منذ أيام، احتفل عادل إمام بعامه التاسع والسبعين. ومع انطلاق موسم الدراما الرمضانيَّة، غاب "الزعيم" كما تسميه الصحافة الفنية في مصر، عن السباق، رغم بدء تصوير مسلسل "فالنتينو". وقد سُرّبت معلومات عن منعه من الظهور بسبب خلاف مع المنتج تامر مرسي صاحب شركة "سينرجي"، التابعة لجهاز المخابرات العامة المصرية، والتي استغلها لمنع استكمال العمل، رغم موقف عادل إمام المؤيد للانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تمّوز عام 2013. وعبر عادل إمام عن غضبه من حال الدراما المصرية، في مداخلة مع المذيع وائل الإبراشي في برنامجه الذي كان يذاع على قناة "دريم".
ووصف إمام ما يحدث في الدراما بـ"الفاشية"، كتعقيب على اللجنة التي أمر بتشكيلها رئيس المجلس الأعلى للإعلام، مكرم محمد أحمد، وذلك لوضع "ضوابط" لإنتاج المسلسلات.
على مسرح جامعة القاهرة، تفجرت موهبة طالب كلية الزراعة، ابن حي السيدة زينب في محافظة القاهرة، مطلع ستينيات القرن الماضي، لتبدأ المسيرة، خطوة بخطوة وسنة تلو السنة، حتّى حصل على لقب "الزعيم". إذ شارك في عروض الفرق الجامعية، والتحق بفرقة التلفزيون المسرحية عام 1962، لما كان لا يزال طالباً في الجامعة. لفتَ إمام الأنظار إلى موهبته كممثل كوميدي. وتظل شخصية "دسوقي أفندي"، التي قدمها إمام مع المسرحي الراحل، فؤاد المهندس، في مسرحية "أنا وهو وهي" (1964)، ذات طابع خاص. إذْ أعلنت أنذاك عن ولادة نجم جديد في الكوميديا. وأصبحت جملة "بلد شهادات صحيح" التي رددها، عابرة للأزمنة، وتداولتها أجيال وراء أجيال بشكل دائم. وعن استعداده لتلك الشخصية يحكي عادل إمام: "رغم صغر مساحتها لكنها كانت فرصتي. بحثتُ عن بدلةٍ قديمة مخططة، وراقبت سلوك كتبة المحامين من خلال محكمة صغيرة كان اسمها "نور الظلام"، واختزنت ما رأيته في اللاوعي الخاص بي، وهذا شيء مهم للممثل، أي "الرؤية"، إضافة للموهبة، لأن هذا يساعد الممثل كثيراً على تفسير الشخصية والتعمق فيها".
من فيلم "حب في الزنزانة" سنة 1983 (يوتيوب)
توالت بعدها مشاركاته في حقبة الستينيات، لكنها كانت أدوارا ثانوية أو مساعدة. حتى بدأ الانطلاق في مرحلة السبعينيات، إذْ كسر بأدواره حاجز مواصفات الفتى الأول التي كانت حكراً على أصحاب الوسامة في السابق. وذلك من خلال مجموعة من الأفلام الخفيفة والكوميدية، مثل "البحث عن فضيحة" و"عنتر شايل سيفه"، و"البحث عن المتاعب"، وهي أفلام ضعيفة فنياً، وفقيرة درامياً، باستثناء فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"، وهو عن قصة حقيقية من كتاب "حوار خلف الأسوار" للكاتب الصحافي جلال الدين الحمامصي. إذْ هاجم الحمامصي حقبة جمال عبد الناصر من خلال رئيس جهاز المخابرات العامة في تلك الفترة، صلاح نصر.
اقــرأ أيضاً
انطلق إمام بعدها ليكون نجم الأفلام التجارية، إذْ مثّل شخصيّة البطل الشعبي المغوار الذي لا يخشى سلطة أو بطشاً، ويعتمد على ذراعه في الحصول على ما يعتقد أنها حقوقه المسلوبة. بهذه الشخصيَّة ظهر في أفلام "على باب الوزير" و"حنفي الأبهة" و"المولد". وأصبح إمام نموذجاً يحتذى بين شباب كثر، في ارتداء الجينز والحذاء الرياضي. في حقبة التسعينيات، حصل التعاون بينه وبين الكاتب وحيد حامد، والمخرج شريف عرفة في عدة أفلام مثل "الإرهاب والكباب" و"المنسي" و"طيور الظلام".
