تمرّ هذه الأيام الذكرى العاشرة لرحيل الممثل المصري أحمد زكي، الذي تميّز بأداء شخصيات تاريخية وجماهيرية من الصعب أن يتقبّلها الجمهور من أي ممثل آخر. فإضافة إلى موهبته الملفتة والنادرة، واجتهاده وذكائه، ساهم شكله وملامح وجهه في تفرّده عن أي ممثل مصري آخر، إذ تبيّن أن تلك الملامح السمراء والعينين الحادتي النظرات والحاجبين الكثّين يمكنها أن تقدّم تنويعات غنية جداً مستندة إلى موهبة صاحبها وإلى براعة فنان الماكياج، الذي أبدع في اللعب بها وصناعتها واعادة صناعتها أيضاً.
"العربي الجديد"، التقت محمد عشوب، فنان الماكياج المصري المعروف، الذي عرف بماكيير الرؤساء، نظراً لكونه تولّى ماكياج الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي لا تقتصر شهرته على هذا بل على كونه رافق النجم الأسمر، أحمد زكي، منذ بداياته الفنية، وكان شريكاً لنجاحاته في أدوار بارزة منها أنور السادات وجمال عبد الناصر والبيه البواب. لكنّه، للمفارقة، رفض أن يشاركه آخر أفلامه، "حليم"، واطلعت منه عن سرّ هذا الأمر، الذي بدأنا فيه حوارنا.
يشرح عشوب حكاية فيلم "حليم": "عميق حبّي لأحمد زكي جعلني أرفض أن أعمل معه في آخر أفلامه، "حليم"، وتحجّجت أنّي مسافر خارج مصر، حتى لا يغضب زكي مني، كيف أعمل على وجهه والأطباء جميعاً كانوا يؤكّدون أنه اقترب من الموت؟ كان يحتضر. كنت أشعر أنها ستكون تجربة غاية في القسوة، وكنت حائراً، لكني لم أستطع في النهاية، وفشلت في التحكم بعواطفي، وكنت أخشى أن يلمح حزني ووجعي عليه وأنا أضع الماكياج له، وهو الذي كان في قمّة قوّته وعنفوانه في كلّ الأفلام التي عملت معه فيها. وهو لم يكن وجهاً أضع له الماكياج، بل كان روحاً قريبة وصديقاً عزيزاً، رغم بعض الخلافات التي اعترضت علاقتنا الفنية والإنسانية الممتدّة عقوداً، إلا أنّ الاحترام ظلّ قائماً بيننا حتى يوم رحيله".
ويستذكر عشوب أقوى الأعمال السينمائية التي ربطت بينه وبين زكي، وأبرزها فيلم "السادات"، والذي حصل بسببه على ست جوائز عن عمله كماكيير، كانت ولا تزال الأقرب إليه، وحينما ينظر إليها يتذكر أحمد زكي، كما أنه يذهب لزيارة قبره بشكل دائم، حيث إن زكي مدفون بجوار والدة عشوب وشقيقه وشقيقته، وبجوار الفنانين عادل أدهم وفريد شوقي.
وعن كواليس تجربة فيلم "السادات"، قال عشوب إنه فوجئ باتصال هاتفي من أحمد زكي في الثامنة والنصف من صباح أحد الأيام، حيث إنه معتاد على الاستيقاظ مبكراً، فطلب من عشوب أن يأتي إليه لتناول الإفطار، فذهب ووجد هناك المنتج حسين القلا، وتحدثا مع عشوب عن رغبتهما في أن يكون ماكيير الفيلم، فوافق قبل أن يقرأ النص، ثم حينما قرأ بدأ في تكوين الشخصية.
وأضاف أنه كان سعيداً بهذا العمل لعدّة أسباب، أوّلها أنّه عاشق لفترة حكم السادات، ويعتبره زعيماً عربياً وليس مصرياً فقط، وثاني الأسباب حبّه لأحمد زكي ورغبته في أن ينجح في الفيلم، كما أن عشوب وجد أن العمل سيكون عالمياً.
