الدراما التركية والملاحم التاريخية

02 فبراير 2018
مسلسل "حريم السلطان" شوه صورة السلطان سليمان (فيسبوك)
+ الخط -
حضر الرئيس التركي، رجب طيب ‏أردوغان، ورئيس وزرائه، بن علي يلدريم، ‏العرض التعريفي للمسلسل التاريخي الملحمي "كوت ‏العمارة"، وأبديا إعجابهما به، وأثنيا على طاقم ‏العمل. وعلى إثر هذا الافتتاح، ‏بدأت القناة التركية الرسمية الأولى (TRT1) بعرض أولى حلقات المسلسل، يوم ‏الخميس 18 كانون الثاني/يناير 2018. ‏يروي المسلسل وقائع البطولات التي خاضتها القوات العثمانية مع العرب، ضد الجيش البريطاني، في الحرب العالمية الأولى، وفك الحصار عن مدينة الكوت العراقية. ‏"مهمتنا صعبة، ولكن أحلامنا كبيرة"، جملة يرددها قائد الطابور العثماني، ‏سليمان العسكري، ليصف لحلفائه ما هم مقبلون عليه من معارك، لاستعادة ‏الأراضي التي حاصرها العدو البريطاني.

وتعد معركة "كوت العمارة" من الملاحم التاريخية التي يحتفل الشعب التركي بذكراها السنوية، في 29 نيسان/إبريل من كل عام، لما ألحقته بالبريطانيين من هزيمة، وكانت ثاني أقسى هزيمة مُني بها البريطانيون بعد معركة "تشاناق قلعة".
وتعرض الحلقة الأولى من "كوت العمارة" تسارعاً للأحداث، رغم أن مدة الحلقة ساعتان وخمس وعشرون دقيقة، وتظهر الشخصيات الرئيسية في العمل، ومنها الشاب "محمد بن خسرف"، المتحمس لقتال الأعداء، وتحرير الأرض المغتصبة، و"نيل الشهادة في سبيل الله والوطن"، وهو يحلم بالانضمام إلى "الطابور العثماني" الذي يقاتل الإنكليز، فتلقي الأحداث الضوء على شخصية "محمد" بكل جوانبها، والتي يبدو أنها ستكون محورية. كما يظهر "مستر كوكس" الجاسوس الإنكليزي، الذي يحمل مهمة الإيقاع وبث الفتنة بين الأعراق، والطوائف المكونة للدولة العثمانية، بمساعدة مجموعة من الانفصاليين. ويحمل "كوكس" في نفسه حقداً كبيراً على القائد العثماني، "سليمان العسكري"، بسبب الانتصارات التي حققها في البلقان، ضد الأوروبيين.
لاقت الحلقة الأولى من مسلسل "كوت العمارة" نجاحاً جماهيرياً كبيراً، بعد عرضها على قناة "تي ري تي" الأولى، ومرد ذلك إلى الأداء المتميز للممثلين، واهتمام الإخراج والإنتاج بأدق التفاصيل الكفيلة بإنجاح العمل الدرامي، من أزياء، واختيار أماكن التصوير.
ويعتبر هذا العمل الملحمي الثاني للمنتج محمد بوزداغ، بعد مسلسل "قيامة أرطغرل" الذي أنتجه وكتب سيناريو حلقاته، والذي حقق نجاحاً كبيراً، أثناء عرض الجزء الرابع له، حيث وصل عدد حلقاته إلى 103. بدأ عرض الجزء الأول من مسلسل "قيامة أرطغرل" عام 2014، بعد انتهاء عرض مسلسل "حريم السلطان" أو "القرن العظيم"، الذي لقي استياءً حكومياً تركياً، بالرغم من نجاحه في العديد من الدول العربية، وتحقيقه نسب مشاهدة عالية، وذلك لأنهم يرون أن "حريم السلطان" أساء لشخصية السلطان العثماني سليمان القانوني، وأظهره على أنه زير نساء غارق في ملذاته وشهواته، ويعيش في جو مليء بالمكائد، وطالب البرلمان التركي وقتها بوقف عرض المسلسل، كما توجهت 70 ألف شكوى إلى الإذاعة والتلفزيون التركي لوقف عرضه، خاصة أن الجهة المنتجة هي إحدى التيارات المعارضة، والتي هي "بنظر الحكومة التركية" تحاول الإساءة للدولة والسلاطين العثمانيين، وإظهارهم على عكس الحقيقة، لتوجيه الرأي العام باتجاه توجهاتها العَلْمانية.
ولا يخفى على أحد أن مسلسل "حريم السلطان" استفاد من عوامل الجذب التي قدمها، من حيث التصوير المبهر، والموسيقى التي تنقل المشاهد إلى قصور السلاطين، والاستعانة بجميلات الدراما التركية، وجمال الأزياء المزركشة، فجاء المسلسل الملحمي "قيامة أرطغرل" ملبياً حاجة المشاهدين، لحكايات بطولات الأجداد، خاصة أن المسلسل تناول حياة "أرطغرل بن سليمان شاه" وهو والد "عثمان"، مؤسس الدولة العثمانية. ويروي المسلسل في أجزائه الثلاثة السابقة، وصولاً إلى الجزء الرابع الذي يعرض حالياً الأحداث التي سبقت تأسيس الدولة العثمانية، في القرن الثالث عشر، بين ولايتي حلب وأنطاكية.
