هكذا تطوّرت ألحان لبنان: من زكي ناصيف لزياد برجي

17 اغسطس 2015
زكي ناصيف في صورة من العام 2003 (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ ثلاثينيات القرن الماضي والأغنية اللبنانية تبني نفسها بنفسها. قاومت في سنوات الحرب اللبنانية لتحافظ على تكوينها من رجال ونساء صنعوا لها مجداً وانفتاحاً أخرجها من نفق الحصرية، وما زالت تتطوّر باللهجات العربية كلّها.

ماذا بقي من الألحان اللبنانية؟
سؤال يطرح نفسه بعد عقود طويلة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حين بدأت ترتسم صورة الأغنية اللبنانية التي لا تزال إلى اليوم واحدة من أبرز الأغنيات المشرقية في العالم العربي، إذ شكّلت الموسيقى في لبنان عصباً رئيساً في تشكيل الهوية الوطنية. وكان انفتاح هذه الأغنية على العرب عنصراً مؤثّراً في صياغة ماضيها ومستقبلها. الأغنيات التي كانت خجولة وقتها.
بداية كان زكي ناصيف "عرّاب" الأغنية اللبنانية في تلك الفترة، كان معجباً بالشيخ سلامة حجازي ويوسف المنيلاوي، والذي اعتبره معلّمه الأول، لما يملكه حجازي من صوت جميل ولتمكّنه من الألحان الشرقية.

محمد عبد الوهاب
لكنّ الأغنية اللبنانية وضعت حجرها الأوّل تأثّراً بالمصريين، فكان لمحمد عبد الوهاب التأثير الواسع على خطّ الفنّ العربي عموماً، من دون أن ننسى هنا تأثيرات سيّد درويش، وأم كلثوم في الغناء.

هكذا ومنذ أواسط خمسينيّات القرن العشرين بدأت دائرة الأغنية اللبنانية تنشط. وما يمكن أن يساعد على فهم تاريخ "الموسيقى اللبنانية"، القول إنّها خرجت من أوساط شعبية، في القرى ومن بين الفلاحين، وفي الوقت نفسه كانت منفتحة على العرب. وهنا كان دور زكي ناصيف من حيث الاطّلاع على عطاءات المدرسة الموسيقية المصرية واستيعابها، مع ملاحظة مهمّة هي أنّ زكي ناصيف حاول التفلّت من سطوة المصريين إلى تفرّد كان واضحاً في موسيقاه.

زكي ناصيف
وفي حال الأغنية المعاصرة وحال الأغنية التراثية أو الأصيلة أو التقليدية أو السابقة… التي قدّمت من أواخر القرن التاسع عشر، وتطوّرت وسادت في النصف الأول من القرن العشرين، هناك اختلاف حمله أشهر ملحّني لبنان في خمسينيّات وستينيّات القرن الماضي، من عاصي ومنصور الرحباني إلى فيلمون وهبي، والذين تابعوا مشوار زكي ناصيف وأسهموا في إنعاش أو فتح بوابة الأغنية اللبنانية على العالم. وبالطبع ساهمت معظم الأصوات التي خرجت في تلك العقود بإنعاش السوق الغنائي اللحني، إن صحّ القول، مع وديع الصافي وفيروز وصباح ونصري شمس الدين .

اقرأ أيضاً: "ودارت الأيام" والموسيقى التي أخافت أم كلثوم

الثمانينيّات
لم تشهد فترة الثمانينيات تطوّراً ملحوظاً بل اتّجهت الألحان إلى بعض المطربين الذين فهموا اللعبة وحاولوا تطويرها بعد العصر الذهبي للأخوين رحباني وفيلمون وهبي. مع ذلك كان إنتاج هؤلاء خجولاً، ونذكر من تلك الحقبة نور الملاح وعازار حبيب، وقلّة قليلة قصّرت مدّة الأغنية وزادت على إيقاعاتها. كذلك طرأت تعديلات على التوزيع الموسيقي للأغنية الشعبية أو القصيرة.

وحده ملحم بركات كان "الهارب" من هؤلاء فتأثّر بالألحان المصرية بقوّة وصاغ عدداً من الأغنيات اللبنانية مستعيناً باستعارات واضحة في معظم أعماله بتلك الفترة. بدا واضحاً أنّ تأثّر ملحم بركات الكبير كان بأسلوب موسيقار الجيل محمد عبد الوهاب فيما خرج عنه أبناء جيله من نور الملاح وعازار حبيب إلى الاختراع الإضافي للأغنية اللبنانية مع إيحاءات أقرب إلى اللحن الغربي.

