حجز ممتلكات النازحين... قوننة نهب عقارات المهجّرين السوريين

07 ديسمبر 2024
يكابد النازحون شظف العيش بينما تؤول أموالهم إلى النظام (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استهداف ممتلكات النازحين والمهجرين: النظام السوري يواصل استهداف ممتلكات النازحين عبر قوانين تشرعن الحجز الاحتياطي، مما يجبرهم على العيش في منافيهم دون القدرة على الطعن في القرارات خوفاً على حياتهم.

- قوانين قمعية ونهب ممنهج: منذ 2011، أصدر النظام 21 قانوناً لشرعنة الحجز على ممتلكات المعتقلين والمهجرين، مثل قانون مكافحة الإرهاب، مما يبرر الحجز على الممتلكات ويخالف حقوق الإنسان.

- تبعات كارثية ودعوات للتدخل الدولي: الحجز الاحتياطي يحرم الأسر السورية من الموارد الأساسية، ويدعو عبد الغني الأمم المتحدة لإدانة ممارسات النظام وإعادة الحقوق لأصحابها.

يستهدف النظام السوري ممتلكات النازحين والمهجّرين بسلسلة قوانين تشرعن الحجز الاحتياطي، ومن ثم يتحول إلى تنفيذي، ليكابدوا شظف العيش في منافيهم التي لا يمكنهم مغادرتها، والعودة لنقض القرارات قضائياً خوفاً من فقدان حياتهم.

- فقد الثلاثيني السوري عبيدة بعاج، كل ما يملك بعد عام ونصف العام من نزوحه والعائلة إلى مدينة أعزاز على الحدود مع تركيا، إذ صدر قرار عن وزارة مالية النظام في يونيو/حزيران 2017 بالحجز الاحتياطي على منزليه ومحله التجاري في حي صلاح الدين بمدينة حلب، والسبب، كما يقول لـ"العربي الجديد"، ادعاء بمشاركته في التظاهرات.

بالتزامن مع ذلك القرار الذي شمل ممتلكات 14 سورياً، صدر قرار آخر تضمن 11 سورياً لا يحق لهم التصرف في ممتلكاتهم بمحافظات حلب شمالاً، والسويداء وريف دمشق جنوباً، بحسب نص القرارين اللذين حصل عليهما "العربي الجديد".

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يتوسع النظام منذ بداية العام الجاري في إصدار قرارات مشابهة عن وزارة المالية، بلغ عددها حتى اليوم 13 قراراً بالحجز الاحتياطي، واستهدفت ممتلكات 817 مدنياً في بلدة زاكية بريف دمشق، بينهم الثلاثيني السوري أكرم الخطيب، الذي جرى الحجز على منزله وأرضه الزراعية البالغة مساحتها 10 آلاف متر مربع، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً بحزن: "اليوم لا أملك شيئاً، وصرت معدماً وغير قادر على مواجهة قسوة الحياة في مدينة إدلب شمال غربي سورية حيث أعيش".

 

قوننة نهب الممتلكات الخاصة

أبرز المستهدفين بقرارات الحجز الاحتياطي التي تتحول في معظمها إلى حجز تنفيذي على الممتلكات ومصادرتها فيما بعد، هم المعتقلون والمخفيون قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام، والمشردون قسرياً داخل وخارج سورية، كما يرصد  فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن عدد اللاجئين والنازحين بلغ 12.3  مليون سوري، والمخفيين قسرياً 112 ألفاً، يتحمل النظام مسؤولية 85% منهم، وبدأت عملية نهب ممتلكاتهم مبكراً، وتحديداً منذ عام 2011 إذ أصدر النظام 21 قانوناً ومرسوماً لشرعنة قراراته بحقهم، من بينها قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لسنة 2012، كما يقول الباحث في مركز جسور للدراسات (مؤسسة مستقلة) محمد سعيد المصري، لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن جرائم التفجير والقتل والخطف دمجت مع أفعال مثل كتابة منشور في وسائل التواصل الاجتماعي، وكل هذا من أجل ألا ينجو من يخضع للمحاكمة بتهمة الإرهاب من نصوص القانون، الذي تنص المادة الثامنة منه على "معاقبة كل من قام بتوزيع المطبوعات أو المعلومات المخزنة مهما كان شكلها بقصد الترويج لوسائل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية، بالأشغال الشاقة المؤقتة، وتنزل العقوبة نفسها بكل من أدار أو استعمل موقعاً إلكترونياً لهذا الغرض"، وألزمت المادة العاشرة أي "شخص علم بأي من هذه الجرائم بإبلاغ قوات الأمن عن فاعليها، وإلا عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وصودرت أملاكه".

