انهارت منظومة حقوق الإنسان الأفغانية بعد 20 عاما من خدمة المجتمع في مجالات العدالة الجنائية ومساندة ضحايا الحرب، وتقديم العون القانوني وحماية حقوق النساء ما يفاقم من معاناة هذه الفئات في ظل سيطرة طالبان على البلاد.
- غادر الناشط الحقوقي الأفغاني نصير أحمد كمال بلاده إلى أميركا في 21 أغسطس/آب 2021، بعد تلقيه تهديدات بالقتل من قبل مجهولين، في حال استمر بممارسة عمله، حسبما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا بألم: "أشعر بالقلق على من تبقى من أفراد أسرتي في أفغانستان".
وشغل كمال منصب مدير إدارة بناء القدرات في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ورئيس مؤسسة تمكين الشباب الأفغاني وحماية المجتمع المدني (مستقلة تعنى بمحاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي)، كما يوضح في إفادته لـ"العربي الجديد"، قائلا :"بعض الناشطين ممن عملوا معي طيلة العقدين الماضيين خرجوا من أفغانستان ومن تبقى يلزم الصمت خوفا من تعرض حياته للخطر".
ويعد كمال واحدا من بين 100 مدافع عن حقوق الإنسان في أفغانستان، تعرضوا لتهديدات متنوعة تصل إلى القتل، حسب ما رصدت ماري لولور، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، والتي أكدت في إفادة منشورة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تلقيها بلاغات بمداهمة قوات من حركة طالبان لمكاتب منظمات المجتمع المدني، بحثا عن أسماء وعناوين المدافعين عن حقوق الإنسان، ما دفع بعضهم إلى محو سجل بياناتهم الموجود على الإنترنت في محاولة لإخفاء هوياتهم.
ماذا جرى للمجتمع المدني؟
"يعرف العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان جيدًا في مجتمعاتهم المحلية، لا سيما في المناطق الريفية، ما أجبرهم على المغادرة من أجل إخفاء هويتهم، لكنهم مضطرون إلى تغيير مواقعهم باستمرار"، كما تقول لولور والتي أضافت أن هؤلاء ناضلوا لمدة 20 عامًا من أجل النهوض بحقوق الإنسان في بلداتهم ومدنهم ولا سيما المحامون الجنائيون والناشطون من أجل قضايا وحقوق مختلف فئات المجتمع.
100 مدافع عن حقوق الإنسان غادروا أفغانستان بعد تلقيهم تهديدات بالقتل
ومنذ أغسطس الماضي، قُتل ثمانية نشطاء وصحافيين، وأصيب آخرون على أيدي مسلحين مجهولين، كما وثقت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما)، 60 حالة اعتقال تعسفي وضرب وتهديدات لنشطاء وصحافيين وموظفي لجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان، على يد سلطات الأمر الواقع، كما تصفها ندى الناشف نائبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان في إفادة منشورة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2021.
بالإضافة إلى ما سبق سجلت لجنة حماية الصحافيين في أفغانستان (مستقلة)، 67 حادثة اعتداء على الصحافيين منذ سيطرة طالبان على الحكم، بحسب جميل وقار، مدير قسم تهيئة الكوادر الإعلامية في اللجنة، ومن بينهم محمد شكيب محمدي، وعبد الرشيد كاشفي والذي قال لـ"العربي الجديد": "تعرضنا للاعتداء أثناء تغطيتنا لمظاهرة نسائية، ولدى تقدمي بشكوى إلى وكيل وزارة الثقافة والإعلام، ذبيح الله مجاهد، أخبرني أن هذه المظاهرات محظورة من قبل الداخلية وبالتالي لا يحق لنا تغطيتها"، لكن المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية الأفغانية، قاري سعيد خوستي، ينفي ممارسة الحركة لانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، قائلا لـ"العربي الجديد": "نعمل بشكل متواصل لفتح كل القنوات واتخاذ كل السبل بشأن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان".
نفي خوستي، تدحضه الاعتداءات المتكررة بالغاز المسيل للدموع على التظاهرات النسائية السلمية، وفق الناشطة الحقوقية وحيده أميري، عضوة مؤسسة النساء الراسخات (أسست في أغسطس 2021 للدفاع عن حق المرأة في التعليم والعمل)، قائلة لـ"العربي الجديد": "نظمنا 18 مظاهرة نسائية سلمية، للمطالبة بحقوقنا، وفي كل مرة تعتدي علينا حركة طالبان بالضرب وتهددنا بعواقب وخيمة"، مشيرة إلى استمرار منع موظفات من الذهاب إلى أماكن العمل، وكذك الفتيات المحرومات من التعليم، وهو ما يساهم في تردي الأوضاع في بلد يوجد به 4.2 ملايين شاب خارج فصول الدراسة، 60% من بينهم إناث وفق إحصاء الموقع الرسمي للأمم المتحدة والمنشور في 14 ديسمبر 2021.
آثار الانتكاسة الكبيرة
بعد أكثر من عقدين من تشكل الحركة الحقوقية في أفغانستان، تعرضت لانتكاسة كبيرة بعد سيطرة طالبان على الحكم، وفق تقييم لعل كل لعل، رئيس مؤسسة حقوق الإنسان في أفغانستان (تابعة للحكومة السابقة)، والذي قال لـ"العربي الجديد"، كنا نعمل في مساندة ضحايا الحرب، وتقديم العون القانوني للمعتقلين، ونحجنا في دعم 28 ألف شخص، وتأهيل 13 ألفا من كادر بينهم زعماء قبليون ومحامون وناشطون في مجتمعاتهم المحلية.
