سماع الألوان ووظائف الاحساس

09 مارس 2018
تم اكتشاف 37 جينًا مسؤولاً عن"الأحاسيس المتداخلة" (Getty)
+ الخط -
لا يقتِصرُ إدراك بعض الناس للعالم المحيط الخارجي، على استخدام طرائق الشعور الحقيقي المباشرة، كالتذوُّق والسماع والرؤية. بل إنَّ التصوّرات الحسيَّة، وأدوات الحسّ الأوليَّة الخمس (الشم والتذوق والسمع واللمس والرؤية) لديهم تكون مرتبطةُ ببعضها البعض. على سبيل المثال، يستطيع بعض الناس سماعَ لحنٍ معيّن عند رؤية لونٍ معيّن، أو يتمكّنون من تذوّقُ الحروف! فما هي هذه الظاهرة بالضبط؟
تسمّى هذه الظاهرة الغامضة والمحيّرة بـ "الأحاسيس المتداخلة" (أيْ تهيُّج حاسة معيّنة مع أنَّ العنصر الخارجي المهيّج لا يفعلها عادّة، فالأرقام لا تفعّل حاسة التذوّق، والألوان ليس لها علاقة بحاسّة السمع). حتّى الآن، لا يعرفُ الباحثون كيف تنشأ هذه الظاهرة البشريَّة بعد. ولِمَ يمتلك البعض قدرة "الأحاسيس المتداخلة"، ولا يمتلكها البعضُ الآخر. ولكن، من المعروف ومنذ أكثر من 130 سنة، بأنَّ هذه القدرة الحسيَّة تكون مقتصرة ومتواجدةً عند عائلاتٍ بعينها. مما يفسِّر، وبشكل أكيد، بأنّ الوراثة تلعب دورًا مهمّاً في اكتساب هذه القدرة.

قام باحثون من معهد "ماكس بلانك" في هولندا، بتحليل الشيفرة الجينيَّة الوراثيَّة لثلاث عائلات تشتهر بوجود ظاهرة "الأحاسيس المتداخلة" لدى أفرادها. اكتشفَ الباحثون أنَّه يوجد لدى الجيل الثالث لكلّ عائلة، على الأقلّ خمسة أفراد (ذكور وإناث) يمتلكون موهبة "الأحاسيس المتداخلة"، إذْ يستطيعون ربط اللون بالصوت. وجد الباحثون لدى أفراد العائلات الثلاث 37 مورّثة، تكون نفسها عند كلّ فردٍ يمتلك هذه الموهبة. ويُعتقَد بأنَّ هذه المورثات هي المسؤولة عن تفعيل ظاهرة "الأحاسيس المتداخلة" لدى أفرادها. ولأنَّ هذه المورثات الـ 37 هي نفسها عند أفراد العائلات الثلاث ولا تتغيّر، فإنّها هي المسؤولة عن هذه الوظيفة الحسيّة المحيّرة. هذا ما أكّده الباحث المسؤول عن الدراسة، سيمون فيشر، في مقالة نشرها في المجلّة العلميّة المحكّمة "بناس" Pnas. وأكَّد فيشر أنَّ ستّ مورثات من هذه المورّثات الـ 37 تعتبر بالنسبة لعلماء الوراثة مثيرةً وغامضة للغاية.

تكون لهذه الجينات وظيفة خاصّة للجسم، وخصوصاً لجهازه العصبي، منذ الطفولة المبكّرة. إذْ تقوم ببناء امتدادات للخلايا العصبيَّة المتحاذية مع بعضها البعض. بهذه الطريقة، تتشابك وتتداخل الخلايا العصبيَّة من مناطق مختلفة في الدماغ، وتتشكَّل بينها وحدات ربط فعالة. تبيَّن أنَّ هذه الجينات المكتشفة تكون نشطة بشكل خاصّ مع بعضها البعض في المراكز البصريّة والسمعيَّة من الشيفرة الوراثيَّة. وهذا ما يفسّر تشكّل امتدادات بين الباحة البصريّة والباحة السمعيّة في الدماغ. أيْ أنَّ تفعيل خليَّة بصريّة بوجود مهيّج بصري خارجي، كاللون مثلاً، سيؤدّي بسبب هذه الشبكات إلى تفعيل خليّة سمعيّة توقظِ لحنا في الذاكرة مرتبطاً مع هذا اللون. وبالتالي: يسمعُ المرء الألوان!

وأظهَرت الدراسة أنَّ امتلاك تجارب حسيّة مختلفة لدى البشر، عائد إلى وجود اختلاف في تركيبة شبكات الخلايا الحسيّة (البصرية والسمعيّة) في الدماغ. وهذه الاختلافات تعود بشكل أساسي إلى التنوّعات الوراثيَّة الجينيَّة. ولأنَّه لا توجد شيفرتان وراثيّتان بشريّتان متماثلتان، فإنَّه لا شبكات عصبيَّة حسيّة سمعية- بصريّة متماثلة، وبالتالي، لا تجارب حسيَّة متماثلة. "وهذا هو جوهر اختلاف الأحاسيس لدى البشر"، يشير فيشر.
المساهمون