تناقضات الصين... شيوعية رأسمالية وهدر لحقوق العمال النقابية

17 ابريل 2022
مجال البناء الأكثر فتكاً بعمال الصين (Getty)
+ الخط -

تتزايد وتيرة وأنواع الانتهاكات التي يعانيها عمّال الصين، رغم دورهم التأسيسي في الدولة الشيوعية، غير أنهم محرومون من تأسيس نقابات مستقلة ويخضعون لكيان رسمي، مهمته ضبط ولاء العمال أكثر من الدفاع عن حقوقهم المهدورة.

- لم يتقاض الخمسيني الصيني لي وانغ تشو راتبه الشهري منذ ستة أشهر، عمل خلالها في موقع بناء قيد الإنشاء بمنطقة تشاو يانغ في بكين، رغم وعود مديره المباشر بدفع جميع مستحقاته قبل بداية العام الصيني الجديد والذي يبدأ عادة في شهر فبراير/ شباط من كل عام حسب التقويم القمري، وهو ما تكرر على مدار عامين، وفي كل مرة لا يحصل إلا على القليل من المال وبالكاد يغطي مصاريفه اليومية واحتياجات ابنته المقعدة التي تبلغ من العمر 18 عاماً.

ومع ذلك، يجد تشو نفسه مضطراً إلى أن يصبر ويواصل العمل لعدم وجود بدائل، ولا يريد أن يخسر متأخراته المالية، كما يقول العامل الذي وصل إلى بكين عام 2019، آتياً من مقاطعة خبي المجاورة، مضيفاً أن الأمر لا يقتصر على تأخر الأجور فقط، إذ يُجبَر على العمل لفترات طويلة تصل حتى 10 ساعات في اليوم، ولا يستطيع الاحتجاج على ذلك، لأن جميع العمال في المنشأة ينفذون الأوامر، ومن يخالف التعليمات يخسر عمله، في ظل عدم وجود بدائل، وسهولة الحصول على عمال آخرين، فضلاً عن عدم تأثير أي احتجاج أو اعتصام في سير العمل، بالإضافة إلى عدم وجود عقود تنظم العلاقة بين العمال وأربابهم. 

وبالرغم من أن منظمات عمالية محدودة التأثير حاولت مساعدة تشو وزملائه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل، لأنهم لا يملكون أي مستندات توثق الانتهاكات في حقهم.

وتتكرر معاناة تشو وزملائه بشكل منهجي في الصين التي تعتبر آخر معاقل الشيوعية التي تأسست على الماركسية ورفعت شعارات تنادي بحقوق العمال والفلاحين، كما يقول جيانغ مو، الباحث في نشرة العمل الصينية (CLB منظمة غير حكومية مقرها هونغ كونغ ومعنية بتعزيز الحركة العمالية الصينية)، موضحا أنه في عام 2019 استقبلت المنظمة رقما قياسيا من ادعاءات العمال بشأن انتهاكات أرباب العمل، بلغ مليونا وأربعمائة ألف حالة انتهاك، تركزت جميعها حول عدم دفع الأجور، وساعات العمل الإضافية دون تعويض، مشيراً إلى أن نحو 80 في المائة من الانتهاكات الجماعية للعمال مرتبطة بمتأخرات الأجور.

وتقع تلك الانتهاكات رغم أن قانون عقد العمل الذي شرعته الحكومة عام 2008، نص على أنه يحق للعمال الحصول على عقد عمل كتابي مفصل عند تعيينهم، بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة في حال تسريحهم، لكن أرباب العمل استغلوا بعض الثغرات في القانون لتجنب الامتثال، مثل توظيف العمال عبر نظام الوكالة من خلال مكاتب وسيطة دون عقد عمل مباشر بين العامل وصاحب العمل، وتصنيف العمال باعتبارهم مقاولين لاستثنائهم من أحكام القانون، وعلى ضوء ذلك تم تسريح العديد من العمال ثم إعادة توظيفهم، الأمر الذي رفع الحصانة القانونية عنهم وعرضهم للانتهاكات.

