سينما المقاولات تعود إلى مصر

23 مارس 2015
فيلم "بوسي كات" (العربي الجديد)
+ الخط -


تبشر الأفلام قليلة التكلفة، التي تنتشر في مصر، بعودة "سينما المقاولات" الرخيصة القائمة على العري والبلطجة. تتواجد حالياً بعض الأفلام في دور العرض التي لم تتعدَّ مدة تصويرها الشهر الواحد تقريباً، ولم تصل تكلفتها الإنتاجية حاجز المليوني جنيه، متضمنة الديكورات وأجور الممثلين، وهو مبلغ هزيل.

إذ من الطبيعي أن يتكلف الفيلم على الأقل 10 ملايين جنيه على أبسط تقدير، وذلك لاختيار أماكن تصوير أحياناً تكون خارج مصر أو في مناطق داخل مصر يتم حساب مدة التصوير فيها بالساعة، مثل مطار القاهرة الذي تبلغ قيمة التصوير فيه لساعة واحدة عشرة آلاف جنيه، بالإضافة إلى اختيار فنانين أجورهم عالية.

من هذه الأفلام الموجودة في دور العرض، فيلم "الدنيا مقلوبة" لباسم سمرة وعلا غانم. ومن قبله، عرضت أفلام "سبوبة" للممثلين الشباب أحمد هارون وخالد حمزاوي، وإنتاج وسام حسن، و"بوسي كات" لراندا البحيري، و"واحد بيسوق واتنين في الصندوق" لمغني المهرجانات أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا والأردنية هيام الجياعي، وإنتاج شركة أي فيجن.

وكذلك عرض منذ فترة فيلم "المواطن برص" الذي يعد أول بطولة مطلقة للممثل رامي غيط، ومن إنتاج أفلام محمد أبوالعزم، وغيرها من الأعمال التي تدور في إطار التكلفة القليلة مع انعدام القيمة الفنية. "العربي الجديد" سألت القائمين على الفن في مصر عن هذه الظاهرة وكيفية إنهائها، أو على الأقل تحجيم انتشارها.

في البداية، قال المخرج والمنتج، هاني جرجس فوزي، لـ"العربي الجديد": "إنتاج أفلام قليلة التكلفة في الفترة الأخيرة، لا يعني أبداً أننا عائدون إلى سينما المقاولات بشكل كامل. هناك أفلام لم تكلف سوى مبالغ قليلة للغاية، مثل فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي، و"لا مؤاخذة" للمخرج عمرو سلامة، وغيرهما من الأفلام الرائعة. لكن لا أحد ينكر سينما المقاولات في بعض الأفلام التي لا تقوم سوى على العري، ولا يستغرق تصويرها سوى شهر، يُعرف باللغة الشعبية بـ"سلق بيض".

وأضاف: "المنتج في هذه الحالة لا يريد سوى صناعة فيلم، ولا يهمه عرضه في دور العرض، بقدر ما يهمه بيعه للفضائيات. وقد يكون هو نفسه لديه قناة فضائية، فينتج الفيلم ويعرضه بعد أن يمر بالخطوة الروتينية بالنسبة له وهو عرضه في السينما. وبعد أسبوعين يعرضه على القناة التي يملكها أو يبيع أغنية من الفيلم للقنوات الأخرى، وبالتالي يجمع ما أنفقه وأكثر.

وعاد هاني ليقول: "الأفلام بشكل عام، سواء قليلة أو مرتفعة التكلفة، هي "لقمة عيش" للكثيرين، ولا أقصد الفنانين، بقدر ما أقصد من هم وراء الكاميرا من مساعدي إخراج وفنيي إضاءة وصوت وما إلى ذلك. فهؤلاء الشخصيات لا يعملون كثيراً". من ناحيتها، قالت الناقدة ماجدة موريس لـ"العربي الجديد": "هناك العديد من الأفلام المستقلة التي تقع أيضاً تحت بند "أفلام قليلة التكلفة"، لكنها في الوقت نفسه عالية القيمة من الناحية الفنية، وحققت نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، وحصلت على العديد من الجوائز".

