التمييز في العمل بالسويد... تحايل أرباب العمل على محاولات إدماج المهاجرين

31 يناير 2022
عراقيل في مواجهة شكاوى التمييز في العمل (Getty)
+ الخط -

يتحايل أرباب عمل في السويد على محاولات إدماج المهاجرين والمولودين خارج البلاد في سوق العمل، رغم الدعم المالي الكبير المقدم لهم، إذ تقل فرص من يحملون أسماء أجنبية أو يرتدون ملابس لا تتفق مع آراء من يعرضون الوظائف.

-حاولت الحقوقية السورية، المقيمة في ستوكهولم نور عبد السلام، والتي تدير منظمة "معاً أقوى"، خلال عملها السابق في شركة توظيف، مساندة سيدة محجبة في الحصول على مقابلة عمل، لكن مالك العمل السويدي رفض توظيفها، قائلا: "من الأفضل أن تخلع حجابها، لأنه يشكل عائقا، إذ تمنع بيئة العمل المظاهر الدينية" على حد قوله.

التمييز في العمل بسبب الملابس أو الأسماء غير السويدية من أبرز المشاكل التي يواجهها المولودون خارج السويد، بخاصة الإناث، وفق مصادر التحقيق، وهو ما تؤكده نتائج دراسة أجراها معهد تقييم سياسة سوق العمل والتعليم IFAU عام 2018، بعنوان "الاسم السويدي أهم من الخبرة عند البحث عن عمل"، أثبتت نتائجها أن من يحملون أسماء عربية تلقوا إجابات أقل بكثير على طلبات التوظيف ممن يحملون أسماء سويدية، دون أن تلعب خبرة العمل السابقة دورا مهما في التفاعل مع الطلبات، إذ أرسل الفريق البحثي 10000 طلب وهمي لـ 3300 إعلان وظائف لا تشترط مؤهلات علمية عليا أو خبرة عمل سابقة نشرت على موقع خدمة التوظيف العامة التابع لوزارة العمل عام 2018. وكانت نسبة الاستجابة لطلبات المجموعة ذات الأسماء السويدية ممن أشاروا إلى أن لديهم تجربة عمل أو تدريبا سابقا 19.6%، مقارنة بـ 10.1 % للمجموعة ذات الأسماء العربية.

ولم يتغير الحال في الوقت الراهن، إذ أظهرت بيانات المركز الوطني للإحصاء خلال الربع الأول من عام 2021 أن البطالة بين المولودين في الخارج أكبر، و20% منهم عاطلون عن العمل، مقابل 4.6 % بين المولودين في السويد. وبلغ عدد السويديين المولودين في الخارج عام 2021 بحسب المركز الوطني للإحصاء، ما يقارب 2.046.731 شخصا. ما يعني أن أكثر من 19.7٪ من إجمالي السكان في السويد ولدوا في الخارج.

معاناة المهاجرات من التمييز

ترصد السورية رنا برغوث المقيمة في السويد منذ 2015 عبر عملها في شركة توظيف خاصة أن المولودين خارج السويد يتمتعون بفرص أقل من المولودين فيها للوصول إلى وظائف جيدة، بخاصة الإناث، مشيرة إلى أن أرباب العمل يمكنهم التقدم بطلبات للحصول على مساعدات مالية تشكل 70 أو 80% من قيمة الراتب لدى تشغيلهم موظفا أو موظفة من المولودين خارج السويد، أو الواصلين الجدد، وفق المعلومات المنشورة على الموقع الإلكتروني لخدمة التوظيف العامة في السويد التابع لوزارة العمل، لكن هذا، وفقا لبرغوث، شجع أصحاب العمل على توظيف المهاجرات لفترات محدودة، تنتهي مع فترة المساعدات المقدمة من مكتب العمل والتي قد تصل إلى ثلاث سنوات كحدّ أقصى.

