في آخر شارع "العابد" الشهير من جهة شارع بوابة الصالحية، في وسط العاصمة السورية دمشق، يتموضع مقهى "الروضة"، أشهر المقاهي الدمشقية، والسورية، وأكثرها حضورا في ذاكرة السوريين، معارضين أو موالين، مستقرين في العاصمة أو زواراً عابرين من مختلف محافظات البلاد. كان مقهى الروضة شاهداً على مختلف الحقب السياسية الأكثر سخونة ودموية التي مرت بها بلاد ابتليت منذ عام 1963 بحكم عسكري، تحوّل شيئاً فشيئاً إلى حكم طائفي كمم الأفواه، وجفف منابع الحياة السياسية والفكرية في سورية.
مقهى الروضة الذي أقيم في عام 1938 من القرن الفائت، على مساحة قدرها 750 مترا مربعا، غير بعيد سوى خطوات عن مبنى "البرلمان" الشهير في العاصمة دمشق، والذي ينظر إليه السوريون على أنه المَعْلم الأبرز من معالم الديمقراطية السورية التي تلت استقلال البلاد عن فرنسا في عام 1946، ولكنه بات مجلس "مصفقين"، تختارهم أجهزة النظام الأمنية بعناية شديدة كي لا تفلت كلمة حق تصدح في إرجاء "جمهورية الصمت" التي استفافت ذات يوم من عام 2011، على نداء طال انتظاره يطالب بحرية السوريين وكرامتهم وحقهم في الحياة الكريمة.
قبيل بدء الثورة، كان مقهى "الروضة" ملتقى للمثقفين السوريين، من كتاب وإعلاميين، وفنانين، وطلاب، ومتعاقدين، وباحثين عن فسحة تلاق وحوار على طاولات تبدل زوارها كل يوم أكثر من مرة. كما كان يضم أنصاف المثقفين، والمدّعين، وكتّاب "التقارير" لأجهزة أمنية ترصد كل نفس ونَفَس في بلاد تُحكم بـ"الحديد والنار"، والخوف. كان روّاد المقهى من المعارضين للنظام يعرفون هؤلاء من هيئاتهم، وربما من وجوههم التي اعتادوا رؤيتها كل يوم، فيخفضون أصواتهم، أو يؤجلون حديثهم بعض وقت، مكتفين بشرب الشاي والتدخين أو قراءة جريدة، أو تدخين نفس "أركيلة"، يرسلون مع دخانها غضباً كامناً في النفوس العطشى للحرية. مع بدء الثورة، ازداد رواد مقهى الروضة، حيث بات مقصد طالبي الحرية والمعارضين، والشباب الثائر من أغلب المحافظات السورية، كانوا يزورون دمشق العاصمة، للاقتراب أكثر من قلب سورية.
تحوّل مقهى الروضة إلى مكان أثير لكل المنحازين للثورة، أو من كان يفكر بالانحياز إليها، وخاصة مع ارتفاع وتيرة العنف المفرط الذي بدأ النظام باستخدامه في الأشهر الأولى من الثورة، ضد المطالبين بتغييره. شهد مقهى الروضة أوائل الحوارات بين المثقفين عن مستقبل سورية وعن ضرورة التغيير السياسي العميق. وكان العنوان السياسي الأول للثورة السورية، مر عليه أغلب المعارضين المعروفين والثائرين، الذين إما قتلوا، او اعتقلوا، أو باتوا لاجئين في بلاد الاغتراب، ينظرون بحسرة إلى بلادهم، فدب الصمت في مقهى "الروضة"، حيث لم تعد تتردد في أرجائه أصوات رواده المعروفين من كتّاب وروائيين الذين حوّلوا مقهى الروضة إلى مكان إقامة.
يقول صحافي معارض آثر البقاء في بلاده على الخروج إلى المنفى: "للوهلة الأولى تظن أن مقهى الروضة كما هو، حيث الرواد الذين يأتونه كل يوم، وربما ترى وجوها كثيرة لم تغادر، وظلت وفيّة للمقهى، ولكن عندما تدقق جيدا في المكان تُصدم، حيث رواد الروضة من لون واحد ورأي واحد، متجانسين يرون في طالبي الحرية والتغيير (مجموعات إرهابية مسلحة)، ولا يعنيهم المحاصرون الجائعون، وهم لا يبعدون عن مقهى الروضة إلا بضعة كيلومترات في غوطة دمشق الشرقية، وفي جنوب دمشق". ويضيف: "صار العسكريون الجدد، والشبيحة، من رواد مقهى الروضة الذي جلس فيه أغلب مثقفي ومفكري سورية على مدى عقود. إنهم الحكام الجدد، أو على الأقل هكذا يظن هؤلاء الطارئون". ويضيف، في حديثه مع "العربي الجديد": "عندما تدخل إلى المقهى تراهم يتصدرون المكان. دمروا كل شيء في البلاد، وجاء الدور على مقهى الروضة كي يلوّثوه بجلوسهم فيه بدل مثقفي سورية الذين صنعوا ذاكرة للمكان، أو صنع المكان ذاكرتهم. لقد تغيّر مقهى الروضة كما تغيّرت سورية كلها، أعبر من أمامه أحيانا ولا أدخله، حيث لم يعد المكان يشبهني، أو ربما لا أشبهه".