ضريبة الإصلاح والانفتاح

برزت مشكلة الانتهاكات بحق العمال في أواخر سبعينيات القرن الماضي بعدما انتهجت الصين عقب عقود طويلة من الانغلاق، سياسة الإصلاح والانفتاح، ما تسبب في تراجع مكانة العمال أمام المد الرأسمالي الذي تغلغل في الحزب الحاكم، إلى جانب ظهور مظاهر البرجوازية في المجتمع الصيني، وتعاظم الثروات وتركيزها في أيدي فئة محددة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ومنذ ذلك الحين شهدت الصين انتهاكات صارخة بحق العمال، وأصبحت القوى العاملة طبقة منسية على هامش نهضة وصعود ثاني أقوى اقتصاد في العالم، حسب ما أوردت نشرة العمل الصينية في مقال منشور في مايو/ أيار 2021، تتبع حقوق العمال وعلاقات العمل، مؤكدا على رصد انتهاكات وممارسات واستغلال واسع النطاق في عدة قطاعات ترتقي إلى مستوى العمل القسري، مثل العمل دون عقود أو وثائق رسمية، وتدني الأجور وتأخر دفعها، وساعات العمل الطويلة دون تعويض، بالإضافة إلى الحرمان من امتيازات الضمان الاجتماعي، فضلاً عن الأمراض التي تفتك بالعمال نتيجة سوء بيئة العمل.

مليون وأربعمائة ألف شكوى من عدم دفع الأجور في عام 2019

ويعد مجال البناء الأوسع انتشاراً والأكثر فتكاً بالعمال، نتيجة تصنيف العاملين فيه مقاولين لا يحظون بحصانة قانونية، حسب ما أوضح الناشط جيانغ مو، وكذلك مناجم الفحم التي يتم العمل فيها دون مراعاة الحد الأدنى من درجات السلامة، وتشهد أعلى معدلات إصابات العمل والوفاة مقارنة بالقطاعات الأخرى، إذ شهدت الصين خلال الفترة بين يونيو/ حزيران وديسمبر/ كانون الأول الماضي 239 حادثة عمل، من بينها 117 حادثة في مناجم الفحم، قُتل فيها 56 عاملاً، 4 منهم في مصنع للصلب بمقاطعة آن خوي، وآخرون في مناطق متفرقة، بحسب نشرة العمل الصينية.

ولا تقتصر الانتهاكات على العمال بل يتعرض لها طلاب مدارس مهنية يجبرون على قبول التدريب الداخلي في شركات تصنيع مقابل أجر ضئيل، حسب ما ورد في كتاب "داينغ فور آيفون" الصادر عام 2020 للكاتب الصيني تشين خو لينغ، والذي وثق كيف أجبر مئات الطلاب على العمل في مصانع لا علاقة لها بالدورات التي يدرسونها، وقيل لهم إنه لا يمكنهم التخرج بنجاح إلا من خلال المشاركة في برنامج تدريب داخل المصانع، مشيرا إلى تورط شركة فوكسكون متعددة الجنسيات والمتخصصة في صناعة الإلكترونيات بالقضية.

استغلال العمالة المهاجرة

تعد العمالة المهاجرة الشريحة الأكثر تعرضا للانتهاكات بمختلف أنواعها وأشكالها، باعتبار أفرادها الحلقة الأضعف نظراً لعدم ارتباط معظمهم بعقود عمل بسبب تفضيل أربابهم تشغيلهم من خلال وكلاء للالتفاف على القانون، وبلغ عددهم، حسب وزارة العمل الصينية، 286 مليون عامل مهاجر في عام 2020، يمثلون 20 في المائة من إجمالي السكان وحوالي 35 في المائة من القوة العاملة في البلاد، ومن بين هؤلاء 100 مليون يعملون في مناطق بعيدة عن مسقط رأسهم.

وتشكّلت هذه الفئة نتيجة الفجوة التنموية الكبيرة بين الأرياف والمناطق الحضرية، حيث يضطر مئات الآلاف من العمال والفلاحين سنوياً للهجرة إلى المدن الصناعية الكبرى من أجل البحث عن فرص عمل، وهاجر أكثر من خُمس سكان الصين من الريف للانضمام إلى القوى العاملة في المناطق الحضرية خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، (منظمة بحثية مستقلة).