الصورة
أبرز المستهدفين بقرارات الحجز الاحتياطي هم المعتقلون والمخفيون قسرياً والمشردون داخل وخارج سورية
أبرز المستهدفين بقرارات الحجز الاحتياطي هم المعتقلون والمخفيون قسرياً والمشردون داخل وخارج سورية (العربي الجديد)

وتعزيزاً لعملية استهداف كل من يصفهم النظام بالمعارضين، منحت المادة 11 من القانون ذاته "النائب العام المختص، أو لمن يفوض، أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية، أو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، إذا وجدت دلائل كافية على ذلك، ضماناً لحقوق الدولة والمتضررين".

النظام سلب ممتلكات 817 مدنياً في بلدة زاكية بريف دمشق

لكن المعارضين للنظام والمهجرين والمخفيين قسرياً ليسوا إرهابيين، ولم يمارسوا أياً من الجرائم التي وردت في القانون الذي سمح للنظام بتصنيف أفعال، باعتبارها جرائم إرهابية، مثل تقديم المساعدات الإنسانية، أو الاحتجاجات غير العنيفة، كما يقول عبد الغني.

الصورة
قرارات الحجز تنتهك حق الملكية المحمي بموجب المادة 15 من الدستور السوري
قرارات الحجز تنتهك حق الملكية المحمي بموجب المادة 15 من الدستور السوري (فيسبوك)

لذا فإن قرارات الحجز الاحتياطي باطلة، خاصة أنها تنتهك حق الملكية المحمي بموجب المادة 15 من الدستور السوري، والتي نصت على أن "الملكية الخاصة جماعية أو فردية مصانة، والمصادَرة العامة في الأموال ممنوعة، ولا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة، وبتعويض عادل وفق القانون"، كما أشار القانون المدني إلى أن "مالك الشيء وحده له الحق في استعماله واستغلاله والتصرف به، ولا يجوز لأحد أن يُحرم من ملكه إلا بالطريقة التي يقرها القانون وبتعويض عادل"، بحسب ما يوضحه المحامي عبد الناصر حوشان، عضو نقابة المحاميين الأحرار (منظمة مجتمع مدني)، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن عمليات نزع الملكية تخالف الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن "حق الملكية الخاصة مكفول لكل شخص، ويحظر في جميع الأحوال مصادرة أمواله كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية".

 

إلى أين تؤول الأموال المصادرة؟

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أقرّ برلمان النظام، قانون التصرف في الأموال المنقولة وغير المنقولة المُصادرة بموجب حكم قضائي رقم 26 لعام 2023، وبموجبه تؤول الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادَرة بموجب حكم قضائي مبرم إلى ملكية الدولة، على أن تدير هذه الأموال وتستثمرها وزارة المالية داخل الحدود التنظيمية ووزارة الزراعة خارجها، وتلا ذلك قانون أصدره رئيس النظام بشار الأسد في 28 ديسمبر/كانون الأول 2023 برقم 43، لإحداث الهيئة العامة لإدارة أملاك الدولة وحمايتها واستثمارها، وهي جميع العقارات المبنية وغير المبنية والحقوق العينية التي تخص الدولة، بصفتها الاعتبارية، كما يقول الباحث مصري، مشيراً إلى أن الأموال والملكيات الخاصة التي حُجز عليها، نقلت ملكيتها فعلياً إلى وزارة المالية، وفق ما سبق من قوانين، لكن لم يجر التصرف فيها من قبل الوزارتين حتى الآن.

الصورة
الأموال والملكيات الخاصة التي حُجز عليها، نقلت ملكيتها فعلياً إلى وزارة المالية
نُقلت ملكية الأموال والملكيات الخاصة التي حُجز عليها إلى وزارة المالية (فيسبوك)

ويستخدم النظام الحجز على الأموال، عقوبة ضد المعارضين ضمن حزمة من القيود القانونية والاجتماعية والاقتصادية، يقول عبد الغني، ومن وجهة نظره تلك القرارات أحد أبرز الأساليب الفعالة التي يستخدمها النظام لجلب موارد مالية إضافية لخزينته من خلال الاستيلاء على الأموال المشمولة بالحجز، والتصرف بها فيما بعد، إذ يمكنه استغلال الممتلكات والأراضي التي سيطر عليها، من خلال طرحها للاستثمار أو بيعها.

