أغنية ثنائية ناجحة، وصل عدد مشاهديها على موقع يوتيوب إلى أكثر من 203 ملايين مشاهدة، منذ إصدارها في يوليو/تموز الماضي. وقد تم استثمار نجاح هذا الديو، الذي جمع كلا من المغني المصري محمد رمضان وزميله المغربي سعد لمجرد في "إنساي"، خلال الأشهر الماضية، في حفلات متفرقة بين دبي والرياض والمغرب، يليها إعلان الثنائي قبل أقل من أسبوعين عن فيلم سينمائي من بطولتهما سيجري التحضير له خلال شهر مارس/آذار المقبل. هذه المعطيات المتتالية جعلت كلا من لمجرد ورمضان الوجه الثنائي الأبرز والأكثر تداولًا على وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة.
ثنائية نموذجية، في حقبة زمنية مختلفة، تسببت عوامل عديدة في مرورها بهذا الزخم، ابتداءً بالوسائط الرقمية وشعبية رمضان ولمجرد الكبيرتين، إضافة إلى الدور الأبرز لشركة روتانا، وهيئة الترفيه السعودية اللتين تعملان سوية منذ عمل الأخيرة عام 2016 على استقطاب الصاعدين من نجوم العالم العربي والغربي واستغلال نجاحاتهم من خلال تشبيكهم بنشاطات ومهرجانات باذخة تغالي في الترويج لها في سبيل فرض السيطرة على السوق الفني العربي.
وإن كان لمجرد لم يحسب بعد على أسرة روتانا، إلا أن الخطوط الزمنية والمكانية لخارطة حفلات لمجرد توضح شكل الحلقة النارية التي توشك على استكمال الدائرة قبل ضمه، وسط غضب واستهجان شعبيين تجاه عودة لمجرد إلى المسارح السعودية، على خلفية اتهامه بقضايا تحرش واعتداء جنسي من قبل الحكومة الفرنسية قبل أقل من عامين، وقد قوبل الغضب الشعبي بتجاهل الهيئة، بل وشرعت الأخيرة في تعزيز عودة لمجرد عبر مسارحها، إذ تعلم الهيئة حجم النجاحات التي حققها لمجرد سابقًا في عدد من أغانيه التي لاقت رواجًا عربيًا وعالميًا، مستفيدة من جماهيريته الواسعة التي وصلت المشرق العربي بمغربه.
الثنائيات الرجالية كان لها حضور قوي أواخر التسعينيات، ولا يسعنا إلا أن نستذكر بعض أنجح وأشهر تلك الديالوغات التي إذا ما قورنت مع دويتات الحاضر، بحسب المعطيات والظروف الإنتاجية والفنية، سنجد حجم الفروقات التي لم تنصفها أيما إنصاف، ومع ذلك استطاعت العبور كالنار في الهشيم إلى ذوق المستمع العربي بمختلف أطيافه، في حقبة زمنية كانت تفتقر للتكنولوجيا الرقمية الحديثة وللأقراص المدمجة (سي دي) ومنصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها موقع "يوتيوب". أغنيات اعتمدت فقط على أشرطة الكاسيت والقنوات الإذاعية والتلفزيونية والفيديو الكليب، وبعض الحفلات الحية بمبيعاتها وتسويقها كأغنية "عيني" لهشام عباس وحميد الشاعري، عام 1997، وكذا أغنية "ليه يا دنيا الواحد" لمحمد منير وخالد عجاج عام 2000.
تتطلب الأغنية الثنائية، معطيات خاصة، من تنسيق إنتاجي وفني وتناغم حسي وأدائي مذيلة بكلمات مناسبة وبسيطة من حيث المحتوى والذوق، تجمع ما بين مغنٍّ وآخر في سبيل طرح أغنية تحقق المستوى المرجو منها، سواء نجحت أو العكس، ولكن مع اقتحام الأغنية التجارية واحتكارها بشكل شبه كلي، في العقدين الأخيرين، عالم الموسيقى العربية، تجعلنا نتساءل حول مستقبل الأغنية الثنائية، بعدما وصلت إلى ما هي عليه الآن، من هبوط في المستوى والأداء، وتكثيف للجهود الترويجية لاعتبارات ربحية على حساب الفن والذواقة من الجمهور.
سابقًا، كان الوجه الأبرز لشكل الدويتات/الثنائيات يكمن في جمعها فنانين من كلا الجنسين، مهّدت لها خشبات المسارح وشاشات السينما في أربعينيات القرن الماضي، انطلاقًا من ديو "حكيم عيون" الذي جمع كلًّا من الموسيقار محمد عبد الوهاب وراقية إبراهيم، في فيلم "رصاصة في القلب" عام 1944، وأعمال أخرى جمعت الفنانة شادية مع مواطنها محمد فوزي (أغنية "متشكر" من فيلم "العقل في إجازة" عام 1947) والموسيقار فريد الأطرش (أغنية "يا سلام على حبي وحبك" الشهيرة في فيلم "أنت حبيبي" عام 1957) فضلًا عن أغنيات أخرى جمعتها مع المطرب عبد الحليم حافظ.
ألهب هذا النوع من الدويتات حماسة الجماهير؛ فقد جاءت مختلفة عن نمط الأغاني التقليدية وكسرت القالب الفردي للأغاني الطربية بشكلها المعتاد، مع الاحتفاظ بجمالية الكلمة وبساطتها.
ما لبثت أن تطورت الموسيقى وفتحت المجال للأغاني الشعبية القصيرة، ليتسيّد المسرح الغنائي بقيادة الأخوين الرحباني مطلع الستينيات، الشكل الموسيقى الحديث، فكانت مسرحية "موسم العز" بداية للأغنية الحديثة المشتركة، حيث ضمت أشهر نجوم الغناء اللبناني (الشحرورة صباح، ونصري شمس الدين، ووديع الصافي).
دخلت السيدة فيروز لتكمل حواريات الرحابنة في عدد من المسرحيات. على الرغم من أنها انطقت مطلع الخمسينيات. تتالت على إثر هذه الثورة الموسيقية الجديدة أغاني الثنائيات في مصر وسورية والخليج العربي، وأصبحت مساحة للتعارف والتمازج الفني والثقافي بين البلدان العربية ومهدت لصعود أسماء كبيرة في الوسط الفني، بعد أن حققت أغانيهم نجاحًا كبيرًا لا يزال أثرها حاضرًا في المهرجانات والحفلات والمناسبات المحلية والعربية حتى اللحظة. نذكر منها أغنية "مين حبيبي أنا" للفنانين اللبنانيين وائل كفوري ونوال الزغبي التي صدرت عام 1995، وأداء أغنية "عللي جرى" عام 1996، من قبل الفنانة السورية أصالة والمطرب التونسي صابر الرباعي، وأغنية "يوم ورا يوم" للمغنية المغربية سميرة سعيد وفنان الراي الجزائري الشاب مامي (مع هذه الثنائية أخذت الأغنية شكلها الحديث من حيث سرعة الإيقاع والأداء)، فقدمت الفنانة اللبنانية ديانا حداد برفقة مغني الراي الجزائري الشاب خالد نموذجًا مشابهًا في أغنية "ماس ولولي" عام 2006.