يكشف تحليل شبهات الملف السري الذي تصدر دولة الاحتلال بموجبه أوامر اعتقال إداري بحق الأسرى، عن زيف منظومة العدالة الإسرائيلية، بينما سبق أن وصف مناحيم بيغن ما جرى في الأمر ذاته بحق يهود متشددين بـ "القانون النازي".
- فوجئ الأسير جهاد نجم، من مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، بإصدار جيش الاحتلال الإسرائيلي أمر اعتقال إداري بحقه، يوم الإفراج عنه في 15 مارس/ آذار 2023، بعد قضائه 4 سنوات في سجون الاحتلال، ليجدد اعتقاله 4 شهور أخرى من المفترض أن تنتهي في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، كما تقول والدته رابعة لـ"العربي الجديد".
ويتضح من جلسات محكمتي التثبيت والاستئناف الخاصة بالأسير نجم، والتي اطلع عليها معدّ التحقيق، أن تحويله للاعتقال الإداري جاء بناء على "ملف سري" كما يصفه الاحتلال، وتضمن شبهات بالمشاركة في فعاليات جماهيرية لصالح تنظيم معاد خلال عام 2023، وهو أمر غير منطقي في حالة أسير داخل السجن، كما يقول مسؤول متابعة ملفات الاعتقال الإداري في هيئة شؤون الأسرى (حكومية) المحامي محمود الحلبي.
زيف شبهات الملف السري
تكشف مداولة جلسة الاستئناف التي أجريت في 14 يوليو/تموز الماضي أن الشبهات الظاهرة الموجهة إلى نجم لم تكن هي السبب الحقيقي لاعتقاله، فقد اعترف القاضي بأن إصدار قرار الاعتقال الإداري كان بعد مقابلة الأسير المذكور مع ضابط الشاباك (الاستخبارات الداخلية) قبل الإفراج عنه بأسبوع، إذ تفوهّ فيها بعبارات "متطرفة"، وأعرب عن نيته الاستشهاد.
ويوضح الأسير نجم، في مقابلة أجراها معدّ التحقيق معه وجاهيا داخل السجن، أن ضابط الشاباك أساء للشهداء خلال المقابلة، فردّ عليه بأنه من غير المقبول التعرض لهم، ولم يتطرق إطلاقا إلى نيته الاستشهاد أو القيام بعمليات ضد الاحتلال، فيما يتضح أنه بعد كشف السبب وراء إصدار أمر الاعتقال الإداري، لم يكن له علاقة بالشبهات المذكورة في جلسات المحاكمة على أنها جوهر الملف السري وتشكل أساس الدافع وراء أمر الاعتقال.
وفي حالة شبيهة، وجهت المحكمة العسكرية الإسرائيلية للمعتقل الإداري علاء نخلة، من مخيم الجلزون، شمال رام الله، شبهات بحيازة السلاح والعضوية في تنظيم معاد والتخطيط لعمليات عسكرية، وهي شبهات تصل عقوبتها لمدة خمس سنوات بحسب نظام العقوبات في مرسوم التعليمات الأمنية (الضفة الغربية) (رقم 1651)، ليفاجأ بصدور قرار بعدم تمديد اعتقاله الإداري والاكتفاء باعتقاله لشهرين.
ولم يتم التحقيق مع الأسير نخلة حول هذه الشبهات التي وردت في الملف السري، وإنما سئل عن استقباله لوالده عند تحرر الأخير من السجن في مايو/أيار الماضي، كما يوضح في مقابلة مع "العربي الجديد".
وفي سياق شبيه، وجهت النيابة العسكرية لمعد التحقيق شبهات بحيازة السلاح، رغم أن التحقيق معه لم يتطرق إلى ذلك، وهو ما تكشف عنه جلسة محاكمة تثبيت اعتقاله الإداري بتاريخ 21 مايو، وقد اعترفت نيابة الاحتلال أنه لم يحقق معه سوى عن عضوية في تنظيم معاد والتواصل مع مقاومين بدون تحديد غرض التواصل إن كان في الإطار الصحافي أم لا.
