توقف الثلاثيني الكويتي أحمد محمد، والذي طلب تعريفه باسم مستعار حفاظا على خصوصيته، عن المشاركة في المراهنات الرياضية عبر الإنترنت بعدما خسر 100 ألف دولار أميركي، اقترضها من بنوك، وحصل على بعضها عبر بطاقات الائتمان، منذ بدأ في الأمر وحتى عام 2019.
يقول محمد لاعب كرة القدم سابقا، ومعلم التربية البدنية حاليا في إحدى المدارس المتوسطة، إنه بدأ في عام 2016 بالمراهنة على نتائج المباريات، بعدما شاهد أصدقاءه من الرياضيين ولاعبي كرة القدم وكرة اليد يراهنون بمبالغ متفاوتة القيمة على الدوريات العالمية، حسب ما يقول لـ"العربي الجديد".
وتجري المراهنات عبر مواقع إلكترونية رياضية عالمية، ومن أبرزها شركة بريطانية مُتخصصة في مجال ألعاب الكازينو عبر الإنترنت (يحتفظ "العربي الجديد" باسمها حرصاً على عدم الترويج لموقعها)، ويستخدمها خمسة من مصادر التحقيق، بسبب ما يصفونه بـ"موثوقية الموقع وسرعة دفع الأموال"، مؤكدين أن لاعبين يراهنون عبر ذلك الموقع، وهو ما يؤكده محمد جراغ، لاعب كرة القدم الكويتي السابق، قائلا لـ "العربي الجديد": "يراهن لاعبون في الدرجتين الأولى والثانية على مباريات في دوريات مختلفة"، ويتفق معه لاعب في المنتخب الكويتي (فضّل عدم الكشف عن اسمه منعا للإحراج)، قائلا لـ"العربي الجديد": "المراهنات الرياضية معروفة بين اللاعبين. بعضهم يجربها، وآخرون يدخلون باستمرار فيها".
تلاعب في النتائج
شارك أحمد محمد في مراهنات على مختلف دوريات كرة القدم، ابتداءً بالروسي وانتهاء بالبوليفي، حسب قوله، مضيفا: "كنت أخسر في بعض الأحيان وأربح في أحيان أخرى مبالغ صغيرة ما بين 100 و200 دولار، ومع ذلك كنت أشعر أن هناك أمراً مخفياً عني من الأصدقاء، لأنهم كانوا يربحون مبالغ مهولة نهاية كل أسبوع، إذ كان بعضهم يربح 10 آلاف دولار".
وبعد طول تفكير وجد محمد الإجابة عند صديق يلعب كرة القدم في أحد أندية دوري الدرجة الثانية، ولاعب سابق في المنتخب الوطني الكويتي أخبره أن ربح مبالغ ضخمة في المراهنات يكون عبر اتفاقات بالتلاعب في أحداث داخل المباراة مثل ارتكاب عدد معين من الأخطاء، أو حصول لاعب معين على بطاقة صفراء أو حمراء في المباراة، وحصول الفريق على عدد معين من ضربات المرمى أو الركنيات.
وقدم لمحمد عرضا بأن يقوم هو بالمراهنة باسمه، لأنه يلعب حاليا ولا يريد أن تحوم حوله أي شبهات، مقابل أن يعطيه جانبا من الأرباح، مؤكدا أن الأمر نجح جزئيا وحقق ربحا من ورائه، حتى توقف.
ويؤكد لاعب دولي في المنتخب الكويتي (فضّل عدم الكشف خشية انتقادات زملائه) لـ"العربي الجديد" أن معرفة لاعب محدد داخل الملعب يعطي قيمة كبيرة للمراهنين، لأنه قادر على التلاعب بنتيجة المباراة أو عدد الركنيات وعدد البطاقات الحمراء، لكن الكابتن نواف الخالدي والذي كان قائد المنتخب الكويتي، وحارس مرماه الأسبق واعتزل عام 2017، يقول إن الأمر قد لا يفلح ويمكن أن يفشل في تغيير نتائج المباريات.
ويوضح الأمين العام للاتحاد الكويتي لكرة القدم، صلاح عيسى القناعي لـ"العربي الجديد" أن التلاعب بأحداث داخل المباريات مجرد أحاديث رياضية، قائلا: "في الحالة السابقة اتحاد كرة القدم لم يحصل على أدلة حقيقية تستدعي التحقيق".
