طاعة زهير عبد الكريم

21 يناير 2019
(فيسبوك)
+ الخط -
انقسم الفنانون السوريون، ما بين مؤيد ومعارض، عندما اندلعت الثورة. وخلال السنوات الثماني الماضية، حاول معظم الفنانين أن يلتزموا بخطاب الجهة التي ينتمون إليها، فقلما تجد فناناً معارضاً يذكر شيئاً عن محاسن سورية في عهد الأسد، ونادراً ما تجد فناناً مؤيداً ينتقد حكومة بلاده؛ ولكن بعدما ساءت الأوضاع المعيشية في سورية في الأيام الأخيرة، وخلت منازل السوريين بالداخل من مستلزمات الحياة الأساسية، كالكهرباء والمحروقات، خرج بعض الفنانين الموالين عن صمتهم وشرعوا بانتقاد النظام الحاكم؛ وأشهر هؤلاء: شكران مرتجى وأيمن زيدان وإمارات رزق.

وخشيةً من أن تفهم هذه الانتقادات على أنها تحول في مواقف الفنانين سياسياً، حاول المنتقدون أن يصوغوا كلامهم الذي نشروه على مواقع التواصل الاجتماعي بقالب خاص، فجاءت الانتقادات على شكل رسائل موجهة للرئيس بشار الأسد، ليفترضوا بأن الرئيس لا يدري بالحال الذي وصلت إليها بلاده، تماشياً مع فكرة كانت سائدة قبل أعوام بالأوساط المؤيدة؛ أن الرئيس جيد ولكن المشكلة في من حوله، وأن أي خلل أو جريمة ترتكبها مؤسسات الدولة لا يحمل الرئيس وزرها. لكن ابتداء الرسائل بعبارة "سيدي الرئيس"، لم يخفف من حدة الانتقادات المتضمنة فيها، وعكس بالفعل رأي شريحة واسعة من الشارع السوري ومطالبهم بأساسيات الحياة اليومية.

إلا أن هذه الانتقادات، لم تَرُق شريحة أخرى من الفنانين الموالين، الذين اعتبروا أن هذه الرسائل تمسّ بهيبة الدولة، وبدؤوا يتهافتون في سباق إبراز الطاعة والولاء المطلق؛ وتفوق زهير عبد الكريم في هذا السباق، من خلال فيديو البث المباشر الذي نشره على فيسبوك، رداً على موجة الرسائل الناقدة الموجهة لرئيس النظام.

تتجاوز مدة الفيديو الذي نشره عبد الكريم ثماني دقائق، يظهر فيه وهو يرتدي قناع "الباكي"، ويؤدي بشكل انفعالي مُفتعل نصاً كتبه على أوراق يمسك بها. يتضمن النص مواعظ ودروساً بالـ"وطنية"، تحت عنوان "البيان رقم 1". وقد اختار عبد الكريم هذا الاسم ليقدم مشهداً معاكساً لمنشورات شكران مرتجى والآخرين؛ ففي حين استخدمت مرتجى لغة خطابية في افتتاحية رسالتها تنتمي للأوساط المؤيدة، فإن عبد الكريم يستخدم لغة خطابية بافتتاحية تنتمي لخطاب المعارضة، وذلك ليوضح أن المقدمات لا تعكس المحتوى بالضرورة، وأن الأمر الذي يجب أن يلتزم به الفنان هو الولاء المطلق، بعيداً عن المقدمات والألعاب اللغوية.

وعلى الرغم من أن أداء عبد الكريم لا يختلف طيلة المشهد، إلا أنه يتضمن مواقف وحكايات مختلفة، فهو يلعب تارةً دور الضحية، ضحية التمسّك بمواقفه السياسية! وتارةً يقوم بمهاجمة زملائه الفنانين ويخونهم بسبب ما يتداولونه من انتقادات، وتارةً يلعب دور الواعظ الذي يحاول أن يعيد المنتقدين للمسار الصحيح من خلال حديثه عن محاسن النظام، الذي لم يتخلف يوماً - برأيه - عن واجباته تجاه مواطنيه، ويشكره على أنه أعطى موظفي الدولة رواتبهم في الأعوام الماضية رغم أعباء الحرب! ويلعب تارةً دور الساخر، فيلقي نكاتاً دون أن يخلع قناعه "الباكي".

ينهي عبد الكريم المشهد بالعودة لخطاب الفنانين الذين ينتقدهم، فيتوجه بكلماته إلى "السيد الرئيس" ليشكره بدلاً من أن يعاتبه، فيشكره على أنه في أحد الأيام اهتم بمرض ابنته، وأرسل ضابطاً رفيع المستوى للاطمئنان إليها. لينتهي المشهد بحكاية مبتذلة أخرى تؤدى بنفس التباكي الزائف، ولا تضيف له سوى المزيد من التملق.

وفي الحقيقة، إن كل ما كتبه الفنانون الآخرون عن ضرورة مساندة الدولة في أزمتها، وعن أهمية عدم الاعتراض مهما ساءت الظروف، لا يمكن أن ينافس عبد الكريم في سباق التهافت على الطاعة؛ ويبقى المنافس الوحيد له، هو المشهد الذي قدمه عبد الكريم نفسه سنة 2015، عندما قام بزيارة بلدة المسطومة في ريف إدلب سنة 2015، وانحنى وقبّل الأحذية العسكرية لجنود الجيش المنتصرين بشكل مذلّ، تعبيراً عن ولائه المطلق لنظام الأسد.
دلالات
المساهمون