محاكمات غيابية للمعارضين بتهم متعلقة بالإرهاب من أجل نهب ممتلكاتهم

وعندما تصبح الأموال في يد شركات خاصة أو أفراد توظف ضمن أساليب انتهاك حق الملكية، أو في دعم كيانات (شركات أو مليشيات داعمة للنظام) تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بحسب عبد الغني، الذي يدعو الدول المانحة والمستثمرين والوكالات الإنسانية العاملة في سورية إلى عدم تقديم أموال للنظام، من خلال برامج إعادة التعافي المبكر وإعادة البناء والتأهيل، والعمل على استحداث آلية جديدة حتى لا توظف تلك الأموال ضمن انتهاك حقوق الملكية للقاطنين في مناطق النظام أو المشردين قسرياً والمفقودين.

الصورة
اعتقلت قوات النظام عائدين وأخفتهم قسراً وقتلت بعضهم
اعتقلت قوات النظام عائدين وأخفتهم قسراً وقتلت بعضهم (Getty)

الخصم والحكم

رغم إتاحة قانون مكافحة الإرهاب الفرصة لمن يسلم نفسه بإعادة المحاكمة، فإن المهجرين يرفضون العودة خشية من بطش النظام، إذ جرى اعتقال عائدين وإخفاؤهم قسرياً وقتل بعضهم، كما يقول لـ"العربي الجديد"، أحمد طه، مدير برنامج حقوق الملكية والسكن في مؤسسة اليوم التالي (سورية مستقلة). 

وتحول الملاحقات الأمنية والأحكام القضائية الغيابية الصادرة عن محاكم الإرهاب، بين المهجرين قسرياً وأي فرصة للعودة الآمنة، كما يرصد المحامي حوشان، والذي يقول: "يكرس ذلك من التغيير الديموغرافي، لأن أغلب المهجرين إما ملاحقين أمنياً أو قضائياً أو محكومين".

وهو ما يخشاه الصحافي حافظ قرقوط، الذي صدر قرار بالحجز الاحتياطي على ممتلكاته، ثم تبعه قرار آخر في الرابع من يونيو 2017 بحجز أملاك زوجته وأبنائه أمجد وأنس، حسبما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "جرى الحجز على شقتين في مدينة أشرفية صحنايا في محافظة ريف دمشق، مساحة الواحدة مائة متر، ومنزل آخر في محافظة السويداء وأراض زراعية مساحتها 65 دونماً (65 ألف متر مربع) وأراض عقارية مساحتها خمسة دونمات، ويتابع: "استولى أحد ضباط المخابرات على الشقتين".

الصورة
صدور قرار الحجز الاحتياطي على ممتلكات الصحافي حافظ قرقوط، وأملاك زوجته وأبنائه في منتصف عام 2017
صدور قرار الحجز الاحتياطي على ممتلكات الصحافي حافظ قرقوط، وأملاك زوجته وأبنائه في منتصف عام 2017 (العربي الجديد)

تواصل قرقوط مع أحد أقاربه للتأكد من حقيقة القرارين، فما كان منه إلا أن راجع البلدية والمصالح العقارية في أشرفية صحنايا، فأكدوا عدم قدرة قرقوط على التصرف بممتلكاته، كما أنه لا يمكنه مراجعة محاكم النظام لنقض قراراتها، فالنظام يسيطر على المحاكم، كما أنه من شرّع القوانين التي جرى بموجبها نهب ممتلكات معارضيه بعد تهجيرهم أو قتلهم، أي إنه الخصم والحكم.

 

تبعات كارثية

يطالب عبد الغني المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بإدانة ممارسات النظام السوري القائمة على عمليات نهب واسعة وممنهجة للممتلكات والأراضي السكنية والزراعية الخاصة بالنازحين واللاجئين، قائلاً: "لا بد من تقديم تقرير إلى مجلس الأمن، وآخر إلى المبعوث الدولي إلى سورية بهذا الخصوص، والتأكيد على عدم إمكانية الحديث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري دون إعادة الحقوق إلى أصحابها، وتعويضهم عن عدم القدرة على التصرف في أملاكهم، وما ترتب على ذلك من تدهور في أحوالهم المعيشية واستقرارهم"، مضيفاً أن الحجز الاحتياطي دمّر حياة الأسر، إذ حرمهم  من الأموال اللازمة، لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والصحة والسكن، إضافة إلى تغييب ما يثبت وجودهم ومسح جذورهم من المناطق التي ينتمون إليها. 

الحال هذا يعيشه بعاج، الذي لا يمكنه بيع منزله المحجوز عليه، حتى يتمكن من شراء آخر حيث يعيش حالياً، ومثله مسلم عبد الباسط، الذي نزح من مدينة سقبا بمحافظة ريف دمشق إلى إدلب، وصدر قرار بالحجز الاحتياطي على منزله ومحله التجاري، وبعدما كان من الميسورين صار يكابد شظف العيش محاولاً جمع إيجار البيت الذي يقيم فيه.