التسعينيّات
لم يكن عصر التسعينيّات سوى عيّنة متطوّرة من جيل الثمانينيّات في الألحان. لمع نجم سمير صفير الذي احتكر لوقت طويل الألحان مع "ثورة" فناني برنامج "استديو الفنّ"، وهم عاصي الحلاني ونوال الزغبي ووائل كفوري وصولاً إلى رامي عياش وآخرهم نانسي عجرم. تلك الحقبة رسمت ربما ما وصلنا إليه اليوم، واستطاعت هي أيضاً الحكم على تبادل الخبرات في العالم فقصّرت الأغنية المصرية أكثر أيضاً وجاء جيل عمرو دياب بعد هاني شاكر متسلّحا بـ"تقصير" الأغنية إلى مدّة لا تتجاوز الدقائق الخمس.

تاه الملحنون اللبنانيون بعد دخولهم القرن الجديد، وسيطرت ثورة الفضائيات العربية على مشهد "الميديا" العربي عموماً.

ثورة خلطت الأوراق كثيراً في كلّ الاختصاصات المتفرّعة عن الإعلام العربي، في مشهد لم يخرج منه كثيرون إلى عالم الضوء في الموسيقى اللبنانية أو ضمن خريطة الألحان. أسماء معدودة فقط بقيت بعد اعتكاف اختياري لسمير صفير أو قلّة إنتاج تعمّدها صفير متّجهاً إلى النقد أكثر من التلحين. ثم جاء الشباب الذين استغلّوا الإعلام ليكرّسوا نجوميتهم.

اقرأ أيضاً: مواقع التواصل تهاجم سعيد طرابيك لزواجه من ثلاثينية 

جاءت محاولات مروان خوري جيّدة في تلك الفترة، فاختار عدداً لا بأس به من "نجوم" مرحلة التسعينيّات ليقف إلى جانبهم وأسهمت بعض أغنياته في نجاح جزء كبير منهم. لكنّ مروان خوري ظلّ تائهاً بين بحثه عن شهرة غنائية توازي قيمته التلحينية، وبين التلحين.

مروان خوري
لعب مروان خوري في المكان الصحيح "لحناً"، واستطاع أن يتقدّم بخطوات ثابتة جدّاً، كرستّه واحداً من أفضل أبناء جيله من الملحنين بعيداً عن شغفه بالغناء. وقد يكون الوحيد الذي رسم لبنانياً سكّة مختلفة لأغنية تاهت طوال سنوات سابقة ووجدها الجمهور "أنيقة" بأسلوب خوري.

وكانت محاولة أيضاً من زميله بلال الزين الذي خرج شاهراً سيف ألحانه مع أسماء كبيرة لها جمهورها في دنيا الأغنية اللبنانية. فقد ارتبط بلال الزين بالفنان المعتزل فضل شاكر، فذاع صيته بعدما قدّم له أفضل الألحان باللهجة اللبنانية. صعد نجم الزين الغنائي، وطلبت المطربة الكبيرة وردة الجزائرية أن يلحّن لها بعد سماعها أغنية الفنان فضل شاكر "وافترقنا" عام 2009. ولا يزال الزين واحداً من أفضل ملحّني لبنان.

زياد برجي
يكاد يكون زياد برجي أصغر ملحّن من ضمن هذه المجموعة. شاب دخل عالم الفنّ وتفوّق مطرباً بصوته، ثم توجّه إلى تلحين أبرز أغنيات السنوات العشر الأخيرة التي عرفت طريقها إلى النجاح. يؤكد برجي أنّ الألحان سكنته منذ الطفولة وتأثّر بالأخوين رحباني وفيلمون وهبي وزكي ناصيف وبليغ حمدي. جرّب حظّه قبل عشر سنوات، بدعم من المنتج المنفذ محمود موسى، والذي طلب أن ينتج له ألبوماً كاملاً من ألحانه، وكان النجاح حليفه.

اقرأ أيضاً: زياد برجي لـ"العربي الجديد": لا تفرّقوا بين اللهجات العربية
دلالات
المساهمون