اقــرأ أيضاً
مقهى الروضة الذي أقيم في عام 1938 من القرن الفائت، على مساحة قدرها 750 مترا مربعا، غير بعيد سوى خطوات عن مبنى "البرلمان" الشهير في العاصمة دمشق، والذي ينظر إليه السوريون على أنه المَعْلم الأبرز من معالم الديمقراطية السورية التي تلت استقلال البلاد عن فرنسا في عام 1946، ولكنه بات مجلس "مصفقين"، تختارهم أجهزة النظام الأمنية بعناية شديدة كي لا تفلت كلمة حق تصدح في إرجاء "جمهورية الصمت" التي استفافت ذات يوم من عام 2011، على نداء طال انتظاره يطالب بحرية السوريين وكرامتهم وحقهم في الحياة الكريمة.
قبيل بدء الثورة، كان مقهى "الروضة" ملتقى للمثقفين السوريين، من كتاب وإعلاميين، وفنانين، وطلاب، ومتعاقدين، وباحثين عن فسحة تلاق وحوار على طاولات تبدل زوارها كل يوم أكثر من مرة. كما كان يضم أنصاف المثقفين، والمدّعين، وكتّاب "التقارير" لأجهزة أمنية ترصد كل نفس ونَفَس في بلاد تُحكم بـ"الحديد والنار"، والخوف. كان روّاد المقهى من المعارضين للنظام يعرفون هؤلاء من هيئاتهم، وربما من وجوههم التي اعتادوا رؤيتها كل يوم، فيخفضون أصواتهم، أو يؤجلون حديثهم بعض وقت، مكتفين بشرب الشاي والتدخين أو قراءة جريدة، أو تدخين نفس "أركيلة"، يرسلون مع دخانها غضباً كامناً في النفوس العطشى للحرية. مع بدء الثورة، ازداد رواد مقهى الروضة، حيث بات مقصد طالبي الحرية والمعارضين، والشباب الثائر من أغلب المحافظات السورية، كانوا يزورون دمشق العاصمة، للاقتراب أكثر من قلب سورية.
تحوّل مقهى الروضة إلى مكان أثير لكل المنحازين للثورة، أو من كان يفكر بالانحياز إليها، وخاصة مع ارتفاع وتيرة العنف المفرط الذي بدأ النظام باستخدامه في الأشهر الأولى من الثورة، ضد المطالبين بتغييره. شهد مقهى الروضة أوائل الحوارات بين المثقفين عن مستقبل سورية وعن ضرورة التغيير السياسي العميق. وكان العنوان السياسي الأول للثورة السورية، مر عليه أغلب المعارضين المعروفين والثائرين، الذين إما قتلوا، او اعتقلوا، أو باتوا لاجئين في بلاد الاغتراب، ينظرون بحسرة إلى بلادهم، فدب الصمت في مقهى "الروضة"، حيث لم تعد تتردد في أرجائه أصوات رواده المعروفين من كتّاب وروائيين الذين حوّلوا مقهى الروضة إلى مكان إقامة.
يقول صحافي معارض آثر البقاء في بلاده على الخروج إلى المنفى: "للوهلة الأولى تظن أن مقهى الروضة كما هو، حيث الرواد الذين يأتونه كل يوم، وربما ترى وجوها كثيرة لم تغادر، وظلت وفيّة للمقهى، ولكن عندما تدقق جيدا في المكان تُصدم، حيث رواد الروضة من لون واحد ورأي واحد، متجانسين يرون في طالبي الحرية والتغيير (مجموعات إرهابية مسلحة)، ولا يعنيهم المحاصرون الجائعون، وهم لا يبعدون عن مقهى الروضة إلا بضعة كيلومترات في غوطة دمشق الشرقية، وفي جنوب دمشق". ويضيف: "صار العسكريون الجدد، والشبيحة، من رواد مقهى الروضة الذي جلس فيه أغلب مثقفي ومفكري سورية على مدى عقود. إنهم الحكام الجدد، أو على الأقل هكذا يظن هؤلاء الطارئون". ويضيف، في حديثه مع "العربي الجديد": "عندما تدخل إلى المقهى تراهم يتصدرون المكان. دمروا كل شيء في البلاد، وجاء الدور على مقهى الروضة كي يلوّثوه بجلوسهم فيه بدل مثقفي سورية الذين صنعوا ذاكرة للمكان، أو صنع المكان ذاكرتهم. لقد تغيّر مقهى الروضة كما تغيّرت سورية كلها، أعبر من أمامه أحيانا ولا أدخله، حيث لم يعد المكان يشبهني، أو ربما لا أشبهه".