ولا يحق للمواطن التمتع بامتيازات الضمان الاجتماعي إلا في مسقط رأسه، وفق النظام الصيني، لذلك يترك هؤلاء العمال أطفالهم وزوجاتهم خلفهم في الريف لصعوبة العيش في المدينة وتحمل أعبائها الاقتصادية، ليس ذلك فحسب، بل يعملون دون عقود ويعتبرون عمالة غير شرعية، لذلك يتعرضون لانتهاكات مستمرة دون أي مساءلة، ويضطرون لقبول ذلك مقابل أجر زهيد، كما يقول العامل لي وانغ تشو.

وبلغ متوسط الدخل الشهري للعمالة المهاجرة خلال الخمس سنوات الأخيرة، حسب موقع "statista" المتخصص في البيانات الرقمية، أربعة آلاف يوان، أي ما يعادلُ ستمائةٍ وثلاثينَ دولاراً أميركي شهرياً، وهي نسبة تمثل ثلاثة أضعاف ما كانوا يحصلون عليه قبل عشر سنوات، ولكن في المقابل ارتفعت نسبة العمال الذين لم يتقاضَوا أجورهم في الوقت المحدد من واحدٍ في المائة في عامِ 2009 إلى أربعةٍ في المائة في عام 2019، بينما بلغت نسبة البطالة بين العمال المهاجرين في عام 2020 حوالى 7.9 في المائة، وهي نسبة أعلى بكثير من معدل البطالة المعترف به رسمياً والبالغ أربعة في المائة.
 

الصورة
صين 2

تأميم العمل النقابي

لعب العمال والفلاحون دوراً بارزاً في تمكين الحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه عام 1921 وصولاً إلى حسم الحرب الأهلية ضد القوميين عام 1949 وإعلان الجمهورية الشعبية، والتي عرّفت نفسها بأنها دولة اشتراكية، كما يقول الناشط الحقوقي المقيم في هونغ كونغ مارك لام، مشيرا إلى أنه مع التحوّل الذي شهدته البلاد، خصوصاً ما يعرف بالانتقال من الاقتصاد الموجّه إلى اقتصاد السوق، أي تحرير الإنتاج وعمليات التصنيع من قبضة الحزب الشيوعي، وإتاحة المجال أمام عمل القطاع الخاص، وبروز أباطرة العقارات والشركات التكنولوجية، كان العامل الخاسر الوحيد، والحلقة الأضعف في دورة حياة اقتصادية واجتماعية رغيدة، لذلك كان من السهل استغلاله واستخدامه كجسر بشري تحت عجلات قطار التنمية.

فشلت محاولات كثيرة لتشكيل نقابات مستقلة خلال السنوات الماضية

ويسهل استغلال العمال بسبب غياب دور النقابات العمالية واقتصار ذلك على "اتحاد نقابات عمال عموم الصين" المنضوي تحت إمرة الحزب الشيوعي، بحسب لام، والذي رصد تغييب قضايا حقوق العمال في ظل القبضة الأمنية للحزب على كافة قطاعات الدولة، وعدم سماحه بالعمل النقابي المستقل، مضيفا أن معظم المنظمات العمالية غير الحكومية ليست لديها الفعالية والقدرة الكافية للدفاع عن حقوق العمال، فضلاً عن أن محاكم الدولة تتعامل مع مثل هذه القضايا على أنها منازعات بين العمال وأرباب عملهم، يكون فيها العامل الطرف الأضعف لعدم حيازته أي وثائق أو مستندات يستخدمها كحجة قانونية للمطالبة بحقوقه، منتقدا غياب أي تأثير للنقابات العمالية في هذا الملف، لأنها فعلياً تعمل تحت مظلة الحزب الشيوعي.

وتأسس اتحاد نقابات عمال عموم الصين في عام 1925 لتمثيل مصالح النقابات العمالية الوطنية والمحلية والمجالس النقابية، وكان يضم جميع النقابات العمالية المستقلة والحكومية، ولعب دوراً فاعلاً في الدفاع عن حقوق العمال في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولكن بعد صعود الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ إلى السلطة عام 1949، أسّس اتحاد النقابات العمالية كمركز نقابي وطني وحيد في الصين، كما يقول لام، موضحاً أن تأميم العمل النقابي كان عاملاً حاسماً في ضياع حقوق العمال، على اعتبار أن الاتحاد اتخذ دستور الحزب الشيوعي أساساً له، وكان دوره ينحصر فقط في مساعدة الحزب على فرض الانضباط وضبط ولاء العمال.

