"تشكيل الزلط": فن يحاكي مسيرات العودة في غزة

24 ابريل 2018
ماهر عياش بين أعماله الفنية (العربي الجديد)
+ الخط -
على طريقته الخاصة، صَوّر الفنان الفلسطيني ماهر عياش (29 عاماً)، من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ملامح الهبّة الشعبية الفلسطينية على طول الشريط الحدودي للقطاع، والتي انطلقت شرارتها في ذكرى يوم الأرض، في الثلاثين من مارس/آذار الماضي. 
وعكس الفنان عياش، عبر أحجار "الزلط" (الحصى المتوسطة) التي قدّمها بطريقة متناسقة، ملامح تلك الهبّة التي يهدف من خلالها المتظاهرون إلى العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردتهم منها قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، إذ قدّمها بأسلوب يظهر مدى الظلم الواقع عليهم، من جنود مدججين بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة.

وتحوّل "الزلط" الأصم، من خلال اللوحات التي شَكّلها، إلى قطع فنية تروي حكايات الصمود الفلسطيني، وتعكس طبيعة الشرائح المجتمعية المشارِكة، إذ صَوّر مشاركة أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في التظاهرات، بينما عكس استهداف قوات الاحتلال للمتظاهرين العزل، وممارساتها التي أدت إلى ارتقاء عشرات الشهداء، وإصابة الآلاف بإصابات مختلفة.
ويقول الفنان ماهر عياش، وهو خريج جامعي، إنه لاحظ قدرته على تشكيل الزلط، وتحويله إلى لوحات فنية، قبل نحو خمس سنوات، وذلك حين كان في رحلة بحرية برفقة عائلته، مضيفاً: "وجود الزلط بشكل كبير على شاطئ البحر، دفعني إلى تشكيل عدة أشكال، نالت إعجابي وإعجاب الحضور".

وبدا عياش مهووساً بهوايته الغريبة، خاصة أن نجاحه في تشكيل القطع الأولى، ووجود الزلط بشكل كبير في ذلك الحين، دفعه إلى التفكير في احتراف فن تجميع الزلط، وقد بدأ بتطوير تلك الموهبة عبر تجميع الزلط، وابتكار لوحات جديدة تحاكي الواقع والأحداث الجارية.
عياش لم يلتحق بدورات خاصة بهوايته التي وُلدت بالصدفة، لكنه كان يستخلص بعض الأفكار من المواقع الأجنبية ويطورها، إلى أن تمكن من تقديم ورش العمل الخاصة بتشكيل الزلط، وإعادة تدوير موارد الطبيعة، إلى جانب مشاركته في العديد من المعارض المحلية، والمعارض التابعة لمؤسسات دولية.



"حبي وشغفي لموهبتي ورغبتي في الاختلاف والتميز عن باقي الفنون التقليدية، كانت من أبرز الدوافع لمواصلتي تطوير موهبتي" يقول عياش، مبيناً أنه اختار هذا الفن، على وجه التحديد، بهدف إيصال رسالة للعالم أن هناك أشخاصا يفكرون في قيمة كل شيء، "نحن الفلسطينيون لنا حقوق، ولابد من استعادتها، ونحن شعب سلمى، يحاول إيصال رسائله السلمية بلمساته الفنية".
أما فيما يتعلق بصناعة لوحاته والأدوات الخاصة بها، فيوضح أنه يحتاج، إلى جانب الزلط، لوحا خشبيا، وغراءً من نوع خاص، حيث يقوم بإيجاد فكرة وتصور وتصميم العمل، والمباشرة في تطبيقه عبر تشكيل الزلط على الغراء بهدف تثبيته، حتى تظهر ملامح الفكرة المطلوبة، غير أنه يواجه صعوبة في جمع بعض أصناف الزلط التي تحتاجها أعمال فنية بأحجام معينة، إلى جانب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وتحديداً أثناء عمله في الفترة المسائية.
ويشير عياش إلى أنه قام بتصميم وتنفيذ عشر لوحات خاصة بمسيرات العودة، تحدثت عن جملة مواضيع، منها الشهيد المُقعد، والمتظاهرون المحتشدون على طول الخط الفاصل، وجمعة "الكاوتشوك"، كذلك لوحات تتحدث عن الشهداء العُزل، وأخرى عن إصرار الشباب على مواصلة المشاركة في المسيرات حتى تحقيق الأهداف.

وصَوّرت لوحات الفنان عياش، كذلك، الممارسات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، والظلم والتعذيب اللذين يتعرضون لهما، إلى جانب تجسيد الحق الفلسطيني، مبيناً أنه عكس تلك القضايا بهدف لفت أنظار العالم إلى مطالب الشعب الفلسطيني البسيطة، والمتمثلة في الحرية والعودة إلى مدنهم وديارهم، كذلك إخبار العالم "أننا شعب فلسطيني من حقنا العيش بسلام وأمان في دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف"، حسب تعبيره.
والفن مهم، وقادر على التأثير وترك انطباع بأن الشعب الفلسطيني راق وسلمي وواع ومثقف، ويمكنه خلق صدى إعلامي مؤثر على مستوى العالم بأبسط الإمكانيات، وفق عياش، الذي يبين في الوقت ذاته ضعف التواجد الفني، والحاضنة الرسمية والمؤسساتية للمجهودات الفنية.
كذلك نظمت فرق شبابية حملات لتلوين إطارات السيارات بألوان زاهية، لتزيين مداخل مخيمات العودة في نقاطها الخمس من شمال القطاع حتى جنوبه، إلى جانب تنظيم لقاءات شبابية لإلقاء الشعر، إضافة إلى جلسات السمر الحدودية، والتي يتم خلالها تقديم فقرات النشيد والغناء الوطني الفلسطيني.
دلالات
المساهمون