يعتبر عادل إمام صاحب أداء نمطي، سهل أن تتوقع ردات أفعاله في معظم المشاهد، رفعة الحاجب، فتح العينين إلى أقصى اتساعهما، وهو ما جعل صيده سهلاً من قبل فناني "المونولجست" باختلافهم في فقرات تقليد الفنانين. لكن هذا لا يمنع أن أداءه يتسم بالسلاسة، وخصوصاً نبرة الصوت التي يوظفها صعوداً وهبوطاً، والوجه القادر على البكاء بوجع من دون رفة رمش، إذْ إنَّ دموعه تنهمر بسهولة فوق قسماته، دون الحاجة لأن يقطب حاجبيه أو يتعصّر.
عادل إمام مع سمير غانم (فيسبوك)
قدم عادل إمام أداء استثنائياً في العديد من أفلامه، ليكشف عن موهبة أصيلة، تظهرُ إن وجد سيناريو مختلف، مثل أفلام "الغول" و"حتى لا يطير الدخان" و"المشبوه" و"حب في الزنزانة" و"الحريف". وهذا الأخير حصل عليه، بعد أن نشب خلاف بين أحمد زكي ومخرج العمل محمد خان، حول شكل شخصية "فارس" الخارجي. فأصبح الدور من نصيب عادل إمام. يذكر أن فيلم "الحريف" قد سقط عندما عُرِض لأول مرة، وتم رفعه من دور السينما سريعًا. وتزامن عرضه مع فيلم "رجب فوق صفيحٍ ساخن" لعادل إمام أيضًا، والذي نجح نجاحاً ساحقاً. لكن رغم سقوط "الحريف"، إلا أنَّ الفيلم نال إعجاب المشاهدين، عندما عرض على شاشات التلفاز، ولاقى استحساناً نقدياً في عدة مهرجانات شارك فيها، وحصل على جوائز. وأخيراً تم اختيار الفيلم ضمن قائمة أفضل مائة فيلم عربي حسب استفتاء النقاد والسينمائيين.
في عام 1984 ذهب عادل إمام بفيلمه "عندما يطير الدخان" عن رواية إحسان عبد القدوس وإخراج أحمد يحيى، إلى "مهرجان قرطاج السنيمائي" في تونس. وكان ينتظر الجائزة، وكل المؤشرات كانت تؤكد حصوله على جائزة المهرجان كأفضل ممثل. لكنها ذهبت إلى يحيى الفخراني عن بطولة فيلم "خرج ولم يعد" للمخرج محمد خان. وكان نور الشريف وقتها عضواً فى لجنة التحكيم، وانحاز نور فنياً لأداء الفخراني، وقال إنه الأحقّ. وغضب عادل وغادر المهرجان وهو مستاء، وظلت بقايا الغضب داخله، ولم يتصالحا فنيًا، إلا بعد 22 عاماً في فيلم "عمارة يعقوبيان".
جملة "اللي يحكمني أصقف له وأدعيله" التي جاءت على لسان عادل إمام في مسرحية "الزعيم"، تُعتبَر الجملة الأكثر تعبيراً عن مواقفه السياسية في الواقع. من "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، إلى "هو كل واحد لازم يجيب لنا إبنه بداله وهو ماشي"، يتقلب الفنان بين مواقف سياسية متناقضة، إما على لسانه في تصريحات صحافية، أو على لسان شخوصه الفنية.
اشتبكت أعمال عادل إمام كثيرًا مع السياسة، إذ هاجم جمال عبد الناصر بعد وفاته في فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس". وكان يوجّه سهام السخرية دومًا إلى رجال النظام دون التطرق إلى رأسه. ونال التيار الإسلامي الهجوم الأكبر في معظم أفلامه، كما ظهر في "الإرهاب والكباب" و"الإرهابي" و"طيور الظلام"؛ وهي التي رسخت صورة نمطية لأبناء تلك الجماعات. فهم مجموعة من حليقي الشوارب، مطلقي اللحى، انتهازيون وإرهابيون، ولا يعرفون غير طاعة أمير الجماعة.
