ينتظر قطريون ما يزيد عن عقد لإتمام بناء منازلهم المدعومة من الدولة أرضاً وقرضاً، فيما يحاول بعضهم بيعها في مرحلة تسمى "العظم" بالالتفاف على القانون، إذ لم يكتمل تشييدها لأسباب مالية وهندسية وخلافات مع المقاولين.
- بدأت آمنة الكواري؛ الموظفة القطرية في وزارة التربية والتعليم، تشييد منزلها في منطقة روضة الحمامة، التابعة لبلدية الظعاين شمال قطر قبل 16 عاماً، بعدما حصلت على قرض من بنك قطر للتنمية بقيمة 1.2 مليون ريال قطري (330 ألف دولار)، كونها مستفيدة من القانون رقم 2 لعام 2007 بنظام الإسكان والذي يهدف إلى "توفير مساكن ملائمة للمواطنين ممن تزيد أعمارهم عن 22 عاماً عبر منحهم مبلغاً نقدياً لشراء الأرض اللازمة لبناء المسكن، أو تخصيص قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها 625 متراً مربعاً داخل الدوحة، أو 1000 متر خارجها بدلا عن ذلك، كما يحصل المنتفع على قرض للبناء"، ويجري السداد عبر قسط شهري قيمته 3500 ريال (961 دولاراً) توزع على 35 عاماً، بحسب موقع البنك.
لكن الكواري وعقب هذه الفترة الطويلة لم تنته بعد من تشييد منزلها، وأنفقت نحو مليوني ريال (549 ألف دولار)، إذ توقفت إنشائياً عند ما يسمى "مرحلة العظم"، بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء وأعمال التشطيب عاماً بعد آخر، وتستدرك قائلة "بدأت بناء البيت عندما كان عمر نجلي عاماً واحداً، وأصبح الآن في السابعة عشرة ولم يكتمل المنزل، وما زالت الأسرة في منزل إيجار طيلة هذه الأعوام".
وتعد آمنة واحدة من بين الحالات التي يوثق تحقيق "العربي الجديد" تجربتها المتعثرة في استكمال بناء المنازل المدعومة من الدولة، ما أدى إلى ظهور "بيوت العظم"، كما يطلق عليها في عدة مدن قطرية، خاصة في الخور والرويس شمالاً.
ويعكس التناقص في عدد شهادات إتمام منازل قروض الإسكان الممنوحة من قبل قسم التطوير ورخص البناء بإدارة الشؤون الفنية بوزارة البلدية حجم المشكلة، إذ بلغ عددها 833 شهادة عام 2019، وانخفض العدد إلى 759 عام 2020، واستمر العدد بالانخفاض حتى وصل إلى 581 عام 2021، أما في 2022 فقد بلغت 434 شهادة، وفقاً للبيانات المنشورة في النشرات السنوية لإحصاءات رخص البناء والمباني المكتملة الصادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء في قطر (حكومي).
تحايل على القانون لبيع المنازل
يفكر الأربعيني أبو عبد الله (طلب تسميته بكنيته) كثيراً في بيع المنزل الذي بدأ في تشييده منذ 11 عاماً منذ حصوله على قطعة الأرض والقرض، إذ لم يتجاوز مرحلة الأساسات، رغم أنه تكبد مبالغ إضافية زائدة على القرض حتى صار محاصراً بالديون، لكنه لا يمكنه التصرف في المنزل وفقاً لنص المادة 10 من القانون 2 لعام 2007 والتي تقضي بأنه "لا يجوز للمنتفع التصرف في الأرض أو المسكن أو الوحدة السكنية بأي نوع من أنواع التصرف، قبل انقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ تسلمه، أو سداد القرض وملحقاته كاملاً، إلا إذا قدم ضماناً مناسباً يوافق عليه البنك"، كما يسري الحظر على ورثة المنتفع.
يتجه مقترضون إلى بيع "منازل العظم" بالتحايل على القانون
ورغم المنع، يوثق تحقيق "العربي الجديد" لجوء قطريين إلى بيع منازلهم التي توقفت عند مرحلة العظم، ويحاولون الترويج لها عبر منصات التجارة الإلكترونية مثل "قطر ليفينغ" ومزاد قطر، إذ رصد معد التحقيق 20 إعلاناً لمنازل متصلة بقروض الإسكان، والتي يمكن تمييزها عبر المساحة (625 متر أو 1000 متر) إلى جانب عدم إدراج ميزة "بيت حر" والتي تعني فيلا أو منزلاً غير مرتبط بقرض، ويطلب الملاك في الإعلانات مبالغ تتراوح بين مليوني ريال وأربعة ملايين ريال (1.90 مليون دولار).
