شبكات التهريب عابرة الدول... طريق الباكستانيين إلى أوروبا يمر من الدول العربية

06 فبراير 2024
يقترض الباكستانيون المال من أجل الهجرة إلى أوروبا (Getty)
+ الخط -

تنمو شبكات تهريب البشر عالمياً، وتتعاون مع وكلاء محليين في دول عدة، إذ يمر طريق الباكستانيين الحالمين بالهجرة إلى أوروبا عبر الإمارات ومصر وليبيا، ومنها إما إلى اليونان وإيطاليا، أو تنتهي الرحلة غرقاً في البحر المتوسط.

- غادر العشريني الباكستاني محمد أحسن منزله في قرية كيورته بالشطر الباكستاني من إقليم كشمير، في الثالث من مارس/آذار 2023، متوجهاً إلى مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند جنوب البلاد، بعد ما دفع لسمسار يعمل مع مهرب بشر مليونين و200 ألف روبية (7712 دولارات أميركية) تتضمن سعر تذاكر السفر ومصاريف الطريق حتى الوصول إلى اليونان، ومنها إلى تحقيق حلمه بالاستقرار في بلد أوروبي غني، مثل أبناء قريته الموجودين في ألمانيا.

وانتقل أحسن من كراتشي إلى دبي الإماراتية التي دخلها بشكل رسمي، مثل القاهرة المصرية، التي انتقل إليها بعدها، ومنها إلى بنغازي الليبية، وهناك استقبله في 20 مارس، أحد أعضاء عصابة تهريب بشر ليبية على صلة بالمهرب الباكستاني، كما يقول، مضيفاً أنه انضم إلى ستة باكستانيين، وانتظرنا شهرين ونصفاً حتى أخبرنا المهرب أننا سننتقل براً إلى بلدة توكرة، ثم سوسة شمال شرقي ليبيا، ثم طبرق في أقصى الشرق، ومنها إلى اليونان عبر البحر الأبيض المتوسط.

وفي الثامن من يونيو/حزيران 2023، صعد أحسن ورفاقه في طبرق على متن قارب لتهريب المهاجرين، متوجهين إلى اليونان، لكن مليشيا حفتر البحرية اعترضت القارب بعد ثلاثة أيام من انطلاقته، وقبضوا على الجميع، وأعادوهم إلى ليبيا، وزجوا بهم في مراكز الاحتجاز، كما يقول، مضيفاً: "مكثت 18 يوماً في مركز احتجاز بمدينة بنغازي". 

وتزامنت رحلة أحسن مع غرق قارب وعلى متنه 700 مهاجر من بينهم 350 باكستانياً، غرق 300 منهم قبالة السواحل اليونانية في الرابع عشر من يونيو 2023، كما أكد وزير الداخلية الباكستاني السابق رانا سناء الله خان في 23 يونيو، ومن بين الضحايا عدد من أصدقاء أحسن، من بينهم محمد ناصر، وعبد البصير، ومحمد عرفان، بينما نجا محمد حمزة (26 عاماً)، ووصل إلى اليونان، حسب قوله، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "المهربون وطاقم القارب يلعبون بحياة الناس، سعة القارب 400 شخص، لكنهم حملوه تقريباً بضعفها".

 

مسارات محفوفة بالمخاطر

يقترض الباكستانيون المال من أجل الهجرة إلى أوروبا بسبب البطالة والفقر، كما يقول الناشط الاجتماعي سيد وجهت علي، والذي يعمل في مؤسسة "JDC" (منظمة خيرية غير ربحية)، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "المهربون يشجعون الشباب على الهجرة عبر وعود خيالية تلقى قبولاً ورواجاً، خاصة أن نسبة الفقر تصل إلى 39.4% من إجمالي السكان، البالغ عددهم 250 مليون نسمة، بينما بلغت نسبة البطالة 6.40% من إجمالي القوى العاملة في عام 2022، بحسب موقع البنك الدولي.