ولفت مارك لام إلى أن النقابات العمالية في الصين لا تخرج عن الخط الذي رسمه الحزب الشيوعي، وتلعب دوراً سياسياً في تعبئة العمال، أكثر من دورها النقابي المسؤول عن رصد الانتهاكات والدفاع عن الحقوق.

وينص دستور الحزب، وفقاً للمادة الرابعة من قانون النقابات العمالية لجمهورية الصين الشعبية الذي أُقرَّ في عام 1992، على أنه "يجب على النقابة العمالية الالتزام بالدستور ودعمه، واتخاذ الدستور كمعيار أساسي للنشاط، ومركز في البناء الاقتصادي، والتمسك بالطريق الاشتراكي وبالديكتاتورية الديمقراطية الشعبية، والتمسك بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وبالماركسية اللينينية، وفكر ماو تسي تونغ، ونظرية دنغ شياو بينغ، والتمسك بالإصلاح والانفتاح".

وفشلت محاولات كثيرة لتشكيل نقابات مستقلة خلال السنوات الماضية، على اعتبار أن الاتحاد النقابي هو الجهة الوحيدة المخولة بالعمل بشكل قانوني في البلاد، بحسب لام، الذي لفت إلى أنه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي تم تشكيل اتحاد عمال بكين، ولكن لاحقاً اعتبره الحزب منظمة غير شرعية وأمر بحله بعد مرور أقل من عامين على تأسيسه.

وحسب ما ورد في كتاب "صرخات من أجل الديمقراطية" الصادر عام 1990، للكاتب الصيني هان مين جو، فإن اتحاد عمال بكين، كان أحد ضحايا القمع العنيف الذي شنّه الجيش الصيني على المتظاهرين المطالبين بالإصلاحات في أثناء أحداث تيان آنمن عام 1989، وقد وصف الحزب الاتحاد بأنه "منظمة غير قانونية" بسبب مشاركته في المظاهرات ومقاومته الأحكام العرفية، واعتقل جميع أعضائه، بينما فرّت مؤسسته لي جينغ خوا، إلى الولايات المتحدة.

واعتبر لام أن التزام الاتحاد النقابي بدستور الحزب الشيوعي، وفشل الاتحادات المستقلة في الاستمرار بالعمل أو التأثير لصالح العمال، عاملان أساسيان في زيادة وتيرة الانتهاكات بحق العمال دون حسيب أو رقيب، خصوصاً في العقد الأخير، وشدد على أن العديد من الانتهاكات تصل إلى حد العمل القسري، غير أن صعوبات التحقيق في مثل هذه الملفات تحول دون توثيقها واللجوء إلى المحاكم.

ضعف أداء الاتحاد الرسمي

يوضح المحامي فانغ لي وي، وهو أحد أفراد مجموعة طالبت عام 2018 بإنشاء نقابة خاصة بعمال الشركات التكنولوجية في مدينة شنزن جنوبيّ الصين، أن اتحاد النقابات العمالية لا يزال عاجزاً عن تمثيل العمال والدفاع عن حقوقهم، وأنه بحاجة إلى فهم أن مصالح العمال لا تتماشى بالضرورة مع مصالح أربابهم، وبالتالي ينبغي أن تكون هناك جرأة في طرح قضاياهم دون النظر إلى تداعيات ذلك على أصحاب النفوذ من الطبقة الرأسمالية.

ولفت إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن من يرأس اتحاد النقابات العمالية في الصين، هو زعيم بارز في الحزب الشيوعي يدعى وانغ دونغ مينغ (رئيس الحزب السابق في مقاطعة سيتشوان وعضو في اللجنة المركزية للحزب)، في حين أن معظم رؤساء الاتحادات النقابية في بلدان أخرى من طبقة العمال والكادحين.

وبالنظر إلى ضعف الاتحاد في تمثيل مصالح العمال، كانت هناك عدة محاولات لتشكيل نقابات مستقلة، إحداها مشاركة لي وي شخصياً قبل ثلاث سنوات في تنظيم وقفة احتجاجية بمدينة شنزن شارك فيها مئات العمال من قطاع التكنولوجيا، لكنها باءت بالفشل بعد التدخل العنيف من السلطات، وإيقاف أبرز الناشطين بتهمة تنظيم نشاط غير مصرَّح به.

