و2020 إلا أن ردودهم كانت سلبية جداً، ونعتقد أنهم لا يبذلون الجهد الكافي لحل تلك القضايا".
وتواصلت "العربي الجديد" مع جنيفر عبدول مديرة العلاقات العامة في إدارة العمل بشبه الجزيرة الماليزية، للاستفسار حول الدور المنوط بإدارة العمل في قضايا اللاجئين، لكنها نفت أي علاقة بالأمر وقالت: "التعامل مع اللاجئين يدخل ضمن وضعهم القانوني وهو من شؤون وزارة الداخلية"، وهو ما ترفضه المنظمات غير الحكومية ويناقض وثيقة رسمية صادرة بتاريخ 26 أغسطس/آب 2020، حصلت عليها الجريدة وتثبت أن إدارة العمل تتعامل مع شكاوى اللاجئين، إذ رد مكتب إدارة العمل في منطقة سوبانغ جايا على شكوى تقدم بها لاجئ ضد إحدى الشركات التي لم تدفع له أجوره المستحقة، موضحا أنه تواصل مع الشركة التي تقدم اللاجئ بالشكوى ضدها، ونصحها بدفع الأجور، لكن رد الشركة كان بأن الشاكي لا يمتلك وثائق عمل نظامية وبالتالي لا يشمله قانون العمل الماليزي لعام 1955، واختتمت إدارة العمل الوثيقة بالقول إنها أغلقت القضية بدون اتخاذ أي إجراء ضد صاحب العمل.
صالح ضد تاج محل
رغم كل هذه المعوقات القانونية إلا أن ماليزيا سبق وشهدت قضية بارزة استطاع لاجئ رفعها، والحصول على حكم قانوني باستعادة حقوقه من صاحب العمل، وتعرف القضية باسم "صالح ضد تاج محل"، نسبة إلى محمد صالح خلف صاحب الدعوى ضد فندق تاج محل، والتي نظرتها المحكمة الصناعية في كوالالمبور بسبب تسريحه بشكل غير قانوني من عمله.
ويؤكد حكم المحكمة لمصلحة محمد صالح خلف، بشكل صريح على أنه يحق لأي عامل، تعرض للتسريح بشكل غير قانوني الحصول على تمثيل أمام القضاء. كما يُعرّف القرار "العامل" بأنه يتضمن العمال الأجانب والمهاجرين بغض النظر عن امتلاكهم لإقامة العمل من عدمها. كما أكدت المحكمة أن اللاجئين محميون بحسب قانون العلاقات الصناعية لعام 1967، بحسب ما جاء في تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2019 حول سياسات وقوانين العمل في ماليزيا.
رغم ذلك، ومع أن قانون العمل الماليزي لعام 1955 لا يميز بين العاملين تبعاً لحالة الهجرة أو الإقامة كما يقول الحقوقي بيريرا، لكن موظفي إدارة العمل يفسرون بنود القانون بالطريقة التي تناسبهم ويرفض معظمهم مساعدة اللاجئين في الشكاوى.
ولا تتدخل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كوالالمبور في قضايا العمل الخاصة باللاجئين بشكل مباشر، بحسب إفادة الناطقة باسم المفوضية يانتي إسماعيل والتي قالت لـ "العربي الجديد"، :"مقاربتنا تقوم على تطوير شراكات مع مؤسسات ومجموعات توفر الاستشارة القانونية والدعم للاجئين في قضايا العمل مثل منظمة Malaysian Bar ومجموعة مراكز تقدم الدعم القانوني للاجئين في العاصمة وولاية بينانج، كما تعمل المفوضية على توصيل المنظمات المدنية الناشطة في مجتمعات اللاجئين بالوكالات القانونية لتوفير الاستشارات المطلوبة في تلك الحالات".
مزايا إدماج اللاجئين في سوق العمل
يمكن للاجئين تقديم مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 6.5 مليار رنجيت، فيما ستتجاوز مساهمتهم الضريبية 250 مليون رنجيت بحلول عام 2040، وفق دراسة عملت على الأثر الاقتصادي لإصدار قانون يسمح للاجئين بالعمل في ماليزيا وأصدرتها مؤسسة الديمقراطية والشؤون الاقتصادية (IDEAS) في عام 2019.
ودعت المؤسسة الحكومة الماليزية إلى تبني سياسات فاعلة تمهد لإقرار قانون يسمح للاجئين بالعمل في ماليزيا بشكل قانوني. وتؤكد على ذلك مسؤولة منازعات العمل في منظمة Asylum Access، والتي أكدت على أهمية الأمر لوقف الانتهاكات وحوادث الاستغلال التي يعاني منها اللاجئين، بينما تقول الناطقة باسم مفوضية اللاجئين، أنهم يعملون منذ أكثر من عقد مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في ماليزيا لدفع الحكومة لإصدار تشريع قانوني يسمح للاجئين بالعمل، واعتبرت أن مثل هذا القانون سيوفر حماية وشروط عمل أفضل وبيئة تدعم الاقتصاد المحلي للبلاد، كما سيوفر واقعاً أفضل لمجتمعات اللاجئين على صعد التعليم والصحة وهو ما سيمكنهم من العودة إلى بلادهم بمهارات يستطيعون توظفيها حين تصبح تلك العودة ممكنة، وهي فكرة ما زالت تداعب أحلام الكثيرين، ومن بينهم جعفر والذي يتمني أن يعمل بدون الخوف من الشرطة أو التعرض للاستغلال، ويقول "أحلم وعائلتي بأن أعمل وأحصل على أجري بدون تمييز، لا أريد أن أعامل بشكل مختلف لأنني لاجئ".