وواجهت برغوث ذاتها إجراءات تمييزية خلال عملها السابق في شركة توظيف خاصة تتعلق بوجود فجوات في الأجور بين الموظفين استنادا إلى الأعراق، إذ لم تتجاوز قيمة الراتب الأولي، والذي حصلت عليه سيدات مهاجرات في الشهر الأول من العمل، 13615 كرونة (ما يوازي تقريبا 1500 دولار)، بينما يصل راتب نظيرتها السويدية في الشهر الأول من الوظيفة إلى 22692 كرونة (2500 دولار)، دون النظر إلى سلم الرواتب والأجور، حتى وإن تمتعن بنفس المهارات.

%20 من المولودين خارج السويد عاطلون عن العمل

أما المصرية خديجة العبد الله فلم تحظ حتى بفرصة واحدة لإجراء مقابلة عمل رغم الطلبات الكثيرة التي قدمتها منذ وصولها إلى السويد عام 2014، وانسحب الرفض على الوظائف التي لا تتطلب خبرات أو مؤهلات علمية (مثل أعمال التنظيف ورعاية كبار السن في منازلهم) وما زالت عاطلة عن العمل حتى الآن، واصفة الأمر بأنه "شعور غير مريح أن تكون مرفوضا بلا سبب"، ما جعلها تعتقد بأن الأمر قد يعود لحجابها واسمها.

وتذهب العبد الله شهريا إلى مكتب العمل في دائرة التوظيف الحكومي في ضاحية شارهولمن جنوب العاصمة، من أجل تقديم تقرير شهري إلزامي عن نشاط البحث عن عمل منذ وصولها إلى السويد كلاجئة وحصولها على حق الحماية البديلة بالإضافة إلى موافقة خطة التمكين والتي تتضمن تعلم اللغة السويدية ومساعدة اللاجئين الجدد على اكتساب المهارات اللازمة لدخول سوق العمل. لكن لا شيء تغير على وضعها حتى بعد استكمال متطلبات الخطة التي تروم دمج المهاجرين، كما زادت جائحة كورونا من المصاعب، إذ تحولت الاجتماعات مع الموظفين إلى المنصات الرقمية، واقتصرت المقابلات الشخصية على الحالات الخاصة جدا.

وتلمس السورية ميسون عبدالعزيز تعمدا واضحا من قبل إدارة الفندق الذي تعمل في مطعمه في مدينة غوتنبرغ غرب البلاد، لاستبعاد العاملات من أصول غير سويدية من المهام التي تتطلب أي احتكاك بالزوار، وتوكل لهنّ في الغالب وظائف مخفية في غرف غسيل الصحون أو غرف الغسيل والكوي، أما هي التي تعمل ضمن فريق الطهاة الأساسيين وتتولى إعداد الأطباق الأساسية الباردة في المطعم الرئيسي فلم يُدرج اسمها في قائمة الطهاة "لأسباب غير مفهومة" على حدّ قولها.

الوقائع السابقة تفسرها بيانات المركز الوطني للإحصاء خلال الربع الأول من عام 2021، والتي تكشف تفاوتا في نسب العاملين المولودين في السويد والمولودين خارجها ثم نالوا الجنسية السويدية، إذ بلغت نسبة من يعملون بين المولودين في السويد والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما 83.4%، بينما بلغ معدل العمالة بين النساء من مواليد السويد 81.7 %، وبين الرجال 85.0 %. في المقابل، بلغ معدل العمالة بين المولودين في الخارج 65.1 %، وتنخفض نسبة النساء العاملات من اللواتي ولدن خارج السويد إلى 58.9 %، وبين الرجال المولودين في الخارج 71.1 %.

الصورة
تحقيق السويد2

 

"تعامل غير مهني"

تظهر نتائج المسح الذي أجراه باحثون في مركز جامعة لينيوس الحكومية لدراسات التمييز والاندماج أثناء تنفيذ دراسة استقصائية في إبريل/نيسان عام 2016، بعنوان "من الأسهل الحصول على وظيفة إذا كان لديك اسم سويدي"، أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما يرون أن البطالة هي أكبر التحديات المجتمعية للمولودين خارج السويد، بسبب ضعف فرص استدعاء المولودين خارج السويد لإجراء مقابلة عمل.

