سعاد ماسي: الفنانون يخلقون الجسور بين الشعوب وليس السياسيين

07 سبتمبر 2016
(العربي الجديد)
+ الخط -
ستحيي المغنية الجزائرية، سعاد ماسي، في العاشر من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، حفلاً غنائياً في العاصمة البريطانية لندن بقاعة إيزلينغتون. التقت "العربي الجديد" مع ماسي في حوار، تحدّثت فيه عن تجربتها الفنية، وأغانيها المشتركة، وتفاعلها مع الجمهور، وأنواع الموسيقى المفضّلة لها، والأثر الذي خلّفته الأحداث الدامية الأخيرة في فرنسا.

*قلت إنّك خلال فترة حياتك في الجزائر كنت تستمعين إلى الموسيقى الأوروبية، لكنّك حين غادرت بلدك، بدأت بالاستماع إلى الموسيقى العربية والأفريقية. ما هي الموسيقى التي تلامس روحك أكثر من غيرها. ولماذا؟
أحب الموسيقى بلغاتها وأنواعها المختلفة، لكن خلال فترة حياتي في الجزائر كنت أستمع إلى الموسيقى الأوروبية بشكل كبير، بيد أنّ الحنين والشوق إلى بلدي غلباني حين رحلت عنه، فرحت أستمع إلى الموسيقى الشرقية والعربية والأفريقية. كذلك تطلّب مني عملي مع فنّانين من جنسيات مختلفة، الاستماع إلى جميع أنواع الموسيقى، واكتسبتُ بذلك ثقافة موسيقية أوسع.

*لماذا اخترت فرنسا للعيش فيها؟ وما الذي يميّزها أو تجدينه فيها وتفتقدينه في الجزائر؟
في الواقع، عدت يوم أمس من الجزائر، حيث الأهل والأصدقاء وصوت الآذان والعطور والبحر الذي كنت أقيم بالقرب منه، والكثير من الذكريات. أفتقد لكل تلك الأمور. أمّا في فرنسا، أشعر بالارتياح الكامل كامرأة تمشي في الشارع، أو تجلس في المقهى لتشرب القهوة، ولا ينظر إلي أحد نظرات غريبة لأنني وحدي. كذلك أحب تلك الأهمية التي يوليها الناس للثقافة في فرنسا، خصوصاً حين نشاهد عدد المتاحف والمراكز الثقافية وهي في معظمها مجّانية. فضلاً عن تعليم أطفالهم حب الثقافة منذ الصغر، فابنتي التي لم تتجاوز الخمس سنوات، تزور المتاحف في رحلات مدرسية منذ أن كانت في الثالثة من العمر، أحب هذه الأمور في أوروبا.

*قمت بأعمال مشتركة مع فنّانين أوروبيين. أي عمل تعتبرينه الأفضل؟ ولماذا؟
كلّ تجاربي الفنيّة مهمّة، وخصوصاً الغناء بطريقة تلقائية تسمح للفنّان بملامسة مشاعر المستمعين الحقيقية. في فرنسا، غنيت مع المغني الفرنسي، مارك لافوان. وفي بريطانيا، شاركت الغناء مع المغني والشاعر والملحن الانكليزي، بول ويللير. ويعتمد نجاح كل تجربة وصداها على ذوق الجمهور المختلف في كل بلد.

*نرى خلال الفترة الأخيرة صعوداً مفاجئاً لفنّانين جدد ما يلبث أن ينطفئ ويزول. ما الذي يجذب جمهور هذه الأيّام برأيك؟ وهل تعتقدين أنّ جيل اليوم يقدّر الفن؟
الفنّان يحتاج إلى بعض الوقت حتى يجد طريقه ويخلق "ستايل" خاصاً به، وهناك عدد من الشباب يحتاج إلى القيام بتجارب قد تلهمه، لكن نجده يتلقّى انتقادات تفقده الأمل أحياناً. أمّا عن جيل اليوم، فهو طبعاً يقدّر الفنّ. وبطبيعة الحال هناك أناس تحب موسيقى الأفراح والشعور بالفرح، وتحتاج إلى هذا النوع من الأغاني، وآخرون يحتاجون إلى كلمات وموسيقى عميقة أو كلاسيكية، أو أغان لمغنّ كبير.

*هل تعتقدين أن الجمهور منصف تجاه فنّك؟ وفي أي بلد تمتلكين الجمهور الأكبر؟
بصراحة، حين أقف على المسرح وأرى وأحس الحب في عيون الناس، أشعر بفرح كبير، وأعتبر حب الجمهور الجائزة الأجمل التي قد يحظى بها فنّان. والحمد لله، الجمهور منصف بحقي، وأعتقد أنّه يحس بي وأنا أشعر به. وعن البلد الذي أمتلك فيه الجمهور الأكبر، أرجّح أنّها مصر، لأنني أقيم الكثير من الحفلات فيها وجمهوري كبير ويعرف كلمات أغانيّ ويتتبع خطواتي.


