نجا الثلاثيني المصري تامر سمير من حريق مستشفى بدراوي الخاص بمحافظة الإسكندرية، بعدما اشتعلت النيران في 29 يونيو/حزيران الماضي بوحدة العناية المركزة المخصصة لعزل مصابي فيروس كورونا في المستشفى، ما أسفر عن مصرع 7 مرضى، منهم 6 رجال وسيدة، تتراوح أعمارهم بين 40 و73 سنة، نتيجة اختناقهم وانقطاع الكهرباء عن أجهزة التنفس بسبب الحريق، وفق ما أعلنته وزارة الصحة.
وتعد حادثة حريق مستشفى بدراوي، واحدة من بين 20 واقعة متفاوتة الخسائر المادية والبشرية، رصدها معد التحقيق خلال الفترة من فبراير/شباط 2016 وحتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ قُتل 10 أشخاص نتيجة حريق شب في أحد المستشفيات الخاصة التي تعالج مرضى فيروس كورونا في محافظة القليوبية، شمال العاصمة المصرية ويعود سبب "الحريق الذي نشب بغرفة العناية المركزة بالمستشفى وبداخلها عدد من المرضى، إلى حدوث خلل بالتوصيلات الكهربائية لأحد أجهزة قياس العلامات الحيوية بالجسم" وفق ما جاء في بيان صادر عن وزارة الداخلية في 27 ديسمبر، وهو ما يعيده اللواء ممدوح عبد القادر مدير الحماية المدنية السابق في القاهرة، إلى أن معظم المنشآت الحكومية ومنها المستشفيات لا تتوافر بها أنظمة الإنذار ومكافحة الحرائق، في ظل غياب الرقابة عبر مديريات القوى العاملة وقلة أعداد مفتشيها، وعدم القيام باختبار تلك الأنظمة او التأكد من وجودها وجودتها، والاكتفاء بالرقابة الصورية.
وتابع عبد القادر أن "الشركات العاملة في مجال أنظمة إطفاء الحرائق يوجد بينها العديد من الشركات غير المؤهلة أو غير المرخصة، والتي تنشط في سوق موازٍ للسوق الرسمي يمثل ما يقرب من 80 % من إجمالي المبيعات التي تتم بلا رقيب على خامات تلك الأنظمة وطريقة التركيب والصيانة، ما يؤدي إلى فشل مواجهة الحرائق بالمستشفيات".
عوائق تركيب أنظمة إطفاء حديثة
تقع مسؤولية التفتيش عن أنظمة الإنذار ومكافحة الحرائق على عاتق إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة المسؤولة عن التراخيص، وإدارة السلامة والصحة المهنية بوزارة القوى العاملة وإدارة الحماية المدنية بوزارة الداخلية واللتين عليهما التأكد من تواجد تلك التجهيزات والتفتيش عنها سواء في المستشفيات الحكومية والخاصة، وفق ما يؤكده الدكتور خالد عبد الغني، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، مشيرا إلى أن لجنة ثلاثية من إدارات العلاج الحر والصحة المهنية والطوارئ بمديرية الصحة أجرت المعاينة الفنية لمستشفى بدراوي بسيدي بشر، وأكدت التحقيقات أن ماساً كهربائياً تسبب في الحريق، لافتا إلى أن أنظمة الإنذار ومكافحة الحرائق لا توجد في بعض المستشفيات الخاصة والحكومية، قائلا: "المستشفيات الحكومية القديمة لا تتوافر بها أنظمة إنذار وإطفاء حرائق حديثة نتيجة قدم المباني وتهالكها ما يعوق تركيب مثل هذه الأنظمة بخلاف المستشفيات الحديثة التي يشترط لمنحها الترخيص وجود تلك الأجهزة".
ووقعت معظم الحرائق التي حدثت بمستشفيات في نطاق القاهرة الكبرى (تضم القاهرة والجيزة والقليوبية) بسبب سوء تخزين المخلفات أو ماس كهربائي نتيجة زيادة الأحمال الكهربائية والوصلات العشوائية المستخدمة وفق نتائج التحقيقات التي تمت من جانب النيابة، بحسب إفادة الدكتور محمد شوقي وكيل وزارة الصحة بالقاهرة، ويتفق اللواء عبدالقادر مع الرأي السابق، مؤكدا أن الجانب الأكبر من الوزارات لا توجد به اشتراطات تأمينية ضد أخطار الحرائق، ولا بد أن تقوم كافة المؤسسات الحكومية والخاصة بالالتزام بالكود المصرى للاشتراطات الآمنة ضد أخطار النيران.
وتسبب الإهمال في 25029 حريقاً بنسبة 49.4%، خلال عام 2019 ويليه الحريق العارض بعدد 23046 حادثة بنسبة 45.5%، ثم الحريق العمد بعدد 2587 حادثة بنسبة 5.1%، بحسب تقرير حصل عليه معد التحقيق من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي أكد أن عـدد حـوادث الحريق على مستوى الجمهورية بلغ 50662 حادثـة في 2019 بينمــا كان 46323 حادثة عـام 2018 بنسبة زيادة 9.4%.
وأكد الجهاز أن أهم المسببات الرئيسية للحريق هي النيران الصناعية (أعقاب السجائر، أعواد الكبريت، مادة مشتعلة، شماريخ إلخ ... ) بنسبة 59.3%، الماس الكهربائي أو الشرر الاحتكاكي بنسبة 18.5%، الاشتعال الذاتي بنسبة 10.2%، المواقد والأفران والغلايات بنسبة 6.8%، حرائق الغازات بنسبة 4.4% وفي المرتبة الأخيرة الحرائق البترولية والسوائل الملتهبة بنسبة 0.8% من إجمالي مسببات الحريق.
مركز بيع الأسلاك المقلدة
تعد مدينة باسوس بمحافظة القليوبية أبرز أماكن بيع الأسلاك المقلدة (المضروبة) والمنتشرة في كثير من الأسواق المصرية، إذ تتم صناعة أسلاك غير مطابقة للمواصفات وتقليد علامة ماركات شهيرة ومنتشرة في السوق المصرية، وفق ما أوضحه فني كهربائي يعمل في مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر التي حدث بها حريق أخيراً، مضيفا بعدما أكد على عدم ذكر اسمه حتى لا يتعرض لتبعات في وظيفته أن "ورش صناعة الأسلاك المضروبة تتهاون في عملية العزل، الكابلات الأصلية يتم عزلها بمادتين، (بي في سي) وأخرى تسمى (إكس إل بي إي)، ويكون العزل على درجة واحدة على امتداد الكابل، أما الكابل المضروب فيكون في بعض المناطق سميكًا، وفي أماكن أخرى يكون سمكه ضعيفًا وغير قادر على تغذية الأماكن التي يغذيها نتيجة ضعف المقاومة وكثرة الضغط عليه، ولو تصادف أن تلاقت تلك المناطق السميكة مع الجزء الضعيف يحدث تلف للجزء الضعيف ويشتعل ومن ثم تنفجر وينشب حريق هائل"، لافتا إلى أن بعض الموردين قد يوردون هذه الكابلات إلى المستشفيات الحكومية والخاصة بأسعار منخفضة بالتواطؤ مع مسؤولين ممن يتغاضون عن شرط الجودة نتيجة تراضٍ ورشوة بين لجان الاستلام وهؤلاء المقاولين الذين يقومون ببناء المستشفيات الجديدة بينما المباني القديمة تجهيزاتها متهالكة في الأساس".