ما يميز مسلسل "قيامة أرطغرل" أنه يتناول شخصية يتم الحديث عنها لأول مرة، في الدراما، خاصة أن المسلسلات، سواء التركية أو العربية التي تناولت فترة الحكم العثماني، لم تتطرق إلى تلك الحقبة، رغم أنها كانت مليئة بالأحداث المفصلية والملاحم البطولية التي كانت سبباً في وجود الدولة العثمانية، وانتشارها إلى أصقاع الأرض.
ويتناول المسلسل كيف هاجر "أرطغرل" مع قبيلته "قايي" من آسيا الصغرى باتجاه الحدود مع بيزنطة، هرباً من المغول الذين استغلوا ضعف الدولة العباسية آنذاك، وتحالفوا مع السلاجقة في حربهم ضد البيزنطيين، وأسس دولته في الأناضول التي انتشرت فيما بعد إلى البلقان، والمشرق العربي وشمالي أفريقيا.
كما يصور ما أحاط بالقائد "أرطغرل" من مكائد ودسائس، وتحالف أعدائه مع البيزنطيين ضده، بهدف النيل منه والحد من تقدمه، في خط درامي اعتمد فيه المؤلف على مخيلته، ولكنه بقي مواكباً للأحداث التاريخية الحقيقية.
لقي طاقم مسلسل "قيامة أرطغرل" تكريماً كبيراً من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وجّه كلمة إليهم قائلاً: "تابعوا طريقكم، هذا الشعب وضعكم في قلبه، الجائزة الشكلية التي يمكن أن تعطى ليست مهمة، المهم أنكم كسبتم قلوب هذا الشعب، هذه هي الجائزة والمكافأة الحقيقية".
وكانت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2015 سبباً في تغيير اسم المسلسل الملحمي ‏"خائن الوطن"‏ ليصبح "أنت وطني".
يسرد المسلسل الذي لعب دور البطولة فيه الفنان خالد أرجنتش، وزوجته الفنانة برجوزار كورزيل، قصة الزوجين المتحابين "جودت" و"عزيزة"، وحرب البلقان التي يشارك فيها "جودت" كضابط في الجيش التركي، ويأسره الجيش اليوناني، فيطلب منه أن يكون جاسوساً لهم، ضد وطنه تركيا ويوافق، وهو في حقيقة الأمر يقوم بالتجسس لصالح وطنه ضد اليونان، ولكنه لا يستطيع أن يفشي سره هذا حتى لأقرب الناس وأحبهم إلى قلبه، أي زوجته "عزيزة" التي تبدأ بالشك في تصرفاته. يتناول المسلسل شخصيات خيالية، وأخرى حقيقية، في خط درامي واحد، وتسلسل أحداث تاريخي حقيقي.
لم يقتصر تصوير الملاحم والبطولات على الدراما التلفزيونية، بل تناولتها السينما أيضاً، فكان فيلم "تشانكالي نهاية الطريق" الذي جسد الأخوة والتضحية التي سطرها مقاتلو الجيش العثماني، والتي نتج عنها انتصارهم على الإنكليز في المعركة الشهيرة "تشاناق قلعة".
يروي الفيلم الذي أنتج عام 2014، حكاية "محسن" الذي يتطوع في الجيش ليحمي أخاه الصغير "حسن"، والذي يصر على الذهاب إلى "تشاناق قلعة" لقتال الجيش البريطاني، بالرغم من عدم إتقانه حمل السلاح، فيذهب الأخوان للقتال ويقتلان معاً، بعد أن ينفّذا عملية بطولية في المعسكر البريطاني. كما تتخلل أحداث الفيلم الحربية، قصة حب تجمع "محسن" القناص الماهر، بالممرضة التي ينقذ حياتها في إحدى الغارات البريطانية. مدة الفيلم ساعة وأربعون دقيقة، وهو من بطولة الممثل التركي الشهير، جوركان أويجون، المعروف في البلدان العربية من خلال دور "ميماتي"، في مسلسل "وادي الذئاب".


وتعد ملحمة "تشاناق قلعة" من أهم الانتصارات التي يحتفل بها الشعب التركي، إلى يومنا هذا، لما لها من فضل في فك الحصار عن الأراضي التركية، والتي انتهت باستسلام الجيش البريطاني، وتراجعه، وتكبده خسائر ضخمة في الأرواح والعتاد.
وتتناقل وسائل إعلام تركية أنباء عن فيلم سينمائي جديد يتناول قصة الزعيم التركي، مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، ورشحت الشركة المنتجة الفنان، كيفانش تاتليتوغ، المعروف في البلدان العربية باسم "مهند" من خلال دوره في مسلسل "نور" للعب دور أتاتورك، وذلك للشبه بينهما، وأبدى النجم "كيفانش" سعادته لاختياره لأداء هذا الدور، وقال "فخر كبير لي أن أجسد دور أتاتورك"، ولكن لم يحدد بعد متى سيبدأ تصوير العمل، ولم يوقع العقد بعد.
دلالات
المساهمون