ويكشف مدير مركز بيت المقدس للأدب (جمعية أهلية) والأسير المحرر وليد الهودلي في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن الاحتلال اعتقله إداريا لمدة 20 شهرا بعد إصدار روايته "ستائر العتمة" عام 2003، وكانت النيابة العسكرية في كل جلسة توجه له شبهات تتعلق بنشاطات عسكرية وسياسية لصالح المقاومة الفلسطينية، بينما أوضح له ضابط الشاباك أن السبب الحقيقي هو "الرواية التحريضية" التي تسلط الضوء على بعض أساليب التحقيق.
ويضيف الهودلي أن بعض حالات الاعتقال الإداري تهدف إلى تحجيم الحضور العام للشخص، ثقافيا وجماهيريا، لكن مخابرات ونيابة الاحتلال تلجأ للملف السري كأداة مرنة تستطيع من خلالها توجيه شبهات غير حقيقية للمعتقل بهدف شرعنة أمر اعتقاله الإداري.
إخفاء السبب الحقيقي للاعتقال
تستند الاعتقالات الإدارية في الضفة الغربية للمادة 285 من مرسوم التعليمات الأمنية (الضفة الغربية - رقم 1651) لسنة 2009، والتي تنص على أنه "إذا كانت لدى قائد قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة أو قائد عسكري مفوض من قبله أسباب معقولة بأن أمن المنطقة أو الجمهور يقتضي حبس شخص معين، يجوز له، بأمر موقع بخط يده، أن يأمر بالقبض على الشخص لمدة تحدد في الأمر، ولا تزيد على ستة أشهر.. وله صلاحيات أوامر اعتقال آخر بحقه".
بعض حالات الاعتقال الإداري تهدف إلى تحجيم الحضور العام للشخص
ويتذرع القضاة العسكريون بأن قرارهم بالإبقاء على سرية الملف يهدف لعدم الإضرار بأمن الجمهور استنادا للمادة 290 (ج) من المرسوم المشار إليه سابقا، فيما تشير ورقة تقدير موقف تحت عنوان "أسئلة وأجوبة حول أوامر الاعتقال والإبعاد الإداري" نشرتها "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" في ديسمبر/كانون الأول 2015، إلى أن المعتقل الإداري لا يخضع لإجراءات قانونية خلال عرضه على المحكمة العسكرية الإسرائيلية التي تتولى تثبيت أمر الاعتقال، بل لعملية "مراجعة قضائية"، يتم فيها إخفاء السبب الحقيقي للاعتقال تحت ذريعة سرية المواد، وهو ما يمنع أي فرصة حقيقية للدفاع، بينما تنص المادة 78 من اتفاقية جنيف بأنه "إذا رأت دولة الاحتلال لأسباب أمنية قهرية أن تتخذ تدابير أمنية إزاء أشخاص محميين، فلها على الأكثر أن تفرض عليهم إقامة إجبارية أو تعتقلهم، وتتخذ قرارات الإقامة الجبرية أو الاعتقال طبقاً لإجراءات قانونية تحددها دولة الاحتلال وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية. وتكفل هذه الإجراءات حق الأشخاص المعنيين في الاستئناف. ويبت بشأن هذا الاستئناف في أقرب وقت ممكن. وفي حال تأييد القرارات، يعاد النظر فيها بصفة دورية، وإذا أمكن كل ستة شهور، بواسطة جهاز مختص تشكله الدولة المذكورة".
ولا تتقيد سلطات الاحتلال بالضوابط والمعايير التي اشترطها القانون الدولي الإنساني في حالات الاعتقال الإداري، والمتعلقة بحقوق المعتقلين الإداريين؛ إذ لا يستطيع المعتقل أو محاميه معرفة سبب الاعتقال أو الاطلاع على الملف السري وما ينسب إليه من تهم أو أدلة، وهو ما يحرمه من الدفاع الفعال، والجهة التي تنظر في أوامر الاعتقال هي محكمة عسكرية مكونة من قاض عسكري واحد، وليس لجنة إدارية كما هو مشروط في القانون الدولي، بحسب الخبيرة في القانون الدولي والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية الفلسطينية ليما بسطامي.