وأشار إلى أنّ أوّل مشهد قام بتنفيذه برفقة مزيّن الشعر، محمود لبيب، هو مشهد مع الممثلة الشابة وقتها، منى زكي، التي شاركت في الفيلم، وأوضح أنه لم ينسَ ما قالته منى، من أنها تشعر أنها بالفعل أمام السادات نفسه، لذا كانت تصاب بـ"خضّة" من هول الموقف: "كانت مندهشة وتسألني كيف استطعت أن تأتي بسادات آخر معنا في الفيلم، وكانت كلماتها تسعدني جداً".
وعاد عشوب ليقول: "للعلم أحمد زكي قبل أن أعمل معه في الفيلم، أحضر له الإنتاج ثلاثة ماكييرات، الأول من جنوب أفريقيا والثاني من فرنسا والثالث من لندن، إلا أنه رفضهم جميعاً لأنّ كلّ هؤلاء جعلوا منه شبيه النجم الراحل علي الكسار وليس السادات".
وعن ردود الأفعال التي تلقاها عشوب عن الفيلم، قال إن أحمد زكي شكره، وقال له إنّ الفضل يعود له بعد الله في نجاح العمل، لأنه بملامح السادات التي وضعها في وجه زكي جعله يقترب من روح الشخصية، وليس مجرد شكل خارجي فقط، كما أن شقيقة السادات، الكاتبة سكينة السادات، اتصلت بعشوب أيضاً وهنأته، وقالت له: "شكراً لأنك أعدت أخي لي وجلست معه ثلاث ساعات كاملة".
تطرق عشوب أيضاً لتجربته مع أحمد زكي في فيلم "البيه البواب"، قائلاً إنّ هذا العمل كان يحمل العديد من المفارقات الكوميدية، لأنّ زكي كان يتمتّع بخفّة ظلّ كبيرة وكاريزما. وأوضح أنّه اقترب بشكل كبير من زكي في هذا الفيلم، واكتشف إلى أيّ حدّ هو عاشق للتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.
ويتذكّر عشوب أحد المواقف لزكي في العمل: "في أحد المشاهد كان على "عبد السميع"، وهي شخصية أحمد زكي في الفيلم، أن يلهث بسبب صعوده للدرج بسرعة كبيرة، فطلب منه المخرج أن يقف قرب الباب ويلهث فرفض زكي، وصمّم أن يصعد العديد من الدرجات بالفعل حتى يبدو مرهقاً ومجهَداً بشكل طبيعي وليس مصطنعاً".
وبعيداً عن الأسباب الشخصية التي دفعت عشوب لرفض عمل ما، يقول إن الأسباب المهنية تمنعه أن يشارك في أيّ عمل يشعر أن الماكياج فيه غير ضروري، بمعنى أنه لا يحبّ الماكياج العادي الذي لا يغيّر الملامح، بل يحبّ أن يجعل الشخصية محروقة أو مشوّهة أو شخصية مختلفة، كالسادات وعبد الناصر مثلاً، لذا فإنه رفض عدداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات التي تقوم على وضع الماكياج العادي الذي من الممكن أن يقوم به أي ماكيير.
ولم يكن عمل عشوب في فنّ الماكياج بشكل عام مخطّطاً له، بل جاء بالصدفة عن طريق المخرج حسام الدين مصطفى، حيث كان يصوّر فيلمه "بقايا عذراء"، بجوار منزل عشوب، وكان عشوب من المعجبين ببطلة العمل، مريم فخر الدين، وحين عرف أنّها تصوّر في قصر محمد علي، ذهب لرؤيتها، ولكونه أيضاً يرغب في أن يقتحم مجال التمثيل لشعوره أنه موهوب في هذا المجال، تعرف إلى المخرج، وأخبره عن رغبته في التمثيل، فإذا بالمخرج ينادي ماكيير الفيلم محمود يوسف، وطلب منه أن يعلّم عشّوب فنّ الماكياج، ولما سأله عشوب عن السبب، قال له إنه يرى في عينيه أنه سيكون ماكييراً ناجحاً، وكان العمل الأوّل له كماكيير سينمائي في فيلم "أبناء الصمت"، بطولة ميرفت أمين، التي أعطته ثقتها، فقدّرها وكان على قدرها، كما قالت أمين وغالبية من شاهد الفيلم، وشاءت المصادفة أن يكون أحمد زكي من أبطال الفيلم، وإن لم تكن بطولة مطلقة، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يجتمع فيها عشّوب وزكي، وذلك عام 1974.