وأثبتت هذ الدراسة ضعف فرص استدعاء المولودين خارج السويد ويحملون أسماء غير سويدية لإجراء مقابلات عمل، ما يزيد من نسب البطالة في صفوفهم، وذلك عبر  إرسال الفريق البحثي لـ 3000 طلب، نصفها بأسماء سويدية والنصف الآخر بأسماء من الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن بين هؤلاء، تم استدعاء 30٪ ممن يحملون أسماء سويدية لإجراء مقابلات عمل، في حين تم استدعاء 20٪ فقط من الطلبات التي تحمل أسماء أجنبية على الرغم من المؤهلات المتساوية.

وبناءً على ردود مديري الشركات ومديري التوظيف، التي وصلت إلى الباحث الرئيسي في الدراسة ماغنوس كارلسون، الأستاذ المشارك في الاقتصاد بجامعة لينيوس، والذي يجري أبحاثا حول التمييز في سوق العمل، فإن السويديين الأصليين أو المنحدرين من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، الذين لديهم شبكة معارف وعلاقات يستفيدون من التوظيف المستند إلى شبكة المعارف ولا يجدون صعوبة في دخول سوق العمل. ويرجع كارلسون هذه الممارسات التمييزية إلى "عدم تعامل أرباب العمل بمهنية".

يتجاهل أرباب العمل الطلبات التي تحمل أسماء غير سويدية

ما سبق يفسر ما مرت به السورية سارة جمال (اسم مستعار خوفا من خسارة العمل) والتي لجأت إلى السويد عام 2015، ولم تتمكن من نيل فرصة عمل تلائم مؤهلاتها العلمية كونها حاصلة على ماجيستير في القيادة الاستراتيجية من أجل الاستدامة MSLS، من معهد بليكينج للتكنولوجيا في السويد. إذ قدمت سلسلة من الطلبات لكن جميعها لم تؤخذ بعين الاعتبار وفقا لروايتها، مؤكدة أن استبعاد طلبها بسبب اسمها العربي وصورتها بالحجاب. وبعدما عملت بنصيحة أصدقائها المقيمين في السويد بالسعي لنيل عمل عبر المعارف تمكنت من إيجاد وظيفة في شركة سويدية متخصصة في خدمات الترجمة والإرشاد الاجتماعي والدعم للطلبة اللاجئين والمهاجرين، لكنها لا تشعر بالرضى عن عملها الذي لا يتفق مع مؤهلها ودراستها المتخصصة.

وتبين عبدالسلام، أن الباحثة عن عمل من المولودات خارج السويد حتى لو كانت متعلمة، فإنها تفتقر إلى المرجع الذي يمكن لصاحب العمل التواصل معه للحصول على المعلومات الكافية عنها، وهذا دفع الكثير من السيدات المهاجرات القادمات من الشرق الأوسط إلى ترك تخصصهن والقيام بأعمال أخرى.
 

معضلة إثبات الفعل التمييزي

بلغ عدد البلاغات المقدمة إلى أمين المظالم المعني بالتمييز (هيئة حكومية ذات ميزانية مستقلة) في السنوات الثلاث الأخيرة، 2579 بلاغا عن تمييز على أساس العرق، دون الإشارة إلى مجموعة إثنية معينة، و563 على أساس الانتماء الديني دون الإشارة إلى دين محدد، وكانت غالبية هذه التقارير مرتبطة بالحياة العملية بحسب الرد المكتوب على "العربي الجديد"، من الملحق الصحافي لدى أمين المظالم المعني بالتمييز، كلاس لوند ستيد.

ويتلقى أمين المظالم بشكل عام تقارير وشكاوى من النساء أكثر من الرجال، كما يوضح ستيد، لكن الفارق صغير بين الجنسين ولا يمكن معرفة ما إذا كان الشخص صاحب الشكوى قد ولد في الخارج أم في السويد. ويؤكد في الوقت نفسه، أن قلة قليلة ممن عانوا من تمييز ضدهم في العمل تقدم شكوى، مشيرا إلى أن دورهم تلقي الشكاوى المتعلقة بتمييز في العمل على أساس العرق، كون التمييز على أساس المظهر ليس أحد أسباب التمييز السبعة التي يغطيها قانون التمييز السويدي رقم (567:2008) لعام 2009 وهي الجنس، والدين، والعرق، والإعاقة، والعمر، والهوية الجنسانية للمتحولين جنسيا، بالإضافة إلى الميول الجنسية (المثلي ومزدوج الميول).