وتواصل معدّ التحقيق مع 3 شركات تسوّق لتلك المنازل عبر الإعلانات، وزعمت اثنتان منها أن البيوت المعلن عنها ليس عليها حظر وصالحة للبيع في أي وقت، في حين أقرّت الثالثة بأن لديها منزلاً واحداً معروضاً للبيع رغم الحظر عليه، مؤكدة أنهم يجدون بيع هذه العقارات صعباً بسبب المخالفة القانونية.
ويوضح مسوق عقاري (فضّل عدم ذكر اسمه) أن المالك الذي يبيع البيت غير مكتمل البناء ولم يكمل سداد قيمته للحكومة يلتف على القانون، عبر عقد اتفاق تنازل عن الأرض والعقار لصالح المشتري، إلى جانب توقيع شيكات بنكية كضمان للأموال، ويمكنه في هذه الحالة استكمال سداد القرض دفعة واحدة أو عبر الأقساط إلى أن يزول حظر البيع، وتكمن المخاطرة في حالة وفاة البائع قبل إتمام السداد ورفع الحظر، لأنه لا يحق للمشتري مطالبة الورثة بحقه رغم وجود شيكات تضمن حقه المالي، كون عقد التنازل غير قانوني.
ما هي أسباب توقف البناء؟
تحملت الكواري تكاليف الزيادة في أسعار مواد البناء خلال سنوات تشييد منزلها، كما أن اضطرارها إلى تغيير المقاولين العاملين لديها، بسبب أخطائهم، واستخدام مواد منخفضة الجودة، ألقى على كاهلها تكاليف إضافية.
ويتشابه حال الأربعيني فيصل آل إسحاق مع الكواري، إذ قال لـ"العربي الجديد": "استبدلت أكثر من مقاول بسبب مشاكل في التنفيذ، وانتهى بي المطاف أن أصبحت مشرفاً على الأعمال في منزلي دون الاعتماد على شركات المقاولات".
غير أن المهندس أحمد سالم؛ مدير شركة إم واي جي للتجارة والمقاولات في الدوحة (خاصة)، يرفض اتهام المقاولين بالوقوف وراء مشاكل البناء، وأرجع الأمر لارتفاع تكاليف الأيدي العامة وزيادة أسعار المواد الأولية عالمياً وفي السوق القطرية، نتيجة للمتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة والعالم، بدءاً من الحصار عام 2017 ومروراً بجائحة كورونا وصولاً للحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، مؤكداً أن التأخير يضر بالمقاول أيضاً بسبب تكلفة العمالة في المشروع وتغير أسعار المواد، وأضاف أن مدة العقد تكون إلزامية وتتراوح بين 18 شهراً وعامين للانتهاء من المشروع، لكن تأخر دفع الأقساط يؤدي إلى إنهاء العمل وفسخ التعاقد وإعادة التقييم.
ارتفاع أسعار مواد البناء والتشطيب
يرصد المهندس سالم الذي يعمل في مجال المقاولات بالدوحة منذ 13 عاماً مشاكل تجهيز منازل قروض الإسكان، قائلاً إن المواطنين يُمنحون قيمة القرض بغض النظر عن مساحة الأرض المخصصة، فالمنتفع بقطعة مساحة 625 متراً يحصل على قرض مساوٍ لما يُمنح للمنتفع بقطعة مساحتها 1000 متر، ومضيفاً أن قيمة القرض الحالية تكفي فقط لبناء أساس المنزل أو ما هو متعارف عليه بـ"العظم"، وبحسب تقديراته فإن بناء فيلا جاهزة للسكن مكونة من 5 غرف ومجلس صغير وطابق علوي من غرفتين يحتاج إلى 2.3 مليون ريال (631 ألف دولار)، لكن قد لا تكون المواد المستخدمة في التشطيب ذات جودة عالية.
