تنتهك أطراف الصراع في اليمن، حقوق المسافرين وتحديدا عند النقاط الأمنية التي ترعب المتنقلين إذ تفتش هواتفهم وتستعاد صور وملفات محذوفة، ويجري اعتقال البعض وإخفاؤهم قسريا وتعذيبهم لأعوام وفق ما يوثقه التحقيق
- تسببت صورة شخصية على هاتف العشريني اليمني عمر سلطان، في اعتقاله من قبل مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في 23 مارس/آذار 2021، بعدما أوقفوه في نقطة أمنية بمديرية جبل حبشي غرب محافظة تعز، كما يقول لـ"العربي الجديد"، متابعا "لم أتخيل بأن صورة التقطت لي في عرس أحد الأصدقاء، بينما أحمل كلاشنكوف ستكون سببا في اعتقالي، لكن مسؤول النقطة الأمنية وجه لي تهمة الانتماء للجيش الوطني الحكومي والمقاومة الشعبية وتم نقلي إلى معتقل الصالح بمنطقة الحوبان شرق مدينة تعز وعقب شهرين من الاعتقال، أُفرج عني بوساطة قبلية، مقابل دفع 300 ألف ريال يمني (500 دولار أميركي)".
ويعد سلطان واحدا من بين 1912 شخصا اعتقلوا في النقاط الأمنية المنتشرة في عموم اليمن، وفق رد مكتوب تلقاه معد التحقيق من الفريق الميداني التابع للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (رصد)، وبلغ عدد المعتقلين على يد مليشيات الحوثي 1756 حالة، واعتقلت القوات التابعة للحكومة الشرعية 42 شخصا، واعتقلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا 114 شخصا، خلال الفترة منذ عام 2015 وحتى عام 2020، ويرجح فريق رصد، أن نسبة من تم اعتقالهم بعد عمليات تفتيش هواتفهم تصل إلى 20% من إجمالي الموقوفين، كما وثقت رابطة أمهات المختطفين (منظمة حقوقية) اعتقال ثلاثة آلاف مدني خلال الفترة بين عامي 2016 و2020، من قبل مسلحي الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات الحكومة الشرعية، وقوات حراس الجمهورية (أنشأتها الإمارات في أبريل 2018) بالساحل الغربي لليمن، في النقاط الأمنية الرابطة بين 22 محافظة، 13 منها خاضعة لجماعة الحوثي، بحسب تأكيد رئيسة الرابطة، أمة السلام الحاج، لـ"العربي الجديد" والتي أوضحت أنه جرى الإفراج عن 2300 حالة وبقي 700 شخص في المعتقلات التابعة لمختلف أطراف الصراع.
استهداف جوالات المسافرين
من أبرز النقاط الأمنية التي يفتش مسلحوها هواتف المسافرين قبل اعتقالهم، نقطتا أبو هاشم (تقع في مدخل مدينة رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن) والأقروض (تقع في المدخل الجنوبي لمدينة تعز) وتتبعان للحوثيين، ونقطة الفلج (تقع في مدخل مدينة مأرب شرق اليمن) التابعة للجيش الوطني الحكومي، ونقطتا العلم (تقع في المدخل الشرقي لمدينة عدن) والحبيلين (الواقعة على خط لحج عدن) وتتبعان للمجلس الانتقالي الجنوبي، حسبما يقول المحامي توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (مقرها جنيف)، مضيفا لـ"العربي الجديد": "نعكف على إعداد تقرير موسع عن الانتهاكات التي تحدث في النقاط الأمنية بما فيها تفتيش هواتف المسافرين وما يترتب عليه من اعتقال وسوء معاملة".