ووقع ستُّمائةٍ وأربعةٌ وستون إضراباً خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي بحسب نشرة العمل الصينية، ويؤكد لي وي أن فشل الاتحاد في كسب ثقة العمال، يرجّح استمرار الإضرابات في أنحاء البلاد، إلى جانب المحاولات المتكررة لإنشاء نقابات مستقلة.

وعن حجم الانتهاكات بحق العمال وأبرز أشكالها، قال المحامي الصيني إنه يصعب حصر حجم الظاهرة نتيجة عدم التوثيق الدائم، ولكن وفق تقارير دورية تصدر عن المحاكم الشعبية المتوسطة في كل مقاطعة، هناك ما لا يقل عن مليوني عامل يختصمون أربابهم أمام القضاء كل عام، وأشار إلى أن أضعاف هذا العدد من الضحايا يفضلون التزام الصمت كي لا يخسروا عملهم.

وأضاف أن أكثر الانتهاكات شيوعاً بعد مسألة تأخير الأجور، التمييز الوظيفي بكل أشكاله، ومنها التمييز على أساس الجنس (إجبار الإناث على العمل لساعات أطول من الذكور)، والتمييز على أساس الضمان الاجتماعي أو نظام تسجيل الأسرة (معاملة تفضيلية للعمال الحضريين على المهاجرين)، واستغلال المعوقين بدنياً.

وبالرغم من أن قانون العمل المعدل عام 1994 نصّ على المساواة بين العمال والتشديد على أنهم لن يتعرضوا للتمييز على أساس العرق والجنس والمعتقدات الدينية في العمل، فإن غياب أنظمة الإنفاذ جعلت العديد من لجان التحكيم ترفض قبول قضايا التمييز الوظيفي، وفي أحسن الأحوال يُكتفى بأرشفتها في المحاكم، وفق ما رصده لي وي.

اعتراف حكومي

تعترف الحكومة الصينية بمشكلة متأخرات الأجور، وتقوم السلطات بحملة لجمع الرواتب المتأخرة كل عام، ومع ذلك، يُترك العديد من العمال دون مساعدة، إذ أعلنت وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي في العام الماضي، أنه سيتم إلغاء متأخرات الأجور، ولكن بالرغم من تلك الوعود، لا تزال الانتهاكات مستمرة ومنتشرة على نطاق واسع، وهو ما يبدو في العدد الكبير من البلاغات التي استقبلتها نشرة العمل الصينية خلال النصف الأول من العام الماضي، بإجمالي 374 ألف بلاغ، 68 في المائة منها مرتبطة بمتأخرات الأجور.

وتجري معالجة مسألة تأخير الأجور في الإعلام الحكومي باعتبارها تجاوزاً من أرباب العمل، وعادة ما يسلط الضوء على الإجراءات الحكومية لمكافحة هذه المشكلة والحد من انتشارها، إذ نشرت صحيفة الشعب اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي في السادس من يناير/كانون الثاني عام 2017، تقريراً تحدثت فيه عن متأخرات الأجور وصعوبة التحقق من التجاوزات، وخطط الحكومة لمواجهة ذلك.

ويرد عميد كلية الاقتصاد السابق في جامعة جينان دونغ يي بأن السلطات الصينية لا تألو جهداً في مكافحة انتهاك العمالة في البلاد، إذ تستعرض بصورة دورية تقارير اتحاد النقابات العمالية في هذا الشأن، وأشار إلى أنه وفقاً للمادة السادسة والثلاثين من قانون العمل الصيني المعدل حديثاً، حُدِّدَت ساعات العمل المسموح بها يومياً على ألا تزيد على ثماني ساعات، بمعدل أربعٍ وأربعين ساعة في الأسبوع، ووُضعَت قوانين رادعة لأرباب العمل في حال إجبار العمال على العمل لأوقاتٍ إضافيةٍ دون دفع تعويضات، لافتا إلى أن المحاكم الصينية غلّظت عقوبة تأخير رواتب العمال لأكثر من ثلاثة أشهر، وجاء الإجراء الأخير، بحسب توضيحه، بعد تزايد عدد حالات القتل في البلاد بدوافع من هذا النوع.