"حنطور" إسكندرية

29 ديسمبر 2014
الحناطير من وسيلة نقل إلى رحلة للمتعة والتنزه
+ الخط -
يعتبر "الحنطور"، وهو العربة التي تجرها ‏الجياد وتتبختر على شواطئ وشوارع الإسكندرية، أحد أهم وسائل الترفيه وأبرز طقوس زيارة المدينة الساحلية على مدار العام؛ ليس للسياح فقط ولكن لأبناء البلد الذين يستخدمونها أيضاً كوسيلة مواصلات مريحة وفي زفاف العرائس.
وتنتشر الحناطير بشكل كبير في مختلف مناطق الإسكندرية، وخصوصاً السياحية منها، وإن كانت لهم تجمعات معروفة في محطة الرمل ومنطقة بحري على كورنيش المدينة حيث تعمل أسر بكاملها في هذه المهنة، ويتكسبون منها. كما يحرص أصحابها على تزيينها بالألوان والرسومات الزاهية، وإضافة لمسات جمالية تجعلها أكثر جذباً ومتعة للمصريين والأجانب من محبي التراث والزمن الجميل لمشاهدة شوارع المدينة وآثارها، في نزهة فريدة تخطف أبصار الجميع وتبقى آثارها ممتدة.
وفي الفترة الأخيرة يشتكي أبناء المهنة من حالة الكساد وضيق ذات اليد نتيجة تراجع حركة السياحة وتعنت السلطات المحلية في منحهم التراخيص اللازمة، بحجة عدم التزامهم بالتسعيرة والإخلال بالنظافة العامة وقوانين المرور.
ويتم تصنيف الحنطور من وسائل النقل البطيئة التي يجب أن تحصل على تراخيص لمزاولة نشاطها بعد استيفاء بعض الشروط والاختبارات والفحوصات للمركبة والسائق والحصان، للسماح لها بالسير في بعض شوارع وطرقات المدينة.
ويقول إبراهيم السيد، وهو من أقدم سائقي الحنطور في الإسكندرية: "أعمل في هذه المهنة بعد أن ورثتها عن أجدادي من عشرات السنين، فهي مصدر رزق لي ولكثير من الأسر من أصحاب الحناطير على مستوى المحافظة، وبعد أن كانت وسيلة المواصلات المتعارف عليها بين المواطنين، تحولت في الفترة الأخيرة من وسيلة للتنقل إلى فرصة للمتعة والتنزه".
وأضاف: "فئات كثيرة تحرص على ركوب الحنطور، سواء من الأجانب والسياح الذين يفضلون استخدامه في التجول بين شوارع المدينة والمناطق السياحية، كما يستخدمه المصريون من أصحاب المزاج الخاص ومحبي الزمن الجميل كأحد وسائل النقل والمواصلات، وفي أحيان كثيرة في الاستمتاع برحلة مميزة على شاطئ الكورنيش أو في زفاف العرائس كذكرى وخروج عن المألوف".
المناسبات والأعياد موسم لأصحاب الحناطير وأقرانهم من أبناء المهنة، كما يقول خميس محمود (67 سنة)، إلا أن الحالة الأمنية والاضطرابات السياسية خلال الأعوام الماضية أدت إلى إحجام وتقلص أعداد السائحين، وهو ما أثر بشكل كبير على أعمالهم وأنشطتهم على مدار العام وأصبح العديد منهم لا يملك قوت يومه، ويكاد يكفي طعام حصانه الذي يمثل بالنسبة له مصدر رزقه.
شكوى خميس محمود لم تقف عند تدهور الحالة الاقتصادية وقلة عدد الزبائن، ولكنها امتدت إلى ما وصفه من تعنت الأجهزة المحلية مع أصحاب الحناطير، قائلاً "ظلم الحكومة لنا كما هو قبل الثورة سواء بمصادرة العربات والحصان، أو بتحصيل غرامات باهظة نقوم بدفعها بدلاً من الحبس". وأكد عدم قدرته على العمل في مهنة أخرى بعد أن ورثها عن آبائه، وكل يوم يخرج من منزله أملاً في أن يحصل على ما يستره ويساعده في استكمال تعليم أبنائه الأربعة، فحاله كمثل غيره ليس له معاش، وحتى النقابة التي تجمعهم تم غلقها منذ سنوات.
ورفض حسين سعد، أحد سائقي الحنطور، الاتهام الموجه لأصحاب العربات بعدم الالتزام بقوانين المرور والنظافة العامة أو المغالاة في الأسعار التي تختلف حسب الرحلة. مؤكداً على وجود عادات وتقاليد تنظم أعمالهم وعلاقاتهم مع الركاب ولا توجد شكوى من أحد ضدهم، ولا يُعكر صفوهم سوى حملات المطاردة التي تشنها شرطة المرافق عليهم، وإجبار السائحين على النزول منها ومصادرتها، على الرغم من حصولهم على تراخيص بمزاولة المهنة من السلطات، على حسب تعبيره.
وأشار محمد عباس إلى تنوع أشكال الحناطير منذ بداية نشأتها في الثلاثينيات حتى الآن، حسب المواد المستخدمة في تصنيعها التي غالباً ما تكون من الجلد الفاخر والنحاس، ما يسهم بتوفير سبل الراحة والمتعة للزبون بخلاف المصابيح والأجراس التي تميزها وتخطف أبصار كل من يشاهدها، خاصة في فصل الصيف والأعياد والمناسبات.
وأكد عباس، أثناء مداعبته لحصانه بمنطقة محطة الرمل، أن مهنة قيادة الحنطور سمة مميزة ورمز تاريخي لمحافظة الإسكندرية لا يمكن الاستغناء عنها أو انقراضها، رغم ما تعانيه من مشكلات لأننا نورثها لأولادنا وأحفادنا، وكثير من الأسر المصرية تحرص على استخدامها كوسيلة مواصلات لزيارة المعالم السياحية أو التجول بين شوارعها.
المساهمون