واستشهدت ماجدة بفيلم "عشم" للمخرجة ماغي مرجان، وفيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي، وبعض الأفلام للمخرج إبراهيم البطوط التي اعتبرتها ذات قيمة فنية، وفي الوقت نفسه تكلفتها ليست عالية، مثل فيلم "فتاة المصنع" للممثلة ياسمين رئيس والمخرج محمد خان. وعادت ماغي لتشير إلى أنّه لا بد من وضع فاصل بين أفلام قليلة التكلفة وبين الاستسهال، عن طريق أن يحضر المنتج راقصة عارية وبلطجياً وأغاني شعبية لتحقيق إيرادات على شباك التذاكر فقط. وأنهت ماجدة كلامها بالقول: "المشكلة في صناعة السينما ليست مادية، بقدر ما هي أزمة سيناريو. هناك أفلام تكلفت ملايين الجنيهات ونجحت بشكل كبير، وأخرى تكلّفت ولم تنجح".

وقال الفنان محمود ياسين لـ"العربي الجديد": "بعض الأفلام المتواجدة حالياً والتي نشاهد إعلاناتها عبر التلفزيون قائمة فقط على مغازلة المراهقين لدخول الفيلم وتحقيق إيرادات في شباك التذاكر، ولا يوجد منها أدنى هدف. وهي تسيء إلى مصر والفن المصري، لذا يجب التصدي لها بشكل كامل". ورفض ياسين اعتبار الأفلام قليلة التكلفة كلها سيئة، مشيراً إلى أنّ هناك العديد من الأفلام التي تم تصويرها في موقع واحد وبأجور زهيدة جداً ونجحت. "نحن نبحث عن أفلام تعيد قوة السينما، وليس بالمبالغ الطائلة. الورق الجيد والمحترم كفيل بفرض نفسه بغضّ النظر عن مبلغ إنتاجه".

وفي تصريح سابق للمخرجة هالة لطفي، التي اعتمدت في بعض أفلامها مثل "الخروج للنهار" على التكلفة القليلة، أوضحت أنّ فيلمها هذا الذي شاركت أيضاً في إنتاجه، تمّ تصويره خلال 25 يوماً. "ولإيمان الممثلين بالفيلم، أعاد بعضهم جزءاً من أجورهم، ورفض البعض الآخر تقاضي أجره، إلى جانب المساعدات التي حصلوا عليها وترجمت في شكل خدمات، من بينها منح المخرج تامر سعيد معداته للتصوير الداخلي من دون مقابل مادي، وسمح لهم المخرج مجدي أحمد بالتحضير للجزء الأول من الفيلم في مكتبه".

وأضافت أنّ بعض منتجي مصر ينظرون إلى السينما على أنّها "سبوبة"، وهنا لا بد وأن يتدخل الجمهور ويبذل جهداً عاطفياً في تلقي الأفلام، ولا يكتفي باعتبار السينما مجرد تسلية وملء وقت فراغ، لأنّ السينما في النهاية فن وليست "سبوبة"، كما يحاول بعض المنتجين تصويرها.

أخيراً، علّق نائب رئيس غرفة السينما، المخرج شريف مندور، لـ"العربي الجديد": "للأسف الشديد، هناك بالفعل أفلام دون المستوى، لكن ليس بسبب قلّة تكلفتها، بل لأنّه ليست لها قيمة فنية ولا هدف ولا رسالة منها، وهذه هي سينما المقاولات".


وأشار شريف إلى أنّ معظم الأفلام الهابطة يتم رفعها من دور العرض، لأنّها لا تحقق أي إيرادات. "يخطئ من يدّعي من المنتجين أنّ دور العرض تتعمد سحب فيلم ما، فهي تسحبه، وهي أيضاً خاسرة، لأنّ دور العرض تحصل على نسبة 50% من الإيرادات، فيما يحصل المنتج على الـ50% المتبقية".
المساهمون