- الدراسة تكشف عن نقص المعرفة والوصول إلى المعلومات لدى اللاجئين والمهاجرين حول أمان مساكنهم، مما يزيد من تعرضهم للخطر.
- تسلط الضوء على الحاجة لتحسين الوصول إلى المعلومات والدعم لتمكين هذه المجتمعات من الاستعداد والصمود أمام الكوارث الطبيعية.
يدرك لاجئون ومهاجرون عرب وأفغان من المقيمين في تركيا أن خطر وقوع زلزال مدمر محدق بهم، غير أنهم لا يحركون ساكناً ولا يمكنهم ذلك، كيف ولماذا ومن المسؤول، هذا ما تجيب عنه دراسة حديثة لأربعة باحثين من جامعة لندن.
عمل الباحثون بين مجتمعات اللاجئين والمهاجرين العرب والأفغان المقيمين في إسطنبول وتوصلوا إلى أن لديهم معرفة ووعياً باحتمال وقوع كارثة في المدينة التي دقت بلديتها ناقوس الخطر في فبراير/ شباط الماضي، بعد تكرار التحذيرات من إمكانية أن يضربها زلزال مدمّر قد تبلغ قوته أكثر من سبع درجات، غير أن ظروف المهاجرين واللاجئين المعيشية تعوق أحلامهم بالحصول على سكن وحياة آمنة وتمنعهم من الانتقال من مكان إقامتهم الحالي رغم خطورته.
وتوضح الدراسة كيف لا يمكن ترجمة المستويات المتزايدة من الوعي باحتمالات وقوع الكوارث، إلى فعل نشط للبحث عن مساكن آمنة ومقاومة للزلازل بين العديد من المهاجرين واللاجئين.
وضرب زلزال كبير جنوب تركيا في السادس من فبراير 2023 وتسبب في مقتل 50 ألف شخص، ودمار كبير في البنى التحتية في عدد من ولايات البلاد، علاوة على آلاف الجرحى ومئات الآلاف من النازحين، والذين انتقلوا إلى إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى تقع في الداخل التركي، ويخشى متخصصون تكرار الأمر في إسطنبول.
ونشرت الدراسة التي حصل "العربي الجديد" عليها (مرفقة في المادة) على موقع موسوعة أبحاث أكسفورد لعلوم المخاطر الطبيعية في إبريل/ نيسان 2024، بعنوان "في انتظار الكارثة؟ خيارات السكن ومدى المعرفة بالكوارث بين المهاجرين واللاجئين في مناطق جنوب غربي إسطنبول" Waiting for Disaster? Housing Choices and Disaster Knowledge Among Migrants and Refugees in Istanbul’s Southwestern Districts، وعمل عليها فريق متعدد التخصصات، وهم الأكاديميون إستيلا كاربي وسامان غفاريان وكاسيدي جونسون من جامعة لندن وأويس حمص، الباحث المستقل في الهندسة المعمارية، بهدف تقييم مدى التأهب وحجم القدرات المعرفية بالكوارث لدى شريحة المهاجرين واللاجئين الناطقين بالعربية والفارسية المقيمين في المناطق الجنوبية الغربية لإسطنبول (أفجلار، زيتون بورنو، كوتشوك شكمجة، باكركوي، باغجلار، الفاتح، إسنيورت، باهجيليفلر، باشاك شهير، بيليك دوزو)، والتقى الباحثون 71 مهاجراً ولاجئاً من أجل تقييم خيارات السكن الآمن ومدى العوائق التي تواجههم وتمنعهم من الاستعداد في حال وقوع الكوارث في ظل خصوصيات حياة هذه المجموعات.
وتناولت الدراسة القضية محل البحث من منظور متعدد التخصصات يشمل علم الاجتماع الحضري، والدراسات الحضرية، والهندسة المعمارية، والعلوم البيئية وعلوم الأرض، إذ دمرت هذه المناطق خلال زلزال مرمرة عام 1999، والذي أودى بحياة ما يقرب من 18000 شخص، وشرّد ما بين 400000 إلى 600000 آخرين، وتسبب في تدمير 35000 مبنى، وألحق أضراراً بـ 80000 آخرين في جميع أنحاء إسطنبول والجزء الشمالي الشرقي من البلاد.
ولفتت الدراسة إلى أن الأحياء المشمولة بُنيت على رواسب التربة المعرضة للتسييل في حالة وقوع الزلازل، وبالقرب من خطوط الصدع التي تمتد من الشرق إلى الغرب على طول ساحل بحر مرمرة.
ويحدث تسيّل التربة عندما تفقد أجزاؤها المشبعة أو المشبعة جزئياً صلابتها وقساوتها تحت تأثير إجهاد مطبق، مثل الاهتزاز أثناء حدوث الزلازل أو أي تغيّر مفاجئ في الحالة الإجهادية، إذ تسلك المادة التي عادةً ما تكون صلبة في هذه الحالة سلوك السائل، وتقع تركيا على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم، ويحذر الجيولوجيون من أن عدد الفوالق في تركيا يصل إلى نحو 500 فالق نشط، ما قد يسبب زلازل بقوة تزيد عن 5.5 درجات.