ويتفق معه الدكتور عبد العزيز الحمادي عضو مجلس إدارة شركة دلالة للوساطة والاستثمار القابضة، مؤكداً ضرورة رفع قيمة قرض الإسكان إلى نحو مليوني ريال، لكي تتناسب مع الأسعار الحالية وتكاليف إنشاء البيت طبقاً لرغبات المواطنين وأوضاع السوق، موضحاً أن ارتفاع الأسعار صار ملموساً بعد الأزمة المالية العالمية 2008، مروراً بالأزمات المتلاحقة والمشكلات المالية والاقتصادية الحالية التي تمر بها كل دول العالم.
ويتفق مع سالم في أن قيمة القرض لم تعد مناسبة منذ أكثر من عشر سنوات، وخلال هذه الفترة "شهدنا ارتفاعاً كبيراً في تكاليف البناء وأسعار المواد العقارية، ليس في قطر فقط، بل في العالم بأسره".
لكن علي الشهواني؛ عضو المجلس البلدي السابق في قطر، يختلف معهما، موضحاً أن قيمة القرض الحالية تكفي لبناء منزل جيد مكوّن من 4 أو 5 غرف بناء، بحسب ما أجراه بنك التنمية من دراسات، اطلع عليها أثناء عضويته في المجلس البلدي، مشيراً إلى أن شكاوى المواطنين أثارت النقاش بين المجلس وبنك قطر للتنمية أكثر من مرة، بسبب ارتفاع تكاليف البناء، لكن البنك قدّم نتائج دراسات أجراها على الكثير من الحالات ووصل إلى نتيجة مفادها أن 800 ألف ريال (219 ألف دولار) كانت كافية لبناء منزل جاهز للسكن.
وينتقد الشهواني ما سماه مبالغة بعض الأهالي في تطلعاتهم، إذ لا يحتاج الشاب والفتاة المقبلان على الزواج إلى أكثر من بيت بـ 4 غرف، لكن الأهالي يسعون للمزيد، ووصف ذلك بـ"الإنفاق دون فائدة، لعدم استخدام كل هذه المساحة"، وهو ما رفضته آمنة الكواري قائلة إنها تسعى لبناء فيلا صغيرة مكوّنة من 5 غرف و"بنتهاوس"، لاستضافة نجلها بعد زواجه.
لكن سالم يرد على الشهواني بأن أسعار مواد البناء زادت بنسبة 20%، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، إذ إن طن الحديد ارتفع من 2110 ريالات (580 دولاراً) في عام 2018 إلى نحو 2700 ريال (742 دولاراً) في عام 2023، وارتفع سعر كيس الإسمنت وزن 50 كيلوغراماً في نفس الفترة من 11.5 ريالاً إلى 13.5 ريالاً (4 دولارات)، إلى جانب زيادة سعر المتر المكعب من الخرسانة من 260 ريالاً (71 دولاراً) في 2018 ليصل إلى 285 ريالاً (78 دولاراً).
ارتفاع أسعار مواد البناء جعلت قيمة قرض الإسكان غير كافية
كما أن سعر حمولة شاحنة من الرمل يتراوح بين 800 و850 ريالاً (234 دولاراً)، ووصل في فترات معينة إلى 1000 ريال (265 دولاراً)، وارتفع سعر متر التشطيب (متوسط الجودة) خلال الفترة ذاتها بمقدار 200 ريال (55 دولاراً).
ورغم توقف العمل في تلك المنازل لسنوات، إلا أنه لا توجد إجراءات متخذة من قبل وزارة البلدية أو المجلس البلدي لمتابعة وضعها، وفق الشهواني الذي نفى لـ"العربي الجديد" وجود أي مدة محددة لإنهاء بناء البيت، ويكتفي بنك قطر للتنمية بتقديم إرشادات للمنتفعين عبر الموقع الإلكتروني، ويأتي على رأسها الحرص على الاتفاق مع المقاول لوضع جدول زمني يوضح كل مراحل المشروع وتاريخ استلامه، والتدقيق في العقود التي يتم توقيعها. إلا أن الكواري ترى ذلك غير كافٍ، وتأمل أن تشكل وزارة الإسكان وبنك التنمية لجنة مستقلة تضم مستشارين ومهندسين تحدد قيمة القرض بناءً على أسعار السوق، وتراقب المقاولين وتضع نماذج للمنازل يختار منها العميل ما يناسبه.