1912 حالة اعتقال في النقاط الأمنية التابعة لمختلف أطراف الصراع
ويتكرر توقيف المسافرين في النقاط الأمنية المختلفة وتفتيش هواتفهم، وفق ما وثقه معد التحقيق مع عشرين شخصا، 9 منهم تعرضوا للأمر في نقاط تابعة للحوثيين، وثلاثة في نقاط تابعة للجيش الحكومي و8 مسافرين في نقاط تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومنهم العشريني اليمني، ماجد منصور، والذي تم إيقافه في نقطة العلم أثناء سفره من مدينة مأرب إلى مدينة تعز لقضاء إجازة عيد الأضحى مع أسرته في يوليو/تموز 2020، كما يقول لـ"العربي الجديد"، ويتابع: "طلب أفراد النقطة من المسافرين النزول من الحافلة وبدأوا بتفتيش أمتعتنا وهواتفنا حتى أنهم استعادوا صورا وملفات محذوفة عبر تطبيق (DiskDigger)، ووجدوا في هواتف البعض صورا للجيش الحكومي، فاتهمونا بأننا دواعش وعملاء لتنظيم الإخوان وضربونا بأعقاب البنادق، واحتجزونا لساعات، قبل اجبارنا على العودة إلى مدينة مأرب".
وفي نقطة تفتيش باب الفلج، جرى اعتقال الثلاثيني إبراهيم (اسم مستعار لتجنب تعريضه للخطر) في الخامس من أبريل/نيسان 2017، وتم الافراج عنه بعد تسعة أشهر في صفقة تبادل معتقلين، وفق ما وثقه تقرير "نقطة تفتيش باب الفلج. حين يكون لقبك جريمة" الصادر عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، في 25 أبريل 2019، موضحا أن المحتجزين في النقطة يتعرضون للتحقيق، والإذلال، والتهديد بالقتل، والتعذيب أحياناً.
تعذيب الموقوفين
على مدى أربع سنوات من اعتقال الثلاثيني اليمني علي سيف الشرماني، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في معتقل الصالح، بعد توقيفه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016 في نقطة الأقروض، وتفتيش هاتفه ليجد مسلحو الحوثي، صورا لأفراد من الجيش الحكومي والمقاومة الشعبية بمحافظة تعز، مضيفا: "تم الإفراج عني في صفقة تبادل أسرى بين الجيش الوطني وجماعة الحوثي بوساطة محلية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019".
يجري مبادلة الموقوفين في النقاط الأمنية مع أسرى من مختلف الأطراف
ويوثق تقرير "رائحة الموت" الصادر عن رابطة أمهات المختطفين في 18 فبراير/شباط الماضي، تعذيب 194 حالة من الموقوفين سابقا في معتقل الصالح، تم انتزاع اعترافاتهم وإجبارهم على التوقيع على ادعاءات غير حقيقية، ويؤكد 6 من المفرج عنهم، خضوع هواتفهم للتفتيش من قبل مسلحي الحوثي، ومنهم مهند سالم (اسم مستعار لعدم تعريضه للخطر) والذي تم اعتقاله في مفرق ماوية شمال شرق مدينة تعز أثناء سفره من البيضاء إلى تعز لحضور عرس أخيه في 15 يناير 2018.
ولدى تفتيش أفراد النقطة الأمنية لهاتف سالم لم يتمكنوا من فتح أحد الملفات، فوجهوا له تهمة العمل مع التحالف الذي تقوده السعودية، وتم اقتياده إلى معتقل الصالح، بحسب إفادة أمة السلام الحاج.
وتعرض سالم للضرب والصعق بالكهرباء، ودفع رأسه في إناء ممتلئ بالماء وتهديده بينما كان معصوب العينين ومقيد اليدين والرجلين برميه إلى أسفل مبنى اعتقاله، بحسب ما عملت على توثيقه رابطة أمهات المعتقلين.
ويؤكد الجزء الأول من تقرير "في العتمة: وقائع الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب في مراكز الاحتجاز غير الرسمية" الصادر عن منظمة مواطنة في يونيو/حزيران 2020، على تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستجواب في 11 موقع احتجاز غير رسمي في جميع أنحاء اليمن تديرها أطراف النزاع المختلفة، خمسة منهم تتبع إلى الحوثيين، وخمسة مراكز احتجاز تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومركز تابع لقوات الحكومة الشرعية في مأرب.