13 ألف باكستاني سافروا إلى ليبيا خلال الأشهر الستة الأولى من 2023

وسافر 13 ألف باكستاني إلى ليبيا، من أجل الهجرة إلى أوروبا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023، كما ذكرت الشرطة الباكستانية في الأول من أغسطس/آب 2023، وهناك ثلاثة مسارات لعبور المهاجرين من ليبيا وصولاً إلى أوروبا، هي طريق يعرف بطريق وسط البحر الأبيض المتوسط، والثاني طريق شرق البحر الأبيض المتوسط، والثالث طريق غرب البلقان (يمر بشرق المتوسط أو أوكرانيا)، بحسب ما رصدته الوكالة الأوروبية لخفر الحدود والسواحل (Frontex).

وبشكل أساسي يسلك الباكستانيون مسارين في طريق هجرتهم إلى أوروبا، الأول عبر إيران وتركيا ثم اليونان (شرق المتوسط)، والثاني يمر بالإمارات ومصر ثم ليبيا ثم إيطاليا (وسط البحر المتوسط)، وتطورت شبكات تهريب البشر، وصارت تنسق بين وكلاء محليين لتصبح عابرة للدول، بحسب ما رصد الضابط محمد شكيل خان، الذي يعمل في دائرة مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، التابعة لمكتب المحاسبة الوطني (مؤسسة اتحادية)، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "المهربون في باكستان يستخرجون أوراقاً رسمية للمهاجرين غير الشرعيين، بالتنسيق مع عصابات تابعة لجماعات مسلحة في بنغازي، وتشمل تأشيرات سياحية لدول مختلفة يمرون بها وصولاً إلى ليبيا، وعند الوصول إليها يأخذون جوازات سفرهم ويمنحونهم أخرى مزورة".

هذا ما حدث مع محمد مسرور الذي وصل إلى ألمانيا عبر المسار الثاني، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "كل الوعود التي قدمها لنا المهربون في كشمير أو في كراتشي أو ليبيا كانت كذباً، وعدونا بأنهم سيوفرون لنا كل الاحتياجات خلال الرحلة، وقوارب آمنة وهذا لم يتحقق" ويوضح: "في ليبيا كنا نعيش 30 شخصاً في الغرفة الواحدة، مع عدم وجود حمامات، أما الطعام فعدس مغلي مع الخبز الجاف، وماء غير صالح للشرب".

و"وُضعنا في منازل بعيدة، والمسلحون كانوا يأتون لأيام ثم ينصرفون". يضيف: "بعدما ضاقت بنا السبل حاولت الاتصال هاتفياً بالسمسار، الذي يعيش في مدينة ماندي بهاودين بإقليم البنجاب، لكنه لم يرد، وفشلت أسرتي في التحدث مع المهرب الرئيسي".

 

جحيم مراكز الاحتجاز الليبية

"يعاني المهاجرون المودعون في مراكز الاحتجاز الرسمية من ظروف غير إنسانية ومميتة في بعض الأحيان، بالإضافة إلى الابتزاز"، حسب تقرير "ما من مكان آمن: حلقة الانتهاكات بحق اللاجئين والمهاجرين في ليبيا" المنشور على موقع منظمة العفو الدولية في سبتمبر/أيلول 2020، ويؤكد الضحايا أنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة ومن أخطرها العنف الجنسي. وبعض المهاجرين واللاجئين محتجزون في أماكن تديرها جماعات مسلحة ومتاجرون بالبشر.

وعود كاذبة من المهربين للمهاجرين بتوفير احتياجاتهم وقوارب آمنة

وتؤكد معاناة الشاب محمد ساجد ما سبق، إذ يقبع مع ثلاثة باكستانيين في سجن بمدينة بنغازي منذ اعتقالهم على يد مليشيا حفتر البحرية في 12 يونيو 2023، بحسب تأكيد قريبه غفران الله فضل، والذي قال لـ"العربي الجديد": "تواصلنا معه من خلال هاتف محمول لأحد السجناء، وأخبرنا بأنه يعاني من شدة الألم، بسبب تعرضه للضرب، فضلاً عن بقائهم أحياناً من دون طعام لمدة 24 ساعة". 