*ما هو الصدى الذي قد تتركه أغانيك لدى معجبيك برأيك؟ وهل تحدّث أي منهم إليك عن تجربة شخصية؟
أنا قريبة جداً من جمهوري، وحدث ذات مرّة أن أخبرتني إحدى المعجبات، وهي امرأة لبنانية مثقفة جداً، أنّها حين كانت تقود سيّارتها، استمعت إلى أغنية "خبر كان"، ولم تكن تعرفني آنذاك، قالت لي إنّها أوقفت السيّارة لأنّها تأثّرت كثيراً بهذه الأغنية التي أثارت زوبعة في حياتها، وراحت تفكّر في تغيير عملها، وقامت بالفعل بذلك.
وأحياناً أتلقى انتقادات. في الألبوم الأخير، قال لي بعض الأشخاص أنّني نطقت بعض الكلمات بطريقة خاطئة مثلاً، لكنّني أعمل على تصحيح أخطائي، وكذلك انتقد آخرون طريقة لبسي، خصوصاً السيدات، إذ رأوا أنّني كامرأة ينبغي أن أرتدي ثياباً أفضل من بنطال الجينز الذي ألبسه في أغلب الاوقات. لكنّني أفضّل الملابس البسيطة بعيداً عن فساتين السّهرات والأكسسوارات.

*كيف أثّرت الأحداث الأخيرة التي وقعت في فرنسا على علاقاتك مع فنّانين فرنسيين ومع الشعب الفرنسي؟
في الواقع، لم يتغيّر أي شيء، لكن الإعلام يضخّم الأمور، حتى عقب الحادثة التي وقعت في مسرح باتاكلاند في باريس، لم تتأثّر حفلاتي بها، وأقمتها جميعها في فرنسا، وبحضور كبير معظمه من الفرنسيين.

*هل يمكنك تقليص الفجوة التي خلقتها تلك العمليّات الإرهابية بين الشعب الفرنسي والعربي المسلم على وجه الخصوص، عن طريق الفن؟
اتّضح لي أنّ الفنّان هو الذي يستطيع خلق هذه الجسور بين الشعوب، وليس السياسيين الذين يخرّبون أغلب الأمور أكثر ممّا يصلحونها. فالإحساس الذي تخلقه لوحة فنّان أو العزف على آلة موسيقية، في نفس إنسان أوروبي يجهل لغتنا يستحيل أن نعبر عنه بالكلمات، لأنّ الفنّان لا يحتاج إلى لغة معيّنة بل ينطق بلغة عالمية وقادر على القيام بالمستحيل.

*آخر عمل صدر لك، بعنوان "المتكلّمون". لماذا اخترت هذا العنوان بالذات؟ وما هي دلالاته؟
اخترت هذا الاسم بعد أن وجدته في كتاب، وأثار إعجابي بشدة. و"المتكلّمون" كان اسم مجلس في قرطبة في القرن العاشر، حيث كان يلتقي العلماء والمثقفون والسياسيون والفنّانون ويتحاورون ويتناقشون في مختلف الأمور. وعلى فكرة، دراستي في الهندسة المدنية، علّمتني عن الثقافة الإسلامية في أوروبا واكتشفت كنوزاً رائعة.

وفي الختام تمنّت ماسي أن يعم السّلام في العالم، وقالت "إنّني خائفة على أولادنا ولا أدري إلى أين نحن ذاهبون، فشباب هذه الأيّام البالغين، لا يزال الكثير منهم غير واع بما يجري حوله في العالم".

ثلاث حفلات في ثلاث مدن
تحيي سعاد ماسي ثلاث حفلات في ثلاث مدن بريطانية، وذلك ضمن مشروع مؤسسة "مرسم" بإشراف خالد زيادة، والتي تدعم الثقافة العربية في بريطانيا، وسيكون الحفل الأول في العاصمة لندن في العاشر من سبتمبر/ أيلول في قاعة إيزلينغتون.
أمّا العرض الثاني، فسيكون على مسرح ميريلين في مدينة شيفيلد في اليوم الذي يليه، إذ ستتحدّث إلى كاتب والمدير السابق لفريق "تيناريوين"، أندي مورغان، عن خلفيتها وموسيقاها وسياستها، إلى جانب الاستماع إلى بعض الأغاني الفردية، وفتح المجال لطرح الأسئلة. وتختتم ماسي جولتها في اليوم ذاته بحفل في قاعة هوارد في مدينة ليدز.







المساهمون