لكن تلك المؤسسة التي بدأت عملها في عام 1997، أغلقت اليوم، كما حدث مع بقية المؤسسات الحقوقية الأخرى التي تعرضت لانتهاكات مماثلة عقب سيطرة طالبان، بحسب كل لعل والذي يقول: "منذ بدأنا العمل الحقوقي ونحن نرى انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، مثل بيع النساء مقابل المال ومنح الفتيات مقابل العفو عن القاتل والعنف الأسري ضد المرأة، وتزويج الفتيات دون رضاهن، وحرمان النساء من التعليم والرعاية الصحية، وهذه الأنشطة تحتاج دائما إلى مواجهة لوقفها وفي حال تم التضييق على عملنا أو منعه ستتفاقم أكثر".
توقف 80% من الأعمال الإنسانية بعد مغادرة الناشطين وإغلاق المؤسسات
ما حدث مع المؤسسة السابقة، تكرر مع اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان (تأسست في يونيو 2002)، بعد سيطرة حركة طالبان على مقرها الرئيسي وفروعها الثلاثة عشر المنتشرة في الولايات، بحسب بيان صدر عنها في سبتمبر/أيلول الماضي، مضيفا أن "طالبان اليوم صارت في الحكومة وعليها أن توسع صدرها وتحترم الأنشطة الحقوقية، وتتيح الفرصة للعاملين في المجال".
لكن على العكس من ذلك يقول عنايت ضياء المسؤول الإعلامي في بعثة الأمم المتحدة (يوناما) لـ"العربي الجديد" إن: "أغلب المؤسسات الحقوقية تم إغلاقها"، بينما تواجه نقابة المحامين الأفغانية المستقلة فقدان استقلاليتها لأن سلطات الأمر الواقع تدير أنشطتها تحت إشراف وزارة العدل، بحسب ندى الناشف، والتي تؤكد في إفاداتها المنشورة على موقع الأم المتحدة أن "سلامة القضاة والمدعين العامين والمحامين الأفغان (لا سيما المهنيات القانونيات) مسألة تثير القلق بشكل خاص، إذ يختبئ الكثيرون خوفا من انتقام السجناء المدانين الذين تم إطلاق سراحهم من قبل سلطات الأمر الواقع، خاصة الرجال المدانين بارتكاب أعمال عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي".
توقف 80% من الأعمال الإنسانية
على وقع إغلاق المؤسسات الحقوقية والتهديدات المستمرة للناشطين، غادر أغلبهم البلاد، وفق تأكيد نصير أحمد كمال والذي ساعدته الأمم المتحدة على السفر، ولعل كل لعل، وناجية خالق يار، المحامية المختصة في قضايا النساء بمدينة جلال أباد شرق أفغانستان، والناشط عتيق الله زمن عضو مؤسسة تمكين الشباب وحماية المجتمع المدني.
ومع أهمية الحفاظ على حياة أعضاء حركة حقوق الإنسان الأفغانية ممن غادروا البلاد، لكن برزت مشكلة توقف أغلب الأعمال الإنسانية التي كانت تقدمها مؤسساتهم في أفغانستان منذ أغسطس 2021، بحسب ضياء، والذي يقدر نسبة الأعمال الإنسانية والحقوقية المتوقفة بما يصل إلى 80%، ومن بينها دعم دور الأيتام التي تأسست برعاية المؤسسات الدولية المختلفة، بحسب فيضان الله كاكر، مدير إدارة رعاية الأيتام بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التابعة لحكومة طالبان، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن إجمالي دور الأيتام 68 دارا، منها 28 حكومية، وتضم جميعها 10 آلاف طالب وطالبة، ويقول إن حكومة طالبان واجهت مشاكل كبيرة في توصيل العون اللازم واحتياجات الطلاب.
وتوقفت الأنشطة الحقوقية الخاصة بالمرأة بشكل كلي، بعد تحول وزارة شؤون النساء إلى وزارة الدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحسب ناجية خالق يار، التي كانت تعمل في مؤسسة هيلث نت (تعنى بدعم وتعزيز المجتمعات المتضررة من النزاعات والكوارث)، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن 500 امرأة حرمن من الدعم القانوني، وتقول إن "القسم الخاص بالنساء في مجال الشرطة أُغلق بعد سيطرة طالبان على كابول، كما تم القضاء على فرع النساء في مكتب المدعي العام".
ويرد قاري سعيد خوستي، بالقول: "طالبان لم تقض على أي برنامج حقوقي أو إنساني، ولدينا خطط من أجل الحفاظ على أنشطة حقوق الإنسان، لكن الأمر يحتاج إلى القليل من الوقت". ويعلق لعل كل لعل على ذلك قائلا: "حتى الآن لم تعلن طالبان سياساتها إزاء حقوق الإنسان والأنشطة الاجتماعية والمدنية، رغم تضرر المساعدات والاحتياجات الأولية للفقراء والمعوزين"، داعيا حكومة طالبان إلى الوفاء بالوعود التي قطعتها خلال مفاوضات السلام مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية، إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من تزايد الجوع وسط تصاعد المصاعب الاقتصادية، لكون 93% من الأسر الأفغانية ليس لديها ما يكفي من الطعام، وفق ما نشره الموقع الرسمي للأمم المتحدة في العاشر من سبتمبر الماضي، موضحا أن ثلاثا من كل أربع عائلات تعمل على تقليل حجم الحصص الغذائية أو اقتراض الطعام، وهو ما يؤكده الإعلامي عزيز أحمد تسل (عمل مراسلا لصحيفة واشنطن بوست) والذي غادر أفغانستان عقب سيطرة طالبان على الحكم، قائلا: "نواجه تداعيات كبيرة على مختلف المستويات الإنسانية بعد توقف الأعمال الإنسانية والحقوقية في أفغانستان".