ويرجع المحامي السوري إيهاب عبد ربه الذي يعمل في مكتب المحاماة السويدي Din Advokat (محاميك الشخصي)، الإحجام عن الشكوى إلى أن القانون يطلب من الموظف إثبات الفعل التمييزي، مضيفا أن الترشيحات الشخصية، والمحسوبيات تلعب دورا مهما في التوظيف، كما يسمح للشخص المسؤول في العمل باستخدام أدوات وطرق ومبررات لا يمكن للمحكمة اعتبارها دليلا على حدوث تمييز، مثل استخدام عامل عدم إتقان اللغة السويدية، دون النظر إلى المهارات المطلوبة وكفاءة المتقدم للوظيفة.

يتوافق ما ذهب إليه عبد ربه مع ما جاء في تحقيق حكومي نفذه خبراء وقضاة عينتهم الحكومة بعنوان "حماية أفضل من التمييز"، منشور عام 2016 في قاعدة البيانات الحكومية المفتوحة، إذ يرى التحقيق وجود مشكلة في طلب محكمة العمل بإلزام الموظف بإثبات حدوث الفعل التمييزي بدلاً من أن يضطر صاحب العمل إلى إثبات أنه لم يحدث تمييز. وأن الشخص الذي يتعرض للتمييز لديه "واجب تقديم الأدلة".

شكاوى لا يحقق بها

خلص التحقيق الحكومي "حماية أفضل من التمييز"، إلى أن مكتب أمين المظالم لشؤون التمييز يجب أن يحقق في المزيد من الشكاوى والتقارير عما هو معمول به اليوم. إذ تَبين عبر مراجعة الدعاوى والأحكام القضائية المتعلقة بالتمييز العرقي لدى محكمة العمل (Arbetsdomstolen)، المكلفة بالفصل في المنازعات المتعلقة بقانون العمل، والنظر بدعاوى التمييز المرفوعة من قبل الأفراد منذ عام 2003 وحتى 2021، أن المحكمة لم تتعامل مع التمييز العرقي للأشخاص الذين لديهم بالفعل وظائف ولكن فقط الباحثين عن عمل الذين تعرضوا لتمييز في العمل على أساس عرقي، أو على أساس الدين أو غيره من المعتقدات.
 
ولم يُدن سوى صاحب عمل واحد في قضية واحدة لدى محكمة العمل، من أصل 832 شكوى مقدمة من قبل الأفراد خلال فترة الرصد، وتتعلق القضية التي أدين بها صاحب العمل بعامل من دولة غامبيا اُطلق عليه في الشركة ألقاب من بينها: "الأفريقي" و "اللقيط الأسود الكبير" و"الجمجمة السوداء".
 
ويوضح وكيل الدولة لشؤون التمييز، لارس أرينيوس، في رده المكتوب على "العربي الجديد" أنه لا تتاح لمكتب أمين المظالم لشؤون التمييز الفرصة للتحقيق في جميع التقارير والشكاوى التي يتم تلقيها أو تمثيل كل شخص تعرض للتمييز في عمله أمام المحكمة. مرجعا ذلك إلى ضعف الموارد المالية والبشرية المتخصصة للتعامل مع الشكاوى، والتحقق من مدى دقتها وأنها ليست كيدية. مضيفا أنه يسعى لزيادة عدد القضايا الإشرافية التي تنظر فيها دائرة العمليات في المحكمة، مؤكدا أنه في قانون التمييز السويدي، من الواضح جدا أن مسؤولية ضمان عدم حدوث التمييز في بيئة العمل تقع على عاتق أرباب العمل.

وتنتقد إيفا شومر، أستاذة علم اجتماع القانون بجامعة كريستيان ستاد جنوب السويد، عمل وكيل الدولة لشؤون التمييز  في التعامل مع تقارير وشكاوى التمييز، قائلة أن قضايا التمييز في الحياة العملية يجب أن يكون لها أمين مظالم خاص بها حتى يمكن تنفيذ العمل بطريقة منتظمة بخاصة أن التحقيق فيها يستغرق وقتا طويلا.