مثنى الزعبي.. قوس القزح بين ذراعين مبتورتين

27 أكتوبر 2015
يمد ذراعين أقوى من أن تبترا حقاً (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يفقد مثنى يديه في الحرب الشرسة التي تدور منذ خمسة أعوام تقريباً في بلاده، بل فقدهما في مغامرة طفولية، بينما كان في الخامسة من عمره، حيث قاده فضوله الطفولي إلى مبنى لـ "التوتر العالي"، هناك صعقته الكهرباء في حادث مأسوي، أدى في نهاية الأمر إلى بتر يديه الاثنتين من المرفق.

مثنى الزعبي الذي يبلغ اليوم من العمر 26 عاماً، ابن خربة غزالة، إحدى قرى مدينة درعا جنوب سورية، أشعلت إصابته التي عانى منها جمر التحدي في روحه، فجاهد مبكراً لتخطيها، والانتصار عليها.

كان لوسائل التواصل الاجتماعية، فضل الاتصال به، وفي غمرة الأسئلة المتتابعة، التي كنت ألقيها عليه للتعرف إلى قصته، استوقفني لوهلة أحد الأسئلة، بينما كان مثنى القابع في الأردن اليوم يجيب على ما سبق من أسئلتي..."هل تكتب الإجابة بنفسك أم أنك تمليها على أحد فيكتبها لك؟ يجيبني مثنى عبر التشات.."أكتبها بنفسي".

بما تبقى من طرفيه العلويين، يمسك مثنى قلمه الرصاص، مصدراً صريراً حثيثاً وهو يرسم التفاصيل الدقيقة لنساء، خضبت ملامحهن الدموع والأحزان، فبدين منكسرات في حنين لحزن نبيل لا يستوي مع هذا الزمان.


نساء مخضبات بالحزن النبيل (العربي الجديد)


يخبرني مثنى أنه لجأ إلى الرسم لأن الألوان والخطوط كانت سبيله الأسلس في التعبير عما يجيش بداخله، أكثر من رصّ الجمل والكلمات، وأن الألوان كانت موجه الذي يعتليه حسبما تقوده أحاسيسه، متنقلاً بين موجة الآلام باللونين الرمادي والأسود، وبين موجة الآمال بألوان قوس القزح.

أكمل مثنى دراسته متجاوزاً كل العقبات، ودخل "جامعة دمشق" طالباً في كلية علم الاجتماع، لكن الحرب أجبرته على ترك مقاعد الدراسة والالتحقاق بطابور اللجوء المرير، فكان مستقره الأخير في مدينة إربد بالأردن، حيث رفض للمعاناة التي تضاعفت، أن تعرقل حلمه الجميل. فحصل على دورات مجانية من جامعة "توليدو" في الأردن، ثم التحق فيها طالباً ببرنامج الدبلوم لتصميم الغرافيك.

غير أن باقة الإلهام التي يحملها مثنى لا تنتهي هنا، لاسيما عندما تعلم حجم النشاط الإنساني والاجتماعي الذي يزاوله اليوم، فهو متطوع مع "سوريات عبر الحدود" ومع شركة "البريق التعليمية بالهيئة الطبية الدولية" وعضو في "جيل البناء" وعضو في "المنتدى الفكري السوري " ورئيس نادي "الطلبة السوريين" مع فريق "متطوعون من أجل سورية".

مثنى أثناء مشاركته في رسم الجداريات (العربي الجديد)


لم يفقد مثنى ذراعيه في الحرب، بل فقد التراب الذي دُفنتا فيه، وطنه، الأهل والأصحاب والتاريخ، لكن الروح المتمرسة على المقاومة منذ الصغر، لم تستكن لقهر الحال، اذ اجتمع فيه "العجز واللجوء"، بل لونته وانغمست بين ضحاياه تمد لهم ذراعيها اللتين يبدو أنهما ...أقوى من أن تبترا حقاً.

من لوحات مثنى الزعبي (العربي الجديد) 


اقرأ أيضاً: رسم لطفل سوري لاجئ ..يطرق قلب العالم مجدداً
المساهمون