وتنص المادة "7" من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات المصري رقم 89 لسنة 1998، على أنه "يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة بجميع أنواعهما أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة في ما لا تجاوز قيمته 500 ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية ومليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال"، وهو البند الذي يستغله من يعملون على تمرير تلك الصفقات الفاسدة، كما يقول مضيفا أن "معظم مصانع باسوس تعيد صهر الكابلات المستعملة مرة أخرى وتصنعها من جديد عبر ماكينات يتم استيرادها من الخارج، والمكسب من الأسلاك المضروبة يصل إلى 25% في لفة السلك، ولكن في الأصلي لا يتعدى 2%، موضحا أن السلك المضروب يتكون من نحاس مخلوط ببرادة حديد بينما السلك الأصلي يتكون من نحاس أصفر خالص وتتكون المادة العازلة بالأسلاك المضروبة من نفايات المواد البلاستيكية بينما تتكون في الأسلاك الأصلية من مادة الـ"بي في سي"، وهو ما يؤكده المهندس عمر فاروق، والذي يعمل في مجال تمديدات الكهرباء، قائلا إن أي مستشفى خاص أو حكومي يحتاج إلى توصيلات كهربائية بدرجة عالية من التقنية بسبب الحمولة الزائدة. والمشكلة أن البعض يشتري أسلاكاً مغشوشة تنتجها مصانع "بير السلم" وهناك إقبال على شرائها بسبب انخفاض سعرها. ويضيف أن تلك الأسلاك والموجودة في مشافٍ خاصة، لا يمكنها تحمّل الضغط، خصوصاً خلال فصل الصيف، لتقع المصيبة، مشيراً إلى وقوع حوادث متنوعة عادة ما يتم التعتيم عليها ما لم تؤد إلى سقوط ضحايا.
ويتفق إبراهيم السيد المفتش بإدارة السلامة والصحة المهنية بوزارة القوى العاملة مع الرأي السابق، مشيرا إلى أن القانون الخاص بالدفاع المدني رقم 148 لسنة 59 يحدد عقوبات ضعيفة على تلك المخالفات ومنها الحبس سنتين أو الغرامة التي لا تصل إلى 10 آلاف جنيه (635 دولارا أميركيا).
عدم تفعيل كود حماية المنشآت
تصنف المباني في مصر إلى نوعين من حيث طبيعة مواد إنشائها: "مبانٍ قابلة للاحتراق ومبانٍ غير قابلة للاحتراق"، وفق الكود المصري لأسس التصميم واشتراطات التنفيذ لحماية المنشآت من الحريق المنشور على الموقع الإلكتروني لوزارة القوى العاملة، وبالنسبة للمؤسسات العلاجية يؤكد الكود أن الهدف الأساسي هو تحقيق سلامة الأرواح لأقصى حد ممكن في حالة وقوع حريق بالمبنى، كما أن تطبيق هذا الكود يحقق تقليل الخسائر المادية إلى أدنى حد، وهو ما يتم تجاهله، ويؤكد المهندس حسن عبد الرحمن مدير إحدى شركات أنظمة الإطفاء ومكافحة الحرائق في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن الوقاية من الحرائق داخل المستشفيات "لا تتطلب فقط وجود طفّايات الحريق أو صناديق خراطيم المياه ولكن الأمر يبدأ منذ تشييد المبنى من مواد مقاومة للحريق وتتناسب مع الحمولة الحرارية المحتملة، ويتم تصميم الطرقات والممرات وسلالم المباني بحيث تسمح بإخلاء المبنى بسهولة وتعليق اللوحات الإرشادية التي تدل على أماكن الهروب في حال نشوب أي حريق وعمل حوائط من مواد مقاومة للنيران بحيث يصعب نفاذ النيران من خلالها"، وهو ما تأكد معد التحقيق من عدم تطبيقه عبر جولة قام بها في محافظة القاهرة وقابل مصادر في مشافي المنيرة والحسين الجامعي والساحل التعليمي، أكدت عدم تفعيل الاشتراطات الفنية الخاصة بمكافحة الحرائق وعدم وجود أنظمة إطفاء ذاتي للحرائق.