وتوالت في ما بعد أعمال عشوب، فشارك عادل إمام في العديد من أعماله، وفيفي عبده ونادية الجندي. وكان آخر أعماله مسلسل "صديق العمر"، حيث قام بوضع ماكياج الرئيس المصري جمال عبد الناصر على ملامح الفنان السوري جمال سليمان.
"العربي الجديد"، التقت محمد عشوب، فنان الماكياج المصري المعروف، الذي عرف بماكيير الرؤساء، نظراً لكونه تولّى ماكياج الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي لا تقتصر شهرته على هذا بل على كونه رافق النجم الأسمر، أحمد زكي، منذ بداياته الفنية، وكان شريكاً لنجاحاته في أدوار بارزة منها أنور السادات وجمال عبد الناصر والبيه البواب. لكنّه، للمفارقة، رفض أن يشاركه آخر أفلامه، "حليم"، واطلعت منه عن سرّ هذا الأمر، الذي بدأنا فيه حوارنا.
يشرح عشوب حكاية فيلم "حليم": "عميق حبّي لأحمد زكي جعلني أرفض أن أعمل معه في آخر أفلامه، "حليم"، وتحجّجت أنّي مسافر خارج مصر، حتى لا يغضب زكي مني، كيف أعمل على وجهه والأطباء جميعاً كانوا يؤكّدون أنه اقترب من الموت؟ كان يحتضر. كنت أشعر أنها ستكون تجربة غاية في القسوة، وكنت حائراً، لكني لم أستطع في النهاية، وفشلت في التحكم بعواطفي، وكنت أخشى أن يلمح حزني ووجعي عليه وأنا أضع الماكياج له، وهو الذي كان في قمّة قوّته وعنفوانه في كلّ الأفلام التي عملت معه فيها. وهو لم يكن وجهاً أضع له الماكياج، بل كان روحاً قريبة وصديقاً عزيزاً، رغم بعض الخلافات التي اعترضت علاقتنا الفنية والإنسانية الممتدّة عقوداً، إلا أنّ الاحترام ظلّ قائماً بيننا حتى يوم رحيله".
ويستذكر عشوب أقوى الأعمال السينمائية التي ربطت بينه وبين زكي، وأبرزها فيلم "السادات"، والذي حصل بسببه على ست جوائز عن عمله كماكيير، كانت ولا تزال الأقرب إليه، وحينما ينظر إليها يتذكر أحمد زكي، كما أنه يذهب لزيارة قبره بشكل دائم، حيث إن زكي مدفون بجوار والدة عشوب وشقيقه وشقيقته، وبجوار الفنانين عادل أدهم وفريد شوقي.
وعن كواليس تجربة فيلم "السادات"، قال عشوب إنه فوجئ باتصال هاتفي من أحمد زكي في الثامنة والنصف من صباح أحد الأيام، حيث إنه معتاد على الاستيقاظ مبكراً، فطلب من عشوب أن يأتي إليه لتناول الإفطار، فذهب ووجد هناك المنتج حسين القلا، وتحدثا مع عشوب عن رغبتهما في أن يكون ماكيير الفيلم، فوافق قبل أن يقرأ النص، ثم حينما قرأ بدأ في تكوين الشخصية.
وأضاف أنه كان سعيداً بهذا العمل لعدّة أسباب، أوّلها أنّه عاشق لفترة حكم السادات، ويعتبره زعيماً عربياً وليس مصرياً فقط، وثاني الأسباب حبّه لأحمد زكي ورغبته في أن ينجح في الفيلم، كما أن عشوب وجد أن العمل سيكون عالمياً.
وأشار إلى أنّ أوّل مشهد قام بتنفيذه برفقة مزيّن الشعر، محمود لبيب، هو مشهد مع الممثلة الشابة وقتها، منى زكي، التي شاركت في الفيلم، وأوضح أنه لم ينسَ ما قالته منى، من أنها تشعر أنها بالفعل أمام السادات نفسه، لذا كانت تصاب بـ"خضّة" من هول الموقف: "كانت مندهشة وتسألني كيف استطعت أن تأتي بسادات آخر معنا في الفيلم، وكانت كلماتها تسعدني جداً".