وتحدد درجة الزلزال وفق مقياس أو مؤشر ريختر العددي، وتقاس بدرجات من 1 إلى 10، والمرحلة الأولى تحدّد بأنها من 1 إلى الدرجة 4 وتوصف بأنها زلازل قد لا تُحدث أية أضرار، أي يمكن الإحساس بها فقط. ومن 4 إلى 6 تعد زلازل متوسطة الأضرار قد تُحدث ضرراً ملموساً، بينما الزلازل التي تقيّم من 7 إلى 10 توصف بأنها في درجة قصوى، أي يستطيع الزلزال تدمير مدينة بأكملها.
وتوضح الدراسة أن المهاجرين واللاجئين من خلفيات عربية وأفغانية لا يمكنهم الحصول على مساكن آمنة ومقاومة للزلازل لعدة أسباب، أبرزها الوضع غير القانوني، والقدرة الاقتصادية الضعيفة وعدم القدرة على تحمّل تكاليف السكن الأكثر أماناً؛ والتمييز الاجتماعي ضدهم كمستأجرين أو مشترين أجانب من ذوي الدخل المنخفض؛ والمفاضلة بين اختيار سكن أكثر أماناً لكنه بعيد عن أعضاء المجموعة الذين يسكنون في نفس المنطقة، ويدعمون بعضهم عبر شبكات وعلاقات ممتدة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى أماكن عملهم في حال النقل من تلك المناطق الخطرة بسبب زيادة تكاليف المواصلات.
وتقول الدكتورة إستيلا كاربي، المحاضرة في الدراسات الإنسانية بجامعة لندن، وأحد المشاركين في الدراسة، لـ"العربي الجديد"، إن معظم المهاجرين واللاجئين الذين التقينا بهم هم من أفغانستان وسورية ومصر وتونس، وفلسطين والسودان والعراق، وركزنا على الوافدين بعد عام 2010، مع اندلاع ما يسمّى بـ"الربيع العربي" والنزوح القسري الناجم عن الحرب، وبعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في عام 2021. لذلك، جمعنا بيانات عن عامهم الأول، وماذا وقع بعد الوصول إلى تركيا وما هي المنطقة التي يستقرّون فيها بإسطنبول ومتى سكنوا في منزلهم الحالي؟".
وتوصلت الدراسة إلى أن 9% فقط من المبحوثين يمتلكون شققهم، ومعظمهم يقيمون في بنايات TOKI (وكالة الإسكان المدعومة من الحكومة التركية)، وهم عراقي واحد وسوريان، يحملان الجنسية التركية؛ بينما كان 91 % من المستأجرين. كما أن معظم المهاجرين واللاجئين الذين انتقلوا إلى مساكن أكثر أماناً باختيارهم (عن طريق الشراء أو الاستئجار) كانوا في الغالب من سورية، ومن المرجح أن يكونوا قد حصلوا على الجنسية التركية أو حصلوا على حماية مؤقتة.
وقال 15% إنهم يقيمون في مبنى مقاوم للزلازل؛ و30% لم يكونوا متأكدين؛ بينما قال 55% إن مبانيهم ليست مقاومة للزلازل. ولم يتمكن أي منهم من الوصول إلى الوثائق التي تدعم آراءهم، لكن جميع أحكامهم كانت مبنية على عمر البناء، بينما ذكر 7% فقط منهم أنهم ليس لديهم أي معرفة بالكوارث التي تتهدد البلاد؛ ويعتقد 90% منهم أن لديهم مستوى مرضياً من المعرفة؛ 3% يمتلكون معرفة متخصصة، على سبيل المثال أنهم يعيشون في حي من المستوى الثاني (الفاتح) فيما يتعلق بإمكانية التعرض لخطر الزلازل.
وتؤثر فكرة احتمال وقوع الزلزال المستقبلي على نفسية المبحوثين، خاصة بعد ما جرى في عام 2023، لكن أوضاعهم المعيشية الصعبة تحول بينهم وبين اختيار مكان آمن في المناطق الجنوبية الغربية لإسطنبول، وتضيف كاربي أن أشكال النزوح المتعددة لهذه المجتمعات مؤثرة على وعي اللاجئين والمهاجرين بأهمية إعادة التفكير في خطر الكوارث المحدق بهم، لكن رغبتهم الكبيرة في الوصول إلى معلومات ووثائق أكثر تحديداً لتقييم سكنهم ومدى كونه آمناً من الزلازل لا يمكن تحقيقها بسبب مشكلات البيروقراطية وانشغالاتهم اليومية.