مقبرة وستمنستر في لندن... هنا يُدفن الملوك والعلماء والكهنة

10 ابريل 2018
من تشييع هوكينغ في 31 مارس الماضي (كريستوفر فرلونغ/Getty)
+ الخط -

قدّم العالم الفيزيائي الراحل ستيفن هوكينغ، خدمات للإنسانية أدهشت العالم على الرغم من المرض الذي فتك بجسده. ولا يخفى على أحد أنّ هوكينغ كان ملحداً.

على الرّغم من ذلك، ارتأت عائلته إقامة قداس في 31 مارس/آذار الماضي، عن روحه، في "كنيسة سانت ماري الكبرى، على بعد أمتار قليلة من "كلية غونفيل وكايوس"، حيث التقى الممثل إيدي ريدماين الذي جسد دوره في فيلم "نظرية كل شيء".

اجتمعت الحشود أمام الكنيسة تعبيراً عن حزنها ولتقديم الوداع الأخير، علماً أن هوكينغ توفي في 14 مارس/آذار الماضي. وكان ريدماين من أوائل الواصلين لحضور القداس، لتأتي بعده الممثلة في الفيلم نفسه، فيليسيتي جونز.

"عاش والدنا وعمل في كامبريدج لما يزيد عن الخمسين عاماً، وكان جزءاً لا يتجزأ من الجامعة والمدينة"، قال أبناء هوكينغ، في بيان، موضحين أنّهم قرّروا إقامة جنازته في المدينة التي أحبّها كثيراً. كما لفتوا إلى أنّ "أعمال أبيهم تعني أشياء كثيرة للكثير من الناس، سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، لذلك ستكون الخدمة كاملة وتقليدية، لتعكس اتساع وتنوّع حياته".

الممثل إيدي ريدماين في وداع هوكينغ (كريستوفر فرلونغ/Getty)

بدوره، قال عميد وستمنستر، القسيس جون هول، إنّه من المناسب أن تدفن بقايا البروفيسور ستيفن هوكينغ في الدير قرب زملائه العلماء البارزين. وتابع: "نعتقد أنّه من المهم والضروري أن يعمل العلم والدين معاً من أجل السعي إلى الإجابة عن الأسئلة العظيمة حول سرّ الحياة والكون".

أمّا الأب شفيق بوزيد، من الكنيسة الكاثوليكية في لندن، فأوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "لو كان هوكينغ ملحداً فالكنيسة لا تقيم الصلاة على روحه. ربّما هناك سبب ما تدركه الكنيسة أو بطلب منه قبل وفاته، لأنّه إن كان ملحداً بالكامل فإنّها لا تقبله لأنّ في ذلك تعدّ على إرادته".

وأشار بوزيد إلى أنه لا يعلم على ماذا استندت الكنيسة، ربّما كانت رغبته بما أنّ أبناءه طلبوا ذلك. وأوضح أنّ هوكينغ "لم يكن ملحداً بالكامل"، وفق معلوماته، "بل إنّه لم يؤمن بشرح المؤسّسة الكنسية عن كيفية بدء الكون الموجودة في الكتاب المقدّس، أي مشكلته أنّه لم يفهم أنّ رسالة الكتاب المقدّس روحية لا علمية". 

وقال إن الكنيسة "التقت مرّات عدّة بلاهوتيين في جامعة كامبريدج وكان واحداً منهم، كما أنّ بعض مواقفه تبدّلت مع الوقت، ولم يرفض الدين المسيحي كلياً، بل كان رافضاً لبعض المفاهيم التقليدية حول فهم الكون".   

لوسي ابنة ستيفن هوكينغ (كريستوفر فرلونغ/Getty)

تجدر الإشارة إلى أنّ دير وستمنستر، يضم في جنباته الكثير من أمثال هوكينغ، ممّن كانت خدماتهم جليلة ولم تأت على شكل صلوات أو شعارات دينية، إنّما اختراعات طوّرت الحياة البشرية وارتقت بها.

يعتبر دير وستمنستر غارقاً في التاريخ كونه أنشئ منذ آلاف السنين، ويقال إنّ الرهبان البندكتيين كانوا أوّل من وصل إلى هذا الموقع في منتصف القرن العاشر، ليؤسّسوا تقليداً للعبادة اليومية استمرّ حتى يومنا هذا.

وقد أصبحت كنيسة الدير مكاناً لتتويج ملوك بريطانيا منذ عام 1066، ودفن فيها 17 من ملوكها. تعتبر الكنيسة الحالية التي بدأها الملك هنري الثالث في عام 1245، واحدة من أهم المباني القوطية في بريطانيا، ومرقداً لقديسي الأنغلوساكسون من القرون الوسطى.

 تصاميم دير وستمنستر تحفة معمارية من القرنين الثالث عشر والسادس عشر. يزينّها الزجاج الملون واللوحات النادرة والمنسوجات التي تعتبر كنزاً ثميناً، فضلاً عن المقابر والنصب التذكارية المنتشرة في جنباته، حيث دفنت أهم الشخصيات في تاريخ الأمّة التي تجذب الزوار المحليين والسيّاح من مختلف بلدان العالم. منهم السير إسحاق نيوتن الذي دفن في عام 1727، وتشارلز داروين إلى جانبه في 1882.

(بيتر ماكديارميد/Getty)

وأحدث تلك المدافن تعود لأرنست رذرفورد في 1937، الفيزيائي البريطاني الذي أصبح معروفاً بـ"أب الفيزياء النووية"، وجوزيف جون طومسون في 1940، فيزيائي إنكليزي وحائز على "جائزة نوبل في الفيزياء".

يضم دير وستمنستر حوالي 3300 شخص ممّن دفنوا أو أقيمت لهم نصب تذكارية، من بينهم شعراء وكتّاب ومؤلفو موسيقى ودبلوماسيون وكهنة. وبعد دفن جيفري تشوسر عام 1400، أطلق على ركن من الدير اسم "زاوية الشعراء".

وبعد مرور أكثر من 150 عاماً وازدهار الأدب الإنكليزي في القرن السادس عشر، دفن نيكولاس بريغهام وإدموند سبنسر في مكان قريب من تشوسر، وانطلق تقليد دفن أو إنشاء النصب التذكارية للكتّاب والشعراء في الدير خلال القرون اللاحقة، أشهرها نصب تذكاري لويليام شكسبير الذي دفن في ستراتفورد أبون آفون عام 1616، وأقيم له نصب في 1740 في "زاوية الشعراء".

ولا تزال كنيسة الدير مكاناً للعبادة والاحتفال بأحداث عظيمة في حياة الأمة، وتقام فيها خدمات خاصة تمثّل تلك التي تحظى باهتمام اجتماعي مثل الخدمات السنوية.

تمثال شكسبير في زاوية الشعراء (Getty)
المساهمون