مسرحية "ولو داريت عنّك حبي": دعوة لمكاشفة الذات

27 أكتوبر 2017
مشهد من المسرحيّة (العربي الجديد)
+ الخط -
تعود الممثلة القديرة، رلى حمادة، مجدداً إلى الخشبة مستحضرةً عملها الثاني كتابةً وتمثيلاً الذي يحمل عنوان "ولو داريت... عنك... حبي"، فاسحةً المجال للجمهور للتعرف على موهبتين شابتين، لينا سويدي وفريد شوقي، وللقاء نوال كامل، وهي موهبة مخضرمة، عادت منذ سنتين إلى الجمهور اللبناني بعد غيابٍ طويل.
هم أربع شخصيات على الخشبة، بإدارة الممثل والمخرج، غبريال يمين، يتحضرون لحدث زواج كريستين (لينا سويدي)، الابنة المتبناة لعايدة (رلى حمادة) بمارك (فريد شوقي) ابن جميلة أو جيجي (نوال كامل). إلا أنه حدث ما لم يكن في الحسبان قبل موعد العرس بثلاثة أيام، في ظل ضجة عدم جهوزية فستان العرس والمحاولات المتكررة للوالدة بإقناع ابنتها بفستان عرسها القديم، توازيها محاولات أخرى للتراجع عن هذا الزواج، بسبب صغر السن، ويفاقمها وصول والدة العريس تحضيراً للخروج بحثاً عن فستانٍ ملائم، يأتي مارك ليعلن أنه لم يعد مُستعداً للزواج.
هي حبكة بنتها رلى حمادة بعناية لتعرّج بقالبٍ تراجيكوميدي على موضوعات محظورة في مجتمعاتنا كالمثلية، والتبني وتقبّل وحب الذات دون الرضوخ لما يريده المجتمع أو العائلة. على تماسٍ من هذه المحظورات، تلمّح حمادة في نصها لظواهر اجتماعية أخرى تغزو المجتمع اللبناني كالطائفية، والخيانة الزوجية، وعلاقة الشخصيات مع اللغة العربية.
يبدأ العرض بشاشة على يسار الخشبة، تظهر حواراً على "الواتساب" بين كريستين ومارك حيث يصر هذا الأخير على رؤيتها، بينما هي منشغلة بنقاشها الصدامي مع والدتها حول الفستان. هذا النقاش الصدامي انسحب على العلاقة بين سائر الشخصيات في العرض: جيجي وعايدة، أُمّان لا توفران فرصة لتمرير المناكفات فيما بينهما، الأمر الذي يزيد من توتر كريستين إلى أن يأتي مارك إلى المنزل. وهنا تأتي لحظة الاعتراف التي تزيد الأمور تعقيداً، والتي تمدّد من رقعة الحوارات الحادة والنقاش الصدامي.
يعود هذا النمط الصدامي إلى دينامية الحوار التي شكلتها رلى حمادة في عرضها. هو حوار فذّ وفكاهي وعفوي لا يكلّ من التقاط تفاصيل الشارع اللبناني، إلا أنه لا يترك مجالاً للشخصيات بالتواجد بعيداً عن لعبة تراشق الحوارات كما لو أننا طوال العرض أمام مبارزة كرة طاولة مبنية على التبرير، وهو نمط نقاش يحيل جمهوره شيئاً فشيئاً إلى الرسالة التي تود تمريرها رلى حمادة من خلال حكايتها، والتي تدعو أولاً وأخيراً إلى وعي الذات وإدراكها لرغباتها الحقيقية وإلى الحاجة للحب، وضرورة التعبير عنه، ما يفسّر عنوان العرض.
جميلٌ كانَ هذا الربط في الحكاية بين الحبكة وصورة الذات وتبدلها إثر تكّشف لحظة الحب على اختلاف أبعاده، إلا أن هذا لم يترجم درامياً كما ينبغي، إذ انشغلت رلى حمادة بتظهير رسالة العرض على حساب مسار بناء الشخصيات وتطورها على الخشبة وسط مجموعة من الأحداث والأفعال الدرامية المتصاعدة.
كل حوار على حدة جميل وفذّ وأخاذ ومضحك، باستثناء بعض المباشرة أحياناً، ولكن كان ينقصه الربط الدرامي الذي يضفي بعداً آخر في عملية التلقي. تلك الدينامية المباشرة التي اعتمدت في بناء الحكاية والحوارات المتراصة والمتراشقة لصالح رسالة العرض بدل العمل على أحداث ومونولوغات داخلية وأفعال درامية ومعانٍ كامنة تؤدي إلى الحوارات، وبالتالي إلى الرسالة الكامنة خلف تلك العناصر. شُطِرَت حكاية العرض إلى شطرين، كما لو أننا أمام مسرحيتين داخل عرضٍ واحد، مسرحية "فكس" عن الزواج والمثلية، ومسرحية التبني التي تنتقل بالمشاهد دون تمهيد مقنع إلى التعقيدات العاطفية التي تعيشها كريستين في علاقتها مع والدتها.
بني إخراج العرض على الأداء التمثيلي الذي كان متقناً، وإن نحا نحواً كاريكاتورياً مبالغاً فيه أحياناً، أو قدّم كليشيهات في الـ"جستوس" أو اللفتات الحركية أحياناً أخرى، والتي كان من الممكن تفادي بعضها.


دلالات
المساهمون