ويبدو عدد الضحايا الباكستانيين كبيراً، من بين من يخوضون مغامرة الهجرة غير الشرعية، بحسب تصريح وزير الداخلية السابق رانا سناء الله خان الصادر في 23 يونيو 2023، والذي ذكر أنّ ألفي باكستاني، حاولوا الانتقال إلى إيطاليا محتجزون في السجون الليبية. ويوضح الضابط شكيل خان أن "المحتجزين يعانون بشدة، ولا يحصلون على قوت يومهم" مضيفاً أن الإبقاء عليهم في الاحتجاز يزيد من معاناة أسرهم. 

ويضطر أهالي المحتجزين الباكستانيين، إلى دفع المال للإفراج عن أقاربهم من سجون ليبيا، كما جرى مع أحسن، الذي يقول: "دفعت أسرتي 500 ألف روبية (1752 دولاراً) عبر مهرب في بنغازي قال إنه سيدفعها إلى مسؤول في القوات البحرية، ليفرجوا عني، ثم دفعت 650 ألف روبية (2278 دولاراً) قيمة تذكرة الطيران ومصاريف رحلة العودة إلى بلدي". 

كما دفع محمد عدنان ألف دولار لموظفين في مركز احتجاز ببنغازي، ليتم الإفراج عنه بعد شهرين من سجنه، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً بحزن: "كنت أتمنى الموت في السجن، بسبب الضرب الذي تعرّضت له، وقلة الطعام، والمياه غير الصالحة للشرب"، ويتابع: "بعد الإفراج عني حاولت مجدداً الهجرة عبر ليبيا وهذه المرة وصلت إلى اليونان في فبراير/شباط 2022". 

و"غالباً ما يتورط الموظفون الرسميون المسؤولون عن إدارة مراكز الاحتجاز وحراستها في تعذيب اللاجئين والمهاجرين وإساءة معاملتهم، بغرض الحصول على الفدية منهم أو من عائلاتهم، مقابل الافراج عنهم من الاحتجاز التعسفي غير المحدد بأجل"، بحسب ما يوثقه تقرير بعنوان "شبكة التواطؤ المظلمة في ليبيا: الانتهاكات ضد اللاجئين والمهاجرين المتجهين إلى أوروبا"، الصادر عن منظمة العفو الدولية في عام 2017.

الصورة
قريب باكستاني يجلس بجوار نعش مهاجر أعيدت جثته إلى بلده
باكستاني يجلس بجوار نعش قريبه المهاجر بعدما أعيدت جثته إلى بلده (Getty)

 

لماذا يهاجر الباكستانيون إلى أوروبا؟

"بلغ عدد الباكستانيين الذين وصلوا براً وبحراً إلى الاتحاد الأوروبي 1963 مواطنا في عام 2021، إذ وصل إلى إيطاليا 1749 مهاجراً، وإلى اليونان 195، وإلى بلغاريا 15، و4 إلى مالطا"، فيما بلغ "عدد المواطنين الباكستانيين الذين عبروا منطقة غرب البلقان وأوروبا الشرقية في الفترة نفسها،6587 مهاجراً عبر شمال مقدونيا و4328 مهاجراً عبر البوسنة والهرسك، و3278 عبر كرواتيا، وسلوفينيا 2666 باكستانياً وصربيا 549، ورومانيا 168 و80 عبر الجبل الأسود، و11 إلى كوسوفو"، وفق مخرجات مشروع مصفوفة تتبع النزوح DTM التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، والممول من الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2022، بلغ "عدد الباكستانيين الذين وصلوا براً وبحراً إلى الاتحاد الأوروبي 4980 مواطنا، منهم 3551 وصلوا إلى إيطاليا، و1401 وصلوا إلى قبرص، واليونان 28، ومالطا اثنان". وبلغ "عدد الباكستانيين الذين عبروا منطقة غرب البلقان وأوروبا الشرقية في الفترة نفسها 5148 إلى شمال مقدونيا و4773 إلى صربيا، و4429 وصلوا إلى كرواتيا، و2328 إلى سلوفينيا، و2154 إلى البوسنة والهرسك، و862 إلى ألبانيا، و429 إلى الجبل الأسود، و314 إلى رومانيا و10 إلى كوسوفو"، بحسب المصدر ذاته.