وعقدت لجنة التحقيق التي ترأسها محمد خليل في 21 أغسطس/آب 2017 اجتماعاً مع ممثلي بنك الكويت المركزي، لبحث دخول الأموال من حسابات المواقع المتخصصة بالمراهنات إلى حسابات بعض اللاعبين أو وكلائهم، لكن اللجنة اختفت، ولم تعلن عن تقريرها أو حلّ نفسها، وفق مصدر في الاتحاد، وللاستفسار عن وضع لجنة التحقيق، تواصل معد التحقيق مع الأمين العام السابق للاتحاد الكويتي، الدكتور محمد خليل، والذي كان رئيساً للجنة التحقيق، فرفض الرد، لكن القناعي أوضح أن: "اللجنة أنهت أعمالها قبل مجيء الاتحاد الحالي وليس هناك محاضر للاجتماعات التي عُقدت في اللجنة ولا تقرير نهائياً لها".
كيف يتم تحويل الأموال؟
عقب موافقة محمد على عرض صديقه، توجها معا إلى أحد البنوك وسط الكويت، وفتح حساباً بنكياً واستخرج بطاقة دفع "فيزا" وربطها بالموقع البريطاني، حسب ما يقول.
وللتحقق من إمكانية فتح حساب بنكي واستخراج بطاقة ائتمانية وربطها بموقع المراهنات، تواصل معد التحقيق مع 8 بنوك محلية، على اعتبار أنه عميل يريد فتح حساب بنكي، والحصول على بطاقة "فيزا" وسأل حول إمكانية ربطها بالموقع المذكور، ووافقت 5 بنوك، بينما رفضت 3 بنوك، مؤكدة أن بنك الكويت المركزي أصدر تعميما بعدم التعامل مع مواقع المراهنات، وتجميد الحساب في حال حصول أي عملية من هذا القبيل.
لكن المصرفي محمد الملا والذي عمل في عدد من البنوك الكويتية، في منصب مدير فرع ومسؤول علاقات عامة، خلال الفترة من عام 2010 وحتى 2019، ينفي وجود تعميم صادر عن بنك الكويت المركزي ينص على إغلاق حسابات المراهنين، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الأموال التي تدخل الحسابات البنكية، ترسل باسم المدير التنفيذي للموقع أو باسم المحاسبين هناك على سبيل المثال، وهو إجراء لا يمكن للبنوك الطعن فيه، لكنه يقول: "إذا كانت الحوالة تتجاوز مبلغ 10 آلاف دينار كويتي (33 ألف دولار أميركي) فإن البنك سيستدعي المستفيد ويستفسر منه، وأغلب البنوك يمكنها أن تعلم بسهولة أن هذه الحوالات آتية من مواقع رهانات، لكنها غير مخولة بالتصرف".
ويؤكد الملا إمكانية إجراء عمليات تحويل من وإلى مواقع المراهنات العالمية، مستبعدا الأمر في حالة البنوك الإسلامية إذ تتابع بدقة الإجراءات والبطاقات الائتمانية، بسبب وجود لجنة شرعية تضبط الأمور المالية، وبالتالي تمنع أي معاملة مخالفة للشريعة الإسلامية.
وفي رد مكتوب لـ"العربي الجديد" من إدارة العلاقات العامة ببنك بيت التمويل الكويتي، أكد القائمون عليه أن سياسة البنك تمنع التعامل مع مواقع المراهنات والقمار بناء على توصية من هيئة الفتوى والرقابة الشرعية داخل البنك، إذ تتعارض هذه المعاملات مع ميثاق تأسيسه، كونه مصرفاً إسلامياً.
قصور قانوني
ترصد مصادر التحقيق بداية الحديث عن المراهنات الرياضية في عام 2010 بعد تعرف بعض الكويتيين على مواقعها، حتى إن بعضهم راهن على الدوري المحلي من خلالها، كما يقول نواف الخالدي والذي كان حارس مرمى المنتخب وقتها.
وزادت الظاهرة خلال فترة عقوبة الإيقاف التي اتخذها الاتحاد الدولي لكرة القدم ضد الاتحاد الكويتي (من 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وحتى 6 ديسمبر/كانون الأول 2017)، نتيجة تراجع ملف الرياضة وعدم فعالية لجنة الاتحاد، إضافة إلى حالة الملل الجماهيري، كما يرى الخالدي من خلال معايشته الواقع الرياضي، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن بعض من يعرفهم اندفعوا للمراهنات، نتيجة تراجع الاهتمام بالرياضة ومنافساتها محليا، فضلا عن انخفاض التفاعل الجماهيري بشكل عام، مضيفا أن بعض اللاعبين يفعلون ذلك بدافع الفضول وحب المغامرة وتعلقهم بكرة القدم ومتابعة نتائجها، إضافة إلى أن الرواتب المخصصة لهم من الاحتراف الجزئي لا تكفيهم بالمقارنة مع رواتب اللاعبين في دول الخليج الأخرى، إذ يمنح اللاعبون الأساسيون في الألعاب الجماعية 400 دينار كويتي (1327 دولارا أميركيا) شهرياً، لأن بعضهم موظف في جهة عمله صباحاً ويمارس لعبة كرة القدم من باب الاحتراف الجزئي، وإذا لوح اللاعب بالخروج من النادي يتم منحه دفعة مالية واحدة لا تتجاوز في أحسن الأحوال 30 ألف دينار كويتي (قرابة 100 ألف دولار)، بينما يبدأ الأجر الشهري للاعبين المحترفين السعوديين في أندية الدرجة الممتازة بـ 10800 ريال سعودي (2879 دولارا أميركيا) كحد أدنى، ولا يزيد على 150 ألف ريال (قرابة 40 ألف دولار أميركي) كحد أعلى شاملا بدل السكن والمواصلات، وفق لائحة الاحتراف وأوضاع اللاعبين الصادرة عن الاتحاد السعودي لكرة القدم.
وأدت تغريدة لحارس مرمى نادي القادسية الكويتي ومنتخب الكويت الوطني، خالد الرشيدي، على حسابه في موقع "تويتر" في إبريل/نيسان 2017 عقب الخسارة، إلى نقاش كبير، بعدما قال فيها: "منافسة غير شريفة وأتمنى فتح ملف موقع المراهنات العالمي (يتحفظ الموقع على اسمه) على الجميع".
وأحدثت التغريدة ضجة في الوسط الرياضي الكويتي، مما اضطر اللجنة الانتقالية (كانت تديره قبل انتخاب الاتحاد) إلى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام السابق لاتحاد كرة القدم، الدكتور محمد خليل، والتي استدعت اللاعب الرشيدي وحققت معه، ويعلق الرشيدي على تحقيق اللجنة معه بالقول: "أُفضل عدم فتح هذه الملفات"، ويستدرك لـ"العربي الجديد": "لم أكن أقصد مراهنة زملائي على الدوري الكويتي، بل المراهنة على الدوريات الأوروبية فقط".
وبسبب تصاعد الظاهرة واستهداف دعاية مواقع المقامرة للكويتيين، طالب النائب السابق في مجلس الأمة، عبد الرحمن الجيران، في يونيو/حزيران 2015 بأن يشمل قانون جرائم تقنية المعلومات تجريم المراهنات الإلكترونية المنتشرة بين الشباب والمواقع التي تدعو إلى زيارة الكازينوهات والمشاركة في القمار. "لكنّ المراهنات يمكن أن تعتبر بشكل عام ضمن دائرة القمار الذي منعه قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960"، وفق توضيح المحامي محمد الخالدي، والذي يقول إن المشرع عرّف القمار بأنه "كل لعبة يكون احتمال الكسب والخسارة فيها متوقفا على الحظ، لا على عوامل يمكن تعيينها والسيطرة عليها مقدما".
وتنص المادة 205 من قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 على أن "كل من قامر في محل عام يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسمائة روبية (عملة قديمة) أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا عاد إلى ارتكاب هذه الجريمة خلال سنة من تاريخ الحكم عليه، عوقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين".
"لكن القانون السابق لا يمكنه مواجهة المراهنات الإلكترونية لإن إثباتها صعب جداً، ما لم تتوفر أدلة على مكان الأموال وإتمام التآمر على الرهان، وهو أمر لا ينطبق على مواقع الإنترنت، مما يعني أنه لا يوجد نص رادع في هذه الحالات"، بحسب المحامي الخالدي لـ"العربي الجديد".