وخلال الفترة منذ مايو/أيار 2016 حتى أبريل من العام الماضي، رصد الجزء الثاني من التقرير، 1605 وقعائع احتجاز تعسفي و770 واقعة إخفاء قسري، و344 واقعة تعذيب، و66 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز، تتحمل الحكومة الشرعية المسؤولية عن 282 واقعة احتجاز، و90 من وقائع الإخفاء القسري، و65 من وقائع التعذيب، و14 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز، بينما تتحمل مليشيات الحوثيين المسؤولية عن 904 وقائع احتجاز تعسفي، و353 واقعة إخفاء قسري، و138 واقعة تعذيب، و27 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز، وتتحمل القوات الإماراتية وجماعات مسلحة تابعة لها المسؤولية عن 419 من حالة احتجاز، و327 من وقائع الإخفاء القسري، و141 من وقائع التعذيب، إلى جانب 25 واقعة وفاة في مكان الاحتجاز.
إقرار رسمي بانتهاك حقوق المسافرين
يقر رشدي العمري، مدير المركز الإعلامي لقوات الدعم والإسناد والأحزمة الامنية التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، بتفتيش هواتف المسافرين في النقاط الأمنية التابعة للحزام الأمني، لكنه يقول إن ذلك الإجراء يتم عند الاشتباه بأن الشخص المسافر يخفي شيئا ما، خصوصا المسافرين القادمين من مناطق سيطرة جماعة الحوثي بحسب قوله لـ"العربي الجديد". "وفي حال لم تجد النقطة الأمنية في هاتف المسافر المشتبه به أي دليل يثبت تورطه بأنه ينتمي للعناصر الحوثية أو الارهابية يتم إعادة هاتفه والسماح له بمواصلة سفره" كما أضاف العمري.
ولم ينكر النقيب هيثم الجرادي، نائب مدير العلاقات العامة والتوجية المعنوي بشرطة محافظة مأرب (تتبع الحكومة الشرعية)، القيام بعمليات التفتيش قائلا: "ما تقوم به نقاط التفتيش على مداخل ومخارج محافظة مأرب، ومن ضمنها نقطة الفلج، إجراءات قانونية وروتينية من مهام نقاط التفتيش التي تقوم بها غيرها من الحواجز الأمنية التابعة لوزارة الداخلية"، لكنه يؤكد لـ"العربي الجديد" أن كافة النقاط الأمنية بمأرب تحرص على أداء عملها بشكل قانوني وبمستوى احترافي مع كافة المسافرين دون أي تمييز أو تفرقة، ومن ثبت تورطه أو مشاركته في أعمال إجرامية أو إرهابية لصالح جماعة الحوثي أو تم الاشتباه في تورطه في أعمال غير مشروعة، يتم توقيفه وإحالته إلى جهات الاختصاص الأمنية والقانونية لاستكمال الإجراءات".
وتخالف أعمال النقاط الأمنية الفقرة (ب) من المادة 48 من الدستور اليمني والتي تنص على أنه "لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر تقتضيه ضرورة التحـقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون، كما لا يجوز مراقبـة أي شخص أو التحري عنه إلا وفقـاً للقانون"، ويؤكد المحامي توفيق الشعيبي، أمين عام فرع نقابة المحامين بمحافظة تعز، على عدم جواز تفتيش هواتف المواطنين، إلا بأمر من النيابة وكل مخالفة لذلك تعد انتهاكا للخصوصية وجرائم جنائية جسيمة".
ويتابع: "تفتيش هواتف المواطنين من قبل النقاط الأمنية أو من قبل أي جهة بدون أمر قضائي يعد انتهاكا للمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه "لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته".