لم تتوقف عمليات الإرهابيين المعروفين أمنياً بـ"الذئاب المنفردة" في تونس، إذ كبدوا البلاد خسائر كبيرة في أرواح المواطنين والسياح، بينما ما تزال تلك التنظيمات قادرة على استقطاب عناصر سرعان ما يتحولون إلى آلات قتل
-يخشى كاتب الدولة السابق لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي، من ظاهرة استقطاب شبان تونسيين عبر عناصر متطرفة، تحولهم إلى ما يعرف أمنيا بـ"الذئاب المنفردة" وهم "فاعلون إرهابيون مستقلون ومعزولون ويمتلكون أيديولوجيا خاصة بهم" كما يعرفهم يعرف المستشار الأمني الفرنسي ألان بوير. ويجري استقطاب هؤلاء عبر عناصر متطرفة تستغل المساجد كما يقول الشلي، مشيرا إلى تنفيذ حملة في عام 2015، لإغلاق 80 مسجداً تسيّرها عناصر متطرفة، لكن الأمر استقر عند 24 فقط.
ويضرب الشلي مثالا بالعملية التي نفذها العشريني التونسي أيمن السعيدي، بالقرب من ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وسط مدينة المنستير في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2013، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن السعيدي نفذ تلك العملية بعد استقطابه في أحد مساجد منطقة زغوان شمال شرقي تونس، وتكرر الأمر مع الشقيقين أمين وأحمد قداس، اللذين كانا يترددان على مسجد في مدينة سوسة جنوب العاصمة قبل تنفيذهما عملية إرهابية مستهدفين عنصرين أمنيين تعرضا للدهس بشاحنة في 6 سبتمبر/أيلول الماضي ما أسفر عن مقتل أحدهما، وهو ما أكده والدهما في تصريح إعلامي عقب العملية، قائلا إنه حذر الإمام وشخصاً آخر يرتاد ذلك المسجد من استقطاب ابنيه، بعد أن لاحظ تغيرا في سلوكهما ونزوعهما نحو التطرف.
لكن الأمر لا يتوقف عند المساجد، إذ يجري استقطاب الذئاب المنفردة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حسب الشلي، والذي عمل في منصبه حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول 2015، مؤكدا ضرورة تبني الدولة خطابا مضادا من خلال إنشاء صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تخاطب الشباب وتبعدهم عن التطرف والمتطرفين، والتنسيق مع "فيسبوك" و"تويتر" لإغلاق حسابات التنظيمات الإرهابية التي تستقطب الشباب.
حصيلة كبيرة من ضحايا الذئاب المنفردة
منذ عام 2013 وحتى 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، نفذ 14 إرهابيا 10عمليات بطريقة الذئاب المنفردة في تونس، خلفت في مجملها 17 قتيلا من أعوان الأمن، و61 سائحا أجنبيا، بينما أصيب 45 سائحا و33 عون أمن، وفق المعطيات التي جمعتها معدة التحقيق من خلال بيانات وزارة الداخلية التونسية، والتي أكدت أن أغلب منفذي تلك العمليات، تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاما، يتوزعون على مناطق القيروان، المهدية، في الوسط، والقصرين في الوسط الغربي وتونس العاصمة، وسليانة، شمال غربي تونس.
ومعظم العمليات الإرهابية التي نفذت في الفترة الأخيرة تمت عبر الطعن بسلاح أبيض أو الدهس، وهي أدوات لا يمكن منعها، حسب ما يقول الدكتور علية العلاني أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والفنون الإنسانية بجامعة منوبة، ومؤلف كتاب الحركات الإسلامية في الوطن العربي (تونس نموذجاً)، مضيفا أن هذه الأساليب جعلت العمل الإرهابي أكثر رعبا، خاصة في أوروبا.
وتعتمد التنظيمات التي تجند الذئاب المنفردة في عملياتها على الاختراق والتوغل باستخدام أقل عدد من العناصر لتحقيق ضرر أكبر في هجوم واحد، حسب إفادة مازن الشريف كاتب عام ورئيس قسم الاستشراف بالمركز التونسي لدراسات الأمن الشامل (مستقل يعمل على إعداد دراسات حول الإرهاب)، مستدلا بالهجوم الانتحاري الذي نفذه محمد نسيم الزيدي (19 عاما)، من منطقة الكرم بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة، ولعقة خبيب (27 عاما) من سيدي داود في الضاحية الشمالية، قرب دورية أمنية بمحيط السفارة الأميركية في 6 مارس الماضي، ما أدى إلى قتل ضابط وإصابة 5 آخرين، بينهم مدني. وتابع الشريف أن قيادات القاعدة وداعش يستخدمون الذئاب المنفردة بعد عمليات استطلاع تقوم بها عناصر استخبارية.
تنامي ظاهرة استقطاب الشباب في المناطق الأكثر هشاشة
لماذا ينخرط شباب تونسيون في تنظيمات إرهابية؟ يحيب سامي براهم، الباحث في مركز الدراسات والبحوث في وحدة الإرهاب والتهريب التابعة لوزارة التعليم العالي، قائلا: "توجد عوامل مشتركة بين منفذي تلك العمليات، مثل الهشاشة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها الناس في مناطق القصرين، والقيروان، والكرم، وسليانة"، مضيفا أن الفئات المستهدفة للاستقطاب هم أشخاص مهمشون وجدوا من يكلفهم في ظل غياب الدولة، ومتدينون يائسون من الخيار الديمقراطي، وأشخاص لديهم نزعات للبطولة والقيادة، والمغامرة، ومساجين حق عام، ومنحرفون تائبون".
ويستغل الإرهابيون نقاط الضعف وحالة اليأس والفراغ التي يمر بها الشخص، فالشقيقان أمين وأحمد قداس منفذا عملية سوسة كانا ثريين ومن عائلة ميسورة، ولكن تم التركيز على الفراغ الروحي الذي يعيشانه، حسب ما يقول الشريف، مضيفا أن تحويل شخص عادي إلى إرهابي لا يحتاج إلى فترة طويلة حاليا، بعد أن كان يستغرق سنوات في السابق، إذ كان يتعين الذهاب إلى بؤر التوتر والتعرف على قائد المجموعة.
مفرخة التنظيمات
بدأت فكرة الذئاب المنفردة على يد طائفة الحشاشين المعروفين باسم الدعوة الجديدة، بحسب الشريف، والذي أضاف لـ"العربي الجديد": "عرف هؤلاء وقتها بالفدائيين، وقاموا باغتيال العديد من الشخصيات"، بينما ظهرت في المنطقة بشكل كبير بعد احتلال العراق عام 2003 مع ظهور وانتشار التنظيمات المتطرفة، وتنامت مع قوة داعش في العراق وسورية.
وعلى مستوى تونس برزت الظاهرة مع جماعة أنصار الشريعة (أنشأها سيف الله بن حسين بداية عام 2011)، وخلية "الموقعون بالدم" (كتيبة أسسها الجزائري خالد أبو العباس المعروف بـ "مختار بلمختار" عام 2012)، وشن هؤلاء هجمات إرهابية بنفس الطريقة محليا، بينما تبنى تنظيم يسمى المهدي الهجوم الذي حدث بنفس الطريقة على كنيسة نوتردام في مدينة نيس جنوب فرنسا في 29 أكتوبر الماضي، فضلا عن خلية أبو هاتون التي كانت تنشط في محافظات سوسة الساحلية والقصرين في الوسط الغربي وقابس في الجنوب الشرقي قبل إعلان وزارة الداخلية التونسية ضبط جميع أفرادها الخمسة في 22 يوليو/تموز الماضي، ومن أكثر التنظيمات الإرهابية نشاطا في تونس كتيبة عقبة بن نافع (وهي جماعة جهادية تتحصن بجبل الشعانبي في ولاية القصرين، وسط غرب تونس على الحدود التونسية الجزائرية منذ نهاية 2012)، وتضم عناصر من جنسيات مختلفة، حسب الدكتور العلاني، مشيرا إلى أن هذه الكتيبة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
هكذا يتم تحويل الشباب إلى إرهابيين
عبر مواقع التواصل يتم استهداف من يقع في براثن الإرهابيين كما يقول الشريف، موضحا أنهم يبدأون معه بأن حياتك بلا قيمة وعليك أن تدخل الجنة ولكن كيف ستلاقي الله؟ ثم ينتقلون إلى تكفير كل من حوله وصولا إلى العالم الذي يرونه مليئا بالكفر، مضيفا أن التنظيمات الإرهابية تركز على استقطاب الشباب ممن لا سوابق لهم، وغير معروفين لدى الأجهزة الأمنية، كونهم غير مراقبين، والأجهزة الأمنية منشغلة بمراقبة العناصر المسجلة لديها. فيظهر ذئب منفرد غير مصنف، ليرتكب مجزرة، كما حدث في العملية الإرهابية على متحف باردو التونسي في 18 مارس/آذار 2015، والتي خلفت 22 قتيلا و45 جريحا ونفذها العشريني جابر الخشناوي، والأربعيني مهدي اليحياوي، المنحدران من مدينة القصرين.
نجاح التنظيمات الإرهابية في مجال الاتصال، مكنها من استقطاب الجاهل والمتعلم، الفقير والميسور، حسب الدكتور سامي نصر أستاذ علم الاجتماع الإجرامي في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، مضيفا أن عملية الاستقطاب شبيهة بعملية التحايل، التي تعتمد على دراسة الشخص جيدا ومعرفة نقاط الضعف، وتحديد احتياجات كل فئة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مستشهدا بالثلاثينية منى قبلة، التي نفذت عملية انتحارية في شارع بورقيبة في العاصمة تونس، رغم أنها حاصلة على الماجستير في اللغة الإنكليزية.
ولفهم عملية الاستقطاب أكثر، يمكن وصفها بأنها تشبه طريقة تصميم الألعاب التي يدمن عليها الأطفال، وفق الدكتور نصر، الذي لاحظ أن الإرهابيين يدرسون احتياجات من يستقطبونهم ويعمدون نفسيا إلى توفير استجابة تجعلهم يسيطرون على ضحاياهم.
كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟
تمكنت الأجهزة الأمنية من إيقاف 1020 شخصا بتهمة الانتماء إلى تنظيمات إرهابية وإحالة 876 شخصا على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب (تابع للمحكمة الابتدائية ومختص في القضايا الإرهابية)، وإيداع 112 عنصرا السجن، وكشف 33 خلية تكفيرية، كانت تخطط لشن هجمات، فضلا عن تمكن وزارة الداخلية من القيام بـ 48 عملية استباقية مكنت من القضاء على 9 عناصر إرهابية منذ بداية 2020، وفق وزير الداخلية، توفيق شرف الدين خلال جلسة استماع له في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان في 16 نوفمبر /تشرين الثاني 2020.
إيقاف 1020 شخصاً بتهمة الانتماء إلى تنظيمات إرهابية في 2020
لكن الاعتماد على المواجهة الأمنية وحدها لن يقضي على الظاهرة، بحسب الشريف، والذي قال: "الإشكال سيستمر طالما عجزت الدولة عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي تعاني من التهميش، مؤكدا ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها في حماية الأسر التونسية والأفراد، لكنها غائبة رغم وجود حالات يشتكي أهلهم من تغيرهم نتيجة الاستقطاب".
ويستدعي التخلص من الإرهاب، إحكام الرقابة على الحدود ووضع الإمكانيات اللازمة لتفادي الاختراقات من خلال التواجد الأمني وتبادل المعلومات بين تونس والجزائر وليبيا، وفق ما يقول رفيق الشلي، مضيفا أنه لا بد من الحذر في ظل وجود عناصر إرهابية معروفة وأخرى لا نعرفها إلا بعد استهداف الآمنين.