عادل إمام ظاهرة تستحق الدراسة، فرغم ضعف السينما المصرية حالياً وقلة الإنتاج، ناهيك عن جودته، وبعد مسيرة فنية عبر أكثر من 150 عملاً، إلا إنه يظل نجماً جاذباً لشباك التذاكر لو عاد.
على مسرح جامعة القاهرة، تفجرت موهبة طالب كلية الزراعة، ابن حي السيدة زينب في محافظة القاهرة، مطلع ستينيات القرن الماضي، لتبدأ المسيرة، خطوة بخطوة وسنة تلو السنة، حتّى حصل على لقب "الزعيم". إذ شارك في عروض الفرق الجامعية، والتحق بفرقة التلفزيون المسرحية عام 1962، لما كان لا يزال طالباً في الجامعة. لفتَ إمام الأنظار إلى موهبته كممثل كوميدي. وتظل شخصية "دسوقي أفندي"، التي قدمها إمام مع المسرحي الراحل، فؤاد المهندس، في مسرحية "أنا وهو وهي" (1964)، ذات طابع خاص. إذْ أعلنت أنذاك عن ولادة نجم جديد في الكوميديا. وأصبحت جملة "بلد شهادات صحيح" التي رددها، عابرة للأزمنة، وتداولتها أجيال وراء أجيال بشكل دائم. وعن استعداده لتلك الشخصية يحكي عادل إمام: "رغم صغر مساحتها لكنها كانت فرصتي. بحثتُ عن بدلةٍ قديمة مخططة، وراقبت سلوك كتبة المحامين من خلال محكمة صغيرة كان اسمها "نور الظلام"، واختزنت ما رأيته في اللاوعي الخاص بي، وهذا شيء مهم للممثل، أي "الرؤية"، إضافة للموهبة، لأن هذا يساعد الممثل كثيراً على تفسير الشخصية والتعمق فيها".
من فيلم "حب في الزنزانة" سنة 1983 (يوتيوب)
توالت بعدها مشاركاته في حقبة الستينيات، لكنها كانت أدوارا ثانوية أو مساعدة. حتى بدأ الانطلاق في مرحلة السبعينيات، إذْ كسر بأدواره حاجز مواصفات الفتى الأول التي كانت حكراً على أصحاب الوسامة في السابق. وذلك من خلال مجموعة من الأفلام الخفيفة والكوميدية، مثل "البحث عن فضيحة" و"عنتر شايل سيفه"، و"البحث عن المتاعب"، وهي أفلام ضعيفة فنياً، وفقيرة درامياً، باستثناء فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"، وهو عن قصة حقيقية من كتاب "حوار خلف الأسوار" للكاتب الصحافي جلال الدين الحمامصي. إذْ هاجم الحمامصي حقبة جمال عبد الناصر من خلال رئيس جهاز المخابرات العامة في تلك الفترة، صلاح نصر.
انطلق إمام بعدها ليكون نجم الأفلام التجارية، إذْ مثّل شخصيّة البطل الشعبي المغوار الذي لا يخشى سلطة أو بطشاً، ويعتمد على ذراعه في الحصول على ما يعتقد أنها حقوقه المسلوبة. بهذه الشخصيَّة ظهر في أفلام "على باب الوزير" و"حنفي الأبهة" و"المولد". وأصبح إمام نموذجاً يحتذى بين شباب كثر، في ارتداء الجينز والحذاء الرياضي. في حقبة التسعينيات، حصل التعاون بينه وبين الكاتب وحيد حامد، والمخرج شريف عرفة في عدة أفلام مثل "الإرهاب والكباب" و"المنسي" و"طيور الظلام".
