جزيرة الأرانب...هيروشيما الجميلة

20 اغسطس 2017
تعج الجزيرة بآلاف الأرانب البرية الطليقة (Getty)
+ الخط -
تقع جزيرة أوكونوشيما الصغيرة في البحر الداخلي لمدينة تاكيهارا بمحافظة هيروشيما اليابانية، وهي مدينة سياحية يصل الزائرون إليها عن طريق العبّارة. حيث تتعدد فيها الأماكن التاريخية المهمة، مثل معسكرات الجيش القديمة التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية. لكن أهم ما يجلب الزوار للجزيرة، ويميزها عن غيرها من المزارات اليابانية الأخرى ما اشتهرت به بأنها "جزيرة الأرانب"، إذ تعج بآلاف الأرانب البرية الطليقة التي تجوب كل أنحاء الجزيرة بحرية تامة، كما أنها تألف البشر جداً، وتقترب منهم، بل تسمح لهم بلمسها وإطعامها ومداعبتها. 


كانت أوكونوشيما قد لعبت دوراً رئيسيّاً خلال الحرب العالمية الثانية، بوصفها مصنعاً لإنتاج الغازات السامة لصالح الحرب الكيميائية التي جرت على الأراضي الصينية. وكانت اليابان قد وقعت على بروتوكول جنيف عام 1925 لحظر الأسلحة الكيميائية، ولكن وبسبب توفر معلومات كثيرة حول إنتاج الأسلحة الكيميائية في الولايات المتحدة وأوروبا في تلك الأثناء، بدأ الجيش الإمبراطوري برنامجاً سريّاً لتلك الصناعة المحظورة بالجزيرة المنعزلة.

بُني مصنع الذخائر الكيميائية عام 1927، وخلال عامين كان قد أنتج أكثر من ستة آلاف طن من غاز الخردل والغازات المسيلة للدموع، واختيرت الجزيرة لانعزالها وقلة سكانها، وأيضاً لبعدها عن طوكيو لحماية العاصمة وسكانها في حالة وقوع كارثة، ولم يتم إخبار السكان والعاملين بما ينتجه المصنع. وتحت إشراف الجيش الياباني جرى تحويل مصنع حفظ الأسماك إلى مفاعل لإنتاج الغاز السام، وكانت ظروف العمل قاسية، ولذا عانى كثير من العمال والسكان من الأمراض ذات الصلة بالتعرض للغازات والمكونات السامة.


مع نهاية الحرب العالمية، أُحرقت الوثائق المتعلقة بالمصنع، وتخلصت قوات الحلفاء من الغازات عن طريق الإحراق أو الإغراق أو الدّفن، وأُجبر الناس على الالتزام بالصمت حول المشروع. وبعد عدة عقود أُعطي ضحايا المصنع تعويضات ومساعدات حكومية للعلاج، وفي عام 1988 تم افتتاح متحف الجزيرة للغازات السامة.
بعد الحرب العالمية الثانية وتطهير الجزيرة، أطلقت العديد من الأرانب لتعيش بحرية على الجزيرة، وكانت بعض هذه الأرانب تستخدم للتجارب في مصنع الغاز لاختبار فعالية الأسلحة، وقد مات منها الكثير خلال هدم المصنع. ويقول اليابانيون إن الأرانب الموجودة حالياً ليست لها علاقة بتلك التي أجريت عليها التجارب، وأن تلك الأخيرة ماتت كلها، وأن الموجودة حالياً نظيفة تماماً.


ممنوع صيد الأرانب على الجزيرة، وكذلك اصطحاب الكلاب أو القطط حتى لا تؤذي الأرانب أو صغارها. ويمكن العثور على الأرانب حتى بداخل الأماكن المحظور دخولها على البشر، مثل أنقاض الحصون العسكرية ومصنع الغاز القديم.
ويعرض المتحف الموجود على الجزيرة صوراً وقطعاً حقيقية تمثّل ظروف العمل التي كانت بالمصنع القاتل، وقد تبرع أهالي الضحايا بالكثير من القطع الأثرية التي تُوفّر المساعدة في معرفة قصة محنة العمال الذين تعرضوا للتعامل مع الغاز، في ظل سوء معدات السلامة والتسرب كثير الحدوث بالمصنع.


المتحف مكون من غرفتين كبيرتين فقط، الأولى توفر لمحة عما جرى بالمصنع، والثانية تعرض كيف يؤثر الغاز السام على جسم الإنسان وخاصة من خلال الرئتين والعينين والجلد والقلب، وصور العديد من ضحايا الحروب الكيميائية في العراق وإيران، إضافة إلى رسالة المتحف إلى الشعب الياباني والعالم، والتي تؤكد على أن المتحف الموجود في هيروشيما يظهر اليابانيين بوصفهم ضحايا ومعتدين في الوقت نفسه، ويؤكد للجميع معنى السلام وأهميته، ومعنى الحرب وبشاعتها.
دلالات
المساهمون