أفلام الحركة المصرية... أبطال من ورق

16 اغسطس 2018
وصلت إيرادات "حرب كرموز" إلى 58 مليون جنيه مصري(يوتيوب)
+ الخط -
قبل أيام قليلة، وصلت إيرادات فيلم "حرب كرموز" لبيتر ميمي (تمثيل أمير كرارة) إلى 58 مليون جنيه مصري، محقِّقًا بذلك أعلى الإيرادات في تاريخ السينما المصرية، وكاسرًا ـ في أشهر قليلة ـ الرقم المسجّل باسم "الخلية" لطارق العريان (تمثيل أحمد عز)، وهو 57،2 مليون جنيه مصري. أما ثالثهما في لائحة أعلى الإيرادات فهو "هروب اضطراري" لأحمد خالد موسى (تمثيل أحمد السقا)، الذي حقّق 56 مليون جنيه مصري، في عيد الفطر عام 2017. 

ما الذي يجمع 3 أفلام حقّقت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما المصرية في عام واحد فقط؟ إنها كلها أفلام حركة، من بطولة نجوم شبّاك التذاكر مفتولي العضلات. أفلام تتسابق ـ مع فارق الجودة الدرامية والتنفيذ ـ في مَشاهد القفز وإطلاق الرصاص وحوادث السيارات، وتحتوي على نصّ ثانٍ مليء بمشاهد الحركة والتصادم في الفصل الأخير من كلّ فيلم، قبل الوصول إلى النهاية السعيدة. يُمكن إضافة أفلام عيد الفطر الماضي، المُصنَّفة أساسًا كوميدية أو رومانسية، كـ"ليلة هنا وسرور" لحسين المنباوي و"قلب أمه" لعمرو صلاح، وحتى فيلم الأطفال "الأبلة طم طم" لعلي إدريس.

يبدو الأمر غريبًا، نظرًا إلى أنه حتى وقت قريب (قبل 3 أعوام مثلاً)، لم تكن أفلام الحركة المصرية تثير اهتمام المصريين إلى هذا الحد. فالغالب لمدّة طويلة هو الأعمال الكوميدية، التي تبادل ممثّلوها الكوميديون المرتبة الأولى في الإيرادات منذ نهاية تسعينيات القرن الـ20، بدءًا من محمد هنيدي وعلاء ولي الدين، ثم محمد سعد، وصولاً إلى أحمد حلمي وأحمد مكي. وعندما تغيّر المشهد، كانت الأفلام ذات الطابع التشويقي، المنفّذة بجودة عالية، كـ"الفيل الأزرق" (2014) لمروان حامد و"ولاد رزق" (2015) لطارق العريان هي التي تُحقّق أعلى الإيرادات. كما أن لائحة الأفلام الأكثر تحقيقًا للإيرادات قبل عامين فقط لم تكن تتضمّن "فيلم حركة"، باستثناء "الجزيرة 2" (2014) لشريف عرفه. فما الذي تغيّر في المزاج المصري العام؟



لا توجد إجابة نهائية وشافية. لكن هناك أموراً عديدة يُمكن التوقّف عندها: من ناحية اجتماعية، هناك مزاج أعنف في مصر خلال الأعوام التالية للثورة، تحديدًا مع "انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013" وما تبعه من أحداث إرهابية، ورفع الدولة شعار "الحرب على الإرهاب". في تلك الفترة، أصبحت هناك حالة استنفار شعبي واستعداد مستمر للعنف، مصحوبة بضغوط وإحباطات اقتصادية لا تُحصى. لذا، فإن أفلام الحركة، التي تلعب على وتيرة البطل الشعبي بوضوح ـ كـ"حرب كرموز" وبطله ضابط مصري في صراع مع الاحتلال الإنكليزي في أربعينيات القرن الفائت، أو "الخلية" وبطله، هو أيضًا، ضابط يحاول تفكيك خلية إرهابية ـ تفرغ الشحنة المختلطة من الإحباط والغضب وطوارئ "حرب الإرهاب" المستمرة.
من ناحية سينمائية، فإنّ المصريين يحبّون أفلام الحركة منذ زمن بعيد، والأفلام الأجنبية الأكثر تحقيقًا للإيرادات تكون أفلام "أكشن" غالبًا، يمثّل فيها نجومٌ، كتوم كروز أو دْوَاين جونسون، وصولاً إلى أفلام "الأبطال الخارقين" في الأعوام الأخيرة. لكن الفرق بين الأفلام العربية والأجنبية كامنٌ في الجودة، إذْ إنّ ما يُقدّم هنا ساذج جدًا مقارنة مع هوليوود.
صحيح أن الفجوة لا تزال كبيرة. لكن، مع وجود جيل جديد من المخرجين يعتمد في اشتغاله على جودة تنفيذ مشاهد الحركة بشكل أساسي، وارتفاع ميزانية إنتاج الأفلام أيضًا، فإنّ المَشَاهد لم تعد تبدو ساذجة على الأقل، وبالتالي بات المشاهدون يميلون إليها أكثر، ما يجعل الرهان على "فيلم حركة" رابحًا أكثر من غيره حاليًا.
مشكلة هذا "الهوس" المتصاعد لصنّاع تلك الأفلام ولجمهورها في آن واحد كامنةٌ في أنه (الهوس) لا يتيح أي مجال لأفلام أو أفكار أخرى، أو على الأقل يجعل حظوظها في الإنتاج أقل كثيرًا. حتى في نوعية النجوم الموجودين في السينما المصرية اليوم، إذْ أصبحوا جميعهم يتسابقون على إبراز عضلاتهم، والتفنّن في تقديم مَشاهد "أكشن" متشابهة، وبالتالي لا مساحة لفيلم كوميدي أو رومانسي أو درامي، ولا مساحة أيضًا لنجم عادي الشكل لا يكون "خارق القوى".
المساهمون