يعتبر عادل إمام صاحب أداء نمطي، سهل أن تتوقع ردات أفعاله في معظم المشاهد، رفعة الحاجب، فتح العينين إلى أقصى اتساعهما، وهو ما جعل صيده سهلاً من قبل فناني "المونولجست" باختلافهم في فقرات تقليد الفنانين. لكن هذا لا يمنع أن أداءه يتسم بالسلاسة، وخصوصاً نبرة الصوت التي يوظفها صعوداً وهبوطاً، والوجه القادر على البكاء بوجع من دون رفة رمش، إذْ إنَّ دموعه تنهمر بسهولة فوق قسماته، دون الحاجة لأن يقطب حاجبيه أو يتعصّر.
عادل إمام مع سمير غانم (فيسبوك)
قدم عادل إمام أداء استثنائياً في العديد من أفلامه، ليكشف عن موهبة أصيلة، تظهرُ إن وجد سيناريو مختلف، مثل أفلام "الغول" و"حتى لا يطير الدخان" و"المشبوه" و"حب في الزنزانة" و"الحريف". وهذا الأخير حصل عليه، بعد أن نشب خلاف بين أحمد زكي ومخرج العمل محمد خان، حول شكل شخصية "فارس" الخارجي. فأصبح الدور من نصيب عادل إمام. يذكر أن فيلم "الحريف" قد سقط عندما عُرِض لأول مرة، وتم رفعه من دور السينما سريعًا. وتزامن عرضه مع فيلم "رجب فوق صفيحٍ ساخن" لعادل إمام أيضًا، والذي نجح نجاحاً ساحقاً. لكن رغم سقوط "الحريف"، إلا أنَّ الفيلم نال إعجاب المشاهدين، عندما عرض على شاشات التلفاز، ولاقى استحساناً نقدياً في عدة مهرجانات شارك فيها، وحصل على جوائز. وأخيراً تم اختيار الفيلم ضمن قائمة أفضل مائة فيلم عربي حسب استفتاء النقاد والسينمائيين.
في عام 1984 ذهب عادل إمام بفيلمه "عندما يطير الدخان" عن رواية إحسان عبد القدوس وإخراج أحمد يحيى، إلى "مهرجان قرطاج السنيمائي" في تونس. وكان ينتظر الجائزة، وكل المؤشرات كانت تؤكد حصوله على جائزة المهرجان كأفضل ممثل. لكنها ذهبت إلى يحيى الفخراني عن بطولة فيلم "خرج ولم يعد" للمخرج محمد خان. وكان نور الشريف وقتها عضواً فى لجنة التحكيم، وانحاز نور فنياً لأداء الفخراني، وقال إنه الأحقّ. وغضب عادل وغادر المهرجان وهو مستاء، وظلت بقايا الغضب داخله، ولم يتصالحا فنيًا، إلا بعد 22 عاماً في فيلم "عمارة يعقوبيان".
جملة "اللي يحكمني أصقف له وأدعيله" التي جاءت على لسان عادل إمام في مسرحية "الزعيم"، تُعتبَر الجملة الأكثر تعبيراً عن مواقفه السياسية في الواقع. من "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، إلى "هو كل واحد لازم يجيب لنا إبنه بداله وهو ماشي"، يتقلب الفنان بين مواقف سياسية متناقضة، إما على لسانه في تصريحات صحافية، أو على لسان شخوصه الفنية.
اشتبكت أعمال عادل إمام كثيرًا مع السياسة، إذ هاجم جمال عبد الناصر بعد وفاته في فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس". وكان يوجّه سهام السخرية دومًا إلى رجال النظام دون التطرق إلى رأسه. ونال التيار الإسلامي الهجوم الأكبر في معظم أفلامه، كما ظهر في "الإرهاب والكباب" و"الإرهابي" و"طيور الظلام"؛ وهي التي رسخت صورة نمطية لأبناء تلك الجماعات. فهم مجموعة من حليقي الشوارب، مطلقي اللحى، انتهازيون وإرهابيون، ولا يعرفون غير طاعة أمير الجماعة.
عادل إمام ظاهرة تستحق الدراسة، فرغم ضعف السينما المصرية حالياً وقلة الإنتاج، ناهيك عن جودته، وبعد مسيرة فنية عبر أكثر من 150 عملاً، إلا إنه يظل نجماً جاذباً لشباك التذاكر لو عاد.