وناقشت المحاكم العسكرية 2016 أمر اعتقال إداري (إصدار أو تجديد)، ثبتت منها 1855، وقصرت فترة 141، وأبطلت 20 فقط، بحسب إحصائيات نشرها جيش الاحتلال عام 2022، ويمكن الاستئناف على قرار قاضي تثبيت أمر الاعتقال الإداري أمام محكمة الاستئناف العسكرية، ويمكن للمعتقلين الذين استنفدوا الإجراءات في قضيتهم لدى النظام العسكري الاستئناف أمام المحكمة العليا، لكن الأمر لا يختلف كثيرا، كما يقول مسؤول ملف الاعتقال الإداري في هيئة شؤون الأسرى المحامي الحلبي، فالمحكمة العليا أيضا تعتمد الملف السري المقدم من المخابرات كأساس للاعتقال غير القابل للمراجعة، وهو ما تؤكده دراسة صادرة في عام 2012 تحت عنوان "رفع حجاب السرية: المراجعة القضائية للاعتقالات الإدارية في المحكمة العليا الإسرائيلية" نشرتها مجلة القانون التابعة لجامعة فاندربيلت (جامعة بحثية أميركية)، تكشف فيها أن المحكمة لم تبطل أي قرار اعتقال إداري من أصل 322 قرارا نظرت فيها بين عامي 2000 و2010.
توسع في سياسة الاعتقال الإداري
في نهاية يونيو/حزيران الماضي بلغ عدد المعتقلين الإداريين على أساس الملف السري 1083 معتقلا، مقارنة بـ650، و540، و365 معتقلا في الشهر ذاته بأعوام 2022 و2021 و2020 على التوالي، بحسب إحصائية نشرها مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي)، وتكمن المفارقة في أن الاعتقال على أساس ملف سري، دون توجيه تهمة، سبق أن وصفه مناحيم بيغن في 21 مايو 1951 بـ"القانون النازي" خلال تعقيبه على إصدار أوامر اعتقال إداري بحق مجموعة يهودية حريدية نادت بتطبيق التوراة، وإقامة دولة على أساس الدين اليهودي، واستخدمت السلاح لتحقيق أهدافها ضمن مجريات الجلسة 254 للكنيست، بينما خلال فترة رئاسته لمجلس وزراء الاحتلال وافق على توسيع صلاحيات الجيش في تطبيق الاعتقال الإداري على الفلسطينيين ضمن ما يعرف بصلاحيات قانون الطوارئ 1979، وهو ما يخالف القانون الدولي، باعتبار أن الأمر جريمة ضد الإنسانية؛ كون هذه السياسة تمثل شكلا من أشكال السجن التي تخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، وتمارس ضمن إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي موجه ضد مجموعة من الفلسطينيين المدنيين، أي يكون الحديث هنا عن جريمة تم ويتم ارتكابها على المستوى الجماعي، كما توضح بسطامي.
1083 معتقلاً إدارياً في نهاية يونيو الماضي بموجب الملف السري
وفي المسار الثاني، يمكن تكييفها أيضا باعتبارها جريمة حرب؛ كونها تمثل شكلا من أشكال الإبعاد والنقل غير المشروعين والحبس غير المشروع، وكذلك شكلا من أشكال التعمد في حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية، وبالتالي، نكون أمام جريمة تم ارتكابها على المستوى الفردي، أي يمكن الملاحقة والمساءلة بموجبها حتى لو تم ارتكابها بحق أي فرد أو عدة أفراد وليس بالضرورة ضد جماعة أو جماعات، كما هي الحالة في الجرائم ضد الإنسانية، طالما تم ارتكاب جريمة الحرب هذه في سياق نزاع دولي مسلح، وضمن سياسة عامة، وفق إفادة بسطامي. ويؤكد أحمد الديك، مستشار وزير الخارجية الفلسطيني، أن القضية طرحت على مستوى مجلس الأمن الدولي، وخلال لقاءات رسمية مع رئيس الهيئة الدولية للصليب الأحمر، وصدرت العديد من البيانات في مجلس حقوق الإنسان بهذا الشأن لكن دولة الاحتلال تتجاهلها.