وتعد "باكستان خامس دولة في عدد الوافدين إلى أوروبا في النصف الأول من عام 2023، بإجمالي  5342 شخصاً"، وفق ما نشره موقع مركز الهجرة المختلطة Mixed Migration Centre (شبكة عالمية تعمل على تطوير السياسات والبرامج المتعلقة بالهجرة) في 31 يوليو/ تموز 2023.

و"حددت الأبحاث السابقة التي أجراها مركز الهجرة المختلطة، بناءً على مقابلات مع الوافدين الباكستانيين إلى إيطاليا بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وسبتمبر 2021، مجموعة متنوعة من العوامل المتداخلة التي أدت إلى الحاجة إلى الهجرة، إذ ذكر 48 في المائة منهم أسبابًا متعددة للقيام بذلك، وأكثرها شيوعًا العنف وانعدام الأمن والصراع 54 في المائة منهم، وانعدام الحقوق والحريات 36 في المائة، والأسباب الاقتصادية 33 في المائة، ونظراً للوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم الجامح، فمن المرجح أن تكون هذه العوامل قد تطورت، إذ يدفع اليأس وانعدام الفرص المزيد من الناس إلى الهجرة"، وفق موقع المركز في 31 يوليو الماضي. 

ما سبق يؤكده فرمان الله خان الذي اضطر إلى الهجرة، بعدما عجز عن الحصول على فرصة عمل في بلده، على رغم تخرجه في كلية هندسة الحاسوب بجامعة كويتا الباكستانية، كما يقول والده، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن ابنه واجه معاناة كبيرة خلال رحلته التي بدأت من باكستان إلى إيران وتركيا ثم اليونان، ومقدونيا، وصولاً إلى صربيا وهنغاريا وفرنسا، ثم بلجيكا في نوفمبر 2020، إذ كان يمشي على قدميه ما بين 15 و20 يوماً، ويعيش في الجبال والكهوف والأماكن الوعرة خوفاً من تعرضه للاعتقال. "حالياً يعمل خان سائق سيارة أجرة، ويرسل أموالاً جيدة إلى أسرته"، يتابع والده.

 

عجز حكومي عن مكافحة الظاهرة

أكدت الناطقة باسم الخارجية الباكستانية ممتاز زهراء بلوش في يوليو 2023، أن وضع الباكستانيين في ليبيا مؤسف للغاية، موضحة أن السفارة الباكستانية تحركت إزاء قضية المعتقلين، وأن السفير الباكستاني في ليبيا قد زار بعض المعتقلين، وعمل على وصول الطعام إليهم، كما أن السفارة طلبت من المؤسسات التابعة للأمم المتحدة أن تساعد في توفير الرعاية الصحية لهم، وإخراجهم من السجون الليبية، وترتيب أمور عودتهم إلى البلاد.

ومن أجل مكافحة الظاهرة، يقول الضابط شكيل خان: "استناداً إلى معلومات استخباراتية نعمل على اعتقال المهربين وشبكاتهم، عبر استجواب المهاجرين غير الشرعيين العائدين، ونلاحق موظفين حكوميين ضالعين في ظاهرة تهريب البشر". 

وسجلت الوكالة المركزية الباكستانية 208 حالات تهريب مهاجرين، وقبضت على 705 متهمين بتهريب البشر في عام 2018، وتبدو خطورة تصاعد الظاهرة في بيانات عام 2020، إذ سجلت دوائر مكافحة الاتجار بالبشر في باكستان 13641 قضية تهريب وهجرة غير شرعية، وبلغ عدد الحالات المبلغ عنها من المناطق كافة 8370 حالة، أدين فيها 1659 مهرباً"، وفق التقرير السنوي حول الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين لعام 2020، الذي تصدره وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

وفي محاولة لمواجهة الظاهرة أصدرت الحكومة الباكستانية في 17 سبتمبر 2018، قانون مكافحة التهريب وحماية حقوق المهاجرين والذي يعاقب على جريمة الاتجار بالبشر بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاماً، لكن الخبير القانوني محمد راشد، الذي يعمل في محكمة إسلام أباد، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ القانون لا يطبق، بدليل أن الحكومة أفرجت بكفالة عن معظم المهربين الخمسين الذين اعتقلتهم بعد حادث غرق قارب قرب السواحل اليونانية في 14 يونيو 2023.