وعاد عشوب ليقول: "للعلم أحمد زكي قبل أن أعمل معه في الفيلم، أحضر له الإنتاج ثلاثة ماكييرات، الأول من جنوب أفريقيا والثاني من فرنسا والثالث من لندن، إلا أنه رفضهم جميعاً لأنّ كلّ هؤلاء جعلوا منه شبيه النجم الراحل علي الكسار وليس السادات".
وعن ردود الأفعال التي تلقاها عشوب عن الفيلم، قال إن أحمد زكي شكره، وقال له إنّ الفضل يعود له بعد الله في نجاح العمل، لأنه بملامح السادات التي وضعها في وجه زكي جعله يقترب من روح الشخصية، وليس مجرد شكل خارجي فقط، كما أن شقيقة السادات، الكاتبة سكينة السادات، اتصلت بعشوب أيضاً وهنأته، وقالت له: "شكراً لأنك أعدت أخي لي وجلست معه ثلاث ساعات كاملة".
تطرق عشوب أيضاً لتجربته مع أحمد زكي في فيلم "البيه البواب"، قائلاً إنّ هذا العمل كان يحمل العديد من المفارقات الكوميدية، لأنّ زكي كان يتمتّع بخفّة ظلّ كبيرة وكاريزما. وأوضح أنّه اقترب بشكل كبير من زكي في هذا الفيلم، واكتشف إلى أيّ حدّ هو عاشق للتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة.
ويتذكّر عشوب أحد المواقف لزكي في العمل: "في أحد المشاهد كان على "عبد السميع"، وهي شخصية أحمد زكي في الفيلم، أن يلهث بسبب صعوده للدرج بسرعة كبيرة، فطلب منه المخرج أن يقف قرب الباب ويلهث فرفض زكي، وصمّم أن يصعد العديد من الدرجات بالفعل حتى يبدو مرهقاً ومجهَداً بشكل طبيعي وليس مصطنعاً".
وبعيداً عن الأسباب الشخصية التي دفعت عشوب لرفض عمل ما، يقول إن الأسباب المهنية تمنعه أن يشارك في أيّ عمل يشعر أن الماكياج فيه غير ضروري، بمعنى أنه لا يحبّ الماكياج العادي الذي لا يغيّر الملامح، بل يحبّ أن يجعل الشخصية محروقة أو مشوّهة أو شخصية مختلفة، كالسادات وعبد الناصر مثلاً، لذا فإنه رفض عدداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات التي تقوم على وضع الماكياج العادي الذي من الممكن أن يقوم به أي ماكيير.
ولم يكن عمل عشوب في فنّ الماكياج بشكل عام مخطّطاً له، بل جاء بالصدفة عن طريق المخرج حسام الدين مصطفى، حيث كان يصوّر فيلمه "بقايا عذراء"، بجوار منزل عشوب، وكان عشوب من المعجبين ببطلة العمل، مريم فخر الدين، وحين عرف أنّها تصوّر في قصر محمد علي، ذهب لرؤيتها، ولكونه أيضاً يرغب في أن يقتحم مجال التمثيل لشعوره أنه موهوب في هذا المجال، تعرف إلى المخرج، وأخبره عن رغبته في التمثيل، فإذا بالمخرج ينادي ماكيير الفيلم محمود يوسف، وطلب منه أن يعلّم عشّوب فنّ الماكياج، ولما سأله عشوب عن السبب، قال له إنه يرى في عينيه أنه سيكون ماكييراً ناجحاً، وكان العمل الأوّل له كماكيير سينمائي في فيلم "أبناء الصمت"، بطولة ميرفت أمين، التي أعطته ثقتها، فقدّرها وكان على قدرها، كما قالت أمين وغالبية من شاهد الفيلم، وشاءت المصادفة أن يكون أحمد زكي من أبطال الفيلم، وإن لم تكن بطولة مطلقة، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يجتمع فيها عشّوب وزكي، وذلك عام 1974.
وتوالت في ما بعد أعمال عشوب، فشارك عادل إمام في العديد من أعماله، وفيفي عبده ونادية الجندي. وكان آخر أعماله مسلسل "صديق العمر"، حيث قام بوضع ماكياج الرئيس المصري جمال عبد الناصر على ملامح الفنان السوري جمال سليمان.